عناصر الخطبة
1/أسلم الناس صدورا الأنبياء والمرسلون 2/سلامة الصدر معيار الأفضلية عند الصحابة رجالا ونساء 3/سلامة الصدر من النعيم المعجَّل في الدنيا 4/الصيام يزيل ما في القلوب من الفساداقتباس
سلامة الصدر خصلة من خصال البر العظيمة، فحريٌّ بالمسلم أن يُولِيَهَا عنايتَه واهتمامَه، وخاصة في هذه الأيام ونحن نستقبل شهر الصيام، فقد جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الصيام سبب لإزالة ما في القلوب من الفساد، فتُقبل النفوسُ على الصفح والعفو والمسامحة...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونؤمن به ونتوكل عليه، ونثني عليه الخير كله، نشكره ولا نكفره، ونخلع ونترك من يفجره، إياه نعبد، وله نصلي ونسجد، وإليه نسعى ونحفد، نرجو رحمته ونخشى عذابه، إن عذابه الجد بالكفار ملحق، وأشهد ألا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانةَ، ونصح للأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين من ربه، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد معاشر المؤمنين: أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله -عز وجل-، فهي وصية الله -تعالى- للأولين والآخِرِينَ (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)[النِّسَاءِ: 131].
أمة الإسلام: انتصف شهر شعبان وانقضت أيامه ولياليه ولم يبق منه إلا القليل ولا يزال بعض الناس -هدانا الله وإياهم- في مشاحنة وَمُشَاحَّة، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَطَّلِعُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ عَلَى عِبَادِهِ فَيَغْفِرُ لِأَهْلِ الْأَرْضِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ"(رواه ابن ماجه).
فلم يذكر صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق لا صيامَ ولا قيامَ، وإنما ذكَّر أُمَّتَهُ بأمر عظيم، عند استقبالهم للشهر الكريم؛ ألا وهو سلامة القلب وتوحيد الرب؛ وذلك إذا مضى نصف شعبان فهو إيذان بانتهائه ومجيء ما بعده، فمن جمع في صدره التوحيد وسلامة قلبه فقد استوجب الرحمة والمغفرة من ربه.
القلب السليم -يا عباد الله- هو الذي سَلِمَ من كل شبهة تعارض خبر الله، ومن كل شهوة تُبعده عن الله، قال ابن القيم: "ولا يتم له سلامته مطلقًا؛ حتى يسلم من خمسة أشياء: من شرك يناقض التوحيدَ، وبدعة تخالف السُّنَّة، وشهوة تخالف الأمر، وغفلة تناقض الذِّكْر، وهوى يناقض التجريد والإخلاص"، فالقلوب السليمة هي التي امتلأت بالتقوى والإيمان ففاضت بالخير والبر والإحسان، وتزيَّن أصحابُها بكل خُلُق جميل، وانطوت سريرتهم على النقاء وحب الخير للآخرين، فلذا أسلم الناس صدورا وأطهرهم قلوبا هم الأنبياء والمرسلون، الذين أحبوا الخير لأقوامهم وأممهم وبذلوا أنفسهم في نصحهم وإرشادهم، وتعليمهم وهدايتهم؛ فهذا الكريم ابن الكريم ابن الكريم بعدَ فِعْلِ إخوتِه فيه ما حكاه اللهُ -تعالى- لنا في القرآن العظيم، فلما أَمْكَنَ منهم قال: (لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)[يُوسُفَ: 92].
وأما نبينا -صلى الله عليه وسلم- فقد مَنَّ الله عليه بانشراح صدره، وسلامة قلبه وطهارة نفسه، فقد أُوذِيَ صلى الله عليه وسلم أشدَّ ما تكون الأذية في سبيل دعوته، ومع هذا كان أسلم الناس صدرا، وأكثرهم عفوا؛ ففي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: " كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْكِي نَبِيًّا مِنْ الأَنْبِيَاءِ ضَرَبَهُ قَوْمُهُ فَأَدْمَوْهُ، فَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ، وَيَقُولُ: اللهم اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ"، والصحابة -رضي الله عنهم- وأرضاهم هم أطهر الناس قلوبا بعد الأنبياء، فقد وصفهم الله -جل وعلا- بقوله: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[الْحَشْرِ: 9]، وفي غزوة أُحُد أحب صلى الله عليه وسلم أن يشحذ هِمَمَ أصحابِه فحثَّهم على القتال ووعدَهم النصرَ وأخذ صلى الله عليه وسلم سيفًا فقال: "مَنْ يَأْخُذُ مِنِّي هَذَا؟، فَبَسَطُوا أَيْدِيَهُمْ، كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ يَقُولُ: أَنَا، أَنَا، قَالَ: فَمَنْ يَأْخُذُهُ بِحَقِّهِ؟، قَالَ: فَأَحْجَمَ الْقَوْمُ. فَقَالَ أَبُو دُجَانَةَ: أَنَا آخُذُهُ بِحَقِّهِ. قَالَ: فَأَخَذَهُ فَفَلَقَ بِهِ هَامَ الْمُشْرِكِينَ" (رواه مسلم).
وحين حضرت الوفاة أبا دجانة -رضي الله عنه- كان وجهه يتهلل، فلما سئل عن ذلك لم يتذكر تلك المواقفَ الجليلةَ مِنْ نُصرته لله ورسوله، وإنما تذكر شيئا آخر فقال: "ما من عملي شيء أوثق عندي من اثنتين: أما إحداهما: فكنتُ لا أتكلم فيما لا يعنيني، وأما الأخرى: فكان قلبي للمسلمين سليما".
فمعيار الأفضلية عند أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- كان بطهارة القلوب وسلامة الصدور، لا بكثرة العبادات ولا بتنوع الطاعات، قال إياس بن معاوية في وصف أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كان أفضلهم عندهم أسلمهم صدرا، وأقلهم غيبة"، ولقد كانت سلامة الصدر لدى الرعيل الأول لا تختص بالرجال دون النساء، فلما وقعت حادثة الإفك، قالت عائشة -رضي الله عنها-: "وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسأل زينب عن أمري، وهي التي كانت تساميني من أزواج رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: "يا زينب، ماذا علمتِ أو رأيتِ؟" فقالت: يا رسول الله، أحمي سمعي وبصري ما علمتُ إلا خيرا" (رواه البخاري في صحيحه)، وفي (مستدرك الحاكم) قالت عائشة -رضي الله عنها-: "دعتني أم حبيبة عند موتها، فقالت: قد كان بيننا ما يكون بين الضرائر فغفر الله ذلك كلَّه وتجاوز، وحللتُكِ من ذلك كله، فقالت عائشة: سررتني سَرَّكِ اللهُ، وأرسلت أم حبيبة إلى أم سلمة فقالت لها مثل ذلك".
معاشر المؤمنين: لقد تعهد سلفنا الصالح -رحمهم الله- سلامة صدروهم وطهارة قلوبهم واهتموا بذلك أشد الاهتمام، ففي (مناقب الإمام أحمد)، قال الحسن بن عبد الله الخرقي: "بِتُّ مع أحمد ليلة فلم أره ينام إلا يبكي، إلى أن أصبحت، فقلت: يا أبا عبد الله، كثر بكاؤك الليلة فما السبب؟ قال أحمد: ذكرتُ ضربَ المعتصم إياي ومَرَّ بي في الدرس قوله -تعالى-: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ)[الشُّورَى: 40]، فسجدتُ وأحللتُه من ضربي في السجون، وكان يقول: العفو أفضل وما ينفعكَ أن يُعَذَّب أخوكَ المسلمُ بسببك، لكن لِتَعْفُ وَتَصْفَحْ عنه، فيغفر الله لك كما وعدك، يريد قول الله -تعالى-: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[النُّورِ: 22].
وقال ابن القيم: "ما رأيت أحدا أجمع لخصال الصفح والعفو وسلامة الصدر من ابن تيمية، وإن أحد تلاميذه بشره بموت أكبر أعدائه الذين آذوه، فنهره ابن تيمية وغضب عليه وقال: تبشرني بموت مسلم؟ واسترجع وقام من فوره فعزى أهل الميت وقال لهم: إني لكم مكان أبيكم، إني لكم مكان أبيكم".
معاشر المؤمنين: لقد جاءت الشريعة المباركة بالمحافظة على تصفية القلوب، وسلامة الصدور ووحدة الصفوف، فأمر -صلى الله عليه وسلم- في الصلاة بتسوية الصفوف وقال: "عِبَادَ اللَّهِ، لَتُسَوُّونَ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ أَوْ قُلُوبِكُمْ"، قال النووي -رحمه الله-: "أي: يُوقع بينَكم العداوة والبغضاء واختلاف القلوب".
وفي (صحيح مسلم): "لا يبيع الرجلُ على أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه، وفي لفظ آخر: ولا يسوم على سوم أخيه" كل ذلك للمحافظة على سلامة الصدور، بل مغفرته الله -تعالى- للعبد لا تحصل إلا بسلامة صدره، فيا عبد الله، نَقِّ قلبَكَ يُغْفَرْ ذنبُكَ، ففي (صحيح مسلم) أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: " تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا، إِلَّا رَجُلٌ كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا".
إن سلامة الصدر -يا عباد الله- نعمة ربانية ومنحة إلهية ينتج عنها مجتمع متماسك لا تهزه العواصف ولا تؤثر فيه الفتن، بل النصر والتمكين حليفه: (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ)[الْأَنْفَالِ: 62-63]، قال صاحب "فتح القدير": "إن ائتلاف قلوب المؤمنين هو من أسباب النصر التي أيد الله بها رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
أمة الإسلام: إن أصحاب القلوب السليمة ليبلغون المنازل العالية بنقاء قلوبهم ما لا يبلغه الصائمون القائمون بصلاتهم وصيامهم، فقد أخرج (أحمد في مسنده) من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- في الرجل الذي قال عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة" فطلع رجل من الأنصار تَنْطُفُ لحيتُه من وضوئه، وتكرر ذلك ثلاثَ مرات في ثلاثة أيام، فبات عنده عبد الله بن عمرو ثلاث ليال؛ ليعرف خبيئة هذا الرجل، فلم يره كثير صلاة ولا صيام، فسأله فقال: ما هو إلا ما رأيتَ، غيرَ أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غِشًّا، ولا أحسد أحدًا على خير أعطاه الله إياه، فقال عبد الله: هذه التي بَلَغَتْ بِكَ، وهي التي لا نُطِيقُ".
ولما سئل صلى الله عليه وسلم عن أفضل الناس بَيَّنَ أن أفضليتَه بصلاح قلبه ونقائه من الشرك والغِلّ والحقد والحسد، فعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: "قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ قَالَ: "كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَانِ" قَالُوا: صَدُوق اللِّسَان قد عَرَفْنَاهُ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ؟ قَالَ: "التَّقِيُّ النَّقِيُّ لَا إِثْمَ فِيهِ وَلَا بَغْيَ وَلَا غِلَّ وَلَا حَسَدَ" (رواه ابن ماجه).
ولما كان الغل والحقد والحسد من أسباب الشقاء نزعه الله -تعالى- من قلوب أهل دار البقاء، فسلامة الصدر من النعيم المعجَّل في الدنيا قبل نعيم الآخرة، (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ) [الْحِجْرِ: 47]، وفي (صحيح البخاري): " أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، وَالَّذِينَ عَلَى آثَارِهِمْ كَأَحْسَنِ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً، قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، لاَ تَبَاغُضَ بَيْنَهُمْ وَلاَ تَحَاسُدَ" قال يونسُ الصدفيُّ: "ما رأيتُ أعقلَ من الشافعي؛ ناظرتُه يومًا في مسألة ثم افترقنا ولقيني فأخذ بيدي ثم قال: "يا أبا موسى، ألا يستقيم أن نكون إخوانًا وإن لم نتفق في مسألة؟!".
قال رجل لابن السِّمَاكِ وقد حصل بينَهما خلافٌ: "الميعاد بيني وبينك غدًا نتعاتب، فقال له ابن السِّمَاك: بل بيني وبينَكَ غدا نتغافر".
نعم يا عباد الله: ما أحوجنا إلى صدور سليمة وقلوب طاهرة؛ فليس أقرَّ للعين ولا أبعد للهموم والغموم من أن يعيش المرء بقلب سليم، إذا رأى ما يكره من إخوانه تَغَافَلَ، قال عثمان بن زائدة: "قلتُ للإمام أحمد: العافية عشرة أجزاء تسعة منها في التغافل، فقال أحمد: العافية عشرة أجزاء كلها في التغافل"، وإذا رأى المسلم نعمة تنساق لأخيه قال: اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد ولك الشكر، وإذا رأى غير ذلك رثى لإخوانه وتألَّم لألمهم ودعا لهم، واجتهد في نصرتهم، وبهذا يحيا المسلمُ طاهرَ القلبِ، سليمَ الصدرِ، راضيًا عن الله، ناجيًا من عقابه، فلا نجاةَ يومَ القيامة إلا بسلامة القلب، يومَ لا ينفع مال ولا بنون إلا مَنْ أتى اللهَ بقلب سليم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[الْحَشْرِ: 10].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بسنة سيد المرسلين، أقول قولي هذا وأستغفر الله -تعالى- لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، كما يليق بجلال ربنا وعظمته وكماله، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله، وعلى من سار على نهجه ومنواله.
أما بعد معاشر المؤمنين: إن سلامة الصدر خصلة من خصال البر العظيمة، فحريٌّ بالمسلم أن يُولِيَهَا عنايتَه واهتمامَه، وخاصة في هذه الأيام ونحن نستقبل شهر الصيام، فقد جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الصيام سبب لإزالة ما في القلوب من الفساد، فتُقبل النفوسُ على الصفح والعفو والمسامحة، فعن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: "سمعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "صَوْمُ شَهْرِ الصَّبْرِ –أي: رمضان- وَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ صَوْمُ الدَّهْرِ، وَيُذْهِبُ مَغَلَّةَ الصَّدْرِ، قَالَ: قُلْتُ: وَمَا مَغَلَّةُ الصَّدْرِ؟ قَالَ: رِجْزُ الشَّيْطَانِ".
ومما يعين على سلامة الصدر: الإخلاص لله -تبارك وتعالى- والطاعة لولاة الأمور ولزوم جماعة المسلمين، ففي (مسند الإمام أحمد) أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ: إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ , وَالنَّصِيحَةُ لِوُلَاةِ الْأَمْرِ , وَلُزُومُ الْجَمَاعَةِ , فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تَكُونُ مِنْ وَرَائِهِمْ".
ومن أعظم أسباب سلامة الصدر: الإقبال على كتاب الله -تعالى- تلاوةً وحفظًا، وتعلمًا وتدبرًا، فكلما أقبل العبد على كتاب ربه سلم صدره، وصلح قلبه، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)[يُونُسَ: 57].
ثم اعلموا معاشر المؤمنين أن الله أمركم بأمر كريم، ابتدأ فيه بنفسه فقال عز من قائل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56]، اللهم صَلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وكرمك وجودك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واحم حوزة الدين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا، رخاء سخاء وسائر بلاد المسلمين، اللهم أصلح أحوال إخواننا المسلمين في كل مكان، برحمتك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم فرِّج همَّ المهمومين من المسلمين، ونفِّس كربَ المكروبين، واقضِ الدَّيْنَ عن المدينين، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم انصر جنودَنا المرابطينَ على حدود بلادنا، اللهم أيِّدْهُم بتأييدك واحفظهم بحفظك، اللهم كن لهم معينا ونصيرا، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم إنا نسألك بفضلك ومنتك أن تحفظ بلاد المسلمين من كل سوء، اللهم احفظ بلاد الحرمين، اللهم احفظها بحفظك واكلأها برعايتك، اللهم أدم أمنها ورخاءها واستقرارها برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم من أرادنا وبلادنا وبلاد المسلمين بسوء فاجعل تدبيره تدميرا عليه يا قوي يا عزيز، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم وفق خادم الحرمين لما تحب وترضى، وَاجْزِهِ عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، اللهم وفق جميع ولاة أمور المسلمين لما تحبه وترضاه.
اللهم انصر جنودنا المرابطين على حدود بلادنا، اللهم أيدهم بتأييدك واحفظهم بحفظك يا أرحم الراحمين.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات برحمتك وفضلك وجودك ومنتك يا أرحم الراحمين، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا. ربنا إنك رؤوف رحيم، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الصَّافَّاتِ: 180-182].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم