عناصر الخطبة
1/ إرهاصات غزوة أحد 2/ سبب غزوة أحد 3/ تسلسل أحداث الغزوة 4/ حال الأمة اليوم 5/ التمكين رهن بعودة الأمة إلى ربهااقتباس
إن ما شهده الصحابة مع نبيهم يشهده المسلمون بسبب ذنوبهم كل يوم وكلَّ لحظة! فالمسلمون كثيرون ولكنهم قليلون! غثاءٌ كغثاء السيل، تداعت عليهم الأمم، فلئن تخلف النصر عن الصحابة بسبب مخالفة اجتهدوا فيها وليس لهم حق الاجتهاد بعد نص النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأنى ينصر المسلمون وهم يصبحون ويمسون على ما يغضب الله إلا من رحم الله!! كيف ينصر المسلمون وقد ظهر فيهم الفساد، وكثر الخبث؟!
الخطبة الأولى:
الحمد لله يعز من يشاء ويذل من يشاء، ليعلم الذين آمنوا ويتخذ الشهداء، يداول الأيامَ ليمحص الذين آمنوا ويمحق الكافرين الأعداء.
وأشهد أن لا إله إلا الله يعلم المجاهدين الأتقياء، والمنافقين الدخلاء.
وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله فضله الله على الأنبياء، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الصابرين في البأساء والضراء.
أما بعد:
فقد هزم المشركون في رمضان في غزوة بدر في السنة الثانية من الهجرة النبوية، وساق الله في تلك الغزوة أشراف قريش إلى مضاجعهم، وأصيبوا بمصيبة لم يصابوا بمثلها.
فلمَّا كان من العام القابل في السنة الثالثة في شهر شوالٍ أرادت قريش أن تسترد هيبتها، وتثأر لقتلاها، فانضمَّ إليها كل ناقم على الإسلام وأهله، فأقبل الجيش الثائر بقيادة أبي سفيان -ولما يسلم بعد- في نحو ثلاثة آلاف مقاتل، قاصدين المدينة فنزلوا قريباً من جبل أحدٍ، الذي قال فيه النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أحد جبل يحبنا ونحبه"، فاستشار النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه أيخرج إليهم أم يمكث في المدينة؟! فاستقر رأي النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يخرجَ إليهم بعد أن ألح عليه جماعة من فضلاء الصحابة الذين فاتهم الخروج يوم بدر.
فخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- في نحو ألف من الصحابة، فبدأ حينئذ الامتحان ليميز الله الخبيث من الطيب، فرجع رأس المنافقين عبد الله بن أبي ابن سلول، رجع أثناء الطريق بثلث الجيش، مدَّعياً أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يأخذ برأيه في المقام في المدينة!! فتركه النبي -صلى الله عليه وسلم- ومضى بالبقية المؤمنة وهم نحو سبعمائة، حتى نزلوا ساحة جبل أحدٍ، فصفَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- الجيش وجعل ظهره للجبل، ووجهه للمشركين، واختار خمسين رجلاً من أصحابه وأمَّر عليهم عبد الله بن جبير الأنصاري، وأمرهم أن يحموا ظهر الجيش، وقال لهم: "انضحوا الخيل عنا بالنبل، لا يأتونا من خلفنا، وأكَّد عليهم أن لا يفارقوا أماكنهم، ولو رأوا الطيرَ تتخطفُ العسكر".
وأعطى النبي -صلى الله عليه وسلم- راية الحرب الصحابي مصعب بن عمير الصحابي الشاب -رضي الله عنه-.
ثم جمع الله بينهم وبين عدوهم فبدأ القتالُ، وكان النصر أوَّل النهار للمسلمين على الكافرين، فقتلوا منهم عددًا، وولى الباقون مدبرين.
ثم أراد الله أمراً آخر لحكم عظيمة وأسرارٍ خافية، فهيأ سببه، فانغمس المسلمون في أخذ الغنائم وجمعها ظانين أنَّ المعركة انتهت، فرأى صنيعهم ذلك مَن وراءهم ممن يحمون ظهورهم من الرماة، فقالوا: ماذا نفعل وقد نصر الله رسوله؟! فقالوا: الغنائم! الغنائم! فذكرهم أميرهم تأكيد النبي -صلى الله عليه وسلم- على البقاء مهما كانت الحال، فلم يسمعوا وظنوا أن ليس للمشركين رجعة!
فذهبوا في طلب الغنائم وأخلوا الثغر، فنزل أربعون منهم والتحقوا بسواد الجيش، ولم يبق على جبل الرماة إلا ابن جبير وتسعة معه، عندها انتهز خالد بن الوليد هذه الفرصة، فاستدار بسرعة خاطفة حتى وصل إلى مؤخرة الجيش الإسلامي، فلم يلبث أن أباد عبد الله بن جبير وأصحابه، ثم انقض على المسلمين من خلفهم وصاح فرسانه بالمنهزمين من جيش المشركين، فكرَّ فرسان قريش فوجدوا المكان خالياً، فأحاطوا بالمسلمين فاضطربوا لهول المفاجئة. ففرت طائفةٌ منهم، واختلطت طائفة بالمشركين!
وقتل مصعب بن عمير حامل راية المسلمين حتى أخذها علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، فنادى النبي -صلى الله عليه وسلم- بأعلى صوته: "إليَّ عباد الله، إليَّ عباد الله". فعلم المشركون مكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فوصلوا إليه، فجرحوا وجهه الشريف، وكسروا رباعيته، وهشموا البيضة -وهي ما يوضع على الرأس في القتال-، هشموها على رأسه، ورموه بالحجارة حتى وقع لشقه، وسَقَطَ في حُفْرة، حتى أخذ بيده أصحابه -صلى الله عليه وسلم-، وأحاطوا به في سرعة هائلة في لحظات خاطفة، فبالغوا في وقايته ورد هجمات العدو عنه، فثبَّت الله المؤمنين وربط على قلوبهم واستردوا مواقعهم، ورَدَّ الله عنهم ما لا قدرة لهم به، فانسحب المشركون بعد أن نالوا من المسلمين، وانتهت المعركة بعد أن قتل من المسلمين سبعون رجلاً أكثرهم من الأنصار، وقتل في هذه الغزوة أسد الله وأسد رسوله حمزة بن عبد المطلب عمُّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعبد الله بن جحش، فدفنا جميعاً في قبر واحد.
وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد رأى في منامه أن في سيفه ثلمة، ورأى بقراً تذبح، وأنه أدخل يده في درعٍ حصينة، فتأوَّل الثلمة في سيفه برجلٍ يصاب من أهل بيته، وتأول البقر بنفرٍ من أصحابه يقتلون، وتأول الدرع بالمدينة. فكان ما كان، ورؤيا الأنبياء حق.
فلما انقضت المعركة أشرف قائد المشركين أبو سفيان على الجبل، فنادى: أفيكم محمد؟! فلم يجيبوه! أفيكم ابن أبي قحافة؟! فلم يجيبوه! أفيكم عمر؟! فلم يجيبوه! إهانة له واحتقاراً. ولم يسأل إلا عن هؤلاء الثلاثة لعلمه أنَّ قوام الإسلام بهم! ثم قال: أما هؤلاء فقد كفيتموهم! فلم يملك عمر -رضي الله عنه- نفسه فقال: كذبت، يا عدو الله، إن الذين ذكرتهم أحياء، وقد أبقى الله لك ما يسوؤك! ثم قال أبو سفيان: اعل هبل! فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ألا تجيبونه؟! فقالوا: ما نقول؟! قال: قولوا: الله أعلى وأجل. ثم قال أبو سفيان: لنا العزى ولا عزَّى لكم، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ألا تجيبونه؟! قالوا: ما نقول: قال: قولوا: الله مولانا، ولا مولى لكم! فأمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بإجابته لمَّا افتخر بآلهته، وبشركه! ولم يأمرهم بإجابته لما قال أفيكم محمد؟! أفيكم ابن أبي قحافة؟! أفيكم عمر؟! بل قد ورد أنه نهاهم عن إجابته.
ولما أجابه عمر أسقط في يده وخاب ظنه، وعاد فخره ذلاً وغيظاً!! فلله الحمد على ما قدر.
(أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
أقول قولي هذا...
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين...
إن ما شهده الصحابة مع نبيهم يشهده المسلمون بسبب ذنوبهم كل يوم وكلَّ لحظة! فالمسلمون كثيرون ولكنهم قليلون! غثاءٌ كغثاء السيل، تداعت عليهم الأمم، فلئن تخلف النصر عن الصحابة بسبب مخالفة اجتهدوا فيها وليس لهم حق الاجتهاد بعد نص النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأنى ينصر المسلمون وهم يصبحون ويمسون على ما يغضب الله إلا من رحم الله!! كيف ينصر المسلمون وقد ظهر فيهم الفساد، وكثر الخبث؟! كيف ينصر المسلمون بعد أن ترك طائفة منهم ليست بالقليلة الصلاة تركاً كلياً ناهيك عمن تخلف عنها في المساجد!! كيف ينصر المسلمون وهم إن أتاهم ربا أخذوه، وإن دعوا إلى ما يفسد أخلاقهم ويقضي على مروءتهم قبلوه؟! كيف يرجى النصر للمسلمين، وقد ظلم طائفة منهم أزواجهم وعمالهم؟! وقد ضيَّع آخرون أولادهم وفرطَّوا برعاية أسرهم!!
إن الأمة التي يتغاضى أبناؤها عن أخطائهم ويبررون شرودهم عن ربهم، ويتلمسون العذر لمعاصيهم لهي أمة تستمسك بأسباب الذل والهوان.
نعم يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كل بني آدم خطاء"، ولكنه قال بعدها: "وخير الخطائين التوابون"، ففتح باب التوبة والاستغفار والعودة إلى الله.
فالتمكين في الأرض والنصر على الأعداء وعودة الهيبة إلى الأمة مربوط بعودتها إلى ربها؛ لأنَّ التمكين من الله، ولن يعطيه من لم يقم لشرعه ميزانًا.
(الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ).
أيها الإخوة: هذا بلاء الله لنبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- ومعه خيرة صحابته، فكيف بلاؤه بمن هم دونهم من عباده!!
وتخلف النصر عن المؤمنين ولم يجلبه كونهم مع النبي -صلى الله عليه وسلم- لما أخذوا بأسباب الهزيمة: (إِنْ يَنْصُرْكُمْ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ)، (وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ).
وإن أول النصر والفتح هو أن ينتصر الإنسان على هواه، ويفتح بابًا من الطاعة مع مولاه، في سره وعلانيته، في نفسه ومن تحت يده، وإلا فإن لله سننًا لا بد أن يمضيها: (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً).
اللهم انصر كتابك وسنة نبيك...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم