عناصر الخطبة
1/ حرص الإسلام على بناء مجتمع إسلامي متراحم متعاطِف 2/ حث الشرع على صلة الرحم 3/ ضرورة الصبر على هفوات الأقارب والتغاضي عنها 4/ قطيعة الرحم من كبائر الذنوب 5/ فضائل صلة الرحم في الدنيا والآخرةاقتباس
صِلة الرّحم، طلاقة في الوجه، وطيبٍ في القول، لينٍ في المُعاملة، مشاركةٌ في الأفراح ومواساةٌ في الأتراح، وإحسان إلى المحتاج، مساندةُ للمكروبِ وعيادة للمريض، وعفو عن الأخطاء والعثرات.. وجماعها: أن يبذل الإنسان لها من الخير ما يستطيع، ويدفع من الشر ما يستطيع.. داوِم على صِلة الرّحم وإن قطعوا، وأحسِن إليهم وإن أساءوا، فمقابلة الإحسانِ بالإحسان مكافأةٌ ومجازاة، والواصل من إذا قطعَت رحمُه وصَلها...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً، أحمده سبحانه وأستعينه وأستغفره، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وسع كل شيء رحمة، وأحاط بكل شيء علماً، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسوله أعلى الناس منزلةً وأعظمهم قدراً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وجميع من اهتدى بهديه وسلم تسليماً كثيراً.
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].
أما بعد: فإن من مقاصد الإسلام العظمى وأهدافه الكبرى بناء مجتمعٍ إسلاميّ متراحمٍ متعاطِف، تسودُه المحبّةُ والإخاء، ويعمه الخيرِ والعَطاء؛ لذلكم أمر الله المؤمنين بصلة أرحامهم والإحسان إلى ذويهم وقراباتهم، فقال تعالى: (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ).
صلة الأرحام حق لكل من تربطه بالإنسان صلة قرابة ونسب، وكلما كان أقرب كان حقه ألزم وأوجب.
الرحم معلَّقة بعرش الرحمن تدعو لكل واصل وعلى كل قاطع فتقول: اللهم صل من وصلني واقطع من قطعني، فيستجيب الله دعاءها فيقول في الحديث القدسي: "أنا الرحمن الرحيم، وإني شققت للرحم من اسمي، فمن وصلها وصلته ومن نكثها نكثته".
وكلّ رحِم آتيةٌ يومَ القيامةِ أمامَ صاحبها، تشهَد له بصلةٍ إن كانَ وصلها، وعليه بقطيعةٍ إن كان قطعَها.
قرن الله الأمر بعبادته بالإحسان إلى الوالدين والأقربين فقال سبحانه: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى..) [النساء: 36].
أمر الله الأمم قبلَنا بصِلة أرحامِها، وأخبر بذلك حيث قال: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى..) [البقرة:83].
دَعا إلى صِلتها نبيّنا محمّد -صلى الله عليه وسلم- مَطلع نبوّته؛ إذ سأل هرقل أبا سفيان عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: ما يقول لكم؟ قال: يقول: "اعبُدوا الله وحدَه ولا تشركوا به شيئًا، ويأمرنا بالصّلاة والصِّدق والعَفاف والصّلَة". متفق عليه.
أمَر بها عليه الصلاة والسلام أوّلَ مقدمِه إلى المدينة، قال عبد الله بن سلام: لمّا قدم النبيّ -صلى الله عليه وسلم- المدينةَ انجفلَ الناس إليه -أي: ذهَبوا إليه- فكان أوّل شيء سمعتُه تكلَّم به أن قال: "يا أيّها الناس، أفشوا السّلام، وأطعِموا الطّعام، وصِلوا الأرحامَ، وصَلّوا بالليل والنّاس نِيام، تدخلوا الجنّة بسلام" رواه الترمذيّ وابن ماجه.
صِلة الرّحم، طلاقة في الوجه، وطيبٍ في القول، لينٍ في المُعاملة، مشاركةٌ في الأفراح ومواساةٌ في الأتراح، وإحسان إلى المحتاج، مساندةُ للمكروبِ وعيادة للمريض، وعفو عن الأخطاء والعثرات. وجماعها: أن يبذل الإنسان لها من الخير ما يستطيع، ويدفع من الشر ما يستطيع.
ذوو الرّحِم غيرُ معصومين، تصدُر منهم الهَفوة، وتحصل منهم الزلة، فغُضَّ الطرف عن هفواتِهم، واعفُ عن زلاّتهم، وأقِلِ عثراتهم، فإن العفوَ من شِيَم المحسنين، وما زادَ الله عبدًا بعفو إلاّ عِزًّا.
قابِل إساءَتهم بالإحسان، واقبل عُذرَهم إذا أخطئوا، فلقد فعل إخوة يوسفَ مع يوسفَ ما فعلوا، وعندما اعتذروا قبِل عذرهم وعفا عنهم، بل دعا لهم، فقال: (لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرحِمِينَ)[ يوسف:92].
وكن كما كان القائل إذ يقول عن نفسه:
فإن الذي بيني وبين بني أبي *** وبين بني عمي لمختلف جدا
إذا أكلوا لحمي وفرت لحومهم *** وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا
وإن ضيّعوا غيبي حفظت غيوبهم*** وإن هم هووا غيّي هويت لهم رشدا
ولا أحمل الحقد القديم عليهم *** وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا
داوِم على صِلة الرّحم وإن قطعوا، وأحسِن إليهم وإن أساءوا، فمقابلة الإحسانِ بالإحسان مكافأةٌ ومجازاة، والواصل من إذا قطعَت رحمُه وصَلها، قال عليه الصلاة والسلام: "ليسَ الواصل بالمكافئ، ولكنّ الواصلَ مَن إذا قطعَت رحمُه وصَلها" رواه البخاري.
جاء رجلٌ إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسولَ الله، إنّ لي قرابةً أصِلهم ويقطعونني، وأُحسِن إليهم ويسيئون إليَّ، وأحلم عليهم ويجهَلون عليَّ، فقال عليه الصلاة والسلام : "لئن كان كما تقول فكأنّما تسِفُّهم المَلّ، ولا يزال معك من الله ظهير ما دمتَ على ذلك" رواه مسلم.
قطيعة الرّحم مِن كبائر الذّنوب، توَعَّد الله عليها باللّعنةِ والعقاب، قطيعة الرحم خراب في الأرض وفساد بين العباد، قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) [الرعد: 25].
عقوبتُها معجَّلة في الدّنيا مع ما يدخر الله لصاحبها من العقوبة في الآخرة، يقول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "ما مِن ذنبٍ أجدر أن يعجِّل الله لصاحبِه العقوبةَ في الدّنيا مع ما يدَّخره له في الآخرة من البغي -أي: الظلم- وقطيعة الرحم" رواه الترمذي.
بارَك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإيّاكم بما فيه من الآيات والذّكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر اللهَ لي ولكم ولجميع المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه إنّه غفور رحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانِه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أنّ نبيّنا محمّدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه.
صِلة ذوي القربَى أمارةٌ على الإيمان، ففي الحديث: "من كان يؤمِن بالله واليومِ الآخر فليصِل رحِمَه" متفق عليه.
صلةُ الرّحم أمارةٌ على كَرَم النّفس وسَعَة الأفُق وطيبِ المنبَتِ وحُسن الوَفاء، ولهذا قيل: مَن لم يصلح لأهلِه لم يصلح لك، ومَن لم يدافع عنهم لم يدافع عنك.
صلة الرحم خُلق أولي الألباب وأصحاب البصائر المنيرة الذين قال الله عنهم: (أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الألْبَـابِ) [الرعد:19].
صلة الرحم معجَّل ثوابها لصاحبها في الدنيا مع ما يدّخره الله له من عظيم الأجر في الآخرة، يقول عليه الصلاة والسلام كما في صحيح الجامع: "ليس شيء أطيع الله فيه أعجل ثواباً من صلة الرحم..".
صلة الرحم تعمر الديار وتزيد في الأعمار، ففي الحديث: "صلة الرحم وحسن الجوار وحسن الخلق يعمران الديار ويزيدان في الأعمار" أخرجه البخاري وأحمد
صلةُ الرّحم تدفَع بإذن الله البلايا، وترفع -بأمرِه سبحانه- المحن والرزايا، لمّا نزل على المصطفى -صلى الله عليه وسلم- (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) [العلق:1] رجع بها يرجِف فؤاده فلما دخل على خديجةَ وأخبرَها الخبَر، هدأت من خوفه قائلة: "كلاّ والله، لا يخزيكَ الله أبدًا؛ إنّك لتصلُ الرّحم، وتحمِل الكَلّ، وتكسِب المعدومَ، وتَقري الضّيف". رواه البخاري.
صلة الرحم سبب للبركة في الرزق، وسبب لحسن الخاتمة وحسن الثناء: "من أحبَّ أن يُبسَط له في رزقه ويُنسَأ له في أثَره فليصِل رحمَه".
صلة الرحم سبب لدخول الجنّة، يقول عليه الصلاة والسلام: "أهلُ الجنة ثلاثة: ذو سلطانٍ مُقسط، ورجلٌ رحيم رقيقُ القلب بكلّ ذي قُربى ومسلم، ورجلٌ غنيّ عفيف متصدِّق" رواه مسلم.
فاحرصوا رحمكم الله على صلة أرحامكم، واعفوا واصفحوا (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) [الشورى: 40]، صلوا أرحامكم تُبارك أرزاقكم وأعماركم، وتسعدوا وتفلحوا في الدنيا والآخرة.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم