سلسلة أركان الإيمان، خامسا: الإيمان باليوم الآخر -1

الشيخ عبدالله بن علي الطريف

2024-05-10 - 1445/11/02 2024-05-20 - 1445/11/12
عناصر الخطبة
1/الإيمان باليوم الآخر مكانته وأدلته 2/معنى الإيمان باليوم الآخر 3/ما يتضمنه الإيمان باليوم الآخر من أمور 4/وجوب الإيمان بنعيم القبر وعذابه 5/من أسباب عاب القبر 6/ما يؤمن من عذاب القبر

اقتباس

والإيمان باليوم الآخر من الإيمان بالغيب الذي لا يدركه العقل ولا سبيل إلى معرفته إلا بالنص عن طريق الوحي، وينبغي ألّا يكون الإيمان به مجملاً فحسب، بل يجب الإيمان بكل ما فيه من الأحداث والتفاصيل، وهو إيمانٌ بالأمور الغيبية التي لا مجالَ للاجتهاد فيها...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

أما بعد:

 

أيها الإخوة: اتقوا الله حق التقوى، واعلموا أن الإِيْمَانَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ خَامِسُ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الإيمانُ، لَا يَقْبَلُ اللهُ إيمانَ إنسانٍ بدون الْإِيمَانِ به جَازِمًا بِلَا تَرَدُّدٍ، والأدلة على وجوب الإيمان به وفرضِيّته من الكتاب والسنة والإجماع، كما يدل عليه العقل والفطرة السليمة.

 

وقد أكثر الله -سبحانه وتعالى- من ذكره في كتابه، وأقام عليه الأدلة، ورد شبه المنكرين للبعث في كثير من المواضع، كما فصَّل أمورَ ذلك اليومِ وحوادثَه تفصيلًا كثيرًا، وبشَّر به كل رسول أرسله الله إلى قوم، وأنذرهم هذا اليوم العظيم، وكَفَّرَ كلَ من ينكرُه أو يشكُ فيه.

 

وقد قَرن الله -تعالى- بين الإيمان باليوم الآخر والإيمان به -تعالى- في كثير من الآيات، من ذلك قوله -تعالى-: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ ‌وَالْيَوْمِ ‌الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ)[البقرة: 177]، وَلحديثِ سؤال جبريلَ -عليه السلام- الشهير للنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وفيه قوله: "أَخْبِرْنِي عَنْ الْإِيمَانِ قَالَ: "أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ"، قَالَ: صَدَقْتَ"(البخاري ومسلمٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-).

 

وقد أكثر الله -تعالى- من ذكره في القرآن الكريم؛ فلا يكاد قارئ القرآن يمرّ على صفحةٍ من القرآن إلّا ويجد لليوم الآخر فيها ذكراً، والمراد باليوم الآخر هو يوم القيامة، وسمي بذلك لتأخره عن الدنيا؛ ولأنه لا يوم بعده حيث يستقرُ أهل الجنة في منازلهم، وأهلُ النار في منازلهم

 

ومعنى الإيمان باليوم الآخر: الإيمان بكل ما أخبر به الله -تعالى- في كتابه، وما أخبر به رسوله -صلى الله عليه وسلم- مما يكون قبل يوم القيامة مما هو مقدمة له، من علامات قيام الساعة، وقيامها، وما يكون بعد الموت وغيرها.

 

ويتضمن الإيمان باليوم الآخر أربعة أمور:

الأول: الإيمان بما يكون قبله مما هو مقدمة له: من الموت، وحياة البرزخ، وما فيها من نعيم وعذاب، ومن علامات قيام الساعة، وقيامها.

 

الثاني: الإيمان بالبعث: وهو إحياء الموتى حين يُنفخُ في الصور النفخةُ الثانية؛ فيقوم الناس لرب العالمين، حفاة غيرَ منتعلين، عُراة غيرَ مستترين، غُرلاً غيرَ مختونين، قال الله -تعالى-: (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ)[الأنبياء: 104].

 

الثالث: الإيمان بالحساب والجزاء: وأن كل عبدٍ سيحاسَبُ على عمله، ويجازى عليه، قال الله -تعالى-: (إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ)[الغاشية: 25، 26].

 

الرابع: ومما يتضمنه الإيمان باليوم الآخر: الإيمان بالجنة والنار وأنهما المآلُ الأبدي للخلق.

 

أيها الإخوة: والإيمان باليوم الآخر من الإيمان بالغيب الذي لا يدركه العقل ولا سبيل إلى معرفته إلا بالنص عن طريق الوحي، وينبغي ألّا يكون الإيمان به مجملاً فحسب، بل يجب الإيمان بكل ما فيه من الأحداث والتفاصيل، وهو إيمانٌ بالأمور الغيبية التي لا مجالَ للاجتهاد فيها، إلا بما ثبت في الكتاب والسنة الصحيحة، إيمانًا على وجه اليقين، والتصديق دون تأويلٍ شخصيّ، بل يؤمن العبد بما جاء بالنصوص الشّرعية وبتفسِير أهل العلم الثقات لها؛ لأن الأمور الغيبية يجب علينا أن نؤمن بها ونصدق دون أن نقول: كيف؟! ولِمَ؟! لأنها شيء وراء عقولنا، ولا يمكن أن ندركها أو نحيط بها.

 

وقد مدح الله المؤمنين بالغيب وأثنى عليهم ونوه بذكرهم، وذكر -تعالى- ما لهم من الأجر العظيم والثواب الجزيل والنعيم المقيم، فقال: (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[البقرة: 2 - 5].

 

فيجب على المسلم التصديقُ الجازمُ بجميع ما جاء عن اليوم الآخر في كتاب الله -تعالى- وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وقد صرحت بوجوب الإيمان به جميع الكتب السماوية، ونادى به جميع الأنبياء والمرسلين -صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين-.

 

أيها الإخوة: ولبيان تفاصيل ما تضمنه الإيمان باليوم الآخر، وبما يكون قبله مما هو مقدمة له، من الموت، وحياة البرزخ، وما فيها من نعيم وعذاب، أقول: إن الموتَ نهايةُ حياة الإنسان في الدنيا، ولا أظن إنسانًا يحتاج إلى إثبات ذلك، أما القبر فهو أول منازل الآخرة، والإيمان بنعيم القبر وعذابه وفتنته من أصول الإيمان عند أهل السنة والجماعة، والقبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار، ومن نجا من عذاب القبر فما بعده أيسر منه، ومن لم ينج منه فما بعده أشر منه، فعَنْ هَانِئٍ مَوْلَى عُثْمَانَ قَالَ: كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- إِذَا وَقَفَ عَلَى قَبْرٍ بكى حَتَّى يَبُلَّ لِحْيَتَهُ، فَقِيلَ لَهُ: تَذْكُرُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ وَلَا تَبْكِي، وَتَبْكِي مِنْ هَذَا؟! قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ، فَإِنْ نَجَا مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ"، قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَا رَأَيْتُ مَنْظَرًا قَطُّ إِلَّا وَالْقَبْرُ أَفْظَعُ مِنْهُ"(رواه ابن ماجة وأحمد، وحسنه الألباني).

 

ومن الأدلة على عذاب القبر من الكتاب قوله -تعالى-: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ)[غافر: 46]، وأما من السنة فقد بلغت الأحاديث الدالة على عذاب القبر ونعيمه حد التواتر لكثرتها، قال ابن رجب -رحمه الله-: "وقد تواترت الأحاديث عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في عذاب القبر والتعوذ منه، فَعَنْ أنَسِ بنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، أنَّ نَبِيَّ الله -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِنَّ العَبْدَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ، وَتَوَلَّى عَنْهُ أصْحَابُهُ حَتَّى إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ، أتَاهُ مَلَكَانِ فَيُقْعِدَانِهِ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ لِمُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- فَأمَّا المُؤْمِنُ فَيَقُولُ: أشْهَدُ أنَّهُ عَبْدُ الله وَرَسُولُهُ، فَيُقَالُ: انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ، فَقَدْ أبْدَلَكَ اللهُ بِهِ مَقْعَدًا فِي الجَنَّةِ"، قَالَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "فَيرَاهُما جَمِيعًا"، قَالَ قَتادَةُ: فَذَكَرَ لَنا: "أنَّهُ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا، وَيُمْلَأُ عَلَيْهِ خُضْرًا إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ"، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى حَدِيثِ أنسِ بن مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: "وَأمَّا الكَافِرُ وَالمُنافِقُ، فَيُقَالُ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟ فَيَقُولُ لَا أدْرِي، كُنْتُ أقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ، فَيُقَالُ لَهُ: لَا دَرَيْتَ وَلَا تَلَيْتَ، ثُمَّ يُضْرَبُ بِمِطْرَاقٍ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً بَيْنَ أُذُنيْهِ؛ فَيَصِيحُ صَيْحَةً فَيَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ غَيْرُ الثَّقلَيْنِ"، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: و"يَضِيقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ، حَتَّى تَخْتَلِفَ أضْلَاعُهُ"(رواه أحمد وعبد بن حميد، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي).

 

وقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ فَإِنَّهُ يُعْرَضُ عَلَيْهِ ‌مَقْعَدُهُ ‌بِالْغَدَاةِ ‌وَالْعَشِيِّ، فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ"(رواه البخاري عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-)، وعند أحمد ومالك بسند صحيح في رواية: "وَيُقَالُ لَهُ: هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ إِلَيه يَوْمِ الْقِيَامَةِ"، وفي رواية عند الترمذي وحسنه الألباني عن أبي هريرة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أخبر أن الملكين يقولان للعبد المؤمن بعد أن يجيب الإجابة السديدة: "قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ هَذَا، ثُمَّ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا فِي سَبْعِينَ، ثُمَّ يُنَوَّرُ لَهُ فِيهِ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ، نَمْ، فَيَقُولُ: أَرْجِعُ إِلَى أَهْلِي فَأُخْبِرُهُمْ، فَيَقُولَانِ: نَمْ كَنَوْمَةِ العَرُوسِ الَّذِي ‌لَا ‌يُوقِظُهُ ‌إِلَّا ‌أَحَبُّ ‌أَهْلِهِ ‌إِلَيْهِ، حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مُنَافِقًا قَالَ: سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ، فَقُلْتُ مِثْلَهُ، لَا أَدْرِي، فَيَقُولَانِ: قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ ذَلِكَ، فَيُقَالُ لِلأَرْضِ: التَئِمِي عَلَيْهِ، فَتَلْتَئِمُ عَلَيْهِ، فَتَخْتَلِفُ فِيهَا أَضْلَاعُهُ، فَلَا يَزَالُ فِيهَا مُعَذَّبًا حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ".

 

أسأل الله -تعالى- بمنه وكرمه أن يعيذنا من فتنة القبر وعذابه ووالدينا، ويجعله لنا روضة من رياض الجنة إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

 

 

الخطبة الثانية:

 

أيها الإخوة: اتقوا الله حق التقوى واعلموا أن عذاب القبر ليس مختصاً بالكافرين، ولا موقوفاً على المنافقين، بل يشاركهم فيه طائفة من المؤمنين، كل على حاله وعمله، وما استوجبه من خطيئته، قاله القرطبي في التذكرة عن أبي محمد عبد الحق.

 

والأدلة على أن المؤمن قد يعذب في قبره بسبب ذنوبه كثيرة، فَمِنْ أَسْبَابِ عَذَابِ الْقَبْرِ: عَدَمُ الِاسْتِنْزَاهِ مِنَ الْبَوْل، والْإفْسَادُ بَيْنَ النَّاس، فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "مَرَّ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بِقَبْرَيْنِ فَقَالَ: "‌إِنَّهُمَا ‌لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنَ الْبَوْلِ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ"، ثُمَّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً، فَشَقَّهَا نِصْفَيْنِ، فَغَرَزَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، لِمَ فَعَلْتَ هَذَا؟ قَالَ: "لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا"، وفي رواية: "وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُعَذَّبُ فِي الْغَيْبَةِ"(رواه البخاري ومسلم)، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: ‌"تَنَزَّهُوا ‌مِنَ ‌الْبَوْلِ؛ فَإِنَّ أَكْثَرَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنَ الْبَوْلِ"(رواه أحمد والدارقطني عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، وصححه الألباني)، وقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَمَّا عُرِجَ بِي مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ، يَخْمُشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟، قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ"(رواه أبوداود عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ -رضي الله عنه- وصححه الألباني). ‌‌

 

ومِنْ أَسْبَابِ عَذَابِ الْقَبْرِ: الْغُلُولُ فِي الْغَنِيمَة والْخِيَانَة فِي كُلِّ شَيْءٍ، فَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى خَيْبَرَ، فَفَتَحَ اللهُ عَلَيْنَا، فَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلَا فِضَّةً، إِنَّمَا غَنِمْنَا الْمَتَاعَ وَالطَّعَامَ وَالثِّيَابَ وَالْبَقَرَ وَالْإِبِلَ وَالْحَوَائِطَ ثُمَّ انْصَرَفْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى وَادِي الْقُرَى، وَمَعَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَبْدٌ لَهُ يُقَالُ لَهُ: مِدْعَمٌ، أَهْدَاهُ لَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي الضُّبَيْبِ فَلَمَّا نَزَلْنَا الْوَادِي، قَامَ عَبْدُ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَحُلُّ رَحْلَهُ فَرُمِيَ بِسَهْمٍ، فَكَانَ فِيهِ حَتْفُهُ، فَقُلْنَا: هَنِيئًا لَهُ الشَّهَادَةُ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "كَلَّا، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَخَذَهَا مِنَ الْغَنَائِمِ يَوْمَ خَيْبَرَ، لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا"، فَفَزِعَ النَّاسُ فَجَاءَ رَجُلٌ حِينَ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- بِشِرَاكيْنِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا شَيْءٌ كُنْتُ أَصَبْتُهُ يَوْمَ خَيْبَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "شِرَاكَانِ مِنَ نَارٍ"(رواه البخاري ومسلم والترمذي).

 

‌‌ومن الذنوب التي ورد أن أصحابها يعذبون بها إن لم يتوبوا: الكذب، ومن هجر القرآن ولم يعمل به، والربا والزنى، كما في حديث سمرة بن جندب عند البخاري.

 

أيها الإخوة: ومن الْأَسْبَابِ الْمَانِعَةُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْر أن يكون المؤمن مستعداً للموت بالتوبة وقضاء الحقوق، والإكثار من الأعمال الصالحة، ومنها قراءة سورة تبارك، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "‌سُورَةٌ ‌مِنَ ‌الْقُرْآنِ ‌ثَلَاثُونَ ‌آيَةً تَشْفَعُ لِصَاحِبِهَا حَتَّى غُفِرَ لَهُ (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ)"(رواه أبو داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، وقال الأرنؤوط: حسن لغيره).

 

والأفضل أن يقرأ الإنسان سورة الملك قبل النوم كل ليلة؛ لفعله -صلى الله عليه وسلم-، ولو قرأها في صلاة العشاء أو في صلاة الليل قبل النوم أو قبل ذلك، فإنه يجزئه ذلك؛ فقد "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- لا ينام حتى يقرأ آلم تنزيل، وتبارك الذي بيده الملك"(رواه الترمذي وأحمد عن جابر -رضي الله عنه- وصححه الألباني).

 

والذي مات مرابطًا في سبيل الله، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: "كُلُّ مَيِّتٍ يُخْتَمُ عَلَى عَمَلِهِ إِلَّا الَّذِي ‌مَاتَ ‌مُرَابِطًا ‌فِي ‌سَبِيلِ ‌اللَّهِ؛ فَإِنَّهُ يُنْمَى لَهُ عَمَلُهُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَيَأْمَنُ مِنْ فِتْنَةِ القَبْرِ"(رواه والترمذي وصححه الألباني).

 

والَّذِي يَمُوتُ ‌يَوْمَ ‌الجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ ‌يَمُوتُ ‌يَوْمَ ‌الجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ؛ إِلَّا وَقَاهُ اللَّهُ فِتْنَةَ القَبْرِ"(رواه الترمذي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رضي الله عنهما-، وحسنه الألباني).

 

والذي يموت بداء البطن، عن عَبْدَ اللهِ بْنَ يَسَارٍ قَالَ: "كُنْتُ جَالِسًا وَسُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ، وَخَالِدُ بْنُ عُرْفُطَةَ، فَذَكَرُوا أَنَّ رَجُلًا تُوُفِّيَ مَاتَ بِبَطْنِهِ، فَإِذَا هُمَا يَشْتَهِيَانِ أَنْ يَكُونَا شُهَدَاءَ جِنَازَتِهِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ: أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ يَقْتُلُهُ ‌بَطْنُهُ ‌فَلَنْ ‌يُعَذَّبَ ‌فِي ‌قَبْرِهِ"؟ فَقَالَ الْآخَرُ: بَلَى"(رواه النسائي والترمذي وصححه الألباني).

 

أسأل الله -تعالى- أن يتوفنا مؤمنين تائبين.

 

 

المرفقات

سلسلة أركان الإيمان، خامسا الإيمان باليوم الآخر -1.doc

سلسلة أركان الإيمان، خامسا الإيمان باليوم الآخر -1.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات