عناصر الخطبة
1/ مفاسد الإسراف وذم المسرفين 2/ صور من الإسراف المذموم في المجتمع 3/ إحصاءات مخيفة عن الإسراف 4/ وجوب حفظ النعم وشكرها 5/ الاعتبار بأحوال المنكوبين 6/ فتنة الترف الفكري والإسراف الانشغال 7/ أحوال المستضعفين في الشام واليمن.اقتباس
إننا أحوجُ ما نكونُ إلى المحافظة على النعم بشكر رازِقها وألا نتعامى عن الآيات والنذر التي أصابها الله لأقوامٍ كفروا نعمتَه وجحدُوا فضْلَه فأزالها الله عنهم.. أو لمن نراهم حولنا وقد تبدَّل أمنهم خوفاً وتسلط عليهم الظالم الباغي والغلاة! أو الجوعى وقد برزت عظامهم وأكلوا الجِيَف وهم محاصرون! والمترفون عنهم غافلون بصور حفلاتهم وإسرافهم يجاهرون.. مناسباتٌ بلا هدف للنساء والأطفال ومهرجاناتٌ لمزايين حيواناتٍ لا تعقل! وتصويرٌ وإعلانٌ للإسراف والمباهاة وإهدارُ النقود بالأعراس وللتخرج حفلات.. وفي الناس حولَهم من يعيشُ على الفُتات.. وفي البلدان المجاورة من فقدُوا الأمن وتسلَّط عليهم الطغاة.. ونحن نلهو بالإسراف والترف وحفلات الغناء والتفاهات..
الخطبة الأولى:
?الحمد لله حبانا النعم، وحذََّرنا التبذير والإسراف؛ لأنها سبب النقم، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن سيدنا محمداً عبده ورسولُه -صلى الله وسلم عليه-، وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً.
أما بعد.. فاتقوا الله عباد الله وتذكروا واتعظوا واعتبروا.
كانت أرضاً للخوف والجوع والفقر.. خوفٌ وجوعٌ يؤرِّخ بالسنواتِ ويُهلك الحرث والنسل.. وفَقرٌ جعلَ الرجالَ يُسافرون شَرقاً وغَرباً والنساءَ يعملْن شبَه خادمات.. يغيُر فيها القويُّ على الضعيف ويسلبُ مالَه ويريقُ دمَه..كانت الأسرُ الثلاث والأربع يعيشُون في بيتٍ واحدٍ مساحته ستون أو سبعون متراً..
الملابس رثة.. الشوارعُ ضيقةٌ وموحلة.. والمراكبُ راجلة أو على حيواناتٍ شبهُ نافقه.. عند المطرِ تخرُّ البيوتُ من فوقهم.. وإذا أصابَهم القحطُ ولَّوا هرباً من أرضِهم.. يَكادُ الطعام لا يكفيهم فيتناوبون عليه.. ويقضي المرضُ على كَثيرٍ من مواليدهم.. ولا يُعمّرُ كبيرهم.
لستُ أتكلَّم عن آسيا وإفريقيا، بل عن هذه الجزيرة التي تجمعُنا وبلادِ نجدٍ التي نعيشُ فيها.. وكبارُنا هنا يعرفون هذا الجوعَ والخوف والمسغبة.. ويذكرونه قبل عقودٍ من الزمن..
ثم أذن الله لهذهِ الأرض أن يتبدَّلَ حالُها وتُخرجَ كُنوزَها لتعرفَ فَيضاً للمال لم يعرفْه تاريخُها أبداً عبرَ الزمن.. فتغيَّر الحال.. لتصبح مهوى الأفئدةِ للعملِ والتجارةِ.. وصارت غنيَّةً على مستوى العالم.. وأصبح الحفاةُ رعاةُ الشاء.. يتطاولون في البنيان ينامون ويستيقظون ويعيشون أغنياء.. مقارنةً بغيرهم.. يؤثِّرون على اقتصادِ العالم.. يستهلكُون طاقتَه وبضاعتَه.. ويُجبَى إليها ثمراتُ كلِّ شيءٍ صيفاً وشتاءً..
أصبحت رايةً للتوحيد واحدةً بعد أن كانت راياتٍ متعدِّدَة، واجتمعت الكلمةُ وتوحَّدت القيادةُ في وطنٍ واحدٍ.. في نعمة من الله عظيمة ففاض الخير وعمَّ القريب والبعيد.. فكيف تعامل هؤلاء الذين مر بهم ذلك الفقر والخوف مع هذه النعم؟!
يرد السؤال ونحن نرى مشاهد مؤثرة ومظاهر مقلقة من الإسرافِ والتبذيرِ من خلال مناسباتٍ وحفلات ٍمتعدِّدة ومُكلِّفة للزواج أو التخرج للصغار والكبار حتى أن من يرى إسرافهم وبذخهم هذا لا يُصدِّقُ أن هؤلاء وآباءهم قبل عقودٍ من الزمن كانوا يستجدونَ اللقمة.. ويتقاتلون على الفتات.. ويهاجرون لطلب الرزق..
لم يعلموا أنه في سنة الجوع عام 1327ه جُمعت التبرعات في السودان والصومال الجائعة الآن لإنقاذ إخوانهم من المجاعة في هذه الجزيرة، وهي نذرٌ تدعونا للتأمل والاعتبار!! وحوادثُ التاريخِ مُنذ بدأِ الخليقةِ إلى زماننا هذا تصبُّ في سمعِ الدنيا من أنباءِ القرى التي فُتحت عليها النعم فما رعوْها حق رعايتها فقُطِفت في يناعِ زهوِها واستكمال بهجتِهَا.. أَتاها أمرُ الله لتذهبَ عنها النعم وهي أشدُّ ما تكونُ وثوقاً بها وافتتاناً بزهرتِها وكلُّ شيءٍ لهم على بالٍ إلا زوالها وتحوِّلها..
أحسنتَ ظنّك بالأيام إذ حَسُنت *** وغابَ عنك الذي يأتي به القدر
وسالمتك الليالي فاغترَرْتَ بها *** وعندَ صفوِ الليالي يحدثُ الكدرُ
إنها حكمة الله (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) [النحل: 112].
آياتُ القرآن واعظةٌ للذين ركنوا إلى نعم الحياة (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلاَّ الْكَفُورَ) [سبأ: 15- 17].
هذا جزاء من يكفر النعمة!! إننا أحوجُ ما نكونُ إلى المحافظة على النعم بشكر رازِقها وألا نتعامى عن الآيات والنذر التي أصابها الله لأقوامٍ كفروا نعمتَه وجحدُوا فضْلَه فأزالها الله عنهم.. أو لمن نراهم حولنا وقد تبدَّل أمنهم خوفاً وتسلط عليهم الظالم الباغي والغلاة! أو الجوعى وقد برزت عظامهم وأكلوا الجِيَف وهم محاصرون! والمترفون عنهم غافلون بصور حفلاتهم وإسرافهم يجاهرون ولا حول ولا قوة إلا بالله، وما ربك بظلامٍ للعبيد.
إذا كنت في نعمة فارعها *** فإن المعاصي تزيل النعم
وحُطْهَا بطاعة رب العباد*** فربُّ العباد سريع النقمْ
مناسباتٌ بلا هدف للنساء والأطفال ومهرجاناتٌ لمزايين حيواناتٍ لا تعقل! وتصويرٌ وإعلانٌ للإسراف والمباهاة وإهدارُ النقود بالأعراس وللتخرج حفلات.. وفي الناس حولَهم من يعيشُ على الفُتات.. وفي البلدان المجاورة من فقدُوا الأمن وتسلَّط عليهم الطغاة.. ونحن نلهو بالإسراف والترف وحفلات الغناء والتفاهات.. وغير ذلك مما لا يساهم برقيِّ أوطان ولا نهضة بلادٍ أو بناء حضارات.. فاللهم لا تؤاخذنا بما يفعل هؤلاء المترفون السفهاء منا!!
نرى المطرَ انقطعَ إلا قليلاً.. وقلّت البركة ووجد الفقر، وأصبح التفاخر بالتوافه سمةً لبعض ذوي الأموال وقلدهم حتى الفقراء.. يبذلُ أحدهم الملايين ليفوقَ غيرَه بالمشتريات ويسبقه بالشراء يسرفون بالولائم والحفلات ليس للإكرام وإنما للتفاخر.. وإذا أسرفَ أحدهم بحثَ لنفسه كيف يصرِّف النعم الباقية وإلا فمصيرها التراب.. نعوذ بالله من هذا الفساد كي لا تكونَ النعمةُ كالسراب..
يذبحون عشرات الجمال والأغنام ليفاخر بقبيلته ويضعونها على الموائد للتصوير والمباهاة؟ يُهدي طفلةً صغيرة سيارة لتخرجها من الابتدائية! يغسلون أيديهم المتسخة بدهن العود! ينثرون النعم ويريقون الدم تهويلاً! ويصوِّرون أنفسهم مجاهرةً وتمثيلاً! الله أكبر!!
أهؤلاء يعيشون في هذا العالم؟! أين الدين الذي حذَّرهم؟ أين العقل ليردعهم؟! أينَ هم من سوريا وأهلها والعراق وأهل سنّتِها؟ واليمن وجوارها؟ وإفريقيا وجوعها؟.. أين هم ممن حُوصِرُوا حتى بانت عظام أجسادهم وأكلوا الفئران؟! هل نحن في مأمنٍ من أن يُبدِّلَ اللهُ لدينا الحال فُتفقدُ النعمة؟! وهل بيننا وبين الله نسب لنكون بمنجاةٍ عن العذاب وزوال النعم الذي أصاب غيرنا؟! يقول أحد كبار السن لأولاده: "لقد حدثناكم بجوعٍ مر بنا وأخشى أن يأتي زمان تُحدِّثوا أولادكم بنعمة مرت بكم ثم فُقِدَت".. كانت الأندلس في نعمة وهناء ثم تحوّلت لبؤسٍ وشقاء.. كانوا يظنون الحال دائم فإذا هو للفناء..
لِكُلِّ شَيءٍ إِذا ما تَمَّ نُقصانُ *** فَلا يُغَرَّ بِطيبِ العَيشِ إِنسان
هِيَ الأُمُورُ كَما شاهَدتُها دُوَلٌ *** مَن سَرّهُ زَمَن ساءَتهُ أَزمانُ
وَهَذِهِ الدارُ لا تُبقي عَلى أَحَدٍ *** وَلا يَدُومُ عَلى حالٍ لَها شانُ
أَتى عَلى الكُلِّ أَمرٌ لا مَرَدّ لهُ *** حَتَّى قَضوا فَكَأنّ القَوم ما كانُوا
أين المترفون من المعتمدِ بن عباد أمير إشبيليةَ في الأندلس كان يعيشُ حياةً مترفةً غايةً في النعيم واللذة، أُبّهةً وعظمة، طيباتُ الدنيا تجلبُ له.. ذاتَ يومٍ اشتهت زوجتُه كعادةِ المترفين بحب التغيير والملل من الروتين!! أن تخوضَ في الطين! فنثرَ التراب في ساحةِ القصر ثم عجنَه بماءِ الورد لتخوضَ به هي وبناتُها.
ثم كتب الله أن دارت الدائرةُ عليه، فإذا هو مصفَّدٌ بالأغلال بسجنٍ المغرب بأغمات واستُذلَّت بناتُه حتى خدموا الناس وعادَ مرحوماً بعد أن كان محسوداً.. وبينما هو مسجونٌ دخلَت عليه بناتُه يومَ العيدِ في ملابسَ رثةٍ معهنَّ المغازلَ يغزلْن الثيابَ للناسِ لجلب القوت فقال متحسراً..
فيما مضى كنت بالأعياد مسروراً *** فساءك العيدُ في أغمات مأسورا
ترى بناتِك في الأطمار جائعةً *** يغزلْن للناس لا يملكن قطميرا
يطأن بالطين والأقدامُ حافيةٌ *** كأنها لم تطأ مسكاً وكافوراً
من باتَ بعدَك في مالٍ يسرُّ به *** فإنما بات بالأحلامِ مغروراً
كم من أمةٍ اليوم وشعبٍ ودولةٍ كان مساؤُها نعيماً مترفاً ولذةً وحديثاً لاهياً وغنى مطغياً، ثم كان صبحُها عذاباً وتشريداً وفتكاً (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) [هود: 102].
النعمُ عباد الله ابتلاءٌ من الله ليرى منا أداء حقِّها بالزكاة وشكْرِها بعدمَ الإسرافِ بها..
الإٍسرافُ ليس بالحفلات والثياب والسيارات فقط، بل أصبح الإسرافُ والترفُ سمةً للحياةِ عندنا.. رجالُنا ونساؤنا.. وحتى تصرفات أولادنا.. وتوصيل المطاعم الدائم لغدائنا وعشائنا.. إسراف بالمدح.. إسراف بالتخوف.. إسراف بالكذب ومبالغة بالتهم.. وعاداتٌ للمترفين ستكون سبباً للفساد والهلاك والتدمير إن لم ننتبه لها فسنهلك جميعاً (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً) [الإسراء: 16].
إليكم الإحصاءات عباد الله أعداد جوعى العالم حوالي مليار جائع، ويهدر يومياً مليار ونصف طن من المواد الغذائية في حاويات القمامة والطرقات على مستوى العالم..
وتبعاً للإحصاء فدول الخليج في مقدمة الدول الأكثر استهلاكاً للأغذية ففي بلدنا هنا 35% من الغذاء نفايات منزلية أي: حوالي 13 مليون طن من المواد الغذائية، وبقايا الأطعمة في مكبات النفايات، بل إن شركةً استلمت نفايات مدينة كبرى لتدوريها اكتشفت أن (65%) منها أطعمة..
وبلغ فائض الأرز بعام واحد الذي رمي بالنفايات (90) طناً قيمتها مائة مليون ريال وبلغ عدد الوجبات الغذائية المهدرة بشكل يومي في المنطقة الشرقية وحدها أربع ملايين وجبة حسب ما ذكره المسئول في جمعية إطعام وغيرها من المناطق الأقل تعليماً أكثر..
أصبح إسرافنا ظاهرة ومفاخرة حتى اضطررنا لإنشاءِ جمعياتٍ لحفظ النعمة، وإعادة الاستفادة منها، مع أن بعض الناس من زيادة جهله لا يتعاملون معها ولا يبالون بها في إسراف يُخيف ويُنذر؟!
عباد الله.. كم ذكَّر الناصحون السادرين فما تذكَّروا؟!، كم توالت على أهلِها النذرُ فلم ينتبهوا؟!، ثم أفاقوا على أمرٍ جاء بلا نذرٍ سابقةٍ ولا دلائل منذرة (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ) [الأنعام: 44].
أفاقوا على أموالهم فإذا هي سليبة.. وعلى نِعمهم فإذا هي ذكرى.. وعلى بهجتهم فإذا هي أماني.. سلوا بغداد والعراق كيف كانت في رغدٍ من العيش فماذا حصل لها، سلوا دمشق والشام وخيراتها!! وسلوا الأندلس ببهجتها ونعيمها، سلوا الكويت قبلَ سنواتٍ قريبة سلوا ومصر واليمن وليبيا الآن..
وستنطق لكم الأيامُ بأفصح لسان.. وحوادثُها بأبلغ بيان لتخبركم أن الإسراف والتبذير وعبث المترفين دمّرهم عندما نُسي شكرُ الربِّ المتفضل المنان واغتروا بالدنيا وجاهروا بالعصيان (وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون) [الأحقاف: 33].
فلنعتبر قبل أن نكونَ عبرة، ولنتذكَّر قبل أن نكون ذكرى والحوادثُ من حولنا تترى، فمن نسي فضل الله نسيَه، ومن عصاه وهو يعرفه سلّط عليه من لا يعرفه وسلبه النعمة (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الأَلِيمَ) [يونس: 96- 97].
إن ما نراه من أحداث حولنا ونحن آمنون في أرضنا يُنبهنا عن الغفلة واللهو والترف.. ومن لم توقظه القوارع فمتى يستيقظ؟ ومن لم توجعْه الحوادث فمتى يرجع؟ أما نخشى الله ونحن نقرأ (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الأنفال: 25].
إن دفع البلاء مرهونٌ بالإيمان بالله وشكر النعماء (فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ) [يونس: 98].
وتحقيقُ الإيمان باللجوء إلى الله بالدعاء (فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام: 43].
إن شكرَ اللهِ على نعمِه ليس فقط بالقول وإنما يصدّقه العمل بترك الإسراف وشكر النعمة.. وهذا سيكفي بلادنا شرَّ فتن المغرضين والحاقدين والشقاق الذي يُحدثُه المرجفون وسيبارك الله لنا بالأموال ويكفينَا شرّ الأزمات.. فلنكنْ أعظمَ وعياً وأشدَّ إيماناً وأفضل شكراً لنعمٍ نتبوأُها وبذلك وحده نحافظُ عليها.. وفي خدمةِ ديننِا وأمتِنا نُسخِّرُها..
ولا يغرّن هؤلاء المسرفين المترفين إمهالُ الله لهم وهذه المفاخرة عندهم فكم من أغنياء مترفين افتقروا وذهبوا مثلاً للتاريخ وعبرةً للناس والله أحكم وأعلم! (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ) [العنكبوت: 67].
اللهم ارزقنا شكر نعمتك، وآمنَّا من تحوِّل عافيتك ومن جميعِ سخطك.. ربنا لا تؤاخذنا بما فعل المترِفون ولا بما يتباهى به المسرفون، اللهم إنَّا نبرأُ إليك من فعلهم فلا تشملنا بسخطك عليهم أقول ما تسمعون...
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد..
فيا عباد الله.. إن من فتنة الترف الفكري والإسراف الانشغال فيما بيننا بالخلاف لأتفه الأسباب! هذا ينال من عالم أو مجتهد ويتهمه بما ليس فيه يريد إسقاطه، وهذا يريد فساد المجتمع والمرأة وضياع هيبة الهيئة! وذاك يدعو إلى ضلال.. وذلك يتعدى على المال العام.. وآخرُ في قنواته ينشرُ الفساد وتبذيرٌ وإسراف واقتتالٌ.. وتعصب على الكرة وعصبية للمناطق والقبائل فإلى متى الحال؟! نعيش لاهين مترفين وكأن العالم لا يعنينا لأن الترف عن الحق يُطغينا! فَهْمُ بَعضُنَا للدين مغلوط.. وآخرون على ثوابت الدين يجرءون!
والباقون في غفلةٍ ساهون! والمسلمون في بلدانهم تائهون! يموتون يومياً والفتن تستعر بينهم ولا منقذ ولا معين؟ والجيوش والقرارات والمنظمات جبُنت عن نصرة هؤلاء.. والهمم تقاعست حتى عن الدعاء.. لأنها التهت بكثير النعماء.. فعظُم البلاء.. وتفاقمت الضراء..!
المقدسات احتُلّت والطفلةُ تحت الركام وُئدت والأعراض انتهكت والبلاد أحرقت ونحن؟! نحن يا ويلنا! فبالترف وهوس الشراء والإسراف ضائعون وكأننا في هذه الدنيا خالدون!!
تَبكِي الحَنيفِيَّةُ البَيضَاءُ مِن أَسَفٍ *** كَما بَكى لِفِراقِ الإِلفِ هَيمَانُ
حَتّى المَحاريبُ تَبكي وَهيَ جامدَةٌ *** حَتّى المَنابِرُ تَبكي وَهيَ عيدَانُ
كَم يَستَغيثُ بِنا المُستَضعَفُونَ وَهم *** قَتلى وَأَسرى فَما يَهتَزُّ إِنسانُ
يا رُبَّ أمٍّ وَطِفلٍ حيلَ بينهُما *** كَما تُفَرّقُ أَرواحٌ وَأَبدانُ
لِمثلِ هَذا يذوب القَلبُ مِن كَمدٍ *** إِن كانَ في القَلبِ إِسلامٌ وَإِيمانُ
اللهم كن لإخواننا المستضعفين في بلاد الشام ومالي وبورما.. اللهم عجل بنصرهم.. واكفهم شر عدوك وعدوهم يا رب العالمين.. ارحم شهداءهم.. اشف مرضاهم.. عافي مبتلاهم.. أدر الدائرة على عدوك وعدوهم من مجوس حاقدين وعلوية متآمرين..
اللهم احمي جنودنا المرابطين على الحدود اللهم احفظهم وسدد رميهم وانصرهم على عدوك وعدوهم اللهم إنا نجعلك في نحورهم اللهم واجعل تدبيرهم تدميًرا عليهم، وأدر عليهم دائرة السوء يا ذا الجلال والإكرام ..
وصلِّ اللهم وسلم و بارك على نبينا محمد وعلى آله.. .
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم