عناصر الخطبة
1/أهمية الشباب في حياة الأمم 2/خطر الإعلام على الشباب 3/الإنترنت سلاح ذو حدين 4/بعض مخاطر الإنترنت وآثاره السيئة على الشباب 5/استشعار الدول الغربية لخطر الإنترنت على الشباب 6/بعض واجبات المسلمين تجاه تقنية الإنترنت وسبل الحد من خطرهااقتباس
ما نعيشه اليوم من انفتاحٍ عالمي وثورةٍ معلوماتية، وتقنياتٍ حديثةٍ، هي سلاحٌ ذو حدّين، بحسب ما يُبث فيها، وينشر من خلالها، فإن سُخِّرت لنشر الخير، وتثبيت العقيدة الصحيحة، تدعيم الأخلاق الفاضلة، والقيم العليا، كانت وسيلةً لا تُضاهى في الإصلاح والبناء. وإن سخرت لضد ذلك كانت ...
الخطبة الأولى:
أما بعد:
فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله -تعالى-، فمن اتقى الله هداه، ووقاه شرور الآخرة والأولى: (يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الأنفال: 29]ٍ.
أيها المسلمون: إن الشباب هم عمادُ كلِّ أمة، وسبيلُ نهضتها، وهم الهدف الذي يصوب إليهم الأعداء سهام مكرهم للنيل منهم: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) [البقرة: 120].
ووسائل الأعداء في ذلك، وطرقهم متعددة، وأهمها وأخطرها: الإعلام الذي تطور في هذا العصر بخطوات متسارعة مذهلة، وآخرها الشبكة العنكبوتية "الإنترنت" التي أصبحت هي القوة المهيمنة على عقول وأفكار الناس عمومًا، والشباب على وجه الخصوص.
وما نعيشه اليوم من انفتاحٍ عالمي وثورةٍ معلوماتية، وتقنياتٍ حديثةٍ، هي سلاحٌ ذو حدّين، بحسب ما يُبث فيها، وينشر من خلالها، فإن سُخِّرت لنشر الخير، وتثبيت العقيدة الصحيحة، تدعيم الأخلاق الفاضلة، والقيم العليا، كانت وسيلةً لا تُضاهى في الإصلاح والبناء.
وإن سخرت لضد ذلك كانت شرا مستطيرا، وبلاءً خطيرا، يهدم الدين، ويحطّم الأخلاق، ويدمر القيم، ويثبط العزائم والهمم، ويضيّع الأعمار فيما يضر ولا ينفع، ويجر الأمة نحو التحلل والانهيار، وإهمال مصالح الدنيا والآخرة.
عباد الله: لقد أصبحت هذه النعمةُ نقمةً عند كثيرٍ من مرتادي هذه التقنية، وشبكات الإنترنت في بلادنا، بل أصبحت في كثير من بيوتنا خطرًا، ومصيدة لشبابنا، وصار في بيوتنا وبين أيدينا وأيدي شبابنا عدو لنا يتربص بنا من حيث لا نشعر، ليهدم ديننا وأخلاقنا.
لقد تحولت شبكةُ "الإنترنت" إلى ساحةٍ لمعركة كبيرة تستهدف أجيال هذه الأمة، فتحولت من شبكة لخدمة العلم والعلماء والباحثين، إلى شبكة لتجارة الجنس، والترويج للإباحية، ونشر المواد المخالفة للآداب.
ونحن لا ننكر فوائد هذه الشبكة، إذا استخدمت للعلم والفائدة.
ولكن -للأسف- أن معظم شبابنا وفتياتنا يستخدمونها في الشر والفساد، فكثيرٌ من المواقع على شبكة "الإنترنت" أصبحت تروِّج للمجون والخلاعة، وأصبحت تزحف علينا بشرٍ وبلاءٍ متزايدٍ يومًا بعد يوم، حتى وصل الأمر إلى تشكيك شبابنا في عقيدتهم بعرض الفرق المنحرفة، لمحاربة الإسلام، وإيقاف مده، وتشويه حقائقه، والتلبيس على المسلمين وتشكيكهم في دينهم، وزعزعة الإيمان بنشر الشبهات للتشكيك في المبادئ والقيم، والإساءة إلى الدين والقرآن والرسول -صلى الله عليه وسلم-، فدخل من خلالها الشيطانُ وأعوانهُ إلى هؤلاء الشباب والفتيات، وأوقعوهم في أوكار الرذيلة.
وإذا كان بعضُ الكبار ينحرفُ أثناء استعماله لها، فما بالك بالشباب والصغار، وطغيان الشهوة الشابة لديهم؟! وما وقع من وقع من شبابنا في فتنة التكفير والتفجير، وانتشار كثيرٍ من المجون والفساد في المجتمع، إلا بسبب هذه الشبكة التي فتكت بالعقول والأفكار، وقضت على كثيرٍ من الأخلاق والقيم.
أيها المسلمون: إن لهذه التقنية الحديثة أثرًا كبيرًا في ضعف العلم والثقافة عند أجيالنا، فانظروا إلى مستويات التعليم في مدارسنا كيف أصبحت، وانظروا إلى مستوى الثقافة والقراءة عند أبنائنا كيف اضمحلت وتلاشت.
لقد أثرت هذه التقنية على كثيرٍ من أبنائنا مما تبثه شبكة "الإنترنت" من إباحيةٍ بصورةٍ لا تَكاد تُتَخيل، تدعُ المرء حيران وصاحبُ الهم يزداد همًا، فماذا نفعل أمام هذا الإعصارِ الهائج الذي لا يُبقي في طريقه ولا يذرُ خلية حية إلا أصابها إلا ما رحم ربي؟!
إن أعظم خطرٍ على شبابنا وفتياتنا بعد أن تعددت وسائلُ الإغواء والإغراء، هي مخاطرُ شبكة "الإنترنت" فأصبح لدى كثيرٍ من الشباب خصوصيةُ الاتصال بمن شاؤوا كيف شاؤوا، وأصبح التعارفُ المشبوه هو شعارٌ مزيف، يردده الكثيرون لانقلاب الفطر والأخلاق عند أبنائنا، حتى أصبح المعروف منكرًا، والمنكر معروفًا، ونشأ بسبب ذلك جيل من أبناء المسلمين يدعو إلى التغريب، وإفساد الأخلاق والقيم.
أيها المسلمون: إن تلك المواقع المنتشرة عبر شبكات الإنترنت، وما تحمله من سمومٍ وشبهاتٍ وشهواتٍ مضللة، لها أثرٌ كبيرٌ في إفساد النفوس وإضلالها، فأصبحت تفسد في لحظة واحدة ما لا تفسده القنوات الفضائية المحرمة سنين وأشهرا، فالمستخدم لها لا يتعامل فقط مع عمومياتٍ، بل يتعاملُ مع شخصيات واقعية في صور شاذة وسيئة، مما ينبئ عن كارثة في المجتمع بسبب الاستخدام السيئ لتلك التقنية، حتى صار بعض أبناء الإسلام عبر تلك المواقع المحرمة دعاة بلاءٍ وفسادٍ، وهدمٍ في المجتمع، يهدفون إلى نشر الرذيلة، وإشاعة الفاحشة، مُعرِضين عن قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [النــور: 19].
عباد الله: إن شبكة "الإنترنت" تعرِّض كثيرًا من أبنائنا لمخاطرَ جسيمةٍ، وضياعٍ عظيم.
وبعضُ الآباء يستخف بالأخطار التي قد يُمثلها "الإنترنت" فيتركون لأبنائهم وفتياتهم الأغرارَ الحرية التامة مع عدم وعي بخطر مثل هذه الآلات، ويطلقون لهم العِنان بلا حسيب ولا رقيب، فتربى ونشأ على ذلك الأبناء، يسهرون على تلك المواقع المحرمة الليالي والأيام، ينظرون ما شاؤوا كيف شاؤوا، حتى قضت على مروءتهم وأخلاقهم، وأضاعت تلك الشبكة بحياة بعض الفتيات، وهدَمَ مستقبلها، وقضى على حياتها عبر دخول تلك المواقع المشبوهة، والاتصالات المحرمة، فبدلوا: (نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ) [إبراهيم: 28].
واستعملوا ما وهبهم الله من هذه الأعضاء الكريمة في الشر والفساد، وهدم الدين والأخلاق، ولا يدركُ كثيرٌ من الآباء بعد ذلك حجم خطورتها إلا بعد فوات الأوان.
أيها المسلمون: إن دولًا غير مسلمةٍ، بل غيرَ متدينةٍ أصبحت تستشعرُ هذا الخطر، وأخذت تُطالِبُ بتهذيب "الإنترنت" وتوجيهه لما ينفعُ الناس.
فمن واجبنا نحن المسلمين أفرادًا وجماعات آباء ومربين ومعلمين ومسؤولين: أن نعمل جاهدين لدرء هذه المفاسد، وذلك بتحصين الشباب من خلال التربية السليمة والأسرة الواعية، فكلُّ فردٍ مسؤول أمام الله عن تقصيره فيما يمكنُ أن يعملَه أمام هذه الفتن التي تغزونا، وتتطلبُ منا اليقظة والحزم والغيرة والعزيمة الصادقة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم: 6].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله العليم الخبير، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
أيها المسلمون: إنه ومع خطرِ تلك التقنية الحديثة على عقول وأفكار أجيالنا، فلا بد من ترسيم الشعور بأهمية الأخلاق وإحيائها في نفوس شبابنا وفتياتنا، وتحذيرهم من خطرِ استخدام تلك الخدمة السلبي على دين الإسلام القائم على تعظيم الفضيلة، وحفظ الأخلاق والقيم، قال تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم: 4].
وبعث الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- ليتمم صالح الأخلاق.
فلا بد من مواجهة هذه التغيرات، وتوعية المستخدمين بأضرار "الإنترنت" على الدين والأخلاق، وانتشار الفساد والرذيلة والجريمة في المجتمع، ومخالفته للوازع الديني الذي أكسبه الله في قلوب المؤمنين، بل ويقضي على الوازع في النفوس، فترضى بعده بالمنكر وتستسيغُه، ويزولُ أثرُ الصلاة والعبادة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر.
أيها المسلمون: إن من الواجب علينا جميعًا: نشر الوعي لدى أبنائنا حول خدمة "الإنترنت" التي فرضت نفسها على الناس، مع إرشادهم إلى المواقع النافعة والهادفة، ليحسنوا التصرف بها.
ويجب على الآباء: توجيه أبنائهم وإرشادهم للاستخدام الصحيح، ومتابعتهم في هذا الشأن؛ لتكون تلك الشبكة معينة لنا لا علينا في تربية الأبناء، ولا بد من تقوية الجانب الإيماني والوازع العقدي المتمثل في الخوف من الله والمراقبة، وتربيةِ الضمير الداخلي، وتوجيههم الوجهة الصالحة، ليكوّنوا بعد ذلك من أبنائهم لبنةً صالحة في المجتمع داعية إلى الإصلاح مجتنبة جميع ما يهدم دينها وأخلاقها.
هدانا الله إلى صراطه القويم، ووقانا شر الفتن، ما ظهر منها وما بطن.
ثم اعلموا -عباد الله- أن الله أمرنا بأمرٍ عظيم بدأ فيه بنفسه، فقال عز من قائلٍ عليما: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم