عناصر الخطبة
1/ مناسبة صوم يوم عاشوراء 2/ فضل صيامه 3/ دروس من عاشوراء 4/ بدعُ الروافض فيهاقتباس
إن أهل السنة لا يفرحون بمقتل الحسين -رضي الله عنه-، ولا بمقتل أي رجل من المسلمين، ولكن ذلك لا يخرجهم إلى حد الغلو والابتداع في الدين، ولو جاز لهم فعل شيء من ذلك لكانت وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعظم مصيبة من قتل الحسين -رضي الله عنه-، ولو أن هؤلاء المبتدعة يحبون الحسين حقا لاتبعوه واهتدوا بهديه في هذا اليوم، وصاموا كما كان صائما -رضي الله عنه-.
الخطبة الأولى:
أما بعد عباد الله: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].
أيها المسلمون: عندما قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة رأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فَقَالَ: "مَا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي تَصُومُونَ؟" قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى، فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ"، فَصَامَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَمَرَ بِصَوْمِهِ.
وفي رواية للإمام أحمد: هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي نَجَّى اللَّهُ مُوسَى وَبَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ الْغَرَقِ وَغَرَّقَ فِيهِ فِرْعَوْنَ، وَهَذَا يَوْم اسْتَوَتْ فِيهِ السَّفِينَةُ عَلَى الْجُودِيِّ؛ فَصَامَهُ نُوحٌ وَمُوسَى شُكْرًا لِلَّهِ -تعالى-، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "أَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى وَأَحَقُّ بِصَوْمِ هَذَا الْيَوْمِ"، فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالصَّوْمِ.
وروي: "صوموا يوم عاشوراء، يوم كانت الأنبياء يصومونه فصوموه".
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: ما رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم، يوم عاشوراء، وهذا الشهر، يعني شهر رمضان.
وبيّن -صلى الله عليه وسلم- فضل صيام يوم عاشوراء فقال: "وَصَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ إِنِّي أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ".
ولما صامه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأمر بصيامه قالوا: يا رسول الله، إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لأَصُومَنَّ التَّاسِعَ". فلم يأتِ العام المقبل حتى توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
عباد الله: من هذه الأحاديث، ومن هذه المناسبة نستخلص بعض الدروس والعبر:
الأولى: أن نعرف فضل الله -جل وعلا- علينا، فيما جعل لنا من المواسم المباركة، لتكون موسماً للتوبة والإنابة إليه، فيكفر عنا الخطايا والذنوب.
ومما يجب أن يُعلم أن صيام يوم عاشوراء إنما يكفر الصغائر، أما تكفير الكبائر فيحتاج إلى توبة صادقة. قال الإمام النووي -رحمه الله-: "صوم يوم عرفة كفّارة سنتين، ويوم عاشوراء كفارة سنة، وإذا وافق تأمينه تأمين الملائكة غُفر له ما تقدم من ذنبه، كل واحد من هذه المذكورات صالح للتكفير، فإن وجد ما يكفره من الصغائر كفَّره، وإن لم يصادف صغيرة ولا كبيرة كتبت به حسنات، ورفعت له به درجات، وإن صادف كبيرة أو كبائر ولم يصادف صغائر رجونا أن تخفف من الكبائر".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "وتكفير الطّهارة، والصّلاة، وصيام رمضان، وعرفة، وعاشوراء، للصّغائر فقط".
وقال ابن القيم -رحمه الله-: "لم يدرِ هذا المغتر أن صوم رمضان والصلوات الخمس أعظم وأجلّ من صيام يوم عرفة ويوم عاشوراء، وهي إنما تكفّر ما بينهما إذا اجتنبت الكبائر، فرمضان إلى رمضان، والجمعة إلى الجمعة لا يقويان على تكفير الصغائر إلا مع انضمام ترك الكبائر إليها، فيقوى مجموع الأمرين على تكفير الصغائر".
ومن الدروس: أن هذه الأمة امتداد للأنبياء والصالحين السابقين، وكل نبي وكل صالح من الأمم السابقة فإنما هو تابع لهذه الأمة، ونحن أحق بكل نبي من قومه الذين كذبوه وعصوه، قال الله -تعالى- بعد أن ذكر قصص الأنبياء: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء:92].
وقال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- : "أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ في الدنيا والآخرة، والْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ".
ويحاول أعداء الإسلام من اليهود والنصارى بمكرهم أن يستغلوا احترام المسلمين للأنبياء السابقين لتمييع المسلمين، وكسر تميزهم، وتحطيم اعتزازهم بدينهم؛ من خلال عقد المؤتمرات لبحث وحدة الأديان، وتقريب وجهات النظر بين أصحاب الأديان الثلاثة، وإغراء عدد من علماء السوء ممن يسمونهم بالمفكرين الإسلاميين لتقديم تنازلات في العقيدة من أجل دمج الأديان الثلاثة، حتى ظهرت دعوة تدعو إلى العودة إلى دين إبراهيم -عليه السلام-.
وأصبحت هناك منتديات مشتركة يحترم كل واحد فيها عقيدة الآخر، ويقر فيها المسلم بعقائد الشرك وطقوس الوثنية، وهذا أمر خطير ينبغي على المسلم أن يحذره، وإذا كنا نحذر من الكافرين مرة، فلنحذر من المنافقين ألف مرة!.
ومن الدروس: أن نعلم أن دين الأنبياء واحد، ولكن شرائعهم متعددة؛ فالله -تعالى- أرسل الرسل كلهم بالتوحيد الخالص، قال -سبحانه وتعالى-: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء:25].
فجعل الله لكل نبي شريعة مختلفة بحسب ما تحتاجه أمته، حتى جاء نبينا -صلى الله عليه وسلم- فأكمل الله له الشرع الحنيف، وألغى كل شريعة قبله، قال -تعالى-: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) [المائدة:48].
فلا يجوز لأي مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يعتقد أن دينا غير دين الإسلام يمكن أن يكون صحيحا.
ومن الدروس والعبر: أن الله -تعالى- يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، فكما أن الله -تعالى- نصر موسى -عليه السلام- على الطاغية فرعون؛ فإنه ينصر عباده المؤمنين، ولكن يحتاج الأمر إلى استعانة بالله وصبر، قال موسى لقومه: (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [الأعراف:128]. إن العاقبة للمتقين، طال الزمن أم قصر.
أسأل الله أن يبارك لنا في القرآن الكريم، ويهدينا لاتباع سيد الأولين والآخرين.
أقول هذا القول وأستغفر الله...
الخطبة الثانية:
أما بعد: فاتقوا الله أيها المسلمون حق تقواه.
عباد الله: احمدوا الله -سبحانه- أن جعلكم من أتباع السنة المطهرة، ولم يجعلكم من أهل البدع الذين اتخذوا ضرب أنفسهم وتلطيخ أجسادهم بالدماء دينا يدينون الله -تعالى- به، وجعلوا اللعن وسب أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- قربة يتقربون بها إلى الله!.
إن هذه الأفعال -في الحقيقة- تقربهم إلى جهنم وبئس المصير؛ لأن الله -تعالى- قد أثنى على صحابة رسوله -صلى الله عليه وسلم- في آيات كثيرة، وأعلن رضاه عنهم، وأنه اطلع على ما في نفوسهم يوم البيعة تحت الشجرة، وأنه كان حاضرهم، وأنه -جل وعلا- رضي عنهم، وكتب لهم النصر والغنائم والفتوح، فقال -تعالى-: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا * وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) [الفتح:18-19].
عباد الله: إن أهل السنة لا يفرحون بمقتل الحسين -رضي الله عنه-، ولا بمقتل أي رجل من المسلمين، ولكن ذلك لا يخرجهم إلى حد الغلو والابتداع في الدين، ولو جاز لهم فعل شيء من ذلك لكانت وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعظم مصيبة من قتل الحسين -رضي الله عنه-، ولو أن هؤلاء المبتدعة يحبون الحسين حقا لاتبعوه واهتدوا بهديه في هذا اليوم، وصاموا كما كان صائما -رضي الله عنه-.
ومن الدروس: أن نعلم أننا مأمورون بمخالفة اليهود والكفار وعدم التشبه بهم، فقد جاءت أحاديث كثيرة في ذلك حتى قال اليهود: مَا يُرِيدُ هذَا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ مِنْ أَمْرِنَا شَيْئاً إِلاَّ خَالَفَنَا فِيه، منها قوله -صلى الله عليه وسلم- في عاشوراء: "فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ -إِنْ شَاءَ اللَّهُ- صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ"، وفي رواية: "خَالِفُوا الْيَهُودَ، صُومُوا التَّاسِعَ وَالْعَاشِرَ"، وعند ابن خزيمة: "صوموا يوم عاشوراء و خالفوا اليهود، صوموا قبله يوما أو بعده يوما"، كل ذلك مخالفة لليهود الذين يفردون اليوم العاشر بالصيام.
ومن أوامر مخالفتهم قوله -صلى الله عليه وسلم-: "خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ: أَحْفُوا الشَّوَارِبَ وَأَوْفُوا اللِّحَى"، وقوله: "خَالِفُوا الْيَهُودَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُصَلُّونَ فِي نِعَالِهِمْ وَلاَ خِفَافِهِمْ".
فنحن أمة مرفوعة فلا نكن خاضعين، ونحن أمة متبوعة فلا نكن تابعين، ونحن أمة الجهاد فلا نجبن من أذلةٍ صاغرين، غضب الله عليهم وضرب عليهم الذلة والمسكنة.
لقد دانت الدنيا للمسلمين وهم جياع, فالحذر أن تستعبدكم الدنيا وأنتم شباع! لقد حاز المسلمون أموال الدنيا وتربعوا على أسباب الحياة؛ فقصموا القياصرة, وكسروا الأكاسرة، وحطموا الجبابرة، فلا تجبنوا أمام ثلة ضائعة حائرة من أحفاد القردة والخنازير.
عباد الله: إذا لم يتيسر لنا الجهاد فلا أقل من أن نبغض الكفار ونتجنب طرقهم ونحذر مكائدهم، ونحذِّر منهم مَن تحت ولايتنا، علماً بأن الجهاد كما يكون بالسنان والنفس والمال؛ يكون باللسان والبنان، ويكون بكل وسيلة مشروعة؛ لمجابهة الكفار والمنافقين، فالله -تعالى- يقول: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) [التحريم:9، التوبة:73].
نسأل الله أن يجعلنا من أهل السنة المستمسكين بها، وأن يحيينا على الإسلام، ويميتنا على الإيمان، وأن يوفقنا لما يحب ويرضى.
ثم صلوا وسلموا عباد الله على محمد بن عبد الله...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم