رب اجعلني منيبا إليك

الشيخ نواف بن معيض الحارثي

2024-11-01 - 1446/04/29 2024-11-24 - 1446/05/22
التصنيفات: أحوال القلوب
عناصر الخطبة
1/فضل الإنابة إلى الله والإقبال عليه 2/الفرق بين التوبة والإنابة 3/حقيقة الإنابة 4/من أسباب الفوز بمنزلة الإنابة 5/أقسام الناس في الإنابة 6/فوائد الإنابة وثمراتها.

اقتباس

الإِنَابَةُ مَنْزِلَةٌ تَتْبَعُ مَنْزِلَةَ التَّوبَةِ، فَمَنْ نَدِمَ عَلَى الذَّنْبِ وَتَابَ؛ ارتَقَى بَعْدَ ذَلِكَ فَرَجَعَ إِلَى رَبِّهِ وَأَنَابَ... المُؤْمِن بِرَبِّهِ، المُعْتَرِف بِفَضْلِهِ، المُقِرّ بِعَدْلِهِ، يُنِيبُ إِلَى رَبِّهِ إِنَابَةَ مَحَبَّةٍ وَعُبُودِيَّةٍ. وَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ إِنَابَتُهُ قَبِلَ اللهُ عَوْدَتَهُ، وَبَارَكَ تَوْبَتَهُ؛ فَالمُنِيبُ إِلَى اللهِ حَقًّا هُوَ المُسْرِعُ إِلَى مَرْضَاتِهِ، الرَّاجِعُ إِلَيْهِ فِي كُلِّ أَوقَاتِهِ...

الخطبةُ الأولَى:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَزِيزِ التَّوَّابِ؛ خَيْر مَنْ دُعِيَ فَأَجَابَ، وَهَدَى إِلَى سَبِيلِهِ مَنْ أَنَابَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، خَيْرُ مَنِ استَغْفَرَ وَتَابَ، وَرَجَعَ إِلَى رَبِّهِ وَأَنَابَ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الأَطْهَارِ، المُستَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ، وَرَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنِ التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.

 

 أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ ونفسي بتقوى الله؛ (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)[البقرة: 281].

 

أَيُّهَا الْمسْلِمُونَ: أفضلُ الخلقِ وأهداهُم أتمُّهُم عبوديّةً للهِ، وسرورُ القلبِ وشَرحُ الصدرِ في إنابةِ العَبدِ إلى اللهِ والإقبالِ عليه والاستعانةِ به.

 

والرجوعُ إلى اللهِ والإنابةُ إليهِ عبادةٌ عظيمةٌ ومنزلةٌ عليةٌ نَالَهَا الْأَنْبِيَاءُ وَالْمرْسَلُونَ؛ فَقَدْ أَثْنَى اللَّهُ -سُبْحَانَهُ- عَلَى خَلِيلِهِ إِبْرَاهِيمَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-؛ فقال: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ)[هود: 75].

 

وَقَالَ -تَعَالَى- عَنْ نَبِيِّهِ دَاوُدَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: (فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ)[ص: 24]، وَقَالَ -جَلَّ جَلَالُهُ- حِكَايَةً عَنْ نَبِيِّهِ شُعَيبٍ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: (وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)[هود: 88].

 

 وَكَانَ سَيِّدُنَا وَنَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ -صلى الله عليه وسلم- دَائِمَ الرُّجُوعِ إِلَى اللَّهِ -تَعَالَى-، وَالْإِقْبَالِ عَلَيْهِ

(ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)[الشورى: 10]. وَكَانَ مِنْ دُعَائِهِ -صلى الله عليه وسلم-: "رَبِّ اجْعَلْنِي لَكَ شَكَّارًا، لَكَ ذَكَّارًا، لَكَ مِطْوَاعًا، إِلَيْكَ مُخْبِتًا، لَكَ أَوَّاهًا مُنِيبًا"(رواه أحمدُ وغيرُه)؛ أَيْ: مُطْمَئِنًّا مُتَضَرِّعًا، رَاجِعًا بِاسْتِمْرَارٍ إِلَيْكَ، مُقْبِلًا فِي كُلِّ أَوْقَاتِي عَلَيْكَ.

 

وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ -سُبْحَانَهُ- عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ؛ بِالاِقْتِدَاءِ بِالْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ؛ فِي إِنَابَتِهِمْ إِلَى اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَقَالَ -تَعَالَى-: (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ)[لقمان: 15].

 

عباد الله: الإِنَابَةُ مَنْزِلَةٌ تَتْبَعُ مَنْزِلَةَ التَّوبَةِ، فَمَنْ نَدِمَ عَلَى الذَّنْبِ وَتَابَ؛ ارتَقَى بَعْدَ ذَلِكَ فَرَجَعَ إِلَى رَبِّهِ وَأَنَابَ، فَالتَّوبَةُ وَالإِنَابَةُ مَنْزِلَتَانِ رَفِيعَتانِ، وَحِصْنَانِ مَنِيعَانِ؛ فالإنابةُ حقيقتُها الرجوعُ إلى اللهِ، وهي منزلةٌ أعلى من التوبةِ.

 

التوبةُ إقلاعٌ عنِ الذنبِ وندَمٌ على ما فاتَ وعَزمٌ على عدَمِ العودةِ إليه، والإنابةُ تدلُّ على ذلك وتدلُّ على الإقبالِ على اللهِ بالعِبادات (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ)[هود: 114].

 

الإِنَابَةُ إِلَى اللهِ تَعنِي الرُّجُوعَ إِلَيْهِ بِالتَّوبَةِ وَإِخْلاَصِ العَمَلِ. ومَن أكثرَ الرجوعَ إلى اللهِ كان اللهُ مفزَعَهُ عند النوازِلِ والبلايا والفواجِعِ.

 

يقولُ الحسنُ البصريُّ: "إنَّ العبدَ لا يزالُ بخيرٍ ما كانَ له واعظٌ من نفسِه، وكانَتِ المحاسبَةُ هِمَّتَه، والمؤمِنُ في الدنيا كالغريبِ؛ لا يجزَعُ من ذلِّها، ولا ينافِسُ في عِزِّها، له شأنٌ وللنّاسِ شَأنٌ"(رواه ابن أبي شيبة).

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا دَاوَمَ عَلَى التَّوْبَةِ وَالرُّجُوعِ إِلَى رَبِّهِ -سُبْحَانَهُ-؛ كَانَ مِنَ الْمُنِيبِينَ؛ فَأَقْبَلَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- عَلَيْهِ بِرَحْمَتِهِ وَإِحْسَانِهِ، وَغَفَرَ ذَنْبَهُ، وَفَرِحَ بِتَوْبَتِهِ؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "يَقُولُ اللَّهُ -تَعَالَى- فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ حَيْثُ يَذْكُرُنِي، وَاللَّهِ لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ يَجِدُ ضَالَّتَهُ بِالْفَلَاةِ، وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْرًا؛ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا؛ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِذَا أَقْبَلَ إِلَيَّ يَمْشِي؛ أَقْبَلْتُ إِلَيْهِ أُهَرْوِلُ"(رواه مسلم في صحيحه).

 

وَإِنَّ الاِلْتِجَاءَ إِلَى اللَّهِ -تَعَالَى- فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ؛ مِمَّا يَنَالُ بِهِ الْمَرْءُ مَنْزِلَةَ الْمُنِيبِينَ، قَالَ اللَّهُ -سُبْحَانَهُ-: (وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ)[الزمر: 8].

 

وَمِنْ أَسْبَابِ نَيْلِ مَنْزِلَةِ الْإِنَابَةِ: أَنْ يَرْجِعَ الْمُؤْمِنُ إِلَى رَبِّهِ بِالْعِبَادَةِ وَالصَّلَاةِ، فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ –رضي الله عنه- أَنَّ رَجُلًا أَصَابَ ذَنْبًا فَأَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ، فَنَزَلَ قَوْلُهُ -تَعَالَى-: (أَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ)[هود: 114].

 

وَاللَّهُ -سُبْحَانَهُ- يُقْبِلُ عَلَى الْعَبْدِ إِذَا رَجَعَ إِلَيْهِ، وَقَامَ مُصَلِّيًا بَيْنَ يَدَيْهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : "إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا قَامَ يُصَلِّي أَقْبَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ"(رواه ابن ماجه).

 

وَقَدْ "كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا اشْتَدَّ عَلَيْهِ أَمْرٌ صَلَّى"(رواه أبو داود). فَإِنَّ الصَّلَاةَ صِلَةٌ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ، وَكَانَ مِمَّا يَدْعُو بِهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ: "اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ"(متفق عليه)؛ أَيْ: أَطَعْتُكَ وَرَجَعْتُ إِلَى عِبَادَتِكَ، وَأَقْبَلْتُ عَلَى مَا يُقَرِّبُ إِلَيْكَ.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ تِلَاوَةَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَتَدَبُّرَ مَعَانِيهِ؛ مِمَّا يُورِثُ الْقَلْبَ الْإِنَابَةَ وَالرُّجُوعَ إِلَى اللَّهِ -تَعَالَى-، فَعَنْ بُرَيْدَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- لَقِيَهُ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ فَأَدْخَلَهُ الْمَسْجِدَ؛ فَإِذَا صَوْتُ رَجُلٍ يَقْرَأُ، فَقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "مُؤْمِنٌ مُنِيبٌ"(رواه أحمد وغيره).

 

وَالتَّفَكُّرُ فِي خَلْقِ اللَّهِ -تَعَالَى-، وَالتَّأَمُّلُ فِي بَدِيعِ صُنْعِهِ؛ يُذَكِّرُ الْمَرْءَ بِقُدْرَةِ رَبِّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَيَدُلُّهُ عَلَى عَظَمَتِهِ -سُبْحَانَهُ-؛ قَالَ -تَبَارَكَ اسْمُهُ-: (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ)[غافر: 13]. فَيُثْمِرُ ذَلِكَ تَعْظِيمَ اللَّهِ -تَعَالَى- وَالرُّجُوعَ إِلَيْهِ، وَالْإِقْبَالَ عَلَيْهِ، وَالْمُسَارَعَةَ فِي مَرْضَاتِهِ (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ * وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ)[ق: 6- 8]؛ أَيْ: لِكُلِّ خَاضِعٍ خَاشِعٍ رَجَّاعٍ إِلَى اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-.

 

فَاتَّقُوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، واعلَمُوا أَنَّ مَنْ أَنَابَ إِلَى اللهِ وَرَجَعَ إِلَيْهِ مَحَبَّةً وَعُبُودِيَّةً؛ أكرمهُ الله بِغُفْرَانِ ذُنُوبِهِ، وَإِزَالَةِ هُمُومِهِ وَكُرُوبِهِ، وَإِنَارَةِ سُبُلِهِ وَدُرُوبِهِ.

فَاللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ عِبَادِكَ الْمُنِيبِينَ، الْمُخْبِتِينَ التَّائِبِينَ.

 

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

 

أما بعد: فيا أَيُّها المُؤمِنونَ: لقد أَمَرَنَا بِالْإِنَابَةِ إِلَيْهِ فِي كُلِّ أُمُورِنَا، وَالْإِقْبَالِ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ أَوْقَاتِنَا؛ فقالَ -سبحانه-: (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ)[الروم: 31].

 

والإِنَابَةُ إِنَابَتَانِ؛ إِنَابَةُ رُبُوبِيَّةٍ، وَإِنَابَةُ مَحَبَّةٍ وَعُبُودِيَّةٍ، فَالنَّاسُ -جَمِيعًا مُؤمِنُهُمْ وَكَافِرُهُمْ، بَرُّهُمْ وَفَاجِرُهُمْ- مُنِيبُونَ إِلَى اللهِ، فَهُمْ إِذَا مَسَّهُمْ ضُرٌّ عَادُوا إِلَيْهِ مُسْرِعِينَ، وَرَجَعُوا إِلَيْهِ خَاضِعِينَ ضَارِعِينَ.

 

 بَيْدَ أَنَّ الكَافِرَ وَالفَاجِرَ مِنْهُمْ يَعُودُ -بَعْدَ أَنْ تَدَارَكَتْهُ رَحْمَةُ اللهِ، فَأَزَالَتْ عَنْهُ ضُرَّهُ، وَكَشَفَتْ عَنْهُ كَرْبَهُ-؛ يَعُودُ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ كُفْرٍ وَجُحُودٍ، وَإِعْرَاضٍ وَصُدودٍ، وَفِي هؤَلاءِ وَأَمثَالِهِمْ يَقُولُ اللهُ –تَعَالَى-: (وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ)[الروم: 33]؛ فَإِنَابَةُ هَذَا إِنَابَةُ مَصْلَحَةٍ وَحَاجَةٍ، فَإِنْ قُضِيَتْ مَصْلَحَتُهُ وَأُنْجِزَتْ حَاجَتُهُ عَادَ أَدْرَاجَهُ. لَكِنَّ المُؤْمِنَ بِرَبِّهِ، المُعْتَرِفَ بِفَضْلِهِ، المُقِرَّ بِعَدْلِهِ، يُنِيبُ إِلَى رَبِّهِ إِنَابَةَ مَحَبَّةٍ وَعُبُودِيَّةٍ.

 

وَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ إِنَابَتُهُ قَبِلَ اللهُ عَوْدَتَهُ، وَبَارَكَ تَوْبَتَهُ؛ فَالمُنِيبُ إِلَى اللهِ حَقًّا هُوَ المُسْرِعُ إِلَى مَرْضَاتِهِ، الرَّاجِعُ إِلَيْهِ فِي كُلِّ أَوقَاتِهِ.

 

عباد الله: إِنَّ لِلْإِنَابَةِ فَوَائِدَ عَظِيمَةً، وَثَمَرَاتٍ جَلِيلَةً، فَهِيَ سَبِيلُ الْهِدَايَةِ؛ قَالَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: (وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ)[الرعد: 27].

 

والإنابةُ إلى اللهِ هي مفتاحُ السّعادةِ والهدايةِ؛ (قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ)[الرعد: 27]. وَهِيَ سَبَبٌ لِلتَّذَكُّرِ وَالتَّبَصُّرِ، وَالاِبْتِعَادِ عَنِ الْغَفْلَةِ (وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ)[غافر: 13].

 

وَبِالْإِنَابَةِ تَتَحَقَّقُ سَعَادَةُ الْمَرْءِ؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ مِنَ السَّعَادَةِ أَنْ يَطُولَ عُمْرُ الْعَبْدِ وَيَرْزُقَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْإِنَابَة"(رواه أحمد).

 

وَاللَّهُ -تَعَالَى- يُبَشِّرُ الْمُنِيبِينَ بِرَحْمَتِهِ؛ (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى)[الزمر: 17]، والجنّةُ أُعِدَّت نُزُلاً للقلبِ الخاشعِ المنيبِ؛ (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الخُلُودِ)[ق: 31- 34].

 

والإنابةُ إلى اللهِ مانعةٌ من عذابِ اللهِ؛ (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ)[الزمر: 54].

 

ألا فَلْنُقْبِلْ عَلَى اللَّهِ -تَعَالَى- بِالْعِبَادَةِ، وَنَتَوَجَّهْ إِلَيْهِ -سُبْحَانَهُ- بِالْإِنَابَةِ؛ لِيَشْمَلَنَا -عَزَّ وَجَلَّ- بِرَحْمَتِهِ، وَيَمُنَّ عَلَيْنَا بِجَنَّتِهِ.

 

هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا....

 

المرفقات

رب اجعلني منيبًا إليك.doc

رب اجعلني منيبًا إليك.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات