عناصر الخطبة
1/فضائل العفة 2/ أنواع العفاف وأقسامه 3/ العفاف خلق الأنبياء والمرسلين 4/ صور رائعة من عفة الصحابة والتابعين.اقتباس
العفة خُلق طيِّب يجب أن يتحلى به المسلم مع خلق الحياء والورع والكرم، والشجاعة والزهد، والرفق والوفاء، والشكر وحفظ اللسان، والصدق والإخلاص، والأمانة والعدل والرحمة. ولكن ما هي العفة؟ هي البعد عن الحرام وسؤال الناس، والكف عما لا يحل، والكف عن الأطماع الدنية، والاستعفاف: طلب العفاف والكف عن الحرام. والعفة أنواع؛ منها عفة الجوارح: أن يعف المسلم يده ورجله وعينه وأذنه وفرجه عن الحرام، فلا تغلبه الشهوة...
الخطبة الأولى:
الحمد لله... وبعد...
في سلسلة من أخلاق المسلم نتكلم اليوم بحول الله وقوته عن خلق العفة..
الشباب في عنفوانه وقوته وتهوره يمكن أن يتجرأ على محارم الله تدفعه الشهوة الجارفة فقال تعالى: (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) [النور: 33].
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يدعو الله -عز وجل- قائلاً: "اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى" (رواه مسلم).
فالعفة خُلق طيِّب يجب أن يتحلى به المسلم مع خلق الحياء والورع والكرم، والشجاعة والزهد، والرفق والوفاء، والشكر وحفظ اللسان، والصدق والإخلاص، والأمانة والعدل والرحمة.
ما هي العفة؟
هي البعد عن الحرام وسؤال الناس، والكف عما لا يحل، والكف عن الأطماع الدنية، والاستعفاف: طلب العفاف والكف عن الحرام.
والعفة أنواع؛ منها عفة الجوارح: أن يعف المسلم يده ورجله وعينه وأذنه وفرجه عن الحرام، فلا تغلبه الشهوة.
وأمر النبي الشباب بطلب العفة، فقال: "من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وِجَاء" (متفق عليه).
وعفة الجسد فالمسلم يستر جسده، ويبتعد عن إظهار عوراته وعورة الرجل من السرة إلى الركبة، والمرأة جسدها كله عورة.
قال -عز وجل- (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) [الأحزاب: 59].
وعفة النظر فقد حرم الإسلام النظر إلى المرأة الأجنبية، وحرم على المرأة ذلك أيضًا.
قال تعالى (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ) [النور 30- 31].
والنظرة سهم من سهام إبليس، من تركها مخافة لله أبدله الله إيمانًا يجد حلاوته في قلبه، فمن ترك شيئًا لله عوَّضه الله خيرًا منه.
سُئل النبي عن نظرة الفجأة فقال: "اصرف بصرك".
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من يضمن لي ما بين لحييه، وما بين رجليه، أضمن له الجنة" أي : اللسان والفرج – (البخاري 6474).
قال تعالى: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) [الإسراء: 36].
ومن العفة أن يعف المسلم عن أموال الغير قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) [النساء: 10].
وأمر الله -عز وجل- الولي على أموال اليتيم إن كان غنيًّا أن يستعفف، أي: لا يأخذ شيئًا من أموال اليتيم، وإن كان الولي فقيرًا فليأكل بالمعروف، أي القليل فقط؛ ما يكفيه ولا يدخر.
فهاهو موسى -عليه السلام- لما سقى لابنتي الرجل الصالح جلس في الظل (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا) [القصص: 25].
تمشي على استحياء؛ على استحياء قالت؛ يعنى حياؤها في مشيتها وفى كلامها، وكان موسى -عليه السلام- قدوة في العفاف، فطلب منها أن تسير وراءه وتشير إليه يمينًا أو يسارًا حتى لا ينظر إليها أو يطير الهواء ملابسها أو يلتصق بجسدها إن هو سار وراءها.
وهاهو يوسف -عليه السلام- الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم -عليهم السلام- ومع هذا فقد بيع في سوق العبيد كما يُباع العبيد، فاشتراه عزيز مصر فلما رأى فيه كرم الأصل وجمال الوجه طلب من امرأته أن تكرمه (عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا) [يوسف: 21].
وكبر يوسف في بيت العزيز وصار شابًّا قويًّا جميلاً، فأعجبت به امرأة العزيز، ووسوس لها الشيطان وجاء اليوم الذي أغلقت فيه الأبواب وصرفت الخدم، وقالت ليوسف هيت لك؛ تهيأت لك، لكنه أجاب بكل عفة وطهارة: (مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) [يوسف: 23] معاذ الله، أي: أستعيذ بالله وألجأ إليه
وهاهو سيد البشر -صلى الله عليه وسلم- جاءته صفية بنت حيي تحدثه، وكان معتكفًا بالمسجد فقام إليها يوصلها إلى بيتها، فرآهما شابان فأسرعا فقال النبي –صلى الله عليه وسلم-: "على رِسلكما! ِإنها صفية"، فقالا: سبحان الله يا رسول الله! أنت أعظم وأجل من أن نقول شيئا عنك، فقال: "إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم"، فخاف النبي عليهما من وسوسة الشيطان فالإنسان العفيف لا يضع نفسه موضع شبهة.
ولم يمد يده ليصافح امرأة قط.
فيجب على المسلم ألا يضع نفسه موضع شبهة فيقف مثلاً في الظلام يكلم امرأة أو يكلم امرأة بصوت منخفض لا يسمعه أحد أو يخلو بامرأة، وكذا المسلمة العفيفة لا يجوز لها الوقوف مع رجل بالشارع أو تتكلم معه بصوت منخفض.
وبعد الأنبياء والمرسلين يأتي أصحاب رسول الله ها هو أبو بكر -رضي الله عنه- عندما صار خليفة رسول الله، وكان تاجرًا وجده الصحابة في السوق يبيع ويشتري، فقالوا له لا تعمل ونعطيك راتبًا، وعند الموت تبقى في بيته بضعة دنانير، فأرسل إلى عائشة قائلاً: هذه الدنانير أعطيها لعمر، تبقت من راتب هذا الشهر، ولم أعمل بها فهل رأيتم مثل هذا؟!
وجاء الفاروق الذي تعلم من سيد البشر محمد -صلى الله عليه وسلم- وكان وزير أبى بكر الأول، فلما صار أميرًا للمؤمنين كان ينظر إلى بيت مال المسلمين كمال اليتيم وهو الولي عليه فيقول: "إن استغنيت استعففتُ وِإن افتقرت أكلت بالمعروف"، فكان إذا لم يجد في بيته مالاً يأخذ من بيت مال المسلمين إلا أقل القليل لقوله تعالى: (وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) [النساء: 6].
ويومًا مرض -رضي الله عنه- فقال له الطبيب عليك بالعسل، فإنه دواؤك ووجد عكة فيها عسل في بيت مال المسلمين، فقيل له خذها فلم يرضَ، وذهب إلى المسجد، وبعد أن صلى بالناس قال لهم: توجد عكة عسل وأنا أريدها علاجًا لي أتأذنون فقالوا نأذن لك.
في عهده فتحت الفتوح وازدادت الرقعة الإسلامية، وجاء المال من كل البلاد ومع ذلك ظل على عادته زاهدا متقشفا حتى شكاه الصحابة إلى ابنته حفصة فجاءته تقول: "يا أبت قد أوسع الله الرزق فكل طعاما ألين مما تأكل، والبس لباسا ألين مما تلبس".
فظل يذكِّرها بطعام رسول الله الخشن والقمح غير المنخول، ويذكرها بالأيام التي قضتها مع رسول الله، وأنه كان يعيش أياما على التمر والماء، وكيف أنه كان يمر الهلال تلو الهلال ولا يوقد في بيته -عليه الصلاة والسلام- نار.
وكيف كان ينام على حصير من ليف كان له أثَّر في جنبه الشريف، وظل بها هكذا حتى بكت -رضي الله عنها- وتركته وكان آخر ما قاله أريد أن ألحق بصاحبي: رسول الله وأبى بكر، على ما تركوني عليه وأموت على مثل ما ماتا.
وبعد معركة القادسية جاءت الرسل معهم الغنائم، وفيها تاج كسرى الجوهرة الواحدة تغني قبيلة والتاج مليء بالجواهر ومع التاج أموال كثيرة فقال عمر: "إن قومًا أدوا هذا لقوم أمناء"، فقال علي بن أبي طالب: "عففت فعفت رعيتك، ولو رتعت لرتعوا".
عمر بن عبد العزيز حفيد عمر بن الخطاب، ورث عن أبيه الكثير من الأموال والمتاع والدواب وكان إيراده السنوي يزيد على أربعين ألف دينار، وزوجته فاطمة بنت عبد الملك بن مروان لك أن تتخيل ما عندها من مجوهرات وهي أميرة بنت أمير للمؤمنين ولها إخوة أربعة كلهم كان أمراء وخلفاء.
يوم تولى عمر الخلافة بكى فسألته، فقال: "تذكرت الفقير والجائع والشيخ الكبير والعاري والمريض والمظلوم والغريب، وربي سيسألني عنهم يوم القيامة، فخشيت على نفسي ألا أجد ما أقوله لربي"، فبكت معه، وتنازل عن أمواله لبيت مال المسلمين، وطلب من زوجته صندوق مجوهراتها تضعه في بيت مال المسلمين فأطاعته، ونعلم قيمة الذهب عند النساء.
وجاءه يوما تفاح فأمر بتوزيعه على المسلمين ودخل ولد له فأخذ واحدة فانتزعها منه بسرعة، فخرج الصبي يبكي وبعد أن انتهى من توزيع التفاح رجع بيته فوجد طفله يأكل تفاحا فغضب، وقال من أين له هذا ؟ فقالت: اشتريت له.
فقال: "يا فاطمة! والله وأنا أنتزع منه التفاحة فكأني انتزع قلبي من بين أضلاعي، لكني لا أريده أن يأكل من مال المسلمين".
لما مات ووزعوا تركته نال كل صبي تسعة عشر درهما، والبنت عشرة دراهم فقط، فكان الناس يتعجبون من هذا الورع وهذه العفة!!
ونسمع أخبارًا مفزعة عن رجال أعمال عندهم المال الكثير لكنهم ولا عفة عندهم؛ كانوا يسرقون أموال الشعب، ورجل كان يمتلك شركات ثم عُين وزيرا ورغم كل ذلك استولى على أراضى من الدولة بدون حق.
وسبحان الله في نفس المجتمع الذي يحدث فيه هذا تجد أناسًا قال الله فيهم (اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا) [البقرة: 273]، فقير عفيف يغلق عليه بابه، ولا يسأل الناس فهذا هو الذي يجب أن نبحث عنه ونعطيه..
الدعاء ..
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم