عناصر الخطبة
1/خصائص العيد في الإسلام 2/فتنة النظر المحرم 3/المداومة على العمل الصالح بعد رمضان 4/شكر نِعَم الله الظاهرة والباطنة 5/وصية للمرأة المسلمة 6/صوم الست من شوال.اقتباس
داوموا على العمل الصالح بعد رمضان، فإن الله -تعالى- يُعبَد في كل الأزمان والأحوال، وبئس قوم لا يعرفون الله -تعالى- إلا في رمضان!.. وإياك أن تترك الصلاة بعد خروج رمضان؛ فإنه الإفلاس بعد الغِنى، والخراب بعد البناء،...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمد لله الرب العظيم، الإله الرحيم الكريم، له الحمد كله، وله الملك كله، وبيده الخير كله، وإليه يرجع الأمرُ كلُّه، علانيتُه وسِرُّه، لا إله إلا هو الملك الحق المبين.
الحمد لله رب العالمين، فرضَ الصيامَ على المؤمنين، وجعله من شرائع الدين، ورتَّبَ عليه الأجرَ العظيم، نحمده حمدًا كثيرًا، ونشكره شكرًا مزيدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصَحْبه الكرام والتابعين لهم بإحسان إلى يوم القيامة، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله -عز وجل-، فاتقوا الله -تعالى- في هذا اليوم العظيم، واجعلوا التقوى شعاركم في الليل والنهار، في السِّرِّ والعلانية، في السفر والحضر، في الشباب والمشيب، في أنفسكم وأهليكم والناس أجمعين.
لاحظوا -أيها المسلمون- أن الأمر بالتقوى والتذكير بها معنا في كل أحوالنا؛ في يوم صومنا، وفي يوم عيدنا، لا مناصَ من التذكير بها، لماذا؟ لأن التقوى فلاح في الدنيا والآخرة (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا)[مريم: 72].
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
عيد الفطر خاتمة شهر من الأفراح، فللصائم كل يوم فرحة عند فطره كما أخبر -صلى الله عليه وسلم-، ويوم العيد هو احتفالية ختامية سنوية؛ شكرًا لله على تمام هذه النعمة، نفرح بالعيد ونسعد بالفرحة العظمى الثانية التي أخبر عنها -صلى الله عليه وسلم- حين قال- كما في صحيح مسلم-: "وفرحة عند لقاءِ ربِّه"، نطمع أن نفرح يوم القيامة عندما يكشف لنا ما أعدَّه الله من الأجور العظيمة ونحن نتذكر قوله -جل وعلا- كما في الحديث القدسي: "إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به"، ونطمع أن نفرح بالفوز بلقاء الرب -جل وعلا- والنظر إلى وجهه الكريم؛ قال -تعالى-: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ)[القيامة: 22، 23]، فنسأل الله الكريم أن يجعلنا معهم.
نعم وداعًا رمضان شهر البركات، لكن أهلاً بالعيد موسم الفرح والغبطة، والبهجة والمسرَّة! فكما أن رمضان موسم فالعيد موسم.
والعيد -يا سادة- فرصةٌ عظيمةٌ، وغنيمةٌ مباركةٌ، وهديةُ الله، فيه تلين القلوب، وتتآلَفُ الأرواح، وتتَّحِد الكلمة، وتتجدَّد الحياة والمودَّة، ينبغي لنا أن نعيش لحظات العيد بفرحة وأُنْس ومَسَرَّة؛ لنؤجر بإذن الله.
إذًا فإظهار السرور في العيد هو من العبادات التي يتقرَّب بها المسلم إلى الله؛ قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: "إظهار السرور في الأعياد من شعار الدين".
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
معاشر الصائمين: تذكَّروا فضل الله علينا، بتحوُّل الأحوال لأحسن حال من رمضان الفائت إلى رمضان الحاضر؛ ففي رمضان الفائت اقتضت المصلحة ألا تطويل بالتراويح والقيام، ولا تبكير للجُمُعة، ولا اعتكاف، ولا مكث بالمساجد، ولا تفطير للصوَّام، ولا سقي للماء، ولا تقارُب، مع تأكيد دائم على التباعُد، فأبدل الله ذلك كله، فعاد -بحمد الله- كلُّ شيءٍ لوضعه الطبيعي، وامتلأ الحرمانِ الشريفانِ بعدما كانا أشبه بالخاليينِ.
عباد الله: علينا أن نتضرَّع إلى الله -جل وعلا- بالدعاء أن يرفع عنَّا هذا الوباء بالكامل، وأن ترجع حياتُنا طبيعيةً كما كانت قبل، وأن يكفينا مضاعفاته في المستقبل، فالله -تعالى- الذي يكشف البلاء والضر؛ قال ابن القيم -رحمه الله-: "والدعاء من أنفع الأدوية، وهو عدوُّ البلاء، يدفعه، ويعالجه، ويمنع نزوله، ويرفعه، أو يخفِّفه إذا نزل، وهو سلاح المؤمن".
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أيها الناس: من الفتن التي تواجهنا جميعًا رجالاً ونساءً صِغارًا وكبارًا -والشباب على وجه الخصوص- فتنةُ النظر المُحرَّم، سواء إلى امرأة أو إلى شابٍّ حسن، وسواء كان ذلك في الأسواق أو في القنوات أو في الإنترنت أو في وسائل التواصل الاجتماعي، ولقد كثُر هذا الأمر عند البعض حتى ما عاد يشعر أنه ارتكب ذنبًا من الذنوب.
أخي الكريم وأختي الكريمة: لا عذر لك عند الله إن اعتاد بصَرُك هذا الأمرَ وألِفَه.. أُذكِّرُك بقول النبي -صلى الله عليه وسلم- لعليٍّ رضي الله عنه: "يا عليُّ، لا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولى وليست لك الآخرة"(رواه أبو داود).
ضع أمامك دائمًا هذه الآية: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)[غافر: 19]، ضع أمامك دائمًا قول العليم بكل شيءٍ –سبحانه-: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً)[الإسراء: 36].
تذكر- أيها العبد- شهادة العينين عليك يوم القيامة (حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[فصلت: 20].
تذكَّر -أخي الحبيب- أثرَ غَضِّ البصر على قلبك، اسمع إلى قول الله -تعالى-: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 71]، وتذكَّرْ أنك بصَرْف بصرك عما حرم عليك أن الله يورث قلبك سرورًا وانشراحًا، أعظم والله من اللذة الحاصلة بالنظر الحرام، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إنك لن تدع شيئًا لله إلا بدَّلك الله به ما هو خير لك منه"(رواه أحمد).
أخي الحبيب: عوِّد نفسَك عندما تُعرَض عليك صورةٌ فاتنةٌ على أي حال قم مباشرةً بتغييرها سواء كانت ثابتةً أو متحركةً وقل في نفسك: "لك الأولى وليست لك الآخرة"، صدِّقْني شيئًا فشيئًا سيصبح عندك رؤية هذه الصور من العظائم.
أخيرًا.. جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: أوصني، قال: "أوصيك أن تستحي الله -عز وجل-، كما تستحي رجلاً صالحًا من قومك"(أخرجه أحمد في الزهد، وصحَّحه الألباني).
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أيها الناس: داوموا على العمل الصالح بعد رمضان، فإن الله -تعالى- يُعبَد في كل الأزمان والأحوال، وبئس قوم لا يعرفون الله -تعالى- إلا في رمضان!
حافظوا على الفرائض، وبكِّروا للمساجد، وأدوا النوافل، ولا تهجروا المصاحف، وليكن لكل واحد منا وِرْدُه اليومي من القرآن، وحظُّه الليلي من الصلاة، وقدْرٌ من الصَّدَقة والبذل والإحسان، وشيءٌ من الصيام.
وإياك أن تترك الصلاة بعد خروج رمضان؛ فإنه الإفلاس بعد الغِنى، والخراب بعد البناء، فلقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما عند أحمد وغيره: "أول ما يُحاسَب به العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح له سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله"، وقال -صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح مسلم: "إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة"؛ فإياك أن تنتكس بعد رمضان، وإياك أن تترك الصلاة بعد خروج رمضان!
الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً.
بارك الله لي ولكم في العيد السعيد، وأعاده الله علينا وعليكم بالعمر المزيد للأمد البعيد، أقول قولي هذا وأستغفرُ الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حق حمده، والشكر له على آلائه ونعمه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أمة الإسلام: تفكَّروا في نِعَم الله عليكم الظاهرة والباطنة، فكلما تذكَّر العبادُ نِعَمَ الله ازدادوا شكرًا لله، تذكَّروا نعمة الإسلام أعظم النِّعَم، وتحكيم الشريعة وتطبيقها، تذكَّرُوا أمنكم واستقراركم، تذكَّرُوا ارتباط قيادتكم مع مواطنيها، تذكَّرُوا هذه النِّعَم، وتفكَّرُوا في حال أقوام سُلِبُوا هذه النِّعَم، فإنه يطلُّ عليكم يومُ العيد وأنتم في نعمة وفرح وسرور، وهناك فئات من المسلمين يعانون الأمرَّيْنِ من تقتيل وتشريد وتدمير، وسفك للدماء وانتهاك للأعراض ونهب للأموال، يعيشون حياة شقاء وعناء.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أيتها الأخت الشريفة والجوهرة المصونة العفيفة، يا من أعزَّكِ اللهُ بالدين، وشرَّفَك بالستر والجلباب! تمسَّكي بحجابك كما تتمسَّكين بدينك، فالله الله في حيائك وعفافك، واعلمي أن المرأة بصلاحها يصلح المجتمع، وبفسادها يصبح المجتمع في تِيْهٍ وسراب! فالأُمُّ هي المجتمع، والأُمُّ هي الأساس، وهي صمام الأمان بإذن الله.
يا فتاة الإسلام: كوني كما أرادك الله، وكما أراد لك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لا كما يريدك دعاةُ الفتنةِ وسعاةُ التبرُّج والاختلاط، فأنت فينا مربية الأجيال وصانعة الرجال وغارسة الفضائل وكريم الخصال وبانية الأمم والأمجاد.
يا أيها الأبناء والبنات: إن أردتم السعادة والنجاح والفلاح فالزموا أقدام آبائكم وأمهاتكم، لن تجدوا أحنى عليكم ولا أنصح لكم ولا أرحم بكم من والديكم، الزموهم فثَمَّ الجنة، طاعةً وخدمةً وبرًّا ورحمةً، تفلحوا وتسعدوا وتدخلوا جنة ربكم.
أيها المسلمون: أذكِّرُكم جميعًا وأحثُّ نفسي وإياكم على صيام ستة أيام من شوال، ففي الحديث الصحيح: "من صام رمضان ثم أتبعه سِتًّا من شوال، كان كصيام الدهر"(رواه مسلم).
أعاد الله -تعالى- عيدنا علينا وعليكم وعلى المسلمين باليُمْن والإيـمان، والسلامة والإسلام، وتقبَّل الله منا ومنكم ومن المسلمين صالح الأعمال، وتقبَّل الله طاعتكم، وجعل عيدكم سعيدًا، وعملكم رشيدًا، وأعاد عليكم رمضان أعوامًا عديدةً، وأزمنةً مديدةً، بصحة وعافية وإيمان، وتقبَّل الله صيامكم وقيامكم وصالح أعمالكم.
اللهمَّ إنا خرجنا اليوم إليك نرجو ثوابك ونرجو فضلك ونخاف عذابك، اللهم حقِّق لنا ما نرجو، وأمِّنَّا مما نخاف، اللهم تقبَّل منا واغفر لنا وارحمنا، اللهم انصرنا على عدوِّنا واجمع كلمتنا على الحق، واحفظ بلادنا من كل مكروه، ووفِّق قيادتنا لكل خير، واجعل بلدنا سبَّاقًا لكل خير في أمر دينه ودنياه، إنك جواد كريم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصَحْبه أجمعين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم