سلسلة أركان الإيمان، رابعا: الإيمان بالرسل

الشيخ عبدالله بن علي الطريف

2024-03-22 - 1445/09/12 2024-05-14 - 1445/11/06
التصنيفات: الإيمان
عناصر الخطبة
1/مكانة الإيمان بالرسل 2/مقتضيات الإيمان بالرسل 3/ما يتضمنه الإيمان بالرسل 4/من ثمرات الإيمان بالرسل

اقتباس

وأفضلُ الرسل أولو العزم؛ أي: ذووا القوة والصبر، وأصحاب الفضل وكمال الرأي، وأهل الثبات والجد ممن أوحى الله -تعالى- إليهم، وأمرهم بتبليغ دينه، وهم خمسة، وفصلهم في سورة الأحزاب بقوله: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ)...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ الذي أبان لعباده الطريق المستقيم، وبعث لهم الرسل مبشرين ومنذرين، وختمهم بسيد الأولين والآخرين، ونسخ بدعوته ما قبله من دين، وجعل الإيمان به واتباعه واجبًا على الثقلين، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى إخوانه من الأنبياء والمرسلين، وجمعنا به ووالدينا في جنات النعيم، إنه جواد كريم، ثم أما بعد:

 

أيها الإخوة: اتقوا الله حق التقوى، واعلموا أن الإِيْمَانَ بالرُسُلِ رَابعُ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الإيمانُ، لَا يَقْبَلُ اللهُ إيمانَ إنسانٍ بدون الْإِيمَانِ به؛ لقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا)[النِّسَاءِ: 136]، وَلحديثِ مسائلةِ جبريلَ عليه السلام الشهير للنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وفيه سؤال جبريل: "أَخْبِرْنِي عَنْ الْإِيمَانِ، قَالَ: "أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ"، قَالَ: صَدَقْتَ"(البخاري ومسلمٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-).

 

والرسل: جمع رسول بمعنى "مرسل"؛ أي: مبعوث بإبلاغ شيء، والمراد هنا: من أوحى اللهُ إليه من البشرِ بشرعٍ وأمرَ بتبليغِه، وأولهم -عَلَيْهِمُ السَلَامُ- نوح، وآخرهم محمد -صلى الله عليه وسلم-، قال الله -تعالى-: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ)[النساء:163]، فِي حَدِيثِ الشَفَاعَةِ قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "يَجْتَمِعُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُونَ: لَوِ اسْتَشْفَعْنَا إِلَى رَبِّنَا"، وَفِيهِ: "فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُ: ‌ائْتُوا ‌نُوحًا؛ فَإِنَّهُ أَوَّلُ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللهُ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ"، وذكر تمام الحديث (رواه البخاري عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-).

 

ولم تخل أمة من رسول يبعثه الله -تعالى- بشريعة مستقلة إلى قومه، أو نبي يُوحَى إليه بشريعةِ مَنْ قبلَه ليجدِدَها، قال الله -تعالى-: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)[النحل: 36]، وقال -تعالى-: (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ)[فاطر:24]، وقال -تعالى-: (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا)[المائدة: 44]، وَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ ‌تَسُوسُهُمُ ‌الْأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ"، قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا قَالَ: "فُوا بِبَيْعَةِ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ، أَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ؛ فَإِنَّ اللهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ"(رواه البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-)؛ ‌ومعنى: "تَسُوسُهُمُ ‌الْأَنْبِيَاءُ" أي: يتولون أمورهم كما تفعل الأمراء والولاة بالرعية، أمير يتلوه أمير، يقومون بما يصلحهم.

 

والرسل بشر مخلوقون ليس لهم من خصائص الربوبية والألوهية شيء، قال الله -تعالى- عن نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- وهو سيد المرسلين وأعظمهم جاهاً عند الله: (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)[الأعراف: 188]، وقال -تعالى-: (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا)[الجن:21-22].

 

وتلحق الرسل خصائص البشر من المرض، والموت، والحاجة إلى الطعام والشراب، وغير ذلك، قال الله -تعالى- عن إبراهيم -عَلَيْهِ الصَلَاةُ والسَلَامُ- في وصفه لربه -تعالى-: (وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ* وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ* وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ)[الشعراء: 79-81]، وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- خَمْسًا، فَلَمَّا انْفَتَلَ تَوَشْوَشَ الْقَوْمُ بَيْنَهُمْ فَقَالَ: "مَا شَأْنُكُمْ؟"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ زِيدَ فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ: "لَا"، قَالُوا: فَإِنَّكَ قَدْ صَلَّيْتَ خَمْسًا، فَانْفَتَلَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّمَا ‌أَنَا ‌بَشَرٌ ‌مِثْلُكُمْ ‌أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ"، وفي رواية قَالَ: "إِنَّهُ لَوْ حَدَثَ فِي الصَّلَاةِ شَيْءٌ لَنَبَّأْتُكُمْ بِهِ، وَلَكِنْ إِنَّمَا ‌أَنَا ‌بَشَرٌ ‌مِثْلُكُمْ، ‌أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ، فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي، وَإِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ، فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ لِيُسَلِّمْ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ"(رواه البخاري).

 

وقد وصفهم الله -تعالى- بالعبودية له في أعلى مقاماتهم، وفي سياق الثناء عليهم فقال -تعالى- في نوح -عليه السلام-: (إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً)[الإسراء: 3]، وقال في محمد -صلى الله عليه وسلم-: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً)[الفرقان: 1]، وقال في إبراهيم وإسحاق ويعقوب -عَلَيْهِم الصَلَاةُ والسَلَامُ-: (وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ)[ص:45-47]، وقال في عيسى بن مريم -عليه السلام-: (إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائيلَ)[الزخرف: 59].

 

والإيمان بالرسل يتضمن أربعة أمور:

الأول: الإيمان بأن رسالتَهم حقٌ من الله -تعالى-، فمن كفر برسالةِ واحدٍ منهم فقد كفر بالجميع، كما قال الله -تعالى-: (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ)[الشعراء: 105]، فجعلهم الله مكذبين لجميع الرسل مع أنه لم يكن رسول غيره حين كذبوه، وعلى هذا فالنصارى الذين كذبوا محمدًا -صلى الله عليه وسلم- ولم يتبعوه؛ هم مكذبون للمسيح بن مريم -صلى الله عليه وسلم- غير متبعين له أيضاً، لا سيما وأنه قد بشرهم بمحمد -صلى الله عليه وسلم-، ولا معنى لبشارتهم به إلا أنه رسول إليهم ينقذهم الله به من الضلالة، ويهديهم إلى صراط مستقيم.

 

‌‌الثاني: الإيمان بمن علمنا اسمه منهم باسمه، ولم يأت في عدد الرسل والأنبياء نص صحيح، وقد ذكر اسم خمسة وعشرين رسولًا ونبيًا في القرآن الكريم، وهم: أبو البشر آدم، إدريس، نوح، هود، صالح، إبراهيم، لوط، إسماعيل، إسحاق، يعقوب، يوسف، شعيب، أيوب، ذو الكفل، موسى، هارون، داود، سليمان، إلياس، اليسع، يونس، زكريا، يحيى، عيسى، ومحمد خاتم الأنبياء والرسل -صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ-، ويجب الإيمان كذلك بأن اللهَ -تعالى- أرسلَ رُسلًا وأنبياء سواهم، لا يعلم أسماءَهم وعددَهم إلا الله -تعالى- الذي أرسلَهم، فنؤمن بهم إجمالًا، قال الله -تعالى-: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ)[غافر: 78].

 

الثالث: اعتقاد تفاضلِهم فيما بينهم وأنهم ليسوا في درجة واحدة، بل فضَّل الله بعضهم على بعض، قال -تعالى-: (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ)[البقَرة: 253]، وأفضلُ الرسل أولو العزم؛ أي: ذووا القوة والصبر، وأصحاب الفضل وكمال الرأي، وأهل الثبات والجد ممن أوحى الله -تعالى- إليهم، وأمرهم بتبليغ دينه، وهم خمسة، وفصلهم في سورة الأحزاب بقوله: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ)[الأحزاب: 7]، فَبَدَأَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِالْخَاتَمِ؛ لِشَرَفِهِ -صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ- ثُمَّ رَتَّبَهُمْ بِحَسَبِ وَجُودِهِمْ -صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ-.

 

وفي سورة الشورى في قوله: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ)[الشورى: 13]، وقد أثنى الله -تعالى- على صبرهم فقال: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ ‌أُولُو ‌الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ)[الْأَحْقَافِ: 35]، وأفضل أولي العزم نبي الإسلام وخاتم الأنبياء والمرسلين ورسول رب العالمين، محمد بن عبدالله -صلى الله عليه وسلم-، قال الله -تبارك وتعالى-: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ، وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ)[الأحزاب: 40].

 

الرابع: تصديق ما صح عنهم من أخبارهم.

 

الخامس: العمل بشريعة من أرسل إلينا منهم، وهو خاتمهم محمد -صلى الله عليه وسلم- المرسل إلى جميع الناس، قال الله -تعالى-: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[النساء: 65].

 

وتجب موالاتهم جميعًا ومحبتهم والحذر من بغضهم وعداوتهم، قال -تعالى-: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)[التوبة: 71]، واعتقاد فضلهم على غيرهم من الناس، وأنه لا يبلغ منزلتهم أحد من الخلق مهما بلغ من الصلاح والتقوى؛ إذ الرسالة اصطفاء من الله يختص الله بها من يشاء من خلقه، ولا تنال بالاجتهاد والعمل، قال -تعالى-: (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ)[الحج: 75].

 

وتشرع الصلاة والسلام عليهم، فقد أمر الله الناس بذلك، وأخبر بإبقاء الثناء الحسن على رُسله وتسليم الأمم عليهم مِنْ بعدِهم، فقال -تعالى- عن نوح: (وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ)[الصافات: 78، 79]، وقال مثله عن إبراهيم وموسى وهارون، فقال: (وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ)[الصافات: 108، 109]، وقال عن موسى وهارون: (وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ)[الصافات: 119، 120]، وقال -تعالى- عن الجميع: (وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ)[الصافات: 181]، قال ابن كثير -رحمه الله-: "قوله -تعالى- (سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ) مفسرًا لما أبقى عليه من الذكر الجميل والثناء الحسن أنه يسلم عليه جميع الطوائف"، ونقل الإمام النووي -رحمه الله- إجماع العلماء على جواز الصلاة على سائر الأنبياء واستحبابها.

 

اللهم اجعلنا من العاملين بشرع نبينا والمقتفين لأثره يا سميع الدعاء، وصلى الله وسلم على جميع رسل الله وأنبيائه وآلهم وصحبهم أجمعين.

 

 

الخطبة الثانية:

 

أما بعد:

 

أيها الإخوة: اتقوا الله حق التقوى، واعلموا أن للإيمانِ بالرسل ثمرات جليلة منها:

الأولى: العلم برحمة الله -تعالى- وعنايته بعباده؛ حيث أرسل إليهم الرسل ليهدوهم إلى صراط الله -تعالى-، ويبينوا لهم كيف يعبدون الله؟ لأن العقل البشري لا يَسْتَقِلُ بمعرفةِ ذلك.

 

الثانية: شكره -تعالى- على هذه النعمة الكبرى.

 

الثالثة: محبة الرسل -عليهم الصلاة والسلام- وتعظيمهم، والثناء عليهم بما يليق بهم؛ لأنهم رسل الله -تعالى-، ولأنهم قاموا بعبادته، وبلغوا الرسالة، وأدوا الأمانة، ونصحوا الأمة، وجاهدوا في الله حق جهاده..

 

ومن لم يؤمن بالرسل ضل ضلالاً بعيداً، وخسر خسراناً مبيناً، قال الله -تعالى-: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيداً)[النساء: 136]، وقد كذب المعاندون رسلهم زاعمين أن رسل الله -تعالى- لا يكونون من البشر، وقد ذكر الله -تعالى- هذا الزعم وأبطله بقوله: (وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولاً* قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكاً رَسُولاً)[الإسراء: 94-95]، فأبطل الله -تعالى- هذا الزعم بأنه لا بد أن يكون الرسول بشرًا؛ لأنه مرسل إلى أهل الأرض وهم بشر، ولو كان أهل الأرض ملائكة لنزَّل اللهُ عليهم من السماء ملكاً رسولًا، ليكون مثلهم.

 

وهكذا حكى الله -تعالى- عن المكذبين للرسل أنهم قالوا: (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ)[إبراهيم: 10-11].

 

 

 

المرفقات

سلسلة أركان الإيمان، رابعا الإيمان بالرسل.doc

سلسلة أركان الإيمان، رابعا الإيمان بالرسل.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات