عناصر الخطبة
1/ مولد عليّ بن أبي طالب ونشأته 2/ فضائل عليّ بن أبي طالب ومنزلته 3/ شجاعته وجهاده 4/ نشره للعلم وتعليمه للناس الخير 5/ عبادته وزهده 6/ خلافته وعدله 7/ موقف أهل السنة من النزاع بين الصحابة 8/ استشهاد علي رضي الله عنه.اقتباس
وكان علي -رضي الله عنه- يترضى عمن سبقه من الصحابة الكرام، سأله ولده محمد قال له: "يا أبت من خير الناس بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فقال: خير الناس بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبو بكر قال: ثم من؟ قال: ثم عمر، قال ولده: فحشيت أن أسأله ثمّ من؟ فيقول: عثمان فقلت: ثم أنت يا أبتِ، فقال: يا بني أبوك رجل من رجال المسلمين"، وذلك من تواضعه -رضي الله عنه-، وإلَّا فترتيب الصحابة في الأفضلية هو كترتيبهم في الخلافة، فأفضلهم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي -رضي الله عنهم-..
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونعوذُ بالله -تعالى- من شرورِ أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالنا، من يهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له ومن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه صلى اللهُ وسلمَ وباركَ عليهِ وعلى آلهِ وصَحبهِ ومن سارَ على نهجهِ واقتفى أثَرهُ واستنَّ بسنتهِ إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون: لقد بعثَ اللهُ نبيَّهُ محمداً -صلى الله عليه وسلم- واختار له أصحاباً كالنجومِ بأيِّهم اقتدينا اهتدينا، وصحابةُ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- هم خيرُ أمتِنا، وكيف لا يكونون كذلك وهم الذين رباهم النبي -صلوات الله وسلامه عليه- وكلما كان الصحابيُّ أكثرَ مصاحبةً للنبي -صلى الله عليه وسلم- واتباعاً له، كان أحبَّ إلى قلوبنا.
واليوم سوف نتكلمُ عن صحابيٍ كريم تميزَ بقربهِ تربيةً ونسباً من رسول الله -صلوات الله وسلامه عليه-، وكان له سبقٌ إلى الإسلام، وله قدرةٌ على مخالفة دينِ آبائهِ لما تبين له الحق.
سوف نتكلم اليوم عن أبي الحسن عليِّ بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنه-، هو رابعُ الخلفاء الراشدين وهو والدُ سيدَي شبابِ أهل الجنة الحسنِ والحسين -رضي الله تعالى عنهما-، وزوجُ فاطمة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فماذا أقول عن علي -رضي الله عنه-؟ يتسابقُ الكلام على اللسان وتزدحمُ العبارات على الشفاهِ، فما يدري المرءُ ماذا يقدم هل يتكلم عما ربَّاهُ النبي -صلى الله عليه وسلم-، أم يتكلم عن شجاعته، عن زهده وورعه، أم عن إقدامه وجهاده، أم عن علمه وحُكمه وعدله، أم يتكلم عن عبادته أم عن خلافته.
أيها المسلمون: تربَى عليٌ -رضي الله عنه- في بيت النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ وذلك أنَّ أباه كان له عددٌ من الولد فقصرت به النفقة عنهم، فتقاسم بعضُ أبناءِ عمومته أبناءَه ليربوهم في بيوتهم فكان علي من نصيبِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فرباه النبي -عليه الصلاة والسلام- في بيته وذلك قبل البعثة، فكان يلازمه فتعلم الصدق والأمانة والكرم وحسن الخلق، وربّته خديجةُ -رضي الله عنها- أمُّ المؤمنين.
حتى إذا بلغ النبي صلى الهق عليه وسلم الأربعين وبعثهُ الله نبياً، كان علي قد بلغ العاشرةَ من عمره، وكان أول من آمن من الصبيان بلا تردُّد، أسلم بكل شجاعة وهو يعلم أنه سيخالف دين آبائه، وأنه قد يُغاضَب ويعاقب، وفعلاً نال علياً أذىً بسبب إسلامه، كما نال بقيّةَ المؤمنين، وكان يحاول أن يُدخلَ أباه أبا طالب في الإسلام فيأبى عليه حتى كبرت سنُّ أبي طالب ونزل به الموت، ووقف النبي -صلى الله عليه وسلم- عند رأسه يقول: "قل لا إله إلا الله.."، وهو يأبى حتى مات وهو على مِلَّةِ عبدِالمطلب.
فخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- من عنده حزيناً، فلما أقبل علي إلى أبيه ودخل فإذا أبوه قد مات فذهب عليّ إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يا رسول الله إن عمك قد مات، فقال -صلى الله عليه وسلم-: اذهب فواره، يعني اذهب فادفنه، فذهب عليَّ فدفنه، ثم عاد إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فدعا له بكلمات" (رواه أبوداود والنسائي).
وبعدما اشتدّ أذى قريش للمؤمنين في مكة هاجر علي -رضي الله عنه- مع من هاجر من المسلمين، وبعد ما تكامل المؤمنون في المدينة هاجر إليهم النبي -صلى الله عليه وسلم- في موكب حتى دخل المدينة فاستبشرتْ وأضاءت بمقدمه -عليه الصلاة والسلام-، وكان عليّ قد بلغ مبلغ الرجال فأقبل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب منه فاطمة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فزوَّجه إياها، وكان مهرها درعًا لعلي حُطَميَّة تساوي دراهم، فعقد له النبي -صلى الله عليه وسلم- عليها. (رواه أبوداود والنسائي).
وكان علي -رضي الله عنه- عضيداً للنبي -عليه الصلاة والسلام- في الجهاد، لما خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- بالمسلمين لقتال اليهود في خيبر تمنَّع اليهود في حصنهم وتآزروا وترابطوا، فكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يرسل إليهم الفوج تلو الفوج لفتح الحصن فلم يقدروا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- ليلةً لأصحابه لأعطين الراية غداً رجلاً يحبه الله ورسوله ويحبُّ الله ورسوله، فبات الناس يخوضون ويتحدثون طوال ليلتهم كلهم يرجو أن يُعْطَاهَا، فلما أصبح النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصبح الناس، سألهم -صلى الله عليه وسلم- قال: "أين علي بن أبي طالب؟ قالوا: يا رسول الله هو يشتكي عينيه يعني لا يستطيع أن يرى. فقال: ادعوه"، فدعوه، فقربه النبي -صلى الله عليه وسلم- إليه ثم فتح عينيه بيديه فَنَفَثَ فيهما ودعا الله أن يشفيه فشُفي، ثم أعطاه الراية ففتح الله عليه. (رواه مسلم).
فهذا يدل على كمال إيمانه بمحبته لله ورسوله وكمال شجاعته بإقدامه وجهاده.
أيها الإخوة الكرام: كان علي -رضي الله عنه- شجاعاً مقداماً، في معركة الخندق لما تقدم عمرو بن وُدّ وكان من الكافرين وكان من أشجع الناس وأقواهم، أقبل وطلب المبارزة فاستأذن عليٌّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- في أن ينزل إليه فقال له -صلوات الله وسلامه عليه-: يا علي إنه عمرو بن ود، قال: وإن كان ابن ود، فأذن له النبي -صلى الله عليه وسلم-.. عندها هجم البطلُ عليٌّ -رضي الله عنه-، على ابن ود فاقتتلا قتالاً عنيفاً فضربه عليٌ بالسيف على هامته ففلقَ رأسَه، ثمّ كبّر وكبّر الناس. (رواه الحاكم في المستدرك).
ولم يكن علي -رضي الله عنه- مبرزاً في الجهاد فقط، بل حتى في الدعوة والعلم، ففي السنة العاشرة من الهجرة أرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- عدداً من أصحابه إلى القبائل والبلدان يدعون الناس إلى الإسلام.. وأرسل علياً -رضي الله عنه- إلى همدان جهة اليمن، وبعث معه كتاباً فقرأه عليهم، ودعاهم إلى الإسلام بكل رفق ولين فأسلموا جميعاً قبل غياب الشمس، ففرح عليٌّ وبعث بكتاب إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- يخبره، فلما قُرئ الكتابُ على النبي -صلى الله عليه وسلم- خرَّ ساجداً لله، ثمّ رفع وقال: "السلام عليك يا همدان، السلام عليك يا همدان، السلام عليك يا همدان".
وكان الناس يعرفون من عليٍّ حكمته وقربه من النبي -عليه الصلاة والسلام-، يدل ذلك أنه لما بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- كتاباً لنصارى نجران يدعوهم للإسلام فأقبل وفدٌ منهم إلى المدينة، فلما وصلوا نزلوا دوابهم وعليهم الحرير وأنواعُ الحُلي والتيجان المذهَّبة ودخلوا المسجد على النبي -عليه الصلاة والسلام- وقالوا: يا محمد قد بعثتَ إلينا كتاباً من شأنه كذا وكذا فلم يلتفت إليهم النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولم يرفع إليهم رأسه فعجبوا كيف يدعوهم ثمّ لا يتكلم معهم!!
فقيل لهم: ائتوا أصحابه فاسألوهم، فتوجهوا إلى جمع من الصحابة جالسين فيهم علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- فسألوهم.. فلما رآهم عليٌّ علم بالذي منع النبي -صلى الله عليه وسلم- من خطابهم..
فقال لهم أرى أن ترجعوا إلى دوابكم فتخلعوا عنكم هذا الحرير والذهب وتلبسوا ثياب سفركم ثم تأتوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ففعلوا ذلك فلما دخلوا على النبي -صلى الله عليه وسلم- هشَّ في وجوههم وبشّ، وقال: "والله لقد جاءوني في المرة الأولى وإن إبليس معهم". (أخرجه الحاكم في المستدرك).
معاشرَ المؤمنين: وكان عليٌّ -رضي الله عنه- كثيرَ العبادة والذكر لله تعالى، لما تزوج علي فاطمة -رضي الله عنهما- جيءَ إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بسبيٍ من الكفار بعد إحدى المعارك وكان عليٌّ حديثَ عُرس بفاطمة، فقال لها: ألا تتعبين من الطحن بالرحى وعمل البيت وسياسة الفرس؟ قالت: بلى، قال: فإن أباك قد جاءه اليوم سبيٌ فاذهبي فالتمسي منه خادماً، فذهبت فاطمة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فلم تجده، فأخبرت عائشة بمرادها.
فلما عاد النبي -صلى الله عليه وسلم- لبيته، أخبرته عائشة بخبر فاطمة، فخرج -عليه الصلاة والسلام- في الليل لبيت عليٍ وفاطمة فدخل وجلس بينهما، وسأل فاطمة فأخبرته أنها تريد خادماً، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "أفلا أدُلُّكما على ما هو خيرٌ لكما من خادمٍ" قالا بلى، قال: "إذا أخذتما مضاجِعَكما فسبِّحا الله ثلاثاً وثلاثين، واحمدا الله ثلاثاً وثلاثين، وكبرا الله أربعاً وثلاثين، فإن ذلك خير لكما من خادم"، قال علي -رضي الله عنه- وهو يحدث بهذا الحديث بعدما بلغ من الكبر عِتياً والله ما تركته منذ سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قيل: يا علي ولا ليلةَ صِفِّين؟ قال: والله ولا ليلة صفين، وهي ليلةٌ اشتدّ القتال فيها. (رواه البخاري ومسلم).
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعرف لعلي قدره ويتفقده كابنٍ له وصهرٍ وابن عم، دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- على فاطمة يومًا فلم يجد علياً عندها فقال: أين ابن عمك؟ قالت قد غاضبني وخرج يعني وقعت بيننا مشكلة فخرج من البيت فخرج -عليه الصلاة والسلام- يبحث عن عليّ وتوجَّه للمسجد فإذا عليٌّ -رضي الله عنه- متوسد رداءه في المسجد، وقد التصق التراب بكتفه، فلما رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- التراب على جنبه وهو يتقلب عليه وقد جعل رداءه وسادةً حرّكه -صلى الله عليه وسلم- ليوقظه وهو يقول ملاطفاً: "قُم يا أبا تراب! قم يا أبا تراب!"، فقام علي -رضي الله عنه- وكانت بعدها من أحب كُنَاه إليه أن ينادى بأبي تراب" (رواه البخاري ومسلم).
أيها الأحبة الكرام: إننا عندما نتكلم عن علي -رضي الله عنه- لا يعني أننا نذُمُّ غيرَه من الصحابة أو نحصر الشجاعة والعلم والكرم فيه، كلا.. وإنما كلُّ أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذين اختارهم الله لصحبة نبيه -صلى الله عليه وسلم- كانوا كذلك.. وكانوا إخوة متصافين، نعم كانت قلوبهم صافية مليئة بالمحبة يعرف بعضهم لبعض قدره فلو نظرت لقلب أبي بكر أو عمر وعثمان وعلي أو غيرهم من الصحابة وجدتها مليئة بالحب والتعاون على الخير، وما وقع بين الصحابة الكرام من اختلاف أو اقتتال فهي اجتهادات وخلافات بشرية نَكِلُ أمرَهم إلى ربهم -تعالى-، وهم وإن اختلفوا أو اقتتلوا فإنهم إخوان.
بعد إحدى المعارك مرّ علي -رضي الله عنه- على القتلى فرأى طلحة -رضي الله عنه- قتيلاً، فتذكر عليٌّ أنهما كانا يصليان في صف واحد مع إمام واحد هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- طالما حجَّا مع بعضهما وتليا القرآن وجاهدا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم هم اليوم يقتتلون، فبكى عليٌّ واشتدّ بكاؤه حتى غرقت لحيته البيضاء ثم قعد يمسح على وجه طلحة من التراب ويقول: "يعز عليَّ والله أبا محمد أن أراك صريعًا مجندلاً، أن أراك صريعًا مجندلاً، أن أراك صريعًا مجندلاً، وإني أرجو والله أن أكون أنا وأنت ممن قال الله فيهم: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ) [الحجر: 47].
أسأل الله -تعالى- أن يرضى عن علي -رضي الله تعالى عنه- عن أبي الحسن وأن يرضى عن جميع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسلم أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وإخوانه وخلانه ومن سار على نهجه واقتفى أثره واستن بسنته إلى يوم الدين أما بعد:
أيها الإخوة المؤمنون: كان علي -رضي الله عنه- متميزاً بالعلم والحكمة، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يوكله على المدينة أحياناً، من ذلك أنه لما خرج -صلى الله عليه وسلم- إلى تبوك خرج معه ثلاثون ألفاً، وجعل علياً -رضي الله عنه- أميراً على المدينة في غيابه.. فقال بعض المنافقين: "والله ما خلَّفك يا عليّ إلا أنه كره صحبتك، فامتشق عليٌّ سيفه وركب دابته ولحق الجيش ووقف بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يبكي ويقول يا رسول الله خلفتني مع النساء والصبيان؟ خلفتني كرهًا لمصاحبتي؟ فقال -صلى الله عليه وسلم- تطيباً لنفسه: "ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى" يعني -صلى الله عليه وسلم- أن موسى عليه السلام لما خرج لميقات ربه جعل أخاه هارون رئيساً على قومه من بعده. (رواه البخاري).
أيها الأحبة الكرام: تولى علي -رضي الله عنه- الخلافة بعدما تولاها الشيخان أبو بكر وعمر، ثم تولاها عثمان، ثم علي -رضي الله عنهم جميعًا-، واختلفت الناس في عهده فأقبل إليه رجل قال: يا علي كان الناس في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعهد أبي بكر وعمر متآخين بلا حقد ولا نزاعات فلما توليت ظهر بينهم ذلك.
فقال علي: نعم؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبا بكر وعمر كانوا يتولون على رجال مثلي، ونحن اليوم نتولى على رجال مثلك، يعني إن منشأ النزاع ليس مِنْ واليكم بل منكم أنتم لأنكم أهل شقاقٍ ونزاع.
وكان علي -رضي الله عنه- يترضى عمن سبقه من الصحابة الكرام، سأله ولده محمد قال له: "يا أبت من خير الناس بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فقال: خير الناس بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبو بكر قال: ثم من؟ قال: ثم عمر، قال ولده: فحشيت أن أسأله ثمّ من؟ فيقول: عثمان فقلت: ثم أنت يا أبتِ، فقال: يا بني أبوك رجل من رجال المسلمين"، وذلك من تواضعه -رضي الله عنه-، وإلَّا فترتيب الصحابة في الأفضلية هو كترتيبهم في الخلافة، فأفضلهم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي -رضي الله عنهم-.
وكان علي -رضي الله عنه- يعرف ذلك فإنه قام على المنبر وقال: والله ما أسمع برجل يفضلني على أبي بكر وعمر إلا أوسعت ظهره ضربًا، ولما جاءه عمر خاطبًا أمَّ كلثوم ابنته وابنة فاطمة، وكان عمر قد جاوز الخمسين من عمره، وكان يقول: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: " كل نسب منقطع إلَّا نسبي" يعني يوم القيامة، فأردت أن يكون لي نسب مع النبي -صلى الله عليه وسلم- من خلال عليّ، ورأى عليٌّ -رضي الله عنه- في عمر الكرم والصحبة والدين والذكر الحسن والزهد والعبادة فزوَّجه ابنته أم كلثوم -رضي الله عنهم جميعًا- ورزق منها عمر بأولاد. (رواه ابن جرير الطبري في التاريخ).
أيها الأحبة الكرام: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أخبر علياً أنه سيموت شهيداً -رضي الله عنه- حتى إنه أيام خلافته في العراق دخل عليه أبو فضالة الأنصاري؛ فإذا علي -رضي الله عنه- مضطجع في بيته وقد علاه الشيب وظهر عليه الكبر، فقال له أبو فضالة: لو ذهبت للمدينة بين أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإني أخاف أن تموت بهذا البيت فلا يَلِيك إلا أهل العراق، لكن اذهب للمدينة واجعل خلافتك هناك، فإذا مت يليك من هناك من بقية صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال علي: "لا والله قد أخبرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أني لا أموت حتى تختضب هذه من هذا وأشار إلى لحيته ورأسه أي تختضب لحيته بالدماء الجارية من رأسه".
وحكم -رضي الله عنه- خمس سنين زاهداً عادلاً بينهم، وكان يقول: أين تراه أشقاها أين تراه أشقاها، يعني أين ذلك الشقي الذي سيقتلني أين تراه الآن؟
كانت ليلةً ظلماء وأذَّن الفجر ودخل علي -رضي الله عنه- المسجد ليصلي بالناس فوجد عبد الرحمن بن ملجم الخارجي الخبيث منبطحاً على بطنه وقد أذن للصلاة والناس يتهيئون لها فأقبل عليّ إلى ابن ملجم، وكان ابن ملجم يتظاهر أنه نائم وقد خبأ سيفه تحته فلما وقف عليّ عليه حركه ليوقظه فقفز ابن ملجم وضرب علياً -رضي الله عنه- ضربة ضجّت لها الدنيا.. ومضى إلى ربه فكانت مصيبة بكى لها الناس الكبار والصغار والرجال والنساء، حتى قالت امرأة من العجائز:
يا ليتها إذ فدت عَمْراً بخارجة **** فدت علياً بمن شاءت من البشر
ومضى علي -رضي الله عنه- إلى ربه وكان في سيرته قدوة للأغنياء وعزاء للفقراء وسيرة للمتعبدين وذكر للمتقربين.
نسأل الله -تعالى- أن يرضى عن علي -رضي الله تعالى عنه- ما أصبح الصباح أو أمسى المساء ونسأل الله -تعالى- أن يجمعنا به في جنة ربه جل في علاه.
اللهم ارض عن جميع أصحاب نبيك -عليه الصلاة والسلام- اللهم كما جمعتهم في الدنيا على محبة وأنس وجهاد وعبادة فاجمعهم في جنتك على سرر متقاربين يا ذا الجلال والإكرام، اللهم ارض عمن رضي عنهم، اللهم ارض عمن رضي عنهم، اللهم ارض عمن رضي عنهم يا حي يا قيوم.
اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير خزايا ولا مفتونين.
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم