عناصر الخطبة
1/ذكرى الهجرة النبوية ذكرى عطرة 2/بعض الدروس والعبر من ذكرى الهجرة النبوية 3/الموقف المشرف لأهل فلسطين مع متضرري جنين 4/استنكار حادثة الاعتداء على المصحف الشريف 5/تهنئة ومباركة لمن نالوا الشهادة الثانوية ومن نالوا الشهادة العظمىاقتباس
من الدروس المستفادة من الهجرة النبويَّة النيَّة الخالصة لله -سبحانه وتعالى-؛ فلا يتقدَّم على الإخلاص لله شيء في هذه الحياة، ولا يتقدم على نصرة الإسلام ودعوته شيء في هذه الحياة...
الخطبة الأولى:
الحمد لله وحدَه، صدَق وَعدَه ونصَر عبدَه، وأعز جنده وهزَم الأحزابَ وحدَه، لا شيء قبله ولا شيء بعده، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، وحدَه لا شريكَ له، قال وقوله الحق: (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)[التَّوْبَةِ: 40]، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا وقدوتنا وقائدنا محمدًا عبد الله ورسوله، وصَفِيُّه من خَلقِه وخليلُه، صلى الله عليه، وعلى آله الطاهرين، وصحابته الغر الميامين، ومن سار على نهجهم، واقتفى أثرهم، واستن سنتهم إلى يوم الدين، والصلاة والسلام على الشهداء والمكلومين، والأسرى والمعتقَلين، والقائمين الراكعين في المسجد الأقصى المبارَك، وفي كل أقطار المسلمين.
وبعد، أيها المسلمون: يا أبناء بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: نعيش في هذه الأيام المباركة ونستظل بذكرى الهجرة النبويَّة الشريفة، هذه الهجرة التي تحمل دروسًا وعبرًا كثيرة، جدير بالمسلمين في كل أقطارهم، وعلى اختلاف توجهاتهم أن يقفوا عندها؛ ليأخذوا بالعبرة، ويتزودوا بالزاد، لمسيرة الحياة الطويلة، الحياة التي أسس لها نبيكم -صلى الله عليه وسلم-، أسس لها بهجرته؛ حيث ركز أركان الدعوة الإسلاميَّة، وبنى مجتمعا مسلمًا في المدينة المنوَّرة؛ أرض الهجرة النبويَّة الشريفة، فكان معه المهاجرون الذين تركوا المال والأهل والولد في سبيل الله -تعالى-، بنية خالصة ونصرًا لهذا الدين العظيم، وهذه الكريمة؛ دعوة الإسلام، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: من الدروس المستفادة من الهجرة النبويَّة النيَّة الخالصة لله -سبحانه وتعالى-؛ فلا يتقدَّم على الإخلاص لله شيء في هذه الحياة، ولا يتقدم على نصرة الإسلام ودعوته شيء في هذه الحياة، فقد رأينا الصحابة الكرام ضحوا بأنفسهم، وبأموالهم، وبأوطانهم، وبكل ما يملكون من حطام الدنيا في سبيل رفع راية الحق، وإيصال الدعوة الإسلاميَّة إلى كل المسلمين وقتها في الجزيرة العربيَّة وخارج الجزيرة العربيَّة، فكان ينطبق على هذه الهجرة النبويَّة ما قاله رسولنا الأكرم -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ"، وبهذا يبدو الإيمان الخالص والتوحيد الكامل، والتضحية بكل متاع الدنيا، بل يصل الأمر إلى التضحية بالنفس، كما فعل الفدائي الأول علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- ليلة أن نام في فراش النبي -صلى الله عليه وسلم-، ليلة الهجرة، وهو يعلم أن قريشًا تتربص بالنبي -صلى الله عليه وسلم- والعرب ليضربوه ضربة واحدة، فيتفرق دمه بين القبائل.
ما أعظمَكَ أيها الرعيلُ الأولُ، من صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، من الصحابة الكرام، والأئمة الأعلام، الذين جعلوا من تصرفاتهم وتضحياتهم أسلوب حياة، ومنهاج عيش للأمة الإسلاميَّة من بعدهم.
أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: ويضرب الصحابة الكرام مهاجروهم وأنصارهم أروعَ الأمثلة في المؤاخاة؛ حيث آخي النبي -صلى الله عليه وسلم- بين المهاجرين والأنصار، فكون بذلك مجتمع المدينة المتماسك، مجتمع المدينة المتراحم، مجتمع المدينة التي لا تنفذ إليه سهام الغدر أو تحريش الأعداء؛ إنهم المهاجرون، وإنهم الأنصار، إنهم المفلحون في هجرتهم، والناصرون لإخوتهم في ديارهم؛ (أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)[الْبَقَرَةِ: 177]، أولئك الصحابة الكرام الذين نترحم عليهم، ونترضى عنهم، ونقول: -رضي الله عنهم- وأرضاهم.
أيها المسلمون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج: هذا النموذج الصالح لتشكيل المجتمع الإسلامي، من المهاجرين والأنصار، ومَنْ لَحِقَهم من المسلمين إلى المدينة المنوَّرة، أعطى مثالًا واضحًا لوحدة المسلمين، وتراحمهم وتعاطفهم، وكأني بما حصل في الأيام القريبة الماضية، يوم اجتاح الاحتلال الإسرائيلي مدينة جنين ومخيهما، كيف أعطى أصحاب وأهل المدينة نموذجًا رائعًا من مجتمع المدينة المنوَّرة، هنا أيها الأحبابُ، هناك في فلسطين، هناك في جنين وفي مخيمها، يوم هجر الاحتلال مجموعة من العائلات من مخيم جنين، ماذا فعل الشعب هناك؟ ماذا فعل مجتمع محمد -صلى الله عليه وسلم-؟ ماذا فعل مجتمع المرابطين؟ ماذا فعل مجتمع الصدق والوفاء في أرض فلسطين الطاهرة؟ في هذه الأرض المبارَكة؟ سمعنا ورأينا كيف هب أبناء المدينة وضواحي المدينة، لا بل والمحافظة بأسرها، ومن جاورها من القرى، كيف هبوا لنجدة إخوانهم، لإيواء هذه العائلات التي أخرجت زورًا وقهرا، وهجرت من بيوتها، كيف ضربوا مثالًا جديدًا في القرن الحادي والعشرين، لأخوة المهاجرين والأنصار، وللأسوة بنبينا -عليه الصلاة والسلام-، فتحوا قلوبهم، فتحوا صدورهم، فتحوا بيوتهم، استنفروا، واجتمعوا وأخذوا إخوانهم من النساء والأطفال والشيوخ في وحدة متكاملة، مترابطة، متلازمة، يعيدون لنا وللمسلمين درسًا من دروس الهجرة النبويَّة الشريفة، ويترجمون للعالم بأسره روح التآخي، وروح المحبة، وروح الألفة بين أبناء المجتمع.
أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: وهذا ليس الدرس الوحيد من دروس هذه الديار المبارَكة، فدروس التكافل والتضامُن والوحدة هي دروس يُعلِّمُها هذا الشعب الصابر المرابط المكافح، لكل الشعوب العربيَّة، ومن ورائها الشعوب الإسلاميَّة، لا بل ويضرب مثالًا حيًّا لكل العالم كيف تكون النصرة، وكيف تكون الإخوة، وكيف يكون المجتمع الإسلامي الصحيح.
أيها المسلمون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج: جديرٌ بنا أن نأخذ هذا الدرسَ العظيمَ من دروس الهجرة النبويَّة؛ لنُطبِّقه في حياتنا، كلما لزم الأمر لذلك، ولكنني أقول: جدير بنا كذلك أن نأخذ درسًا عظيمًا من مجتمع المسلمين في المدينة المنوَّرة، مجتمع الإخوة والتكافل والتراحم والترابط، فآن لأبناء شعبنا الصابر المرابط أن يكون صفًّا واحدًا، وأن يكون مجتمعا موحَّدًا، وأن تكون وجهته هجرة لله -سبحانه وتعالى-، طلبًا لرضوانه ومرضاته، في الوحدة، وفي التعاون، وفي التآلف، وفي التكاتف؛ حتى نحافظ على أرض ديار الإسراء والمعراج، وحتى نحافظ على هذه الأرض وطنا حُرًّا كريمًا شريفا، لكل أبناء الشعب الفلسطيني الصابر والمرابط، ولنا في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفي صحابته الكرام أسوة حسنة، فبادروا يا أبناء الشعب الفلسطيني، إلى مزيدٍ من الوحدة، ورص الصف، وتوحيد الكلمة، وجمع الشمل؛ لنكون على مستوى التحدِّيات، وعلى مستوى المسؤوليَّة، في مواجَهة ما ينتظرنا، وما يخطط له الأعداء، ضد هذه الأرض، وضد الإنسان، وضد الحجر والشجر، وضد المقدَّسات.
كونوا بني قومي جميعًا إذا اعترى *** خَطْبٌ ولا تتفرَّقوا آحادَا
تأبى الرماحُ إذا اجتمعنَ تكسُّرًا *** وإذا انفردنَ تكسرَتْ أفرادَا
ولنا في قول الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم- أكبر عبرة، وأعظم درس: "لا هجرةَ بعدَ الفتح، ولكِنْ جهادٌ ونيةٌ، وإذا استُنفِرتُم فانفروا"، أو كما قال صلى الله عليه وسلم، فيا فوزَ المستغفرينَ استغفِرُوا اللهَ، وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحدَه، والصلاة والسلام على سيدنا محمد لا نبي بعده، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، أحب لعباده أن يعملوا لدينهم ودنياهم، حتى يفوزوا بنعم الله وينالوا رضوانه، وأشهد أنَّ سيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه، وعلى آله الطاهرين وصحابته الغر الميامين، ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
وبعد، أيها المسلمون: هناك بعض النقاط لابدَّ من الإشارة إليها، ومن ذلك: ما تم من جريمة نكراء، هناك في السويد، بإحراق وتمزيق المصحف الشريف، مزق الله شملهم، ودمر عليهم، فإنهم آثمون معتدون، لكننا نقول للمسلمين: هذه العداوة التي يُكِنُّها أفراد أو تكنها دول، أو تكنها شعوب للمسلمين وقرآنهم لن تتغير سنة الكافرين في هذه الحياة الدنيا؛ (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)[الْأَنْفَالِ: 30].
إننا من علياء هذا المنبر الشريف، نقول لكل المسلمين: عليكم أن تتمسكوا بدينكم وعقيدتكم، وكتاب ربكم، وسنة نبيكم -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن في هذا الفوز والنجاح والفلاح، في الدنيا والآخرة، وخاب وخسر من اعتدى أو انتقص من حق القرآن الكريم شيئًا؛ (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا)[الْبَقَرَةِ: 217].
والنقطة الثانية أيها الأحبابُ: هذا النجاح في الثانويَّة العامَّة لأبناء فلسطين، فنبارك لكل أبنائنا الناجحين في هذه الشهادة، ونخص بالذكر أولئك الذين حازوا الشهادة العليا، والكرامة الفُضلى، قبل أن يحوزوا شهادة الثانويَّة العامَّة، نالوا الشهادة فكانوا أحياء عند ربهم يرزقون، فهنيئًا لهم بالشهادتين؛ النجاح في الدنيا، والنجاح في الآخرة، وهذا جزاء الله للمحسنين.
كما نبارك لكل أبنائنا الطلبة والطالبات الذين اجتازوا هذا الامتحان بكل نجاح، ونتمنى لهم النجاح في خدمة وطنهم وأهليهم وقضيتهم، كما نقول للذين لم يحالفهم الحفظ: أمامكم مجال واسع للاجتهاد والجد والنجاح بحول الله -تعالى-.
أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: نقرأ في بعض الوسائل الإعلاميَّة المحليَّة والأجنبيَّة وغيرها أن هناك تحضيرات تقوم بها الجماعات المتطرفة ممن ينسبون أنفسهم إلى جماعات الهيكل المزعوم، يخططون للعدوان على المسجد الأقصى المبارَك، خاب شأنهم وطاش سهمهم، فما زال المسجد الأقصى عامرًا بالإسلام والمسلمين، عامرًا بأبنائه المرابطين، ونستذكر في هذا المقام معركة البوابات، التي يذكرها العدو والصديق، ويذكرها العالم، يوم احتشد أبناء القدس ومعهم أبناء فلسطين يدافعون عن المسجد الأقصى، ويذودون عن بواباته، وخرجوا بفضل الله وحوله وقوته منتصرين في تلك المعركة، وتلك الواقعة، وبحول الله -تعالى- سيبقى النصر حليفكم أيها المرابطون في دفاعكم، ورباطكم في المسجد الأقصى المبارَك؛ (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ)[آلِ عِمْرَانَ: 139]، لا تتراجعوا بحال من الأحوال عن إعمار المسجد الأقصى، وشد الرحال إليه، والمرابطة فيه، فأنتم الطليعة المتقدِّمة لأمتكم الكريمة، ولشعبكم الكريم المعطاء في حماية القدس ومقدساتها، إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولًا.
اللهم رُدَّنا إليكَ ردًّا جميلًا، وهيئ لنا وللمسلمين فرجًا عاجلًا قريبًا، وقائدًا مؤمنًا رحيمًا، يُوحِّد صفَّنا، ويَجمَع شملَنا، وينتصر لنا، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، واختم أعمالنا بالصالحات.
وأنتَ يا مُقيمَ الصلاة أَقِمِ الصلاةَ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم