عناصر الخطبة
1/السر في جعل الله بعد العسر يسرا 2/نماذج لانقلاب العسر إلى يسر 3/التحذير من اليأس والقنوط والاعتبار بالأمم السابقةاقتباس
إذا أحكمَ العُسرُ قبضتَه واكتملَ، ويئسَ العبدُ مِمَّا في أيدي الخلقِ فلا أملَ، رفعَ رأسَه إلى السَّماءِ ونادى يا اللهُ إليكَ المُبتهلُ، يا اللهُ أنتَ القادرُ على...
الخُطْبَةُ الأُوْلَى:
الحمدُ للهِ، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ من شُرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يُضْلِلْ فلا هادِيَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شَريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسـولُه.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)..
أما بعد: عندما تتلو سورةَ الطَّلاقِ وتتأملُ في آياتِها فلا بُدَّ أنَّكَ تَقِفُ مع هذه الكلماتِ: (سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا)، يا اللهُ .. هذا كلامُ مَنْ؟ .. وهذا وَعدُ مَنْ؟ .. إنَّه وعدُ الحقِّ .. من إلهٍ حقٍّ.
أتعلمونَ ما السِّرُ في ذلكَ؟ .. لأنَّه إذا أحكمَ العُسرُ قبضتَه واكتملَ، ويئسَ العبدُ مِمَّا في أيدي الخلقِ فلا أملَ، رفعَ رأسَه إلى السَّماءِ ونادى يا اللهُ إليكَ المُبتهلُ، يا اللهُ أنتَ القادرُ على تغييرِ الحالِ وعليكَ المُتَّكلُ، عِندها سترى سُحبَ اليُسرِ بالفَرجِ تنهملُ .. ويتحقَّقُ قولُه تعالى: (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ).
عَسَى الْكَرْبُ الَّذِي أَمْسَيْتَ فِيهِ *** يَكُونُ وَرَاءَهُ فَرَجٌ قَرِيبُ
هل شعرتَ يوماً بالحزنِ العميقِ؟ .. هل أحسستَ يوماً بيأسِ الغريقِ؟ .. هل كابدتَ يوماً ثقيلاً مع آلامِ الأمراضِ القاسيةِ؟ .. هل سهرتَ ليلاً طويلاً مع همومٍ تنْدَكُّ لها الجبالُ الرَّاسيةُ؟ .. هل أخفقتَ بعدَ محاولاتٍ فأحسستَ بالفشلِ الذَّريعِ؟ .. هل أخطأتَ مرةً فضاقَ بكَ الفضاءُ الوسيعُ؟ .. هل أحاطَ بكَ الكربُ فلم تجد لطريقِ الفرجِ باباً؟ .. هل تغشَّاكَ العُسرُ فلا ترى في سماءِ اليُسرِ سحاباً؟ .. هل أصابكَ هذا، فجرَّبتَ أن تفتحَ المِصحفَ، وتقرأَ، وترفعَ صوتَكَ: (سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا).
ولربّما استيأست، ثمَّ أقولُ لا *** إنَّ الذي ضَمِنَ النَّجاحَ كريمُ
قامَ إبراهيمُ -عليه السَّلامُ- يُصلي فعادتْ زوجتُه سارةُ من عِندِ الجبَّارِ، شريفةً عفيفةً ومعها هاجرُ وقد حفظَها القويُّ القَّهارُ، والتقى يوسفُ بأبيه يعقوبَ -عليهما السَّلامُ- بعدَ طُولِ زمانٍ، بعدما ابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ من الأحزانِ، ورجعَ موسى -عليه السَّلامُ- إلى أمِّه بعدَ أن ألقتْه في اليَمِّ، لتَقرَّ عينُها ولا تحزنَ بعدَ أن أصبحَ فؤادُها فارغاً من الهمِّ، وذلكَ لأنَّ اللهَ قد وعدَ فَقالَ: (سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا).
لطائفُ اللهِ وإن طالَ المدى *** كلمحةِ الطَّرفِ إذا الطَّرفُ سَجى
كم فَرَجٍ بَعْدَ إياسٍ قد أتى *** وكمْ سرورٍ قد أتى بَعْد الأسى
وأحاطَ العُسرُ بالمؤمنينَ يومَ حُنَينٍ كما وصفَ تَعالى: (وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ)، فكانَ اليُسرُ معَ العُسرِ؛ كما قالَ تعالى: (ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى المُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الكَافِرِينَ).
تَصبَّرْ إنَّ عُقبَى الصَّبرِ خَيرٌ *** ولا تَجـزعْ لِنَائبةٍ تَنـوبُ
فإنَّ اليُسرَ بَعدَ العُسرِ يَأتي *** وعِندَ الضَّيقِ تَنكشفُ الكُروبُ
وكَم جَزعتْ نُفوسٌ من أُمورٍ *** أَتى مِن دُونِها فَرجٌ قَريبٌ
أخبروا ظلامَ اللَّيلِ بنورِ النَّهارِ يُطاردُه على الجبالِ وفي الأودية فتُضيءُ منه الأرضُ والسَّماءُ، وأخبروا الصَّحراءَ الصَّفراءَ القَاحلةَ بأنَّها ستنقلبُ إلى جِنانٍ خَضراءَ .. اعلموا أنَّ بعدَ الخوفِ أمناً، وبعدَ القلقِ طُمأنينةً، وبعدَ الحُزنِ سعادةً، وبعدَ المرضِ عافيةً، وبعدَ السَّهرِ نَوماً، وبعدَ الغَمِّ سروراً، وبعدَ الألمِ راحةً، وبعدَ الدَّمعةِ بسمةً .. سوفَ يُشفى المريضُ، ويَهتدي الضَّالُ، ويعودُ الغائبُ، ويُفكُّ الأسيرُ، ويُقضى الدَّينُ، وينفرجُ الكربُ .. بشِّرْ المهمومَ بربٍّ عليمٍ رحيمٍ، وبشِّرْ المظلومَ بربِّ قويٍّ عظيمٍ، وبشِّرْ المُحتاجَ بربِّ قادرٍ كريمٍ؛ لأنَّ اللهَ قد وعدَ فَقالَ: (سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا).
ما بينِ غمضةِ عَيْنٍ وانتباهتِها *** يُغيّرُ اللهُ من حالٍ إلى حالِ
أقولُ هذا القولَ، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم، فاستغفروه إنَّه هو الغَفورُ الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ حمداً يزيدُنا به نِعَمًا وخَيرًا، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شَريكَ له المُتفرِّدُ في الكونِ نهيًا وأمرًا، وأشهدُ أن سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه خيرُ البَشرِ وأعظمُهم بِرًّا، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آلِه وصحبِه ومن تبعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّينِ.
أما بَعدُ: قد ينظرُ الغيورُ اليومَ إلى الواقعِ نظرةَ يأسٍ وقُنوطٍ، فيَرى شَعائرَ الإسلامِ تُلبسُ غيرَ لباسِها، وينظرُ إلى أحكامِ الشَّريعةِ تُشربُ من غيرِ كأسِها، ويُشاهدُ حالَ المسلمينَ في البلادِ، مُستضعفينَ مَغلوبينَ بينَ ظالمٍ وجلَّادٍ .. لكن اسألْ نفسَك: أليسَ لك في التَّاريخِ عِبرةٌ؟، ألم يجتاحْ التَّتارُ والمغولُ بِلادَ الإسلامِ، حتى قالَ النَّاسُ لا إسلامَ بعدَ اليوم؟، ألم يُجبرْ المأمونُ النَّاسَ على أن يقولوا بخلقِ القرآنِ، حتى قالَ النَّاسُ لا سُنَّةَ بعدَ اليوم؟، ألم ينشرْ الاستعمارُ الفواحشَ في بلادِ المُسلمينَ، حتى قالَ النَّاسُ لا صلاحَ بعدَ اليوم؟
إذا الحادثاتُ بَلَغْنَ الْمَدَى *** وكادتْ تَذوبُ لَهُنَّ الْمُهَجُ
وحَلَّ البلاءُ وقَلَّ العَزاءُ *** فعندَ التَّناهي يكونُ الفَرَجُ
فأبشروا يا أهلَ الإسلامِ فإنَّ ربَّكم يسمعُ ويرى، أبشروا يا أهلَ الإسلامِ فإنَّ ربَّكم للظُّلمِ لا يرضى، لم تحرقِ النَّارُ إبراهيمَ -عليه السَّلامُ-؛ لأنَّه خليلُ اللهِ، ولم يبتلعِ الحوتُ يونسَ -عليه السَّلامُ-؛ لأنَّه نبيُّ اللهِ، ولم يُغرقِ البحرُ موسى -عليه السَّلامُ-؛ لأنَّه كليمُ اللهِ، ولم يرَ المشركونَ محمداً -صلى اللهُ عليه وسلمَ- وصاحبَه في الغارِ؛ لأنَّ معهم اللهَ، وهكذا في كلِّ زمانٍ ومكانٍ لا يُهزمُ ولا يُذلُّ أولياءُ اللهِ؛ لأنَّ مَعَهم اللهُ، وهو القَائلُ سبحانه: (سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا).
فلا تَيأسْ إذا أُعسرتَ يَوماً *** فقد أَيسَرتَ في دَهرٍ طَويلِ
ولا تَظننَّ بِرَبِّكَ ظَنَّ سُوءٍ *** فإنَّ اللهَ أَولى بالجَميلِ
فإنَّ العُسْرَ يَتبعُه يَسارُ *** وقَولُ اللهِ أَصدقُ كُلِّ قِيلِ
اللهمَّ فرجْ همَّ المهمومينَ، ونفسْ كربَ المكروبين، وأقضِ الدينَ عن المدينينَ، ويسرْ أمورَ المسلمينَ.
اللهم اجعلْ لنا من كل همٍّ فرجاً، ومن كلِّ ضيقٍ مخرجاً، ومن كلِّ بلاءٍ عافيةً، ومن كلِّ مرضٍ شفاءً، ومن كلِّ دينٍ وفاءً، ومن كلِّ حاجةٍ قضاءً، ومن كلِّ ذنبٍ مغفرةً ورحمةً.
اللهم انصرْ دينَك وكتابَك وسنةَ نبيكَ محمدٍ وعبادكَ الصالحينَ.
اللهمَّ احفظنا بالإسلامِ قَائمينَ، واحفظنا بالإسلامِ قَاعدينَ، واحفظنا بالإسلامِ رَاقدينَ، ولا تُشمت بنا الأعداءَ ولا الحاسدينَ.
اللهمَّ وفق إمامَنا ووليَ عهدِه بتوفيقِك، وأَعنهم ببطانةٍ صالحةٍ ناصحةٍ، وأبعد عنهم بطانةَ السوءِ.
اللهم اجمع كلمتَنا على الدعوةِ والأمرِ بالمعروفِ والنهي عن المنكرِ.
ربنا آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرةِ حسنةً، وقنا عذابَ النارِ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم