عناصر الخطبة
1/موسى يدعو ربه ليشرح صدره 2/آثار ضيق الصَّدر 3/ثمرات انشراح الصدر 4/نماذج لانشراح صدر الرسول -عليه الصلاة والسلام-. 5/من أسباب انشراح الصَّدر.اقتباس
نحتاجُ إلى انشراحِ الصَّدرِ في إنجازِ المُهمَّاتِ والأعمالِ، ونحتاجُ إلى انشراحِ الصَّدرِ لأداءِ العباداتِ من أقوالٍ وأفعالٍ، فأنشطُ النَّاسِ للعملِ وتحقيقاً للنَّجاحِ هم أشرحُهم صَدراً، وأكثرُهم صَبراً؛ ولذلكَ مَنَّ اللهُ -تعالى- على نبيِّه -صلى اللهُ عليه وسلمَ- بهذه النِّعمةِ العظيمةِ فقالَ: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ)...
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، أَحْمَدُهُ -سُبْحَانَهُ- بِمَا هُوَ لَهُ أَهلٌ مِنَ الحَمْدِ وَأُثْنِي عَلَيْهِ، وَأُؤمِنُ بِهِ وَأَتَوكَّلُ عَلَيْهِ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لاَ نَعْبُدُ إِلاَّ إِيَّاهُ، وَلاَ نَستَعِينُ إِلاَّ بِهِ وَلاَ نَسأَلُ سِواهُ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ النَّبِيُّ الكَرِيمُ، الهَادِي بِإِذْنِ رَبِّهِ إِلَى صِرَاطٍ مُستَقِيمٍ، صِرَاطِ مَنْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم؛ فَزَحْزَحَهُمْ عَنِ النَّارِ وَأَزلَفَ الجَنَّةَ وَقرَّبَها إِلَيْهِمْ، اللَّهُمَّ صَـلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ أَجْمَعِينَ، وَرَضِيَ اللهُ عَنِ التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.
أَمَّا بَعْدُ: لمَّا كَلَّمَ اللهُ -تعالى- موسى -عليهِ السَّلامُ- في الطُّورِ، وأوحى إليهِ بالنُّبوَّةِ، وأراهُ آياتِه الباهراتِ، قالَ له: (اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى)[طه: 24], لا إلهَ إلا اللهُ! مهمةٌ كبيرةٌ، أحداثُها خَطيرةٌ, يُبعثُ إلى أعظمِ مَلِكٍ على وجهِ الأرضِ إذ ذاكَ، وأَشَدِّهم كُفراً، وأكثَرِهم جُنداً، طاغيةٍ مَريدٍ، جبَّارٍ عنيدٍ، تجاوزَ حدَّه، وتمرَّدَ على ربِّه، وعَلا في الأرضِ وأفسدَ فيها، وادَّعى الرُّبوبيةَ، وزعمَ الأُلوهيةَ، وكانَ موسى قد تربَّى في دارِه وعلى فِراشِه، ثُمَّ قتلَ نفساً بالخطأِ؛ فهربَ منهُ هذه المدَّةَ خوفاً أن يقتلَهُ, والآن يُؤمرُ بالرُّجوعِ إليهِ؛ ليَدعوه إلى تَوحيدِ اللهِ وطَاعتِه، وإِرْسَالِ بَني إِسْرَائيلَ مَعَهُ، وعَدَمِ تَعذيبِهِم، فماذا كانَ دُعاءُ موسى لهذه المُهمَّةِ العظيمةِ؟.
(قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي)[طه: 25]؛ اشرحْ صدري لهذه المهمةِ الكثيرةِ الأخطارِ, اشرحْ صدري فلا أخافُ من بطشِ هذا الجبَّارِ, اشرحْ صدري فلا يضيقُ من أيِّ سُخريةٍ أو استهتارٍ, اشرحْ صدري فلا حولَ لي ولا قوَّةَ إلا بكَ يا واحدُ يا قهَّارُ.
وهكذا نحتاجُ إلى انشراحِ الصَّدرِ في إنجازِ المُهمَّاتِ والأعمالِ، ونحتاجُ إلى انشراحِ الصَّدرِ لأداءِ العباداتِ من أقوالٍ وأفعالٍ، فأنشطُ النَّاسِ للعملِ وتحقيقاً للنَّجاحِ هم أشرحُهم صَدراً، وأكثرُهم صَبراً؛ ولذلكَ مَنَّ اللهُ -تعالى- على نبيِّه -صلى اللهُ عليه وسلمَ- بهذه النِّعمةِ العظيمةِ فقالَ: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ)[الشرح: 1]، فرفعَ اللهُ ذِكرَه، وأعلى قَدرَه، فنصحَ الأمَّةَ، وكشفَ الغُمَّةَ، وقامَ على أكملِ وجهٍ بأداءِ المُهمَّةِ.
ربَّاكَ ربُّكَ، جَلَّ مَنْ رَبَّاكا *** وَرَعاكَ في كَنفِ الهُدى وحَماكا
سُبحانَه أَعطاكَ فَيضَ فَضائلٍ *** لم يُعْطِهَا في العَالمينَ سِواكا
في هذه الدُّنيا، كم نتعرَّضُ لمواقفَ شِدادٍ, يضيقُ منها الصَّدرُ ويحزنُ لها الفؤادُ, فما الذي ينتجُ عن هذا الحُزنِ؟؛ كَسلٌ في البدنِ، شُعورٌ بالإحباطِ، ضَعفٌ في الإنتاجِ، بل قد يؤدي إلى تركِ العملِ النَّافعِ من أمورِ الدُّنيا والآخرةِ، وهذا مطلبٌ من مطالبِ الشَّيطانِ، أن تضيعَ الأيامُ بينَ همومٍ وأحزانٍ، (إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)[المجادلة: 10].
فنحتاجُ أن نسعى في أسبابِ انشراحِ الصُّدورِ؛ لتستعيدَ النَّفسُ نشاطَها والسُّرورَ، فإياكم والعجزَ أو الكسلَ أو الفُتورَ؛ كَمَا قَالَ -صلى اللهُ عليه وسلمَ-: "احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ"، ومن أعظمِ هذه الأسبابِ أن ترفعَ يديكَ إلى السَّماءِ وتقولَ: (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي)[طه: 25]، فاللهُ -سبحانَه وتعالى- هو الوحيدُ القادرُ على أن يشرحَ صدرَكَ، (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا)[الأنعام: 125] ، فإذا شُرحَ صَدرُكَ، تيَّسَرَ أَمرُكَ، واستُثمرَ في المُفيدِ وقتُكَ.
أيُّها الأحبَّةُ: إذا انشرحَ الصَّدرُ، دُعيَ إلى اللهِ بالحكمةِ والمواعظِ الحسانِ، وأُمرَ بالمعروفِ ونُهيَ عن المنكرِ والعِصيانِ، ورأيتَ دينَ الحقِّ يَظهرُ ويملأُ الأركانَ، إذا انشرحَ الصَّدرُ، أصبحتْ علاقةُ الولدِ بوالديهِ بِرَّاً وإحساناً، وعلاقةِ القريبِ بأرحامِه صِلةً وعِرفاناً، وعلاقةِ النَّاسِ ببعضِهم حُبَّاً وتقديراً وحناناً.
بسلامَةِ الصَّدرِ الحياةُ تَطيبُ *** وتَفيضُ بالحبِّ الكبيرِ قلوبُ
انظروا إلى انشراحِ صدرِ النَّبيِّ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- حتى في أحلكِ الظُّروفِ، بل لا وجودَ لمشاعرِ القَلقِ والخوفِ, في غزوةِ الأحزابِ، أقبلَ المُشركونَ في جيشٍ عظيمٍ، ونكثَ اليهودُ الصُّلحَ، وظهرَ النِّفاقُ، وعَظُمَ البلاءُ، وخافوا على الذَّراري والنِّساءِ، وأصابَهم الجوعُ والفَاقةُ، وكانوا يحفرونَ الخندقَ فعَرضتْ لهم صَخرةٌ لا تَأخذُ مِنها المَعاولُ، فَاشتَكوا ذلك لرِسولِ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ-، فَجاءَ وأَخذَ المِعوَلَ فَقالَ: "بسمِ اللهِ، ثم ضَربَ ضَربةً، وقَالَ: اللهُ أكبرُ، أُعطيتُ مَفاتيحَ الشَّامِ، واللهِ إنّي لأنظرُ إلى قُصورِها الحُمْرِ السَّاعةِ، ثُمَّ ضَربَ الثَّانيةَ، فقالَ: اللهُ أكبرُ، أُعطيتُ فَارسَ، واللهِ إنّي لأبصرُ قَصرَ المدائنِ الآن، ثُمَّ ضَربَ الثَّالثةَ، فقَطعَ بَقيةَ الحَجرِ، فقَالَ: اللهُ أَكبرُ أُعطيتُ مَفاتيحَ اليمنِ، واللهِ إنّي لأبصرُ صنعاءَ من مَكاني".
عندما ينشرحُ الصَّدرُ تأتي الأخلاقُ السَّمحاءُ، وتسودُ المحبةُ بينَ النَّاسِ فلا خِصامَ ولا جفاءَ، ويستطيعُ الإنسانُ أن يتغاضى عن كثيرٍ من الأخطاءِ، عَنْ أَنَسٍ -رَضيَ اللهُ عَنهُ- قَالَ: "كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ-، وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الحَاشِيَةِ، فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَبَذَهُ بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً؛ حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِهِ قَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ البُرْدِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ! مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِي عِنْدَكَ؛ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ-، ثُمَّ ضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ".
عندما تنشرحُ صدورُ الزَّوجينِ وتَأتلفُ، يكونُ للحياةِ الزَّوجيةِ طعمٌ مُختلفٌ، فلا ينبغي أن تؤثرَ على العلاقةِ الزَّوجيةِ، ما يصيبُ الرَّجلَ من ضغوطٍ خَارجيةٍ، فها هيَ عائشةُ -رضيَ اللهُ عنها- تخرجُ مع النَّبيِّ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- في بعضِ أسفارِه، ولكم أن تتخيلوا مشاعرَ من خرجَ للقتالِ، وقد أحاطَ بهِ الرِّجالُ والأبطالُ، وقد تربَّصَ بهم العدو والحالُ حالٌ!، ومع ذلكَ لم ينسَ زوجَتَه من الملاطفةِ والدَّلالِ، تَقُولُ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عنه-: خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، وَأَنَا جَارِيَةٌ لَمْ أَحْمِلِ اللَّحْمَ، وَلَمْ أَبْدُنْ، فَقَالَ لِلنَّاسِ: "تَقَدَّمُوا"؛ فَتَقَدَّمُوا، ثُمَّ قَالَ لِي: "تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ"، فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقْتُهُ، فَسَكَتَ عَنِّي، حَتَّى إِذَا حَمَلْتُ اللَّحْمَ وَبَدُنْتُ وَنَسِيتُ، خَرَجْتُ مَعَهُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَقَالَ لِلنَّاسِ: "تَقَدَّمُوا"؛ فَتَقَدَّمُوا، ثُمَّ قَالَ: "تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ"، فَسَابَقْتُهُ، فَسَبَقَنِي، فَجَعَلَ يَضْحَكُ، وَهُوَ يَقُولُ: "هَذِهِ بِتِلْكَ".
إذا انشرحَ الصَّدرُ طابَ العُمرُ، وعمَّ بينَ المسلمينَ الإخاءُ، وتنافسوا في البذلِ والعطاءِ، وانتشرَ الصَّفاءُ، ودُحرَ الأعداءُ ورضيَ من في السَّماءِ؛ ولذلكَ يحتاجُ النَّاسُ أن ينظروا إلى قُدواتٍ، وإلى ثباتِهم في أصعبِ اللَّحظاتِ، وكيفَ تنشرحُ صدورُهم بحسنِ الظُّنِ بربِّ الأرضِ والسَّمواتِ؟! فها هو أبو بكرٍ الصَّديقُ -رَضِيَ اللهُ عنه- يَقولُ: نَظَرْتُ إِلَى أَقْدَامِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى رُؤوسِنَا، وَنَحْنُ فِي الْغَارِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إِلَى قَدَمَيْهِ، أَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ، فَقَالَ -صلى اللهُ عليه وسلمَ-: "يَا أَبَا بَكْرٍ! مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا؟", (إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)[التوبة: 40]، فضيقُ الغارُ لم يُؤثرْ في انشراحِ صدرِ المُختارِ، فاللهمَّ صلِّ وسلمْ عليه عددَ ما أظلمَ عليه الليلُ وأضاءَ عليه النَّهارُ.
أقُولُ قَوْلي هَذَا، وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.
أَمَّا بَعْدُ: يحتاجُ المسلمونَ إلى انشراحِ الصَّدرِ حتى ليقوموا بأمورِ دُنياهم، فإذا انشرحَ الصَّدرُ، أتقنَ العاملُ العملَ، وحدا بالإنسانِ الأملُ، وراجَتْ سوقُ الإبداعِ، وظهرتْ براءةُ الاختراعِ، وازدهرتْ التِّجارةُ والاستثمارُ والاقتصادُ، واجتمعَ للمسلمينَ قوةُ الإيمانِ والعتادِ، وانتشرتْ ثقافةُ البِناءِ في البلادِ.
فها هو النَّبيُّ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- يُساعدُ فِي بِناءِ المَسجدِ بِنَفْسِهِ, ويَنْقُلُ اللَّبِنَ وَالْحِجَارَةَ مَعَ أَصْحَابِهِ بِنَفْسٍ مُنْشَرِحَةٍ وَهُوَ يَقُولُ:
اللَّهُمَّ لَا عَيْشَ إِلَّا عَيْشُ الْآخِرَهْ *** فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ
هَذَا الْحِمَالُ لَا حِمَالَ خَيْبَرْ *** هَذَا أَبَرُّ رَبَّنَا وَأَطْهَرْ
أيُّها الأحبابُ: إن من أكبرِ أسبابِ انشراحِ الصَّدرِ -بعدَ الدَّعاءِ- هو قِراءةُ القرآنِ الكَريمِ تَدبُّراً وتَأمُّلاً؛ فهو من أَعظمِ الأسبابِ في جلاءِ الهُمومِ، وذَهابِ الأحزانِ والغُمومِ؛ فقِراءةُ القرآنِ تُورثُ العبدَ طُمأنينةً في القُلبِ، وانَشراحاً في الصَّدرِ، (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)[الرعد: 28].
يَا مُنْزِلَ الآيَاتِ وَالْفُرْقَانِ *** بَيْنِي وَبَيْنَكَ حُرْمَةُ الْقُرْآنِ
اِشْرَحْ بِهِ صَدْرِي لِمَعْرِفَةِ الْهُدَى *** وَاعْصِمْ بِهِ قَلْبِي مِنَ الشَّيْطَانِ
فالعجبُ ممن يشتكي ضيقَ الصَّدرِ والشَّقاءِ، وعندَه ربٌّ في السَّماءِ يُجيبُ الدَّعاءَ، وعندَه قرآنٌ هو لما في الصُّدورِ شِفاءٌ، فقُل وردِّد: (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي)[طه: 25], صادقاً من قلبِكَ، مؤمناً بربِّكَ، وانظرْ ماذا سَيحدثُ لصدرِك؟!.
اللهمَّ اشرحْ صدورَنا، ويسِّر أمورَنا، واهد قلوبَنا، ولا تكلنا إلى أنفسِنا طَرفةَ عَينٍ، اللهم آتِ نفوسَنا تَقواها، زَكِّها أنتَ خيرُ من زَكَّاها، أنت وليُّها ومولاها، اللهم ألِّف بين قلوبِنا وأصلحْ ذاتَ بينِنا، واهدنا سُبلَ السَّلامِ، وأخرجنا من الظُّلماتِ إلى النُّورِ، وباركْ لنا في أسماعِنا وأبصارِنا وأزواجِنا وذرياتِنا وأموالِنا وأوقاتِنا، واجعلنا مُباركينَ أينما كُنَّا يا ذا الجلالِ والإكرامِ، اللهم آمنَّا في أوطانِنا، وأصلح أئمتَنا وولاةَ أمورِنا، واجعل ولايتَنا فيمن خَافَك واتَّقاك واتبعَ رِضَاك يا ربَّ العالمينَ، اللهم وفِّق وليَ أمرِنا لما تحبُّه وتَرضاهُ من سديدِ الأقوالِ وصالحِ الأعمالِ، ربَّنا إنَّا ظَلمنا أنفسَنا وإن لم تَغفرْ لنا وتَرحمنا لنكوننَّ من الخاسرينَ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم