عناصر الخطبة
1/انقضى شهر رمضان 2/ منا المحسن ومنا المسيء 3/بعض فتن الزمن 4/المشهد السياسي والتأمر على الإسلام 5/جريمة تخويف الناس من الإسلام 6/موعظة خاصة بالنساء 7/صلة الأرحاماقتباس
انقضى شهر رمضان بعد أن وجدت النفوس الموفقة فيه ضالتها، فساعات الصيام ساعات سر بين العبد وربه: "يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي". ولحظات الإفطار وقت رفع الأكف للعزيز الغفار، لا تقاس روحانيتها بالدرهم ولا الدينار. وأما عبادة السجود حينما يقرب العبد من ربه، فلا...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده فرحمته سابقة، ونشكره فنعمه سابغة، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ترك أمته على محجة واضحة صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
عباد الله: ففي النفوس حاجة لا يقضيها إلا ربُّ النفوس: (وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ)[ق: 16].
وفي الصدور وحشة لا يزيلها إلا الإيمان بالله: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ)[الأنعام: 82].
وهلع الإنسان لا يؤمنه إلا قوة صلته بربه الرحمن: (إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ)[المعارج: 19-22].
انقضى شهر رمضان بعد أن وجدت النفوس الموفقة فيه ضالتها، فساعات الصيام ساعات سر بين العبد وربه: "يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي".
ولحظات الإفطار وقت رفع الأكف للعزيز الغفار، لا تقاس روحانيتها بالدرهم ولا الدينار.
وأما عبادة السجود حينما يقرب العبد من ربه، فلا تسأل عن لذة المناجاة حينما تصغر الدنيا، وتكاد القلوب تطير شوقا إلى علام الغيوب.
القرآن الكريم كلام رب العالمين يقرأ غضاً طرياً، ويسمع في صلاة التراويح والقيام، فتقشعر: (مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ)[الزمر: 23].
أحقاَ هذا كلام ربنا!؟ يتساءل الإنسان
أين هذه الآيات عني فقد وجدت بردها في صدري أكاد أمسك به؟!
فيأتي الجواب سؤالا إليه: بل أين أنت من هذه الآيات؟!
كم ظلمنا أنفسنا، وشغلتنا أموالنا وأهلونا عما قال الله فيه: (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء)[فصلت: 44].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ) [يونس: 57].
أيا رب لا تحرمنا بذنوبنا، ولا تشقنا بعد إذ أسعدتنا بعيوبنا.
هذه بعض ظلال تفيأها الصائمون.
فهنيئا للصائمين طاعتهم، كمل الله لهم أجر العدة ثلاثين يوماً، وإن نقصت فيها المدة يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: " شهرا عيد لا ينقصان: رمضان وذو الحجة " [متفق عليه].
أما من كان عن هذا بمعزل فحقه علينا أن لا نعين الشيطان عليه.
أخي المبارك: إذن، كأني بك تقلب كفيك على ما فرطت في جنب الله، وتجد نقصاً في قلبك، ولا تذكر عبادة تلحق به الركب.
مضت أيام الصيام وأنت في نزاع مع نفسك تصوم منه، ومن أيامه ما تفطر.
وأعظم من انتهاك حرمة الصيام: صلاتك التي لا تسرك حينما يقال لك: (اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا)[الإسراء: 14].
ومن ضيع صلاته فهو لما سواها في بصره وسمعه وماله أضيع.
أخي المبارك: قد تجد للمعصية لذة، وتحس معها ببعض سعادة، ولكنها لذة وسعادة كاذبة على إثرها حسرة جاثمة: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا)[طـه: 124].
ومهما شطت بك الغفلة، وأجبت داعي الشهوة، وكنت للهوى بالمطواع؛ فيبقى داعي الحق أحق بالإتباع.
تحسس قلبك، وحرك أطرافك، فإن وجدتها تستجيب لك فاحمد الله، فأنت في زمن المهلة، ولم يناد بعد للصلاة عليك فلا زالت دعوة الله لك موجهة: (لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا)[الزمر: 53].
(إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ)[هود: 114].
(إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ)[البقرة: 222].
الله أكبر، الله أكبر...
أبنائي وبناتي: إليكم حديث الوضوح وبسط العبارة دون الإشارة.
يتخطف الأبناء من بين والديهم، ويسرقون على مرأى من ذويهم، فما أعظم نازلة أبِ غاب عنه ولده وهو يراه.
أجل يا بني وأنت يا بنيتي: نحن في زمن لم يعدم فيه الخير، ولن يعدم بإذن الله.
ولكن داعي الشر على صهوة فرسه جاد في استكثار اتباعه، والذين: (يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا)[النــور: 19]. ومن وصفهم الله بقوله: (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا) [النساء: 27] كلهم يرون صيداً سمينا في شباب المسلمين، وفي عقول الناشئة منهم، فهم من كل حدب ينسلون: (ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ) [الأعراف: 17].
عمل أعداء الأمة على تخدير عقول أبناء المسلمين، وتأجيج كوامن الشهوة الفطرية بعيداً عن حصانتها الشرعية.
وقد حدثنا الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء".
فاتخذوا المرأة بصورتها الثابتة والمتحركة في مقاطع معلنة، وأخرى زعموها مسربة، اتخذوها سلاحاً هدموا به الغيرة، وغيبوا فيها الفضيلة لينشأ جيل عقله في شهوته، ومنيته تحقيق لذته.
فأظلمت على إثر ذلك قلوب كانت منيرة بالإيمان، فثقلت عبادتها، وضعف سيرها إلى ربها ففسدت الأمزجة، وضاقت الصدور ولحق النقص شؤونه الدينية وعلاقاته الاجتماعية، وفرط بوظائفه الدنيوية: (وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ) [الزخرف: 36 - 37].
هل تعلم أن هذه المخدرات المرئية قد انفقت عليها الملايين من الخزائن اليهودية، ومن دار في فلكهم كما أنفقت على ما هو أسوأ منها من أفلام الشاذين، ومقاطع إتيان الذكران من العالمين، وقد حملهم عفنهم وسخهم على اختراع ما سموه بزنا المحارم، والعنف الجنسي فاستطابوا ما تنزهت عنه البهائم، وكرهت النفوس السوية سماعه فضلا عن مشاهدته.
كل هذه فعلوها لتصل بأقل الأثمان، وأيسر التكاليف، إلى جوالات أقتناه الصغير والكبير، وقد دخلها من الخداع التصويري، وحيل التقنية، وتطويل العرض، ما جعلها دحضاً ومزلة طوقت بحبالها عنق طائفة فأدمنوها، ونكست فطرهم، فلازمت خيالهم، فهم لا يتركونها، وأشربت قلوبهم وودوا لو يحاكونها.
أرأيت هذه –والله- من أعظم فتن العصر الذي يبتلى فيه أبناؤنا، وأسفاً طال شرره آباء وكهولا فينا، والمخرج من هذا كله تقوى الله -تعالى-، وتمام مراقبته.
والعين التي يقلبها صاحبها لينظر ما حرم الله ألا يعظها أنها سوف تتقلب يوما بغير اختيار صاحبها: (وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ) [ق: 19].
الله أكبر، الله أكبر...
في المشهد السياسي: تأتي أحداث كثيرة هي أكبر من الحديث فيها، وأكبر منه السكوت والأعراض عنها، لذا دعونا نتحدث، وفي نفس الوقت نسكت.
دعونا نتحدث فيما نظن نفع الحديث فيه، نتحدث في المتفق عليه، أو ما نرجو أن يكون متفقاً عليه وندع ما سوى ذلك حتى لا نُذهب عن عيدنا بهجتَه، ونخرج من قلوبنا فرحته.
أيها الإخوة: من أكبر الأحداث النوعية التي تغيرت لها أجواء المدينة النبوية، ولحق النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه على إثره هم وغم، وضاقت بها أرضهم وحياتهم، وانتعش به المنافقون، ورفعوا رؤوسهم؛ هو حادثة الإفك حينما تطاول المنافقون على عرض عائشة -رضي الله عنها- قاصدين أذية النبي -صلى الله عليه وسلم- يأتي الفأل العريض، والفرج الممتد الطويل قاعدة ربانية، وسنة إلهية، في كل ما ينتاب الأمة الإسلامية ويدبر ضدها: (لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ)[النــور: 11].
الله أكبر، الله أكبر...
لا يستوعب هذه الطمأنينة التي ينزلها الله على عباده حتى تكون برداً وسلاماً على قلبه إلا من يتعبد لله بالمنشط والمكره، ويعي أن للكون رباً يدبره: (وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [التكوير : 29].
ولله سابق إرادة لا بد أن يمضيها: (وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ)[الأنفال: 7].
فأي تدبير وإرادة تسبق إرادة الله وتدبيره؟!
وصراع الناس الذي نشهد شيئاً منه اليوم سجل الله حكمته فيه: (وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ)[الأنعام: 53]. (وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ)[محمد: 4]. (لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) [يونس: 14].
فالخلق يسعون: (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) [الليل: 4].
والأمم الكافرة يرصدون ويتحسسون والله محيط بما يعملون، إلا أن معية الله طريقها إلى الصادقين: (إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) [طـه: 46].
فالأحداث المتلاحقة، والتغيرات المتناقضة لم تخرج عن سنة الله، وإن خرجت عن فهم أكثر الناس، وضعفت عقولهم عن دراسة حكمها، ومعرفة أسرارها، فيبقى: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الملك: 14].
أمور على قسوتها، ولكننا بالفأل المأمور به نقول: دع الأمة تستنهض همتها، وترى صفات المرتزقة المتلونين الذين يسارعون في إرضاء الأعداء، يقولون: (نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ )[المائدة: 52].
وأكثروا الكلام حول الديمقراطية، وأزعجونا بها، وإذا هي طاولة تنصب ثم سرعان ما على أهلها تقلب.
في ظل هذه الأحداث يتأكد الارتباط بالخالق: "إذ لا يصلح آخر الزمان إلا ما أصلح أوله".
والعبادة في زمن الهرج، أي زمن الفتن والقلاقل والأمور التي لا يدري الناس عاقبتها، قال فيها النبي -صلى الله عليه وسلم-: "العبادة في الهرج كهجرة إلي"[رواه مسلم].
فأين المتعبدون في زمن الهرج الذين أضافوا عبادة إلى عبادتهم، وزادوا في أيام صيامهم، وركعات ليلهم ونهارهم، والنصر والتمكين بالصلاح قبل السلاح: (أن الأرض يرثها عبادي الصالحون).
أما –والله- إننا أشغلنا أنفسنا بملاحقة الساسة، وتحليلات المتسيسين، وكأنهم يقضون أمرا دون رب العالمين: (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) [يوسف: 21].
لقد شهدنا من آيات صدق النبي -صلى الله عليه وسلم- في أزمنتنا هذه الشيء الكثير، يقول صلى الله عليه وسلم: "سيأتي على الناس سنوات خداعات، يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويخون فيها الآمن ويؤتمن فيها الخائن" [رواه أحمد بسند حسن].
لقد أخذت السياسة النصيب الأكبر من هذا الحديث، فتآخت الخديعة مع السياسة، فما كان ممنوعاَ بالأمس هو حلال اليوم، وما كان حلالا اليوم قد نحتاج أن نمنعه آخر النهار، والشعوب التي غيبت عن دينها، تهزها العواطف، وتتفاعل كثيرا، ثم تنسى كثيرا.
إن من أعظم جرائم العصر، جريمة يبوء بإثمها كل من حاملها ومسوقها، هي جريمة أن يخوف الناس بالإسلام الذي جعله الله رحمة للعالمين، وأن يظهر الدين الذي رضيه الله للبشرية: (وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا)[المائدة: 3].
مظهر التخلف، أو يربط بعنف، أو إرهاب، أو تعارض مع مصالح الشعوب، وتطلعات الناس، ثم يأتي الإعلام الخداع ليربط كل نقيصة بصورة رجل قد قصر ثوبه، وبامرأة متحجبة، وما معنى: أن تربط اللحية بصورة آلة القتل والتفجير؟ أو يربط التدين بالدروشة، وأكل أموال الناس بالباطل؟ وهي وسيلة قديمة اشتغل عليها المستعمر لإسقاط المشايخ ورموز الإصلاح؟!
أما إننا لا نخاف على من أنار الله بصيرته، وأدرك مكر الإعلام والصحافة؟!
ولكن خوفنا على بسطاء الناس، وناشئة هم في ذمتنا، وتربيتهم أمانة في أعناقنا؛ لذا وجب التمسك بهذا الدِّين: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ) [الزخرف: 43].
وقوارع الدهر يجب أن تشد في قامة العطاء والبذل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتواصي بالحق، ولا يجوز أن تضعفها ولا تحنيها، ثم الاعتصام بالله، وعدم التفرق؛ فالوحدة قوة ومطلب لا يجوز التنازل عنه، والارتباط بولاة أمرنا وعلمائنا لا يجوز أن توهنه تغريدة من مجهول، أو معلوم.
وقد علم أن ثمت آلاف الحسابات تطلق حملات باسم الحقوق، ورفع المظالم، يستكتب فيها الناس، يدبرها حساد لأمننا وأمتنا لبث الفرقة، وإخراج العربة عن مسارها، ولسان حالهم يقول: "يكفي ما عشتم نعمة الأمن، ورغد العيش، ولابد أن نشعلها فيكم كما اشتعلت فيمن حولكم".
فهل نعقل هذا حينما نصطف خلف كل ناعق من ذوي المصالح الخاصة، ومن لهم مواقف مع الدولة لشيء في نفوسهم، وهم يملون علينا بكرة وأصيلا: "افعلوا، ولا تفعلوا كذا".
هل نعقل هذا حينما نكون مطايا للشائعات في زمن بلغت فيه الفبركة، وتقطيع الكلام، وربط القديم بالحديث، مبلغ الاحتراف.
أيها الإخوة: لا نخرب بيوتنا بأيدينا، وأمن البلد واستقرار مصالح الناس الدينية والدنيوية لا يمكن أن ندفعه ثمناً، زاعمين تحقيق قضية عامة، أو خاصة، حينها -لا قدر الله- تغلق المساجد، وتنهب المتاجر، وما نشهده من تقصير في ولاة الأمور، أو قصور فيهم، هو من جنس أعمالنا، ومرآة لسرائرنا، وكما تكونون يولى عليكم، ومعاذ الله أن نجادل عن الذين يختانون أنفسهم، وخذ كلاماً نيراً لابن القيم عليها مسحة نبوة، قال ابن القيم -رحمه الله-: "وتأمل حكمة الله -تعالى- في أن جعل ملوك العباد وأمراءهم من جنس أعمالهم، فإن استقاموا استقامت ملوكهم، وإن جاروا جارت ملوكهم" قال: "فحكمة الله تأبى أن يولي علينا مثل معاوية فضلاً عن مثل أبي بكر، بل ولاتنا على قدرنا".
وصدق رحمه الله، والله -تعالى- يقول: (قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ)[آل عمران: 165].
الله أكبر، الله أكبر...
ثم ننهي تطوافنا، ونخص بكلامنا من خصهم النبي -صلى الله عليه وسلم- في خطبته.
فيا أمة الله: يا من صامت فرضها، وخرجت لصلاة العيد ترجو ما عند ربها.
لقد أدركت أنَّ من أفضل القرب في هذا الزمن الصبر على أذية الزوج، وكلفة تربية الأولاد، من البنين والبنات.
أيتها الأخت المباركة: وقيامك بشؤون البيت، ورعاية مصالح الأسرة عمل لا يقوى عليه غيرك، وثغرة لا يسدها إلا أنت، وليست بطالة تحتاج إلى حل.
وسلي اللاتي خرجن من بيوتهن: ماذا كسبن وماذا أضعن؟
حجابك -أيتها المصونة-، فيه عزّك وهيبتك، فلا تملي الكلام في التواصي به ولزومه؛ لأن الذين يتكلمون بنزع الحجاب، ويحاولون الزج بك في أماكن الاختلاط لا يملون يكتبون ويخططون ويستغلون نفوذهم ويمررون، والله المستعان على ما يمكرون.
أختي المبارك: في استطلاع للرأي لعينات من الناس حول العباءات المخصرة ذوات الأكمام مع ما يسمى نقاباً، وحقيقته لثام ما أبعده عن النقاب لغة وشرعاً، أكد المشاركون في إبداء الرأي: أن تلك الألبسة تلفت الأنظار من الغافلين، وتحرك كوامن نفوسهم، فضلاً عن المتصيدين.
وأنهم يجدون فتنة بمن تلبسها أشد من الفتنة بالمرأة التي تخلت عن عباءتها، وكشفت وجهها.
إذن، انظري أين تضعين قدميك، فما أعظم شؤم من صار باب شر على غيره وصد عن السبيل: (لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ)[النحل: 25].
بنيتي وأخيتي الغالية: لا نغفل نافذة العصر، وبوابة الانفتاح العالمي عبر المنتديات، ومواقع التواصل، فالشرع الذي حرص على حفظك من العابثين، لا يقر تواصلا وعلاقات تأتي البيوت من ظهورها.
وإضافة كل من هب ودب إلى حساباتك الالكترونية، حينما خدعك بريق الكلمة، ودفء العبارة، أو فتنتك صورة الشعار من غير تمحيص، ولو كان قريباً نذير خطر، وخطوة إلى حياض الرذيلة. وخداع النفس، وحمأة الطيش حينما، يقال: "إنها صداقة نزيهة، ونقاش جاد، ودردشة بريئة".
ثم "أنت بمنزلة أختي، وليس بيننا ما يغضب الله" حجة إبليسية! أترضى يا ظالماً لنفسه مثل هذه العلاقة الملتوية لأختك إن كانت فيك بقية غيره.
أخيتي الغالية: غيرتنا تملي علينا مثل الكلام، وفيما جرى وقصص تروى عبرة وعظة، يشق علينا ويشق عليك بعد هذا أن نقول: كيف استدرج الشيطان بنات في سنك، فصرن ينزلن صورهن في حفلات دراسة، أو اجتماعات أسرية؟!
وعجيب ذلك الورع المزعوم، والحيطة الكاذبة، حينما نزلت صورتها وحدها، أو مع زميلاتها، وأخفت وجهها ليكون جسمها محل متعة للناظرين، وشماتة من الحاسدين.
أختي الغالية: أهذا هو التطور، ومواكبة الحياة؟!
أما إنه غاب، أو غيب عنك موقعك الصحيح، حتى رضيت أن تكوني سلعة رخيصة مطمعاً لكل من في قلبه مرض.
بصرك الله بمواقع عزك، وحماك في دينك وعرضك.
الله أكبر، الله أكبر...
أيها الإخوة: يومنا هذا أحد أعيادنا الشرعية، فيه غنية عن كل أعياد مصطنعة، به يفرح المسلمون تعبداً لله.
فحق عليك بعد أن لبست الثوب الأبيض، أن يكون ذلك على قلب أبيض مثله، أو أشد، فحظوظ النفس، ومتاع الدنيا، أضعف من أن تحمل على هجر، أو قطيعة، من أمر الله بصلته.
سوف ينقلب الناس بعد جمعنا هذا إلى اجتماعات رتبوها، وزيارات اعتادوها، جعلها الله مقدمة لاجتماعات وتزاور: (فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ) [القمر: 54-55].
ونخشى أن يغيب عن اجتماع عيدنا فلان قريبنا، وسوف ينتصف النهار، وقد تغيب شمس يوم العيد وفلان لم يحضر، ولم يتصل.
فهل لك -أيها الموفق- في عمل صالح تسجله في صحيفة أعمالك في هذا اليوم؟
نعم، اتصال، أو زيارة، فإن قالت نفسك: هو الذي بدأ القطيعة ولم يأته منا قصور، فقل لها: وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزا، وخيرها الذي يبدأ بالسلام.
فإن قالت نفسك: أنت الكبير والحق لك، فقل لها: الكبير حقيقة هو الذي يكبر على تفاهات الأمور، ويقوى نفسه يبتغى ما عند الله.
فسارع -يا عبد الله- قبل أن يسارع بك محمولا على الأعناق، أصلح الله ذات بيننا، وجمع قلوبنا على البر والتقوى.
اللهم إنا نسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الشكر، ونسألك شكر نعمتك، وحسن عبادتك، ونسألك قلوباً سليمة، وألسناً صادقة، ونسألك من خير ما تعلم، ونعوذ بك من شر ما تعلم، ونستغفرك لما تعلم، فإنك تعلم ولا نعلم، وأنت علام الغيوب.
اللهم إنا نسألك رحمة واسعة لمن قصرت بهم أعمارهم عن عيدنا هذا، فاللهم اغفر لهم، وارحمهم، وعافهم واعف عنهم.
ونسألك اللهم أن تصلح لنا ولاة أمورنا، وأن تهديهم صراطك المستقيم.
ونسألك أن تهيئ للمسلمين في كل مكان من أمرهم رشداً، وأن تمكن للمستضعفين في ديارهم، وأن تؤمنهم في دورهم، وأن تجعل دائرة السوء على عدوهم.
اللهم إنا نسألك فرجاً عاجلا لإخواننا في سوريا...
اللهم إنا نسألك أن تصلح حال إخواننا في بلاد مصر...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم