عناصر الخطبة
1/الشائعات قضية مؤرقة تفتك بوحدة الأمة 2/الإسلام ينهى أتباعه عن الخوض بالباطل فيما لا يعلمون 3/الشائعات آذت كثيرا من الأنبياء والصالحين والعلماء 4/وجوب الصبر والثبات لمنْ رُمِيَ بالشائعاتاقتباس
إن الشائعات والأكاذيب من أشد الرماح المسمومة الهاتكة لحمى الوحدة والجماعة فكم تجنَّت على أبرياء، وأشعلت نار الفتنة بين الأصفياء، وكم هدمت من وشائج، وتسبَّبَت في جرائم، وفككت من علاقات وأواصر، وحطمت من حضارات وأمجاد، ولم يسلم منها أهل الصلاح ذوو الأفهام، بل ولا حتى الأنبياء والرسل الكرام.
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمدك ربي ونستعينك ونستغفرك ونتوب إليك، نحمد الله -سبحانه- ونشكره على نِعَم أَثْنَتْ بها الجوارحُ والسرائرُ، ولهجت بها الألسن والضمائر:
فَحَمْدًا لِلْإِلَهِ بِإِثْرِ حَمْدٍ***عَلَى فَضْلٍ تَكَاثَرَ فِي ازْدِيَادِ
وَشُكْرًا دَائِمًا فِي كُلِّ وَقْتٍ***نَرُومُ ثَوَابَهُ يَوْمَ التَّنَادِي
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً هي خير الكلام وأسمى الذخائر، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدا عبد الله ورسوله، أشرف الأوائل والأواخر، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وذريته النجوم الزواهر، وصحابته البالغين أسمى البشائر، ومن تبعهم بإحسان إلى يومِ تُبْلَى السرائرُ.
أما بعد فيا عباد الله: اتقوا الله أقوالا وفعالا، خضوعًا وامتثالا، بُكَرًا وآصالا، تُحَقِّقوا عِزًّا وجلالا وسؤددا وكمالا، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا) [الطَّلَاقِ: 5].
وَكُنْ مُخْبِتًا لِلَّهِ بِالتَّقْوَى الَّتِي***هِيَ الزَّادُ لِلْأُخْرَى وَدَعْ كُلَّ مَنْ أَلْوَى
فَحَسْبُكَ وَانْزِلْ حَيْثُمَا نَزَلَ الْهُدَى***وَكُنْ حَيْثُمَا كَانَ التَّوَرُّعُ وَالتَّقْوَى
معاشر المسلمين: مَنْ تمعَّن في مقاصد شريعتنا الغراء ألفاها حققت أعظمَ المصالح وأسنى المقاصد، وزكَّت النفوس عن البوائق والمفاسد، فصاغت مجتمعًا شريفًا أَنُوفًا، للآثام والمحرمات عيوفا، وعن مساقط الأدران عزوفا، وبذلك قادت أمتنا المباركة الفضائل والمكارم بأعلى زمام، وبلغت من الذود عن الأعراض والمحارم الذروةَ والسنامَ، وعلى غارب العصر التقني الأخَّاذ الذي سبَى الأفهامَ وسحر الضعاف من الخواص والعوام، تبرز قضية مؤرقة فاتكة، ولوحدة الأمة وائتلافها ممزقة هاتكة،>
تلكم -يا رعاكم الله- هي قضية الشائعات التي المقيتة المغرضة، والافتراءات المرسَلَة المتناقضة، والأخبار الكاذبة المتعارضة، والتي يسعى في نشرها مهازيل أغرار، وسفهاء ضُلَّال، لُحْمَتُهم القيل والقال والتخمين، وسُدَاهم الافتراء المبين، في أخطر حروب نفسية، وأمراض اجتماعية؛ فبئست المسالك المعوجة والرعونات الفجة، وكم يُبتلى الناجحون الطامحون يتربُّص مَنْ بهم حاقدون حاسدون كالحون جامحون، ولكن ذلك لا يَفُلّ عزمَهم، بل يزيدهم ثقةً وشموخا ونجاحا وطموحا، ولسان حال الواثق بربه:
كَمْ يَطْلُبُونَ لَنَا عَيْبًا فَيُعْجِزُهُمْ***وَيَأْبَى اللَّهُ مَا يَأْتُونَ وَالْكَرَمُ
وَمَا أَحَدٌ مِنْ أَلْسُنِ النَّاس سَالِمًا***وَلَوْ كَانَ ذَاكَ التَّقِيَّ الْمُهَذَّبَ
معاشر المؤمنين: لقد نهى الإسلام أتباعَه أن يُطلقوا الكلام على عواهنه، ويلغوا عقولَهم عند كل شائعة، وتفكيرهم عند كل ذائعة، أو ينساقوا وراء كل ناعق، ويصدقوا قول كل دعي مارق، جاء الزجر الشديد والوعيد الأكيد في السُّنَّة والكتاب بسوء المصير والمآب لكل مشَّاء بالبُهْت مفترٍ كذاب، (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) [الْأَحْزَابِ: 58]، (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) [الْقَلَمِ: 10-11].
ورسَم سبحانه المنهجَ في تلقِّي الأخبار؛ فقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) [الْحُجُرَاتِ: 6]، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ" وفي رواية: "كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا"؛ فأيُّ وعيد أو تهديد أشد وأنكى من هذا الوعيد الشديد؟ وأي تحذير من نقل الكلام دون تثبُّت أبلغ من هذا التحذير؟
إن الشائعات والأكاذيب من أشد الرماح المسمومة الهاتكة لحمى الوحدة والجماعة فكم تجنَّت على أبرياء، وأشعلت نار الفتنة بين الأصفياء، وكم هدمت من وشائج، وتسبَّبَت في جرائم، وفككت من علاقات وأواصر، وحطمت من حضارات وأمجاد، ولم يسلم منها أهل الصلاح ذوو الأفهام، بل ولا حتى الأنبياء والرسل الكرام.
فهذا المسيح -عليه السلام- تشكك الشائعات المغرضة فيه وفي أُمِّه الصِّدِّيقة: (يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا) [مَرْيَمَ: 28]، والكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إبراهيم أنموذج من نماذج الطهر والنقاء ضد الشائعات المغرضة التي تمس العرض والشرف، (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) [يُوسُفَ: 24]، والسيرة العطرة لرسول الهدى -صلى الله عليه وسلم- أنموذج مشرف يحمل في طياته نماذج حية لتأريخ الشائعة والموقف السليم منها، فقد رُميت دعوته المباركة بالشائعات منذ بزوغها؛ فرمي بالسحر والجنون والكذب والكهانة، وافتن الكفار والمنافقون الذين مردوا على النفاق في صنع الأراجيف الكاذبة والاتهامات الباطلة ضد دعوته بأبي هو وأمي -صلى الله عليه وسلم-.
ولعل من أشهرها حادثة الإفك الشهيرة، تلك الحادثة التي كشفت عن شناعة الشائعات، وهي تتناول بيت النبوة الطاهر، وتتعرض لعِرْض أكرم الخلق على الله، وعرض الصِّدِّيقة بنت الصِّدِّيق -رضي الله عنها- وعن أبيها، والتي نزلت براءتها من فوق سبع سماوات، وجاء معه العتاب: (لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ) [النُّورِ: 12].
يَا هَاتِكًا حُرَمَ الرِّجَالِ وَقَاطِعًا***سُبْلَ الْمَوَدَّةِ عِشْتَ غَيْرَ مُكَرَّمِ
لَوْ كُنْتَ حُرًّا مِنْ سُلَالَةٍ مَاجِدٍ***مَا كُنْتَ هَتَّاكًا لِحُرْمَةِ مُسْلِمِ
يُساق ذلك -يا رعاكم الله- وقد عَظُمَ الخَطْبُ وجلت الرزية، واستُخفت البلية بفري أعراض رموز الأمة وقادتها وعلمائها، ممن أعراضهم أشرف من ذُكاء، ومناقبهم بعدد أنجم السماء، يقصدون بهذا السوء حطًّا من أقدارهم ووقيعة في أعراضهم ونزعا للثقة والمرجعية منهم، بالازدراء والتشهير في وسائل الإعلام الحديث عبر ما ُيعرف بالتغريدات والهاشتقات، فإذا نظرتَ ثم رأيتَ رأيتَ ثرثرة ولآمةً، وهراء وفدامة، وكسيرًا قد سَلَّ للبَهِيتَةِ أقلامَه، وصوَّب للجرم سهامه، وجرَّد -يا ويحه- من لسانه حسامَه، طعنًا في الأخيار البرآء والمصلحين النزهاء، الذين يحملون رسالة الأمة ويعيشون قضاياها وجراحها ويضمِّدون نزيفها، ويرومون فلاحها.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ" (أخرجه مسلم)، وقال: "يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلِ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ، لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَتَبَّعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ تَتَّبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ تَتَّبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَّبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ بَيْتِهِ" (أخرجه أحمد وأبو داود).
وقال الإمام أحمد -رحمه الله-: "ما رأيتُ أحدًا تكلم في الناس إلا سقط"، وقال أيضا: "الوقيعة في أهل العلم ولاسيما أكابرهم من كبائر الذنوب"، وقال مالك بن دينار -رحمه الله-: "كفى بالمرء شرًّا ألا يكون صالحا وهو يقع في الصالحين"، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "والكلام في الناس يجب أن يكون بعلم وعدل، لا بجهل وظلم، والوقيعة في أعراض الناس أشد من سرقة أموالهم" فكيف بمن دأبه وهجيراه
يُحَرِّفُ الْقَوْلَ فِي جَهْلٍ يَئِنُّ لَهُ***فُؤَادُ مَنْ يَتَّقِي شَرًّا وَإِجْرَامَا
وَيَلْمِزُ الْعِرْضَ لَا تَقْوَى لِذِي سَفَهٍ**وَكَيْفَ يَرْقَى سَفِيهُ الْقَوْلِ أَحْلَامَا
فكيف لأناس ديدنهم الغمز والتشويش، ومطيتهم الهمز والتحريش، وسجيتهم الإثارة والتهويش، قاموسهم سوء الظن، ومعاجمهم الأذى والحسد والمن، يبادرون بالاتهام، ويستعجلون بالجفاء والاصطلام، يُكثرون الوقيعةَ والعتابَ، ولا يتورعون عن الشتائم والسباب، يطعنون في الخواصر، ويصوِّبُون سهامَهم تلقاءَ القفا، إذا رأوك في نعمة حسدوك، وإن تواريت عنهم اغتابوك، (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) [النِّسَاءِ: 54].
إِنْ يَسْمَعُوا هَفْوَةً طَارُوا بِهَا فَرَحًا***وَمَا عَلِمُوا مِنْ صَالِحٍ كَتَمُوا
يعملون ليل نهار على الحط من الأقدار والنيل من الكفاءات، وتشويه صورة البرآء الأخيار من النزهاء، يتحركون كالخفافيش في الظلام ويعملون خلف الكواليس، ليس لأحدهم اسم منصوص، أو وجه كباقي الشخوص، بل يتنكرون كاللصوص وراء أسماء مستعارة وشعارات براقة وهي في حقيقتها غدارة ختارة، حسدا من عند أنفسهم، من بعد ما تبين لهم الحق، ونذر هؤلاء أنهم ينشرون فضائل محسوديهم ويرفعون ذكرهم:
وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ نَشْرَ فَضِيلَةٍ***طُوِيَتْ أَتَاحَ لَهَا لِسَانَ حَسُودِ
لَوْلَا اشْتِعَالُ النَّارِ فِيمَا جَاوَرَتْ***مَا كَانَ يُعْرَفُ طِيبُ عَرْفِ الْعُودِ
وآخرون يركبون الموجة يتقفرون العلم، ويتتبعون شذوذات المسائل وينشرونها بين العامة للإثارة والتشويش والبلبلة.
فيا أيها المتهوكون في سِيَر العباد ونياتهم: تجافوا عن تلك المساخط والسوءات، وكفوا عن تتبع العيوب والعورات، وتقصُّد النقائص البشرية والعثرات، فإنه سلوك رث هدام، وخلق أهل اللؤم والآثام، محادّ لشرع الله -تعالى- وهدي رسوله -صلى الله عليه وسلم- القائل: "طُوبَى لِمَنْ شَغَلَهُ عَيْبُهُ عَنْ عُيُوبِ النَّاسِ" (أخرجه البزار في مسنده، والبيهقي في شُعَبِهِ).
وروى الإمام أحمد وغيره أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أَلَا أُنْبِئُكُمْ بِشِرَارِكُمْ: الْمَشَّاؤُونَ بِالنَّمِيمَةِ، الْمُفَرِّقُونَ بَيْنَ الأَحِبَّةِ، الْمُبْتَغُونَ لِلْبُرَآءِ الْعَيْبَ"، وقال بعض السلف: "أدركنا السلف الصالح وهم لا يرون العبادة في الصلاة والصيام ولكن في الكف عن أعراض الناس".
فَكُلُّ لَفْظٍ مُعَدٌّ فِي صَحَائِفِنَا***لِيَوْمِ حَشْرٍ فَفِيهِ الشَّرُّ يَنْدَحِرُ
وَزَلَّةُ الْمَرْءِ فِي لَفْظٍ وَفِي خَبَرٍ***فَصُنْهُمَا كَمْ دَهَانَا اللَّفْظُ وَالْخَبَرُ
ويا أيها المتسرعون في نقل الكلام، المصغون والمصدقون، الناشرون للشائعات الطغام، من المعرِّفات المجهولة، أو قنوات التحريض والفتنة: اتقوا الله في أنفسكم، أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم، وارغبوا إلى الدَّيَّان بالنجاة والسلامة، قبل حلول الفُجَاءَة والندامة.
فَاحْفَظْ لِسَانَكَ مِنْ طَعْنٍ عَلَى أَحَدٍ***مِنَ الْعِبَادِ وَمِنْ نَقْلٍ وَمِنْ كَذِبِ
وَانْصِفْ وَلَا تَنْتَصِفْ مِنْهُمْ وَنَاصِحْهُمُ***وَقُمْ عَلَيْهِمْ بِحَقِّ اللَّهِ وَانْتَدِبِ
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ * يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [النُّورِ: 16-18].
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة.
أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، هو حسبنا وكفى، وصلاة وسلاما على النبي المصطفى، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجهم واقتفى.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وصونوا الأعراض عن الرِّيَب والتهم، كفوا الألسن عن ذوي الأقدار والهمم، تبلغوا من الشرف المروم أسنى القِسَم، ومن توانى فقد زاغ واعتدى وظلم.
إخوة الإيمان: وفي أتون هذه المظاهر ينبغي أن تُعْلَى رايات المنهج الأخلاقي والقيمي المتميز، الذي ينضح بنُبْل الشمائل والخلال، وعريق السجايا والخصال، ومن بلي بشيء من هذا المكر فليتق الله، ويستعن به ويصبر ولا يزيده ذلك إلا ثقة وإصرارا وإيمانا؛ فإن العاقبة للتقوى، وليتيقَّن أنه لا يحيق المكر السيئ إلا بأهله.
والتاريخ والواقع يشهدان بذلك؛ فإن مَنْ سَبَرَ أغوارَ الناس وتواريخ العالَم تملكته الدهشة من أخبار من مكَر بغيره فعاد مكرُه عليه، (وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) [فَاطِرٍ: 43]، (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [الْأَنْفَالِ: 30].
وكان ذلك سببا في نجاة وسلام من أريد به المكر الكبار، وكذلك من خانوا دينهم، وأوطانهم.
فيا من بليتم بالإفك والافتراءات (لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) [النُّورِ: 11].
يجب الحفاظ على النسيج الاجتماعي في الأمة، ومنظومة تآلفها المتألقة، والتوارد على ميثاق شرف أخلاقي خاصةً للإعلام الجديد، وَسَنّ الأنظمة الحازمة لردع كل من تسول له نفسه السيرَ في هذا الطريق المشين وإيذاء المسلمين، وعباد الله الصالحين، والله ولي المؤمنين، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وحسيب الكاذبين وطليب المفترين.
هذا وصلوا وسلموا -رحمكم الله- على النبي المصطفى الكريم ذي النسب الصميم، والأصل الفخيم كما أمركم المولى العظيم في الذكر الحكيم، فقال جل في علاه: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الْأَحْزَابِ: 56].
وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن زوجات نبيك أجمعين الطاهرات أمهات المؤمنين، والصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمِنَّا في أوطاننا وأصلح ووفق أئمتَنا وولاةَ أمورنا، وأيد بالحق إمامنا وولي أمرنا، خادم الحرمين الشريفين، اللهم وفقه لما تحب وترضى، اللهم خذ بناصيته للبر والتقوى، وهيئ له البطانة الصالحة التي تدله على الخير وتعينه عليه، اللهم وفقه وولي عهده وأعوانه وإخوانه إلى ما فيه صلاح البلاد والعباد.
اللهم وفِّق قادة المسلمين إلى تحكيم شرعك واتباع سنة نبيك -صلى الله عليه وسلم-، اللهم اجعلهم رحمة على عبادك المؤمنين، اللهم ادفع عنا الغلا والوبا والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا وعن سائر بلاد المسلمين يا رب العالمين.
اللهم كن لإخواننا المجاهدين في سبيلك، والمتسضعفين في دينهم في كل مكان، اللهم كن لهم في فلسطين وفي بلاد الشام، اللهم كن لهم في العراق وفي اليمن، وفي آراكان وفي كل مكان يا رب العالمين.
حسبنا الله ونعم الوكيل، حسبنا الله ونعم الوكيل، على من آذانا وآذى المسلمين، الله كن لإخواننا في الغوطة الشرقية في بلاد الشام، اللهم ارحم ضعفهم واجبر كسرهم، وتول أمرهم، اللهم إنهم مظلومون فانصرهم، اللهم إنهم مظلومون فانصرهم، اللهم إنهم مظلومون فانصرهم، يا رب العالمين، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم.
اللهم عليك بالطغاة الظالمين فإنهم لا يعجزونك، اللهم أنزل عليهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم اكفنا واكف المسلمين واكف قادتنا وولاة أمرنا وعلماءنا وسائر المسلمين شر الأشرار، وكيد الفجار، ورد عنا كيد الكائدين، وحسد الحاسدين، وحقد الحاقدين، يا ذا الجلال والإكرام.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [الْبَقَرَةِ: 201].
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا، فأرسل السماء علينا مدرارا، اللهم وفق جنودنا، اللهم وفق جنودنا، ورجال أمننا المرابطين على ثغورنا وحدودنا، اللهم تقبل شهداءهم، اللهم عاف جرحاهم واشف مرضاهم، ومكن لهم يا قوي يا عزيز، وأعدهم إلى بلادهم وأهليهم سالمين غانمين.
ربنا تقبل من إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم