عناصر الخطبة
1/الملائكة تحفظ العبد وتسجل عمله 2/من الآثار الإيمانية للإيمان بحفظ الملائكة للأعمال 3/من أعمال الملائكة ووظائفهم 4/أمور تتأذى منها الملائكةاقتباس
وَهَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ لَا يَدْخُلُونَ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ أَوْ صُورَة، هُمْ مَلَائِكَةٌ يَطُوفُونَ بِالرَّحْمَةِ وَالتَّبْرِيكِ وَالِاسْتِغْفَار، وَأَمَّا الْحَفَظَةٌ، فَيَدْخُلُونَ فِي كُلِّ بَيْت، وَلَا يُفَارِقُونَ بَنِي آدَمَ فِي كُلِّ حَالِ؛ لِأَنَّهُمْ مَأمُورُونَ بِإِحْصَاءِ أَعْمَالِهِمْ وَكِتَابَتِهَا...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
أيها الإخوة: مما يتضمنه الإيمان الملائكة، الإيمان بأعمالهم فَمِنْهم مَنْ هُو مُوَكَّلٌ بِحِفْظِ الْعَبْدِ فِي حِلِّهِ وَارْتِحَالِهِ، وَفِي نَوْمِهِ وَيَقَظَتِهِ وَفِي كُلِّ حَالَاتِهِ، وَهُمُ الْمُعَقِّبَاتُ، قَالَ اللَّهُ -تَعَالَى-: (سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ)[الرعد: 11]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما-: "وَالْمُعَقِّبَاتُ مِنَ اللَّهِ هُمْ الملائِكَة"؛ يَعْنِي: يَحْفَظُونَهُ مِنْ قُدَّامِهِ وَمِنْ خَلْفِهِ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ، (يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ) يَعْنِي: بِأَمْرِ اللَّهِ، أَيْ: يَحْفَظُونَهُ بِإِذْنِ اللَّهِ مَا لَمْ يَجِئِ القدر، فإذا جاء القدر خَلَّوْا عَنْهُ، وقال مجاهِدٌ: "ما من عبدٍ إلَّا له مَلَكٌ موكَّلٌ يحفَظُه في نومِه ويقَظتِه، من الجِنِّ والإنسِ والهوَامِّ".
وَقَالَ -تَعَالَى-: (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً)[الْأَنْعَامِ: 61]، قال الشَّوكاني: "قَولُه: (وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً)؛ أي: مَلائِكةً جعلهم اللهُ حافِظين لكم، ومنه قَولُه: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ)[الانفطار: 10]؛ أي: أنَّه يُرسِلُ عليكم من يحفَظُكم من الآفاتِ، ويحفَظُ أعْمَالَكم"، وقال رجل لعلي بن أبي طالب -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: إن نفرًا من مراد يريدون قتلك، فقال علي: "إن مع كل رجل ملكين يحفظانه مما لم يُقَدَّر، فإذا جاء القدر خليا بينه وبينه، إن الأجل جُنَّة حصينة".
أيها الإخوة: وَمِنْ الملائكة مَنْ هُو مُوَكَّلٌ بحِفْظِ عمَلِ العَبدِ مِن خَيرٍ وشَرٍّ، قال الله -تعالى-: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ* كِرَامًا كَاتِبِينَ* يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ)[الانفطار: 10-12]، وقال اللهُ -تعالى-: (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُـمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ)[الزخرف: 80]؛ أي نحن نعلم ما يتناجون به وما يخفونه عن الناس من سر كلامهم، والحفظة عندهم يكتبون ما نطقوا به وما عملوا من أعمال فيكتبون الحسنات والسيئات، وسيَحفَظُ ذلك عليهم، حتى يَرِدُوا القيامةَ، فيَجِدوا ما عَمِلوا حاضِرًا، ولا يَظلِمُ رَبُّك أحَدًا.
وقال اللهُ -سُبحانَه-: (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ* مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)[ق: 17- 18]؛ أي: يأخُذُ الملَكانِ الموكَّلانِ بالإنسانِ عَمَلَه ومَنطِقَه يحفَظانِه ويَكتُبانِه، عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ، أي: أحَدُهما عن يمينِه والآخَرُ عن شمالِه، فالذي عن اليمينِ يكتُبُ الحَسَناتِ، والذي عن الشِّمالِ يكتُبُ السَّيِّئاتِ، والقعيدِ: الملازمَ الذي لا يَبرَحُ، والرَقِيبُ: الحافِظٌ العَتِيدٌ الحاضِرٌ أينما كان الإنسان.
قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: قَالَ اللهُ -عز وجل-: "إِذَا هَمَّ عَبْدِي بِسَيِّئَةٍ فَلَا تَكْتُبُوهَا عَلَيْهِ، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا سَيِّئَةً، وَإِذَا هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا فَاكْتُبُوهَا حَسَنَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا عَشْرًا"، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: رَبِّ، ذَاكَ عَبْدُكَ يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً -وَهُوَ أَبْصَرُ بِهِ-، فَقَالَ: ارْقُبُوهُ فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِمِثْلِهَا، وَإِنْ تَرَكَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً، إِنَّمَا تَرَكَهَا مِنْ جَرَّايَ"، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا أَحْسَنَ أَحَدُكُمْ إِسْلَامَهُ فَكُلُّ حَسَنَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، وَكُلُّ سَيِّئَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ بِمِثْلِهَا حَتَّى يَلْقَى اللهَ"(رواهما مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-)، قال ابن كثير: "لِلْعَبْدِ مَلَائِكَةٌ يَتَعَاقَبُونَ عَلَيْهِ، حَرَسٌ بِاللَّيْلِ وحَرَسٌ بِالنَّهَارِ، يَحْفَظُونَهُ مِنَ الْأَسْوَاءِ وَالْحَادِثَاتِ، كَمَا يَتَعَاقَبُ مَلَائِكَةٌ آخَرُونَ لِحِفْظِ الْأَعْمَالِ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، فَاثْنَانِ عَنِ الْيَمِينِ وعَنِ الشِّمَالِ يَكْتُبَانِ الْأَعْمَالَ، صَاحِبُ الْيَمِينِ يَكْتُبُ الْحَسَنَاتِ، وَصَاحِبُ الشِّمَالِ يَكْتُبُ السَّيِّئَاتِ، وَمَلَكَانِ آخَرَانِ يَحْفَظَانِهِ وَيَحْرُسَانِهِ، وَاحِدًا مِنْ وَرَائِهِ وَآخِرَ مَنْ قُدَّامِهِ، فَهُوَ بَيْنُ أَرْبَعَةِ أَمْلَاكٍ بِالنَّهَارِ، وَأَرْبَعَةٍ آخَرِينَ بِاللَّيْلِ بَدَلًا حَافِظَانِ وَكَاتِبَانِ"، كَمَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ، فَيَصْعَدُ إِلَيْهِ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بكم: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: أَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَتَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ"(رواه البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-).
معاشر الإخوة: هذا نداء لنا أن نحفظ خلواتنا من الأخطاء القولية والعملية، وأن نعلم علم اليقين أننا وإن اختفينا عن أعين البشر فمعنا كرام كاتبين لا يفارقوننا، ومن جميل فضل الرحمن الرحيم الذي هو أرحم بنا من أنفسنا أنه يوصي الملك الموكل بكتابة السيئات بعدم التعجل في كتابة السيئات وأن يكتبها واحدة!، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ صَاحِبَ الشِّمَالِ لِيَرْفَعُ الْقَلَمَ سِتَّ سَاعَاتٍ عَنِ الْعَبْد الْمُسْلِمِ الْمُخْطِئِ أَوِ الْمُسِيءِ، فَإِنْ نَدِمَ وَاسْتَغْفَرَ اللهَ مِنْهَا أَلْقَاهَا، وَإِلَّا كُتِبَتْ وَاحِدَةً"(رواه الطبراني عَنْ أَبِي أُمَامَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وصححه الألباني).
أيها الإخوة: ومن الـمَلَائِكَةِ من يسجل الذين يحضرون الجمعة الأول فالأول، قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَقَفَتِ الْمَلَائِكَةُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، يَكْتُبُونَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ، وَمَثَلُ الْمُهَجِّرِ كَمَثَلِ الَّذِي يُهْدِي بَدَنَةً، ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي بَقَرَةً، ثُمَّ كَبْشًا، ثُمَّ دَجَاجَةً، ثُمَّ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ طَوَوْا صُحُفَهُمْ وَيَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ"(رواه البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-).
وَبَيَّنَ صِفَةَ الصُّحُفِ فِيمَا أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما- مَرْفُوعًا: "إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ بَعَثَ اللَّهُ مَلَائِكَةً بِصُحُفٍ مِنْ نُورٍ وَأَقْلَامٍ مِنْ نُورٍ، فَيَجْلِسُونَ عَلَى أَبْوَابِ الـمَسَاجِدِ، فَيِكْتُبُونَ الأَولَ فَالأَولَ حَتى تُقَامَ الصَلَاةُ"، قَالَ ابنُ حَجَرٍ -رَحِمَهُ الله-: "وَهُوَ دَالٌّ عَلَى أَنَّ الْمَلَائِكَةَ الْمَذْكُورِينَ غَيْرُ الْحَفَظَةِ، وَالْمُرَادُ بِطَيِّ الصُّحُفِ طَيُّ صُحُفِ الْفَضَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمُبَادِرِ إِلَى الْجُمُعَةِ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ وَإِدْرَاكِ الصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَالْخُشُوعِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَكْتُبُهُ الْحَافِظَانِ قَطْعًا".
وتتنزلُ الْمَلَائِكَةُ عندما يقرأ المؤمن القرآن فَعَنْ الْبَرَاءَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَرَأَ رَجُلٌ سُورَةَ الْكَهْفَ، وَفِي الدَّارِ دَابَّةٌ فَجَعَلَتْ تَنْفِرُ فَنَظَرَ فَإِذَا ضَبَابَةٌ أَوْ سَحَابَةٌ قَدْ غَشِيَتْهُ، قَالَ: فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: "اقْرَأْ فُلَانُ؛ فَإِنَّهَا السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ عِنْدَ الْقُرْآنِ أَوْ تَنَزَّلَتْ لِلْقُرْآنِ"(رواه مسلم وأحمد)، وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: "أَنَّ أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- بَيْنَمَا هُوَ لَيْلَةً يَقْرَأُ فِي مِرْبَدِهِ إِذْ جَالَتْ فَرَسُهُ، فَقَرَأَ ثُمَّ جَالَتْ أُخْرَى، فَقَرَأَ ثُمَّ جَالَتْ أَيْضًا، قَالَ أُسَيْدٌ: فَخَشِيتُ أَنْ تَطَأَ يَحْيَى فَقُمْتُ إِلَيْهَا، فَإِذَا مِثْلُ الظُّلَّةِ فَوْقَ رَأْسِي فِيهَا أَمْثَالُ السُّرُجِ، عَرَجَتْ فِي الْجَوِّ حَتَّى مَا أَرَاهَا، قَالَ: فَغَدَوْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، بَيْنَمَا أَنَا الْبَارِحَةَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ أَقْرَأُ فِي مِرْبَدِي، إِذْ جَالَتْ فَرَسِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "اقْرَأِ ابْنَ حُضَيْرٍ"، قَالَ: فَقَرَأْتُ ثُمَّ جَالَتْ أَيْضًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "اقْرَأِ ابْنَ حُضَيْرٍ"، قَالَ: فَقَرَأْتُ ثُمَّ جَالَتْ أَيْضًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "اقْرَأِ ابْنَ حُضَيْرٍ"، قَالَ: فَانْصَرَفْتُ وَكَانَ يَحْيَى قَرِيبًا مِنْهَا خَشِيتُ أَنْ تَطَأَهُ، فَرَأَيْتُ مِثْلَ الظُّلَّةِ فِيهَا أَمْثَالُ السُّرُجِ عَرَجَتْ فِي الْجَوِّ حَتَّى مَا أَرَاهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "تِلْكَ الْمَلَائِكَةُ كَانَتْ تَسْتَمِعُ لَكَ، وَلَوْ قَرَأْتَ لَأَصْبَحَتْ يَرَاهَا النَّاسُ مَا تَسْتَتِرُ مِنْهُمْ"(رواه البخاري ومسلم واللفظ له).
ومن الـمَلَائِكَةِ من هو موكل بقبض الأرواح وهو ملك الموت، قال -تعالى-: (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ)[السجدة: 11]، وقال -تعالى-: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ)[الأنعام: 61]، ولملك الموت أعوان من الملائكة، يأتون العبد بحسب عمله، فإن كان محسنًا أتوه في أحسن هيئة، وإن كان مسيئًا أتوه في أبشع هيئة، ولم يجئ مصرحا باسم ملك الموت في القرآنِ ولا في الأحاديث الصحيحة وقد جاء في بعضِ الآثارِ تسميته بعزْرائِيل ولم يثبت.
ومن أعمالهم: أنهم يقاتلون مع المؤمنين ويثبتونهم في حروبهم، ومن أعمالهم: حمايتهم للرسول -صلى الله عليه وسلم-، ومن أعمالهم: شهودهم لجنازة الصالحين، ومن أعمالهم: إظلالهم للشهيد بأجنحتهم، ومن أعمالهم: حمايتهم للمدينة ومكة من الدجال، وغير ذلك مما ثبت بالكتاب والسنة.
أسأل الله -تعالى- أن يمن علينا ببركة ملائكته واستغفارهم، إنه جواد كريم.
الخطبة الثانية:
أيها الإخوة: الملائكة تتأذى مما يتأذى منه ابن آدم، فقد ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة، فهم يتأذون من الرائحة الكريهة، والأقذار، والأوساخ، قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الْبَقْلَةِ الثُّومِ -وَقَالَ مَرَّةً: مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ- فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا؛ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ"(رواه مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما).
وقد ثبت أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يأمر بالذي يأتي إلى المسجد وبه رائحة الثوم أو البصل أن يخرج إلى البقيع، فقد قَامَ عُمَرُ بْنَ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- يَوْمَ الْجُمُعَةِ خَطِيبًا فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ تَأْكُلُونَ شَجَرَتَيْنِ لَا أُرَاهُمَا إِلَّا خَبِيثَتَيْنِ، هَذَا الثُّومُ وَهَذَا الْبَصَلُ، وَلَقَدْ كُنْتُ أَرَى الرَّجُلَ، عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُوجَدُ رِيحُهُ مِنْهُ، فَيُؤْخَذُ بِيَدِهِ حَتَّى يُخْرَجَ إِلَى الْبَقِيعِ، فَمَنْ كَانَ آكِلَهَا لَا بُدَّ فَلْيُمِتْهَا طَبْخًا"(رواه مسلم وابن ماجة، وصححه الألباني عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْيَعْمُرِيِّ)، وإخراجه -صلى الله عليه وسلم- من المسجد تأديبًا له على ما فعل من الدخول في المسجد مع وجود هذه الرائحة الكريهة فيه، ومثل ما نهي عنه بالحديث كل رائحة كريهة كروائح الجوارب والدخان وغيرها.
ومما يؤذي الملائكة ويحرم البيوت من بركة وجودهم فيها: وجود الكلاب أو الصور المحرمة فيها، قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا تَصَاوِيرُ"(رواه البخاري عَنْ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-)، وسَبَبُ اِمْتِنَاعِهِمْ مِنْ دُخُولِ بَيْتٍ فِيهِ صُورَة، أو كَلْب؛ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ اِتِّخَاذهَا، فَعُوقِبَ مُتَّخِذُهَا بِحِرْمَانِهِ دُخُولَ الْمَلَائِكَةِ بَيْتَه، وَصَلَاتُهَا فِيهِ، وَاسْتِغْفَارُهَا لَهُ، وَتَبْرِيكُهَا عَلَيْهِ وَفِي بَيْتِه، وَدَفْعِهَا أَذَى الشَّيْطَانِ، وَهَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ لَا يَدْخُلُونَ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ أَوْ صُورَة، هُمْ مَلَائِكَةٌ يَطُوفُونَ بِالرَّحْمَةِ وَالتَّبْرِيكِ وَالِاسْتِغْفَار، وَأَمَّا الْحَفَظَةٌ، فَيَدْخُلُونَ فِي كُلِّ بَيْت، وَلَا يُفَارِقُونَ بَنِي آدَمَ فِي كُلِّ حَالِ؛ لِأَنَّهُمْ مَأمُورُونَ بِإِحْصَاءِ أَعْمَالِهِمْ وَكِتَابَتِهَا.
أيها الإخوة: وللإيمان بالملائكة ثمرات، منها:
أولاً: العلم بعظمة خالقهم -تبارك وتعالى- وقوته وسلطانه.
ثانيا: شكره -تعالى- على عنايته بعباده، حيث وكل بهم من هؤلاء الملائكة من يقوم بحفظهم وكتابة أعمالهم، وغير ذلك من مصالحهم.
ثالثا: محبة الملائكة على ما قاموا به من عبادة الله -تعالى- على الوجه الأكمل، واستغفارهم للمؤمنين.
وصلوا وسلموا على الرحمة المهداة كما أمركم ربكم فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم