عناصر الخطبة
1/الوصية بتقوى الله 2/العيد والفرح الحقيقي 3/نعمة الإسلام ووجوب تبليغه 4/دين الإسلام هو الدين الحق 5/الـتآمر على الإسلام 6/العزة بالإسلام 7/أمور حث الإسلام عليها 8/تربية الأبناءاقتباس
أيها الإخوة المسلمون: إن من أعظم نعم الله ومننه على عباده أجمعين: نعمة الإسلام العظيم هذا الدين القويم، والمنهج الحكيم، والصراط المستقيم الذي بعث به نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- للبشرية جمعاء، إنسهم وجنهم، عربهم وعجمهم، على مختلف العصور والدهور والأزمنة والأمكنة، وإلى أن...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، أئمة الهدى، ومصابيح الدجى، ومن تبعهم ،واكتفى وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر وأجل.
أما بعد:
أيها الإخوة المسلمون: فوصية الأخ لأخيه، والمحب لحبيبه، الوصية بتقوى الله – عز وجل-، هذه الوصية الخالدة، الوصية الجامعة، الوصية الشاملة، وصية الله لعباده الأولين والآخرين، هذه الوصية التي تضمنت الوصية بالدين كله، أصوله وفروعه، وأخلاقه ومعاملاته، ألا فاتقوا الله -عباد الله-، واعلموا أن خيركم وسعادتكم، وعزكم وفلاحكم في ملازمة التقوى في أموركم كلها، خوفا من الجليل، وعملا بالتنزيل، ورضا بالقليل، واستعدادا ليوم الرحيل.
اتقوا الله –عز وجل- عملا بطاعته -سبحانه-، وحذرا من معاصيه -سبحانه- ترجون بذلك ثوابه، وتحذرون عقابه، أكرمني الله وإياكم بتقواه، ومن علينا جميعا بهداه، إني ربي جواد كريم.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أيها الإخوة المسلمون: هذا يوم عيد الفطر المبارك يأتي بعد أن صام المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها شهر رمضان، وقاموا ما تيسر من ليله، وأقبل الكثيرون على قراءة القرآن، وعمل الصالحات وها هم عباد الله اليوم ينتظرون موعود الرحيم الرحمن، ينتظرون موعود الجواد الكريم، ويطمعون في ثوابه، ونيل جوائزه بأن تكفر سيئاتهم، وتغفر ذنوبهم، وتقال عثراتهم، ويقال لهم: انطلقوا مغفورا لكم، فقد بدلت سيئاتكم حسنات.
فالله يا أكرم من سئل، ويا أجود من أعطى، أجب دعاءنا، وحقق رجاءنا، وتقبل صيامنا وقيامنا، وبلغنا فيما يرضيك أمالنا، واختم بالصالحات أعمالنا.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أيها الإخوة المسلمون: لئن كان هذا اليوم يوم عيد وفرح للمسلمين، فإن العيد الحقيقي، والفرح العظيم للمسلم يوم يبشر من ملائكة الرحمن –عز وجل-: (أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ)[فصلت: 30].
يوم يعطى كتابه بيمينه، فينطلق فرحاً مسروراً، ينادي بأعلى صوته: (إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ)[الحاقة: 24-20].
فاللهم يا أرحم الراحمين، ويا أجود الأجودين، ويا أكرم الأكرمين، كما أفرحتنا هذا اليوم بإكمال نعمة الصيام والقيام أفرحنا يا ربنا يوم القدوم عليك، وأسعدنا يوم الورود والقدوم عليك، واجعله خير مقدم وورود، ومتعنا بلذيذ خطابك، ولذة رؤية وجهك الكريم، يا ذا الجلال والإكرام.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أيها الإخوة المسلمون: إن من أعظم نعم الله ومننه على عباده أجمعين: نعمة الإسلام العظيم هذا الدين القويم، والمنهج الحكيم، والصراط المستقيم الذي بعث به نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- للبشرية جمعاء، إنسهم وجنهم، عربهم وعجمهم، على مختلف العصور والدهور والأزمنة والأمكنة، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا)[الأعراف: 158].
(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) [الأنبياء: 107].
فهو الدين الذي ختم الله به النبوات والرسالات، وهو الدين الحق الذي لا يقبل الله من أحد دينا سواه: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ)[آل عمران: 19].
(وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[آل عمران: 85].
فجميع ما على وجه الأرض الآن من الديانات والنحل كلها لا يقبل الله لأحد من خلقه التدين بها والتعبد والتقرب إلى الله بها منذ بعث نبيه وخليله -صلى الله عليه وسلم-، يقول صلى الله عليه وسلم: "والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار".
وكل مسلم يجب أن يعتقد اعتقادا جازم أن كل طريق إلى الجنة مغلقة موصدة منقطعة، إلا طريق واحد طريق، هو طريق هذا الدين الخاتم الذي يوصل كل من التزمه، وسار عليه يوصله إلى جنة الله -عز وجل-: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)[طه: 123- 124].
لقد بذل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كل ما يملك من أجل القيام بمهمة تبليغ هذا الدين استجابة لأمر ربه -عز وجل- بقوله: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ)[المائدة: 67].
فمكث الرسول -صلى الله عليه وسلم- ثلاثة وعشرين عاما دعوة وتبليغا وبيانا وجهادا، متحملا في سبيل ذلك صنوف الأذى الحسي والمعنوي، غير آبه ولا مبالي بكل ما يصيبه في سبيل القيام بمهمة الرسالة والتبليغ، حتى حقق الله له ما أراد، من نشر الإسلام، فدانت الجزيرة العربية كلها بالإسلام، ودخل الناس في دين الله أفواجا، وأتم الله عليهم النعمة بإكمال الدين: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا)[المائدة: 3].
ثم انتقل النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الرفيق الأعلى، إلى جوار ربه، لكن بقيت شريعته ومنهجه، والدين الذي جاء به من ربه، ليعلم الناس كلهم أن هذا الدين الذي جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم- ليس مرتبطا بحياته صلى الله عليه وسلم: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا)[آل عمران: 144].
فقام بالمهمة من بعده أصحابه البررة الذين تربوا على يديه، وولي الأمر من بعده بإجماع المسلمين أبوبكر الصديق -رضي الله عنه- خير هذه الأمة، وأشرفها بعد نبيها محمد -صلى الله عليه وسلم، وكان من أوائل ما قال للناس بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أيها الناس من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت".
واستمرت رسالة تبليغ دين الله، وحمل رسالته، فقام بها الصحابة وأتباعهم على أحسن وجه، فحملوا على أكفهم أرواحهم، واسترخصوا بذل مهجهم وأموالهم من أجل نشر هذا الدين، شرقوا وغربوا، هجروا الأهل والأوطان، تبليغا لدين الله -عز وجل-، فدانت لهم الممالك، وفتحوا القلوب بنور هذا الدين قبل البلاد، وتهافت الناس، وتقاطروا على الدخول في هذا الدين العظيم.
فرفرفت راية الإسلام على مناطق شاسعة من المعمورة، من تخوم الصين شرقا إلى الأندلس غربا، ومن شمال الأناضول إلى جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا، وقامت دول عظيمة، وخلافات إسلامية، وممالك إسلامية على مر العصور، وساد حكم الله -عز وجل-، وحل العدل محل الظلم، والأمن محل الخوف، وصار الناس أمام حكم الله -عز وجل- سواسية.
فذاقت تلك المجتمعات التي دخلت الإسلام، وحكمت بشريعته، طعم الحياة الحقيقية، وتمثل فيهم قول ربعي بن عامر لما سأله قائد الفرس رستم: "من الذي ابتعثكم؟ من الذي جاء بكم؟" فقال ربعي بن عامر بثقة المؤمن وعزة المؤمن: "إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام".
فعاش العالم الخاضع لحكم الإسلام حياة كريمة بعيدة عن الاستعباد والقهر والظلم، حتى تلك الجماعات التي بقيت على معتقداتها السابقة من يهود ونصارى، لم يجبروا على اعتناق الإسلام، بل عاشوا في ممالك ودول المسلمين تحت عدل الإسلام ورحمته، في ذمة الله ورحمته، وذمة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
ورحم الله شاعر الإسلام إقبال يوم قال:
كنا جبالا في الجبال وربما *** سرنا على موج البحار بحارا
في معبد الإفرنج كان أذاننا *** قبل الكتائب يفتح الأمصارا
لم تنس "إفريقيا"ولا صحراؤها *** ضحكاتنا والبرج يقذف نارا
كنا نقدم للسيوف صدورنا *** لم نخش يوماً غاشمًا جبارا
وكأن ظلّ السيف ظل حديقة *** خضراء تنبت حولها الأزهارا
لم نخش طاغوتا يحاربنا ولو *** نصب المنايا حولنا أسوارا
ندعو جهاراً لا إله سوى الذي *** صنع الوجود وقدر الأقدارا
ورؤوسنا يا رب فوق أكفنا *** نرجو ثوابك مغنما وجوارا
كنا نرى الأصنام من ذهب فنـ*** ـهدمها ونهدم فوقها الكفارا
لو كان غير المسلمين لحازها *** كنزاً وصاغ الحلي والدينارَ
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أيها الإخوة المسلمون: إن هذا الدين الذي جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم- هو الدين الحق، هو الدين الذي لا يمكن للحياة أن تصلح إلا به، لا يمكن للبشرية أن تذوق طعم الأمن بشموله وعمومه إلا تحت رايته، لن تهنأ البشرية مهما تقدمت ماديا، ولن تذوق طعم السعادة إلا بهذا الدين العظيم: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [النحل: 97].
وذلك لأن هذا الدين يشتمل على عقائد تحرر الإنسان من الخرافة والشعوذة، واستعباد البشر بعضهم لبعض، فلب الإسلام ورأسه أن العبادة لا تكون إلا للواحد القهار، وأن الذل والخضوع لا يكون إلا لله رب العالمين: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ)[الحج: 62].
فالناس أمام حكم الله، وأمام شرع الله، وأمام جزاء الله وثوابه سواسية: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)[الحجرات: 13].
فلا عبودية لمعظم مهما كان، إلا لمستحقيها على الدوام، وهو الله –عز وجل-، وكما أن الله وحده هو المعبود الحق، فهو كذلك الحكم، فالأمر أمره، والحكم حكمه: (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ)[المائدة: 50].
فالإنسان في التصور الإسلامي مخلوق لعبادة الله، والهدف من وجوده في الحياة عبادة الله: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[الذاريات: 56].
ثم هو بعد الحياة الدنيوية راجع إلى الحياة السرمدية الأبدية، فإما خلود في جنة الله –عز وجل-، وإما خلود في الجحيم -عياذا بالله عز وجل-.
وهذه إجابات لأعظم أسئلة يقف الإنسان المادي اليوم حائرا أمامها: من أنا؟ ولماذا خلقت؟ وإلى أين ذاهب؟
ثم هذا الدين بعد ذلك يشتمل على شعائر تعبدية، يغذي الروح كما يتغذى الجسد بالطعام والشراب، من سنن وفرائض ومستحبات، وأركان وواجبات، من صلاة وصيام، وزكاة وعمرة وحج، وذكر وتسبيح وصدقة، وأمر بمعروف ونهي عن منكر، ودعوة وحسبة، وغير ذلك من الشعائر التعبدية.
يجد في أداء هذه الشعائر على تنوعها راحة فؤاده، وطمأنينة قلبه، وانشراح صدره، يؤديها المسلم فتزداد سعادته، وتطيب حياته، ويستعين بها على شدائد الحياة، ومحنها ومصائبها، بل وتسهم هذه التعبدات والشعائر المتنوعة في إصلاح الفرد، وتقوم أخلاقه، وتهذب طباعه: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ)[العنكبوت: 45].
فليست هذه العبادات طقوسا جوفاء، ولا حركات فارغة من المعنى، كما هو الحال في الديانات المنحرفة، والنحل الباطلة، ولهذا نجد في هذا الزمان عددا كبيرا من مشاهير العالم بعد إسلامهم يعبرون عن هذه الحقيقة العظيمة، ألا وهي: السعادة التي باتوا يملكونها، ويشعرون بها، وتخفق بها قلوبهم، بدخولهم في هذا الدين، وإقبالهم على شعائره وعباداته، فتخلصوا من حياة الجحيم والشقاء التي كانوا يعيشونها قبل إسلامهم.
ولم يقتصر هذا الدين العظيم على عقائده وتصوراته، وعلاقة الفرد بربه، بل جاء كذلك بما يصلح علاقة الفرد بمن حوله من أفراد ومجتمعات، فجاء الإسلام بقيم كبرى، وأخلاق عظمى، تسهم في إصلاح هذه العلاقة، فدعا إلى استشعار المسئولية الفردية والجماعية، المتضمنة بالاعتراف بحقوق الآخرين، والقيام بأداء واجباتهم: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته".
ودعا إلى العدل بكافة صوره وأشكاله، وحرم الظلم حتى على غير المسلمين، حرم الظلم على الإنسان في نفسه وماله وعرضه، حتى مع غير المسلمين: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[المائدة: 8].
(إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ) [النحل: 90].
حرم الفواحش كلها ما ظهر منها وما بطن، والإثم والبغي بغير الحق، نهى عن قطيعة الأرحام، وعقوق الوالدين، وأعلى من شأن الصلة والبر، وجعل ذلك كله مقرونا بحقه -سبحانه وتعالى-: (وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى)[النساء: 36].
أعلى من شأن التكافل الاجتماعي، ورعاية حق اليتيم والأرملة، والفقير والمسكين والجار: "ما آمن بي من بات شبعانا وجاره جائع إلى جنبه".
وبالجملة، فكل خلق حميد، وسلوك قويم، فالإسلام داعٍ إليه، وكل سيء من الأخلاق والسلوك، فالإسلام بريء منه.
غير أن مما ينبغي أن يكون معلوما لكل مسلم أن واقع المنتسبين للإسلام اليوم ليس معيارا للحكم على الإسلام، فالإسلام وحده هو الحاكم على أفعال الناس، وتصرفاتهم بتشريعاته ونظمه، وأخلاقه وآدابه.
وأما واقع الناس اليوم ففيه من البعد عن الإسلام ما فيه، وإن واجبا على العلماء والدعاة والمربين أن يعتنوا بهذا الجانب، فيبنوا للناس ما هو مخالف للإسلام من تصرفاتهم، وأفعالهم وأقوالهم، وأخلاقهم، وتعاملاتهم، مع بيان ما جاء به الإسلام مضادا لتلك الأخلاق المنافية لأخلاقه وآدابه، حتى يتربى الجميع صغارا وكبارا، رجالا ونساءً على تعاليم الإسلام، وقيمه ومبادئه.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أيها الإخوة المسلمون: ونحن نعيش في هذه الأزمنة نشاهد حلقة من حلقات التآمر على الإسلام وأهله، ودعاته الصادقين، وهي حلقة من حلقات التآمر الممتدة عبر التاريخ منذ أن بزغ فجر الإسلام، ببعثة محمد -صلى الله عليه وسلم-، فانبرى أعداء الإسلام لمحاربته، والنيل منه، ووضع العراقيل والعقبات في طريقه، فبذل مشركو العرب، وكفار مكة، ما بذلوا للصد عن هذا الدين، وتبعهم في ذلك يهود المدينة ومنافقوها، فحاكوا المؤامرات، ودبروا المكائد، للقضاء على هذا الدين، في صور عديدة من صور الكيد والمكر، والظلم والبغي والفجور، والخيانة والتحزب والتآمر، ولكن ذلك كله لم يكن مانعا من سطوع فجر الإسلام وانتشاره، فباءت تلك الجهود بالفشل والخسران: (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)[التوبة: 32].
لكن تلك الجهود لم تنقطع في مرحلة من مراحل التاريخ، فقويت الحركات المناوئة للإسلام من باطنية وسبئية ومجوسية، وما تلا ذلك من حروب الصليبيين والتتار، وما فعلته في بلاد الإسلام من قتل، وتدمير وإبادة، ولكنها مع ذلك لم تحقق شيئا يذكر في النيل من الإسلام العظيم، فما هي إلا سنوات ثم عاد إلى الإسلام عزه ومجده، بعد كل عدوان عليه، وعلى أهله.
وهكذا رحلة الصراع بين الإسلام والكفر، بين الحق والباطل، بين الإيمان والنفاق، إلى أن جاء هذا الزمان، فقامت حركات الاستعمار الصليبية الجديدة، واستعمرت بلاد المسلمين فترة من الزمان، ثم اضطرت للخروج من بلدان المسلمين، مخلفة في مجتمعات المسلمين من يقوم بذلك الدور في حرب الإسلام، نيابة عنها، فقامت حركات علمانية، وحركات ليبرالية وقومية وشيوعية، وعملت ما عملت في حرب الإسلام وأهله، وتشويه مبادئه، ومحاربة الدعاة إليه، ولكن أنى لأيدلوجية أن تقف أمام دين الله وشرعه!.
لقد تفنن أعداء الإسلام في حربه، والتنفير منه، فسموه تارة رجعية، وتارة إرهابا، وحاكوا المؤامرات، وجدوا واجتهدوا في ثني المسلمين عن التمسك بدينهم الحق، فباءت جهودهم بالفشل، وها هو الإسلام -بحمد الله- أعظم دين في الانتشار في المعمورة، على الرغم من قلة الإمكانات في دعاته وحملته.
وواجب المسلمين اليوم أن يعوا هذا المكر والكيد الكبار من قِبل أعداء الإسلام وتلامذتهم وأعوانهم، ممن يعيشون في مجتمعات المسلمين من المنافقين والمنحرفين، ويقوموا بواجبهم في صد المكر والكيد، كلا بحسب وسعه واستطاعته.
فعلى من بسط الله يديه بالولاية والسلطة ما ليس على غيره من حماية الدين، والذود عن الشريعة، ومحاربة المنافقين والمتطاولين على ثوابت الشريعة ومحكماتها، ودعم ومساندة كل صادق مخلص في دعوته إلى هذا الدين.
وعلى العلماء من البيان والتعليم، والدعوة والوعظ والإرشاد، وبيان الحلال والحرام ما ليس على غيرهم، وواجب على الدعاة بذل مزيد من الجهد والنشاط في دعوة الناس إلى الدين، والتمسك به، والتزام أحكامه وآدابه، والتحرر من كل ما يناقضه، والتنويع في الوسائل والأساليب، تأليفا للقلوب، وكسبا للنفوس، وتحبيبا لها.
بل المسئولية مسئولية كل مسلم ومسلمة بأن يتمثل الإسلام في أخلاقه وآدابه، ويصدق في التزامه، ويكون جادا في استقامته، يجاهد نفسه على ذلك، ليكون مسلما حقا بأفعاله وأقواله، ملتزما بالواجبات، ملتزما بالفرائض، مبتعدا عن المحرمات، والأخلاق السيئة، ليكون داعية إلى الإسلام بقدوته وأفعاله وأخلاقه.
أيها الإخوة المسلمون: هذا هو ديننا، هذا إسلامنا، هذا –والله- شرفنا وعزنا، من أراد العزة والتمكين والسيادة والريادة والقوة والمنعة، فدونه هذا الدين، فبقدر ما يحصل التمسك به يحصل التمكين والعزة والمنعة والقوة، وبقدر ما يعرض عنه، ويتخلى عن أحكامه، يحصل الذل والهوان والضياع والخسران: (وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء)[الحج: 18].
وليس بين الله وبين أحد من خلقه في هذا الباب نسب ولا حسب ولا علاقة، إنما العباد كلهم فريقان أمام هذه المعادلة الشرعية: مؤمنون، صادقون في إيمانهم والتزامهم، وتطبيقهم لأحكام الشرع، فهؤلاء موعودون بالتمكين، والظفر والنصر، والإعانة والتسديد، مهما تكالب عليهم المتكالبون، وتأمر عليهم المتآمرون.
وآخرون على خلاف ذلك، ينتظرهم –والله- الذل والهوان والهزيمة، والخسران، وصدق الله -عز وجل- إذ يقول في محكم كتابه الكريم: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)[النور: 55].
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوان، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد:
يا عباد الله: اتقوا الله ربكم، واعلموا أنكم موقوفون بين يديه -سبحانه-، فسائلكم عن أعماركم فيما أفنيتموه، وعن شبابكم فيما أبليتموه، وعن مالكم من أين اكتسبتموه، وفيما أنفقتموه، وعن علمكم ماذا عملتم به.
فرحم الله عبدا أعد لهذه الأسئلة العظيمة جوابا، وكان الجواب صوابا.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر وأجل.
أيها الإخوة في الله: ها هو شهر رمضان انتهت أيامه، وانقضت لياليه، فرحم الله عبدا كان لها مستثمرا مغتنما، ويا خسارة من كان لها مضيعا مفرطا.
مغبون -والله- من مرت عليه تلك الأزمنة الشريفة، والأوقات الفاضلة، فلم تزدد حسناته، ولم يبذل من الأسباب ما تعظم به أموره.
مغبون –والله- مغبون، من مرت عليه تلك الأيام، فلا صيام أتقن، ولا قيام لله أدى، ولا قراءة لكتاب الله تلى.
يا عباد الله: من كان منكم قد أحسن في رمضان فليحمد الله على توفيقه، وليسأله المزيد من فضله، ومن كان مسيئا فليس لإساءته علاج إلا المبادرة بالتوبة، والإكثار من التقرب إلى الله بما يحب من الأعمال الصالحات، والقربات النافعات.
ألا وإن من أعظم ما يوصى بالمحافظة عليه: أداء الصلوات المكتوبات في أوقاتها، والمحافظة على أدائها مع الجماعة للرجال، فلا يزال المرء بخير وعافية، وقرب من ربه -عز وجل- ما دام محافظا على صلاته.
أدوا -يا عباد الله- زكاة أموالكم، طيبة بها نفوسكم، وابذلوا من الصدقات ما تستطيعون بذله للفقراء والمساكين، تعاونوا على الخير، أمروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، بروا والديكم، وصلوا أرحامكم؛ تسعدوا في دنياكم وآخراكم، فما وراء العقوق وقطيعة الأرحام إلا الخيبة في الدنيا والآخرة، والجنة لا يدخلها قاطع رحم، ولا عاق لوالديه.
صفو قلوبكم من الأحقاد والشحناء والبغضاء، فهذه الدنيا كلها بمباهجها، ومسارها، لا تساوي أن يحمل الإنسان في قلبه حقدا على أخيه المسلم، وبالذات إذا كان قريبا له، واجعلوا من هذا اليوم وما بعده بداية للتصافي والبعد عن الهجران، تراحموا فيما بينكم، تواضعوا ولينوا في أيدي إخوانكم، وقروا كبيركم، وارحموا صغيركم، واعرفوا لذي القدر قدره.
لازموا ذكر الله -عز وجل- في ليلكم ونهاركم، وأحوالكم كلها؛ تطمئن قلوبكم: (أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)[الرعد: 28].
جددوا التوبة دائما، ولازموا الاستغفار في كل حين، اجتنبوا كبائر الإثم، وعظائم الأمور، من قطيعة الأرحام، وأكل أموال الربا، وأكل أموال اليتامى، والوقوع في الزنا، ومعاقرة الخمر والمخدرات، احذروا السحرة، احذروا السحر والكهانة والشعوذة، فإنه من أتى كاهنا، أو عرافا فسأله فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم-.
أطيعوا ولاة أمركم بالمعروف، وانصحوا لهم، بالدعاء لهم بالصلاح والاستقامة، وكونوا عونا لهم على الحق والهدى والمعروف، اجتهدوا في القيام بشئون من وليتم عليهم في الإدارات والمسئوليات، اقضوا حاجات المراجعين، ويسروا أمورهم، ودلوهم على ما تحل به أمورهم من الطرق النظامية، واحذروا الغش والرشوة والمحسوبية، وتضييع الأمانة.
أيها الآباء، أيتها الأمهات: اجتهدوا في تربية أبناءكم وبناتكم، فإنكم عنهم جميعا مسئولون ومحاسبون، إن خيرا فخير وإن شرا فشر، اعتنوا بملابس مولياتكم من زوجات وبنات، إن من المنكر القبيح ما يشاهد اليوم من تكشف وتعرٍّ فاضح، في لابس بعض النساء اليوم، في الأعياد والحفلات والمناسبات، يصل أحيانا إلى إظهار ما لا يجوز إظهاره إلا للأزواج.
فاتقوا الله أيها الآباء، اتقوا الله أيها الأزواج، اتقوا الله أيها الأولياء..
وقد جاء في الحديث: "صنفان من أهل النار لم أرهما" وذكر: "ونساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها".
قوموا بما أوجب الله عليكم تجاه مولياتكم، مروهم بالمعروف، وانهوهم عن المنكر، واقصروهم على الحق قصرا.
ايها الإخوة المؤمنون: استحضروا عظيم نعم الله عليكم، حيث صمتم رمضان في أمن وأمان، وصحة وعافية، وسعة رزق، واجتماع كلمة، اشكروا الله على هذه النعم، وقوموا بواجب شكرها بصرفها والاستعانة بها على مرضاة الله -عز وجل-، واحذروا جحود نعم الله، فإن النعم إذا شكرت قرت، وإذا كفرت فرت.
ولا تنسوا إخوانكم ممن مر عليهم رمضان وهم في كرب وشدة وبلاء، ومحنة وظلم، وبغي وعدوان، من قبل أعداء الله وأعداء رسوله، فادعوا الله لهم بكشف الكروب، وإزالة الغموم والهموم، ورفع الظلم عنهم.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أيها الإخوة المسلمون: هذا يوم عيد وبهجة، وفرح وسرور، فصيروه عيدا للجميع، أشيعوا البهجة بين الناس، صلوا الأرحام، زوروا الأصدقاء، واسوا الفقراء والمحتاجين، عودوا المرضى.
هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد بن عبدالله، فقد أمركم ربكم بهذا في كتابه، فقال عز من قائل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
وقال عليه الصلاة والسلام: "من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا".
اللهم صل وسلم وبارك...
اللهم أعز الإسلام والمسلمين...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم