اقتباس
نلاحظ في جميع خطبه -صلى الله عليه وسلم- تركيزه وتأكيده على معاني فكرية تهدف إلى توحيد المسلمين والتذكير بأنهم أخوة وإقامة المجتمع المسلم، والمحافظة على خصوصيتة، وعدم الاتباع الأعمى، والحث على مكارم الأخلاق والأعمال الصالحة من....
دورُ خطبةِ الجمعةِ في معالجةِ الاختلالاتِ الفكريّةِ دراسةٌ تحليليةٌ لخمسةِ خطبٍ للمصطفى صلى الله عليه وسلم
إذا استقرأنا خطاباتِ الأنبياءِ في القرآن الكريم نجدُ أنها تدورُ حول معانٍ محددةٍ، وهي الدعوة إلى عبادة الله وحده، وترك عبادة الأصنام، وعدم تقليد الآباء والأجداد، ونبذ التقليد الأعمى، وهذه الآيات تؤكد أن خطاب الأنبياء كان موحداً أمام أقوامهم؛ يقول تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ * أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ * فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ * وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ * قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ * أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ)[الأعراف: 59-70].
نلاحظ في هذه الآيات تركيز الرسل في خطابهم لأقوامهم الدعوة إلى عبادة الله -تعالى-، وترك ما كان يعبد آباؤهم، وتحذيرهم من عذاب الله، والاعتبار بأخبار الأمم السابقين، والصبر في تبليغ الدعوة، وتحمل إيذاء أقوامهم لهم.
وهذا سيدنا إبراهيم -عليه السلام- يخاطب قومه بأسلوب عقلي لترك عبادة الأصنام وعبادة الله -تعالى- وحده، وقد اشتهر سيدنا إبراهيم بالحجج العقلية؛ يقول تعالى: (إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ * قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ * قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ * قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ * وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ)[الأنبياء: 52-57].
فقد استعمل سيدنا إبراهيم مع قومه أسلوب الحجة المنطقية والعقلية من خلال بيان أن هذه التماثيل لا تملك لنفسها نفعاً أو ضراً حتى تجلب لكم النفع والضر، وذم التقليد الأعمى، ودعاهم إلى التفكر في السماوات والأرض.
نماذج من خطبه -صلى الله عليه وسلم-:
وسنعرض بعض خطب النبي -صلى الله عليه وسلم-، والتي تبين كيف وظف النبي خطبه في معالجة الاختلالات الفكرية التي كانت سائدة في مجتمعه..
الخطبة الأولى: خطبة النبي -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع:
إن ما اشتملت عليه خطبُ النبي -صلى الله عليه وسلم- من العلومِ، والفوائدِ الساميةِ، والقواعدِ الهامةِ، والوصايا النافعةِ، ما يَنبغِي لكلِّ مسلمٍ معرفتُها والعملُ بها؛ فقد قرَّر فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- قواعدَ الإسلامِ، وهَدَم فيها قواعدَ الشركِ والجاهلية، وقرَّر فيها تحريمَ المحرَّمات التي اتفقتِ المِلَلُ على تحريمِها، وهي: الدماءُ، والأموالُ، والأعراضُ.
ووضع فيها أمورَ الجاهليةِ تحت قدميه، ووضَع فيها رِبَا الجاهليةِ كلَّه، وأبطله، وأوصاهم بالنساءِ خيرًا، وذكر الحقَّ الذي لهن وعليهن، وأوصى الأمَّة فيها بالاعتصام بكتاب الله، وأخبر أنهم لن يَضِلُّوا ما داموا مُعتَصمِين به، ثم أخبرهم أنهم مسؤولون عنه، واستنطقهم بماذا يقولون، وبماذا يشهَدون؛ فقالوا: نشهَد أنك بلَّغت، وأدَّيت، ونَصَحت، فرفع أصبعه إلى السماء، واستشهد الله عليهم ثلاث مرات، وأمرهم أن يبلِّغ شاهدُهم غائبَهم.
نص الخطبة:
"إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث، كان مسترضعاً في بني سعد فقتلته هذيل، وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع ربانا ربا عباس بن عبد المطلب، فإنه موضوع كله، فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به، كتاب الله، وأنتم تسألون عني، فما أنتم قائلون؟" قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، فقال: بإصبعه السبابة، يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس "اللهم، اشهد، اللهم، اشهد". ثلاث مرات. [1].
تحليل الخطبة:
اغتنم النبي في يوم الوقوف بعرفة الجموع الغفيرة التي كانت موجودة في مكة فكانت الخطبة جامعة لمعاني كثيرة قصيرة، موجِّهة للحاضرين؛ فقد اشتملت على أصول الإسلام وهو التمسك بالقرآن الكريم، والوصاية بالنساء خيراً دلالة على حق المرأة وذلك لأنهم في الجاهلية كانوا ينظرون إلى المرأة أنها متاع تورث فشدد على الحفاظ على حقوقهن، والتأكيد على حرمة الدماء والأموال لإبطال عادة الثأر، وبين أنه أول من ينفذ هذه الوصايا عندما قال وأول ربا أضعه ربا عمي العباس وفي هذا إشارة للخطيب أنه إن أراد أن يغير المنكر يجب أن يبدأ بنفسه ويكون قدوة للمستمعين.
الخطبة الثانية: تحذيره -صلى الله عليه وسلم- من البدع:
عن جابر -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا خَطَبَ احمرت عَيْنَاهُ وَعَلاّ صَوْتُهُ، واشتَدَّ غَضَبُهُ حتى كأنّه مُنذرُ جَيْشٍ يقول: "صَبَّحَكُمْ ومسَّاكُمْ"، وَيَقُول: "بُعثتُ أنا والسَّاعة كهاتَيْن"، وَيُقرن بين اصبعيه السَّبَّابة والوسطى ويقول:
"أمّا بَعْدُ، فإن خير الحديثِ كتابُ الله، وخير الهَدْي هديُ مُحَمَّد -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالة في النّار"، ثم يقـول: "أَنا أولى بكلِّ مُؤمن مِنْ نفسه، مَنْ تركَ مالاً فلأهله وَمَنْ تركَ ديناً أو ضياعاً فإِليَّ وعليَّ" [2].
تحليل الخطبة:
في هذه الخطبة دلالة على عظيم خطر البدعة وذلك من خلال غضب النبي -صلى الله عليه وسلم- وتغير لون وجهه، وارتفاع صوته، وتحذيره من البدعة وأن نتيجتها في النار لذلك يقول النووي: "يستحب للخطيب أن يفخم أمر الخطبة ويرفع صوته ويجزل كلامه ويكون مطابقا للفصل الذي يتكلم فيه من ترغيب أو ترهيب، ولعل اشتداد غضبه كان عند إنذاره أمرا عظيما وتحديده خطبا جسيما قوله، ويقول أما بعد، فيه استحباب قول أما بعد في خطب الوعظ والجمعة والعيد وغيرها وكذا في خطب الكتب المصنفة، وقد عقد البخاري بابا في استحبابه وذكر فيه جملة من الأحاديث واختلف العلماء في أول من تكلم به فقيل داود -عليه السلام- وقيل يعرب بن قحطان، وقيل قس بن ساعدة، وقال بعض المفسرين أو كثير منهم إنه فصل الخطاب الذي أوتيه داود وقال المحققون فصل الخطاب الفصل بين الحق والباطل". [3].
الخطبة الثالثة: خطبته -صلى الله عليه وسلم- في فضل الجهاد:
عن إبراهيم عبده بن أبي أوفى -رضي الله عنهما- أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بعض أيامه التي لقي فيها العدو، انتظر حتى مالت الشّمس قام فيهم وخطب -صلى الله عليه وسلم- بعد أن حمد الله وأثنى عليه وقال:
"يا أَيُّها النّاسُ، لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أَنّ الجنة تحت ظلال السـيوف"، ثم قال: "اللّهُمَّ مُنزل الكتاب، ومجري السَّحاب، وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم". [4].
تحليل الخطبة:
في هذه الخطبة الجهادية نجد أن النبي حذرهم من لقاء العدو وفيه دلالة أن الجهاد لم يشرع للقتال والقتل، وإنما من أجل رد العدوان، لذلك أشار لهم بأنكم إذا لقيتم العدو فاثبتوا، وفي دعاء النبي دليل على التوكل على الله، وأن النصر من عنده حتى لا يدخل الغرور إلى نفوس المقاتلين.
الخطبة الرابعة: خطبته -صلى الله عليه وسلم- في غزوة أحد:
قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فخطب الناس فقال: "يا أيها الناس أوصيكم بما أوصاني الله في كتابه من العمل بطاعته والتناهي عن محارمه، ثم إنكم اليوم بمنزل أجر وذخر لمن ذكر الذي عليه ثم وطن نفسه له على الصبر واليقين والجد والنشاط؛ فإن جهاد العدو شديد شديد كربه قليل من يصبر عليه إلا من عزم الله رشده؛ فإن الله مع من أطاعه وإن الشيطان مع من عصاه؛ فافتتحوا أعمالكم بالصبر على الجهاد والتمسوا بذلك ما وعدكم الله وعليكم بالذي أمركم به؛ فإني حريص على رشدكم فإن الاختلاف والتنازع والتثبيط من أمر العجز والضعف مما لا يحب الله ولا يعطي عليه النصر ولا الظفر، يا أيها الناس جدد في صدري أن من كان على حرام فرق الله بينه وبينه، ومن رغب له عنه غفر الله ذنبه، ومن صلى علي صلى الله عليه وملائكته عشراً، ومن أحسن من مسلم أو كافر وقع أجره على الله في عاجل دنياه أو آجل آخرته، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة يوم الجمعة إلا صبيا أو امرأة أو مريضاً أو عبداً مملوكاً، ومن استغنى عنها استغنى الله عنه والله غني حميد، ما أعلم من عمل يقربكم إلى الله إلا وقد أمرتكم به ولا أعلم من عمل يقربكم إلى النار إلا وقد نهيتكم عنه، وإنه قد نفث في روعي الروح الأمين أنه لن تموت نفس حتى تستوفي أقصى رزقها، لا ينقص منه شيء وإن أبطأ عنها، فاتقوا الله ربكم وأجملوا في طلب الرزق ولا يحملنكم استبطاؤه أن تطلبوه بمعصية ربكم فإنه لا يقدر على ما عنده إلا بطاعته، قد بين لكم الحلال والحرام غير أن بينهما شبها من الأمر لم يعلمها كثير من الناس إلا من عصم فمن تركها حفظ عرضه ودينه ومن وقع فيها كان كالراعي إلى جنب الحمى أوشك أن يقع فيه، وليس ملك إلا وله حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، والمؤمن من المؤمنين كالرأس من الجسد إذا اشتكى تداعى عليه سائر الجسد، والسلام عليكم"[5].
تحليل الخطبة:
نلاحظ في هذه الخطبة أنها اشتملت على معاني غزيرة وأوامر ونواهي كثيرة وهي:
• الأمر بالصبر عند لقاء العدو وطلب النصر من الله.
• التحذير من الاختلاف والتنازع لأنه طرق الهزيمة.
• التأكيد على أهمية صلاة الجمعة وفرضيتها.
• الحث على تقوى الله.
• طلب الرزق والتوكل على الله والقناعة.
• الابتعاد عن الأمور المتشابهة.
الخطبة الخامسة: خطبته -صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك:
حمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: "أيها الناس! أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأوثق العرى كلمة التقوى، وخير الملل ملة إبراهيم -عليه السلام-، وخير السنن سنن محمد، وأشرف الحديث ذكر الله، وأحسن القصص هذا القرآن، وخير الأمور عواقبها، وشر الأمور محدثاتها، وأحسن الهدى هدى الأنبياء، وأشرف القتل قتل الشهداء، وأعمى الضلالة الضلالة بعد الهدى، وخير الأعمال ما نفع، وخير الهدى ما اتبع، وشر العمى عمى القلب، واليد العليا خير من السفلى، وما قل وكفى خير مما كثر وألهى، وشر الأمور المعذرة حين يحضر للموت، وشر الندامة يوم القيامة. ومن الناس ولا يأتي الجمعة إلا نزرا، ومنهم من لا يذكر الله إلا هجراً، ومن أعظم الخطايا اللسان الكذوب، وخير الغنى غنى النفس، وخير الزاد التقوى، ورأس الحكم مخافة الله، وخير ما ألقي في القلب اليقين، والارتياب من الكفر، والنياحة من عمل الجاهلية، والغلول من جمر جهنم، والسكر كن من النار، والشعر من إبليس، والخمر جماع الإثم، والنساء حبالة الشيطان، والشباب شعبة من الجنون، وشر المكاسب كسب الربا، وشر المأكل مال اليتيم، والسعيد من وعظ بغيره، والشقي من شقي في بطن أمه، وإنما يصير أحدكم إلى موضع أربعة أذرع، والأمر إلى آخره، وملاك العمل خواتمه، والربا ربا الكذب، وكل ما هو آت قريب، وسباب المؤمن فسوق، وقتل المؤمن كفر، وأكل لحمه من معصية الله، وحرمة ماله كحرمة دمه، ومن يتأل على الله يكذبه، ومن يعف يعف الله عنه، ومن يكظم الغيظ، ومن يصبر على الرزايا يعقبه الله، ومن يعرف البلاء يصبر عليه، ومن لا يعرفه ينكره، ومن يستكبر يضعه الله، ومن يبتغ السمعة يسمع الله به، ومن ينو الدنيا تعجزه ومن يطع الشيطان يعص الله ومن يعص الله يعذبه"[6].
تحليل الخطبة:
نلاحظ في هذه الخطبة اشتمال كل عبارة على حكم شرعي تعالج مشكلة من المشاكل؛ فقد أشار النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أمور كثيرة منها:
• حرمة قتال المسلم وأن قتاله كفر.
• التأكيد على حرمة أموال المسلمين وأنها كحرمة الدماء.
• التأكيد على مكارم الأخلاق منها كظم الغيظ، التواضع، الإخلاص..
بعد الانتهاء من عرض نماذج من خطب النبي -صلى الله عليه وسلم- نلاحظ أن في هذه الخطب سمات مشتركة وهي:
أولاً: من الناحية الشكلية:
1- قصر الخطبة.
2- البلاغة واشتمالها على معاني كثيرة.
3- نبرة الخطيب حيث نلاحظ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما يؤكد على شيء مهم يخطب وكأنه منذر جيشاً.
ثانياً: من ناحية المضمون:
نلاحظ في جميع خطبه -صلى الله عليه وسلم- تركيزه وتأكيده على معاني فكرية تهدف إلى توحيد المسلمين والتذكير بأنهم أخوة وإقامة المجتمع المسلم، والمحافظة على خصوصيتة، وعدم الاتباع الأعمى، والحث على مكارم الأخلاق والأعمال الصالحة من هذه المعاني:
1- التأكيد في مقدمته بشكل دائم على تقوى الله تعالى، وتحذيره من البدع، وإحداث أمور في الدين ليست موجودة فيه.
2- إبطال عادات سائدة في الجاهلية.
3- حرمة دماء المسلمين وأموالهم وأن حرمة الدماء كالأموال.
4- المحافظة على العهود والوعود.
5- الحث على تقوى الله -تعالى- ومراقبته في السر والعلن.
6- الجهاد في سبيل الله.
7- التمسك بكتاب الله وسنته.
8- عدم التنازع والاختلاف وأنه سبيل إلى ضعف المسلمين.
9- ربط المسلم بالآخرة والتذكير بالجنة والنار.
__________
1 - صحيح مسلم، الرقم:1218- 2/ 886 - دار إحياء التراث العربي - بيروت
2 - أخرجه مسلم 1/592 الرقم: 878 - دار إحياء التراث العربي - بيروت
3 - شرح النووي على مسلم 6/ 156 - الطبعة الثانية - دار إحياء التراث العربي - بيروت - 1392 ه
4 - أخرجه مسلم 2/1362، في باب كراهية لقاء العدو الرقم:1742 - دار إحياء التراث العربي - بيروت
5 - المغازي - الواقدي: 222 - موقع الإسلام
6 - مغازي الواقدي 3/ 1016 -موقع الإسلام- مصنف ابن أبي شيبة الرقم: 34552- 7/ 106 - الطبعة الأولى - مكتبة الرشد - الرياض - 1409
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم