شروط الدين المانعة للزكاة

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2025-01-30 - 1446/07/30
التصنيفات:

 

د. أحمد بن محمد الخليل

 

يشترط للدَّين المانع للزكاة شروط مهمة، ذكرها الفقهاء، وهي كما يلي:

 

الشرط الأول:

ألا يجد ما يقضيه به سوى النصاب، أو يجد غير النصاب، لكنه لا يستغني عنه؛ لكونه من حاجاته الأصلية، كمسكنه وكتبه وثيابه ونحوها.

 

قال المرداوي من الحنابلة: "لو كان له عَرَض قُنْيَة يباع لو أفلس يفي بما عليه من الدين، جعل في مقابله ما عليه من الدين، وزَكَّى ما معه من المال على إحدى الروايتين"[1].

 

وضابط ما يُجعل مقابل دينه هو كل ما يباع لو أفلس[2].

 

واعتبار هذا الشرط هو قول المالكية[3]، وأبي عبيد، وهو مقتضى قول الشافعي، كما قال أصحابه، ورواية عن أحمد، اختارها القاضي من أصحابه[4].

 

واستدلوا بما يلي:

1- اعتبارًا بما فيه الحظ للمساكين[5].

 

2- لأنه مالك لنصاب فاضل عن حاجته وقضاء دينه، فلزمته زكاته كما لو لم يكن عليه دين[6].

 

3- أنها مال من ماله يملكه فيكون مكان دينه[7].

 

وذهب الأحناف[8]، ورواية عن أحمد هي المذهب، وهو قول الليث بن سعد[9] إلى عدم اشتراط هذا الشرط.

 

وعللوا ذلك بأن عرض القنية كملبوسه في أنه لا زكاة فيه، فكذا فيما يمنعها، ولئلا تختل المواساة[10].

 

جوابه:

يمكن أن يجاب عنه بأن عرض القنية الزائد عن الحاجة يشبه الملبوس في عدم الزكاة، لكنه يفارقه أن الدين يقضى منه عند الإفلاس، واعتبار هذا المعنى في سداد الدَّيْن منه لا من النصاب أولى.

 

الراجح:

الأقرب للصواب - إن شاء الله - القول الأول.

 

يقول أبو عبيد لما ذكر هذا القول: "وهذا عندي هو القول؛ لأنه الساعة مالِكٌ لزيادة ألف عين على مبلغ دينه، ألا ترى أنه لو لم يكن له الألف كان لغريمه أن يأخذ بالدين حتى تباع العروض له"[11].

 

قلت: ورجحان هذا القول ظاهر جدًّا، بل إن ابن قدامة استبعد القول الثاني عن الإمام أحمد فقال: "ويحتمل أن يُحمل كلام أحمد ها هنا على ما إذا كان العَرَض تتعلق به حاجته الأصلية، ولم يكن فاضلاً عن حاجته، فلا يلزمه صرفه في وفاء الدَّين؛ لأن حاجته أهم؛ ولذلك لم تجب الزكاة في الحُلِي المعَدِّ للاستعمال، ويكون قول القاضي محمولاً على من كان العرض فاضلاً عن حاجته، وهذا أحسن"[12].

 

الشرط الثاني:

أن يكون تعلُّق الدين بذمته قبل الحول ووجوب الزكاة عليه، فإن أداه بعد الحول ووجوب إخراج الزكاة لم يسقط ما قد وجب عليه منها، وإنما يؤثِّر الدَّين في منع وجوب الزكاة لا في إسقاطها بعد وجوبها[13].

 

وهذا الشرط لم أجد فيه خلافًا بين الفقهاء[14].

 

الشرط الثالث:

أن يكون الدَّين مستغرقًا للنصاب، أو مُنقِصًا له، أما إذا كان لا ينقص من النصاب، فإنه يزكي الباقي، مثاله: لو كان له مائة من الغنم وعليه دين يقابل ستين منها، فعليه زكاة الأربعين الباقية؛ لأنها نصاب تام، فإن قابل الدَّين إحدى وستين، فلا زكاة عليه؛ لأنه - أي الدَّين - ينقص النصاب[15].

 

وهذا الشرط لم أجد فيه خلافًا بين الفقهاء[16]، والله أعلم.

 

[1] الإنصاف مع الشرح الكبير 6/344.

[2] المصدر السابق، المنتقى للباجي 2/118.

[3] حاشية الخرشي 2/490، جواهر الإكليل 1/135، إلا أن ابن القاسم اشترط في العَرَض أن يحول عليه الحول إذا مر على الدين حول على المدين؛ أي اشتراط أن يساوي الدين ما يجعل فيه زمنًا، والقول الثاني عدم اشتراط ذلك، وهو قول أشهب، وأصحاب ابن القاسم، وغيرهم، قلت: وهو الأقرب لعدم الدليل على هذا الشرط، وانظر المنتقى للباجي 2/118.

[4] الإنصاف مع الشرح 6/344.

[5] الإنصاف مع الشرح 6/344.

[6] المغني 4/268.

[7] الأموال ص443.

[8] حاشية ابن عابدين 2/262.

[9] الإنصاف مع الشرح الكبير 6/344، المغني 4/267، الأموال لأبي عبيد ص(443).

[10] مطالب أولي النهى 2/463، كشاف القناع 2/176.

[11] الأموال ص(443).

[12] المغني 4/267.

[13] المنتقى للباجي 2/117.

[14] حاشية ابن عابدين 2/263، 264، مطالب أولي النهى 2/462، المنتقى للباجي 2/117.

[15] كشاف القناع 2/176، جواهر الإكليل 1/134، حاشية ابن عابدين 2/263.

[16] المقصود بالفقهاء هنا: القائلون بأن الدين يمنع الزكاة.

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات