عناصر الخطبة
1/كثرة الشكوى من القلق والأرق 2/ماهية التوحيد ودوره في انشراح الصدر 3/دور الْعِلْمُ الشَّرْعِيُّ في انشراح الصدر 4/الاكثار من ذِكْر اللهِ والدُّعَاءِ 5/الْمُبَادَرَةُ إِلَى تَرْكِ الْمَعَاصِي وَمُحَاسَبَةِ النَّفْسِ 6/أَدَاءُ الْفَرَائِضِ وَالتَّزَوُّدُ مِنَ النَّوَافِلِ 7/قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ 8/الرِّضَا بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ 9/الرضا بِالْمَصَائِبِ والصبر عليهااقتباس
إِنَّ ضِيقَ الصَّدْرِ وَالْقَلَقِ وَالأَرَقِ مِمَّا كَثُرَتِ الشَّكْوَى مِنْهُ، وَتَنَغَّصَتْ حَيَاةُ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ بِسَبَبِه، فَصَارَ الإِنْسَانُ مِنْ رَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ حَبِيسَ الْهَوَاجِسِ وَالْوَسَاوِسِ، أَسِيرَاً لِكَيْدِ الشَّيْطَانِ، مُرْتَهِنَاً بِقُوَّةِ تَلْبِيسِهِ عَلَيْهِ؛ حَتَّى كَثُرَتِ العَيَادَاتِ النَّفْسِيَّةِ، وَتَنَوْعَتِ العَقَاقِيرُ الطِبِّيَةُ لِعَلَاجِ هَذِهِ الحَالَةِ الْمُسْتَعْصِيَةَ، وَالنَّتِيجَةُ أَنَّ هَذِهَ الْحُلُولُ مُؤَقَّتَةٌ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَحْيَانِ، وَيَبْقَى طَولَ حَيَاتِهِ تَحْتَ تَأْثِيرِ الْمُهَدِّئَاتِ الطِبِّيَةِ وَالعِلَاجَاتِ الوَقْتِيَة!. أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ نَتَطَرَّقُ -بِإِذْنِ اللهِ تعالى- لِـ...
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ للهِ الذِي شَرَحَ صَدْرَ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ لِلْهِدَايَةِ بِرَحْمَتِه، وَأَضَلَّ عَنِ الطَّرِيقِ مَنْ شَاءَ بِعَدْلِهِ وَحِكْمَتِه، الْحَمْدُ للَّه مَالِكِ الْمُلْكِ يُؤْتِي الْمُلْكَ مَن يَشَاء، وَيَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن يَشَاء، وَيُعِزُّ مَن يَشَاء وَيُذِلُّ مَن يَشَاء بِيَدِهِ الْخَيْرُ هُوَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
أَشْهَدُ أنْ لا إِلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ ورسُولُهُ، صلَّى اللهُ عليْهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلَّمَ تَسْلِيمَاً كثَيراً.
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ ضِيقَ الصَّدْرِ وَالْقَلَقِ وَالأَرَقِ مِمَّا كَثُرَتِ الشَّكْوَى مِنْهُ، وَتَنَغَّصَتْ حَيَاةُ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ بِسَبَبِه، فَصَارَ الإِنْسَانُ مِنْ رَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ حَبِيسَ الْهَوَاجِسِ وَالْوَسَاوِسِ، أَسِيرَاً لِكَيْدِ الشَّيْطَانِ، مُرْتَهِنَاً بِقُوَّةِ تَلْبِيسِهِ عَلَيْهِ؛ حَتَّى كَثُرَتِ العَيَادَاتِ النَّفْسِيَّةِ، وَتَنَوْعَتِ العَقَاقِيرُ الطِبِّيَةُ لِعَلَاجِ هَذِهِ الحَالَةِ الْمُسْتَعْصِيَةَ، وَالنَّتِيجَةُ أَنَّ هَذِهَ الْحُلُولُ مُؤَقَّتَةٌ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَحْيَانِ، وَيَبْقَى طَولَ حَيَاتِهِ تَحْتَ تَأْثِيرِ الْمُهَدِّئَاتِ الطِبِّيَةِ وَالعِلَاجَاتِ الوَقْتِيَة!.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ نَتَطَرَّقُ -بِإِذْنِ اللهِ تعالى- لِبَعْضِ الأَسْبَابِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَى انْشِرَاحِ الصَّدرِ، وَهَنَاءِ العَيْشِ، وَسَعَادَةِ القَلْبِ.
فَأَعْظَمُ سَبَبٍ لِطِيْبِ الحَيَاةِ: تَوْحِيدُ اللهِ -تعالى-، وُذَلِكَ بِحُسْنِ الاعْتِقَادِ، وَصِحْةِ العَمَل.
فَالتَّوْحِيْدُ أَنْ: تَعْتَقِدَ أَنَّ اللهَ -عز وجل- هُوَ الخَالِقُ لِهَذَا الكَوْنِ والْمُدَبِّرُ لَهُ وَالْمَالِكُ لِكُلَّ شَيء.
التَّوْحِيْدُ أَنْ: تُقِرُّ بَأَسْمَاءِ اللهِ الْحُسْنَى، وَصِفَاتِهِ العُلْيَا، الوَارِدَةِ فِي الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى الوَجْهِ اللَّائِقِ بِهِ عز وجل.
التَّوْحِيْدُ أَنْ: تَصْرِفَ جَمِيعَ عِبَادَاتِكَ للهِ -عز وجل- دُونَ مَنْ سِوَاه، قال الله -تعالى-: (إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا)[مريم: 93 -95].
وَقَالَ سبحانه: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام: 162 -163].
فَعَلَى حَسَبِ كَمَالِ تَوْحِيدِك وَقُوَّتِهِ وَزِيَادَتِهِ يَكُونُ انْشِرَاحُ صَدْرِك وَرَاحَتِه.
السَّبَبُ الثَّانِي: الْعِلْمُ الشَّرْعِيُّ، فَالْعِلْمُ يُوَسِّعُ الصَّدْرَ وَيَشْرَحُهُ، وَالْجَهْلُ يُورِثُهُ الضِّيقَ وَالْحَصْرَ وَالْحَبْسَ، وَكُلَّمَا زَادَ عِلْمُكُ وَاتَّسَعَ انْشَرَحَ صَدْرُكَ وَاتَّسَع، وَلَيْسَ هَذَا لِكُلِّ عِلْمٍ، بَلِ الْمُرَادُ الْعِلْمُ الشَّرْعِيُّ الْمَوَرُوثُ عَنِ الرَّسُولِ -صلى الله عليه وسلم-، فَهُوَ الْعِلْمُ النَّافِعُ، وَأَهْلُهُ أَشْرَحُ النَّاسِ صَدْرَاً، وَأَوْسَعُهُمْ قُلُوبَاً، وَأَحْسَنُهُمْ أَخْلَاقاً، وَأَطْيَبُهُمْ عَيْشَاً.
أَمَّا السَّبَبُ الثَّالِثُ: فَهُوَ ذِكْرُ اللهِ -تعالى- وَكَثْرَةُ الدُّعَاءِ؛ فَيَا مَنْ ضَاقَ صَدْرُهُ، وَتَكَدَّرَ أَمْرُهُ، ارْفَعْ أَكُفَّ الضَّرَاعَةِ إِلَى مَوْلاكَ، وَبُثَّ إِلَيْهِ حُزْنُكَ وَشَكْوَاكَ، وَاذْرِفِ الدَّمْعَ بَيْنَ يَدَيْهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ أَرْحَمُ بِكَ مِنْ أُمِّكَ وَأَبِيكَ، فَأَكْثِرْ دُعَاءَهُ لا سِيَّمَا فِي السُّجُودِ، فَأَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ.
وَأَخُصُّ بِذَلِكَ الأَدْعِيَةَ الوَارِدَةَ فِي هَذَا الشَّأْنِ، مِمَّا جَاءَتْ بِهِ الأَحَادِيثُ الصَّحَيحَةِ عَنْ نَبِيِّنَا -صلى الله عليه وسلم-؛ وَمِنْهَا: أَنْ تَقُولَ: "لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيم، لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيم، لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيم"[مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-.
وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ -رَضِيَ اللهُ تعالى- عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "دَعَوَاتُ الْمَكْرُوبِ: "اللَّهُمَّ رَحْمَتُكَ أَرْجُو فَلا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ" [أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ].
وَاسْتَمِعُوا -أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ- لِهَذَا الدُّعَاءِ الْعَظِيمِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَا قَالَ عَبْدٌ قَطُّ إِذَا أَصَابَهُ هَمٌّ أَوْ حَزَنٌ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ ابْنُ عَبْدِكَ ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجَلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ غَمِّي، إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَ حُزْنِهِ فَرَحًا" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَعَلَّمَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ؟ قَالَ: "أَجَلْ، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهُنَّ أَنْ يَتَعَلَّمَهُنَّ"[رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ].
السَّبَبُ الرَّابِعُ: الْمُبَادَرَةُ إِلَى تَرْكِ الْمَعَاصِي وَمُحَاسَبَةِ النَّفْسِ: إِنَّ الْمَعْصِيَةَ ذُلٌّ وَطَرْدٌ، وَإِبْعَادٌ عَنْ رَحْمَةِ اللهِ -تعالى-، وَهَمٌّ وَغَمٌّ وَضِيقُ صَدْرٍ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُ: كَيْفَ تُرِيدُ مَخْرَجَاً لَكَ مِمَّا أَنْتَ فِيهِ وَأَنْتَ تَرْتَعُ فِي الْمَعَاصِي؟
يَا عَجَبَاً لَكَ! تَسْأَلُ اللهُ لِنَفْسِكَ حَاجَتَهَا، وَتَنْسَى جِنَايَتَهَا، أَلَمْ تَعْلَمْ هَدَاكَ اللهُ -تعالى- أَنَّ الذُّنُوبَ بَابٌ عَظِيمٌ تَرِدُ مِنْهُ الْمَصَائِبَ عَلَى الْعَبْدِ.
أَخِي الْمُسْلِم: اعْلَمْ أَنَّ مَا تُجازَى بِهِ مِنْ ضِيقِ الصَّدْرِ، وَقَسْوَةِ الْقَلْبِ، وَتَشتُّتِهِ وَظُلْمَتِهِ وَغَمِّهِ وَهَمِّهِ، عُقُوبَاتٌ عَاجِلَةٌ، وَنَارٌ دٌنْيَوِيَّةٌ، وَجَهَنَّمُ حَاضِرَةٌ بِسَبَبِ مَا اقْتَرَفْتَ مِنَ الْمَعَاصِي وَجَزَاءَ مَا اكْتَسَبْتَ مِنَ السَّيِّئَاتِ، قَالَ -تعالى-: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)[طـه: 124].
فَبَادِرْ إِلَى إِصْلَاحِ أَمْرِكَ، وَاصْدُقِ التَّوْبَةَ مَعَ رَبِّكَ، وَاغْتَنِمْ حَيَاتَكَ قَبْلَ أَنْ يَفْجَأَكَ الْمَوْتُ، ثُمَّ تَعُضُّ أَصَابِعَ النَّدَمِ، وَتَقُولَ: (يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي)[الفجر: 24].
وَتَقُولَ: (رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ)[المؤمنون: 99- 100].
فَجَاهِدْ نَفْسَكَ عَلَى طَاعَةِ رَبِّكَ، وَعَلَى تَرْكِ الْمَعَاصِي، وَبَادِرْ بِالتَّوْبَةِ، وَسَتَرَى -بِإِذْنِ اللهِ- مَا يَشْرَحُ صَدْرَكَ، وَيُنِيرُ قَلْبَكَ، وَتَعِيشَ حَيَاةَ السُّعَدَاءِ، وَتَمُوتَ بِإِذْنِ اللهِ مَوْتَ الشُّهَدَاءِ: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت: 69].
السَّبَبُ الْخَامِسُ: أَدَاءُ الْفَرَائِضِ، وَالتَّزَوُّدُ مِنَ النَّوَافِلِ؛ فَالْمُدَاوَمَةُ عَلَى فَرَائِضِ اللهِ، وَالإِكْثَارُ مِنَ السُّنَنِ مِنْ أَسْبَابِ مَحَبَّةِ اللهِ لَكَ.
فَإِذَا أَحَبَّكَ اللهُ أَسْعَدَكَ، فَقِيَامُ اللَّيْلِ وَالوِتْرِ، وَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَصَلاةُ الضُّحَى، وَوِرْدُ الْقُرْآنِ الثَّابِتِ وَأَذْكَارُ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ وَالنَّوْمِ، وَكَثْرَةُ التَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ مِمَّا يُرْضِي رَبَّكَ عَنْكَ؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ"[أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ].
فَأَكْثِرْ مِنَ الدُّعَاءِ بِقَوْلِكَ: "اَللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ".
فِي سُجُودِكَ وَقَبْلَ السَّلَامِ مِنْ صَلاتِكَ وَتَحَرَّ أَوْقَاتِ إِجَابَةِ الدُّعَاءِ.
أَقُولُ قَوْلِي هذا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِروهُ، إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الحمدُ للهِ رَبِّ العَالَمينَ، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنَا محمَّدٍ وعلى آلِه وصحبِه أَجْمَعينَ.
أَمَّا بعدُ:
فَإِنَّ السَّبَبَ السَّادِسُ لانْشِرَاحِ الصَّدْرِ: قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الأَسْبَابِ فِي جَلاءِ الأَحْزَانِ وَذَهَابِ الْهُمُومِ وَالْغُمُومِ، فَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ تُورِثُ الْعَبْدَ طُمَأْنِينَةَ الْقُلُوبِ، وَانْشِرَاحَاً فِي الصُّدُورِ، قَالَ اللهُ -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ)[يونس: 57].
فَاجْعَلْ لَكَ وِرْدَاً تَقْرَأُهُ كُلَّ يَوْمٍ، لا تُخِلُّ بِهِ كَجُزْءٍ يَوْمِيٍّ، وَلَوْ قَرَأْتَهُ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ أَوْ بَعْدَ الْفَجْرِ فِي الْمَسْجِدِ، وَنِعْمَ مَا فَعَلْتَ، وَسَلْ رَبَّكَ أَنْ تَكُونَ تِلاوَتَكَ لَهُ سَبَبَاً فِي شَرْحِ صَدْرِكَ، فَإِنَّ الْعَبْدَ مَتَى مَا أَقْبَلَ عَلَى رَبِّهِ بِصِدْقٍ؛ فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ مِنْ عَظِيمِ بَرْكَاتِهِ.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُ: السَّبَبُ السابع: الرِّضَا بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ، وَهَذَا مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الإِيمَانِ، فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- حِينَ سُئِلَ عَنِ الإِيمَانِ: "أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ"[رَوَاهُ مُسْلِمٌ].
فَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللهُ لَكَ تَكُنْ طَيِّبَ النَّفْسِ، هَادِئَ الْبَالِ، وَإِيَّاكَ وَالتَّطَلُّعُ لِمَا فِي أَيْدِي الآخَرِينَ فَتَشْقَى، وَلا تُحَصِّلْ شَيْئَاً، قَالَ اللهُ -تعالى-: (وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى) [طـه: 131].
وَمِنْ أَعْظَمِ مَا يَشْرَحُ اللهُ بِهِ صَدْرَكَ: أَنْ تَرْضَى بِالْمَصَائِبِ التِي تَحِلُّ بِكَ، وَتَصْبِرَ عَلَى أَلَمِهَا، فَإِنْ تَسَخَّطْتَ حَلَّ بِكَ الْهَمُّ وَنَزَلَ بِكَ الْغَمُّ، وَلَمْ يَتَغَيَّرْ مِنَ الْمُصِيبَةِ شَيْء، فَاخْتَرْ أَيَّ الطَّرِيقَيْنِ تَسْلُكْ؛ فَعَنْ صُهَيْبِ بْنِ سِنَانٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "عَجَباً لأَمْرِ المُؤمنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خيرٌ، ولَيسَ ذلِكَ لأَحَدٍ إِلاَّ للمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكانَ خَيراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكانَ خَيْراً لَهُ"[رَوَاهُ مُسْلِمٌ]..
فاللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عَيْشَ السُّعَدَاءِ، وَمَوْتَ الشُّهَدَاءِ، وَالحَشْرَ مَعَ الأَتْقِيَاءِ، وَمُرَافَقَةَ الأَنْبِيَاءِ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عِلْمَاً نَافِعَاً، وَعَمَلاً صَالِحَاً.
اَللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلمينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالمُشْرِكِينَ، وَدَمِّرْ أَعَدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينَ.
اللَّهُمَّ أَعْطِنَا وَلاَ تَحْرِمْناَ، اللَّهُمَّ أَكْرِمْنَا وَلَا تُهِنَّا، اللَّهُمَّ أَعِنَّا وَلا تُعِنْ عَليْنَا، اللَّهُمَّ انْصُرْنَا عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيْنَا.
اللَّهُمَّ صَلِّ على وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.
اللَّهُمَّ ارْضَ عَنْ صَحَابَتِهِ وَعَنِ التَّابِعِينَ، وَتَابِعِيْهِم إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَنَّا مَعَهُم بِعَفْوِكَ وَمَنِّكَ وَكَرَمِكَ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم