خطبة عيد الفطر لعام 1422هـ

ناصر بن محمد الأحمد

2011-03-08 - 1432/04/03
التصنيفات: الفطر
عناصر الخطبة
1/ اختلاف المطالع 2/ المحافظة على الطاعات بعد رمضان 3/ أعمال توجب النار 4/ وصف النار 5/ النساء الملعونات

اقتباس

فويل لكل مشرك ومشركة! وويل لكل خبيث وخبيثة! ممن طغى وبغى وآثر الحياة الدنيا، ولم يؤمن بيوم الحساب، يُعرف المجرمون بسيماهم، حلاف مهين، هماز مشّاء بنميم، مناع للخير متعد أثيم، عتُلّ بعد ذلك زنيم، لا يؤمن بالله العظيم، ولا يحض على طعام المسكين، لم يكُ من المصلين، ولم يكُ يطعم المسكين، يخوض مع الخائضين ..

 

 

 

 

أيها المسلمون: إنَّ يومَكم هذا يومٌ عظيمٌ، وعِيدٌ كريم، فكُلُّ عام وأنتم بخير، تقبَّل الله منِّي ومنكم، أسأل الله -جل وتعالى- أن يجعلني وإياكم وجميع إخواننا المسلمين من المقبولين، ممن تقبَّل الله صيامهم وقيامهم وكانوا من عتقائه من النار.

اعلموا -رحمني الله وإياكم- أنه قد ثبت دخول شهر شوال هذا اليوم ثبوتاً شرعياً، وأن اختلاف البلدان في دخول الشهر لا يضر، وذلك لأن مطالع القمر تختلف بحسب البلدان، بإجماع أهل المعرفة في ذلك.

أيها المسلمون: إن هذا اليوم يوم عظيم من أيام المسلمين، يوم كله بِرٌّ وإحسان، خرج المسلمون إلى مصلَّيات الأعياد متطهرين مكبرين شكراً لله تعالى على إتمام شهر الصيام، وعونه لهم على القيام.

لقد حضر المسلمون وقصدوا مصلاهم وقد أدَّوا زكاة فطرهم للفقراء والمساكين، فرحين مكبرين مهللين: الله اكبر الله اكبر، لا اله إلا الله، والله اكبر الله اكبر والله الحمد. الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرةً وأصيلاً.

أيها المسلمون: لقد أُطلق أسر الشيطان اليوم وفُكَّ قيدُه، وسيهجم اليوم علينا بخيله ورجِله هجوماً عنيفاً، وسيحمل علينا حملة شعواء بهدف أن يفسد ما جمعنا في رمضان، وأن يجعلنا من أهل النار، عافانا الله وإياكم منها.

إن معظم الناس يعودون لحالهم قبل رمضان، وهذا أمر خطير أن يرجع العبد عن طاعات استمر عليها في رمضان، فالحذرَ الحذرَ -معاشر الأحبة- من سلوك طرق قد توعَّد الله صاحبها بالنار!.

إن هناك ذنوباً متوعَّدٌ صاحبها بالنار، وهناك ما هو متحقق بها دخول نار جهنم، والعياذ بالله، نُذَكّر ببعضها في يومٍ انطلق فيه شياطين الإنس والجن؛ لكي نَحذَرها ونُحَذِّر منها.

أولها، وفي مقدِّمتها، الكفرُ والشرك بالله -جل وعلا- قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [البقرة:39]، وقال جل وعز عن الشرك: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) [المائدة:72].

ومن تلك الأعمال النفاق، وقد توعد الله المنافقين بالنار، وهو وعيد قطعه المولى على نفسه لا يخلفه، (وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمْ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ) [التوبة:68]؛ وأخبر أن المنافقين في الدرك الأسفل من النار، وهو أشدها حراً، وأكثرها إيلاماً.

ومن الأعمال أيضاً الكبر، وهذه صفة يتصف بها عامة أهل النار، قال الله تعالى (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [الأعراف:36] وقال عليه الصلاة والسلام: "ألا أخبركم بأهل النار؟: كلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظ مستكبر".

ومن الأعمال أيضاً عدم القيام بالتكاليف الشرعية مع التكذيب بيوم الدين، وترك الالتزام بالضوابط الشرعية، قال الله تعالى: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ؟ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ) [المدثر:42-47].

ومن الأعمال التي قد توجب دخول النار طاعة رؤساء الضلال وزعماء الكفر فيما قرروه من مبادئ الضلال، وخطوات الكفر التي تصد عن دين الله ومتابعة المرسلين، قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا * يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَالَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولاَ * وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا) [الأحزاب:64-67].

ومن الذنوب والكبائر المتوعَّد صاحبها بالنار، وهي بلية هذا الزمان، ومصيبته العظمى، الربا. وما أدراكم ما الربا؟! قال الله تعالى في الذين يأكلونه بعد أن بلغهم تحريم الله له: (وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [البقرة:275]، وقال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) [آل عمران:130-131].

ومن تلك الذنوب أيضاً أكل أموال الناس بالباطل، قال الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا) [النساء:29-30].

ومنها عدم دفع الزكاة، (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ) [التوبة:34-35].

ومما قد يُدخِل النارَ الغفلةُ عن الآخرة، والرضا والاطمئنان بالدنيا، (إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [يونس:7-8]، وقال جل شأنه: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [هود:15-16].

ومما توعد الله صاحبه بالنار أيضاً الركون والميل إلى الظلَمة، فقال –سبحانه-: (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ) [هود:113].

الإجرام بكل صوره وأشكاله من الذنوب المتوعَّد صاحبها بالنار، (وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ * سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ) [إبراهيم:49-50]، وقال تعالى: (وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا) [الكهف:53]، وقال سبحانه: (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ * يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ) [القمر:47-48]. فليفكر كل مجرم في حاله، وليتذكر هذه الآيات، خصوصاً إذا كان إجرامه في حق غيره.

ومما قد يدخل النار استبدال نعمة الله بالكفر، بل وإلزام الآخرين بذلك، قال الله تعالى: (أَلَمْ تَرَى إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ * وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَندَاداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ، قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ) [إبراهيم:28-30].

ومما قد يوجب النار الفسق بكل أنواعه ودرجاته: (أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ * أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلاً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمْ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) [السجدة:18-20].

وأيضاً، مما توعد الله صاحبه بالنار، معصية الله ورسوله، قال الله تعالى: (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا) [الجن:23]، وقال تعالى: (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) [النساء:14]، وأين الذي لا يعصي؟ رحماك ثم رحماك يا رب!.

ومما قد يدخل النار -والعياذ بالله- إضاعة الصلوات، وعدم الاهتمام بها، وهذا لا يكون إلا عن طريق اتباع الشهوات، قال الله تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً) [مريم:59].

ومن الذنوب التي يستحق فاعلها النار الذي يقطع شجرة السدر التي يستظل بها الناس، فعن عبد الله بن حبيش قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من قطع سدرة صَوّب الله رأسه في النار" رواه أبو داود. هذا الذي يقطع ظل شجرة ينتفع الناسُ بها، فكيف بالذي يقطع ظل الشريعة؟!.

ومن الأمور المتوعد صاحبها بأن يعذَّب بسببها في نار جهنم عدم الإخلاص في طلب العلم، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " من تعلم علماً مما يُبتغى به وجه الله، لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا، لم يجد عرف الجنة يوم القيامة". يعني: ريحها. رواه ابو داود والحاكم.

أيها المسلمون: النار موعود بها مدمن الخمر، وقاطع الرحم، والمصدِّق بالسحر، والمنان، والنمام، وما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار؛ ومن أشد الناس عذابا طائفتان: المصورون الذين يضاهئون خلق الله، والذين يعذِّبون الناس في الدنيا.

هذه أخبار صدق عن جهنم ولظى، وأنباء حق عن السعير والحُطمة، والله لتُملأن، قال الله تعالى: (وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) [السجدة:13].

فويل لكل مشرك ومشركة! وويل لكل خبيث وخبيثة! ممن طغى وبغى وآثر الحياة الدنيا، ولم يؤمن بيوم الحساب، يُعرف المجرمون بسيماهم، حلاف مهين، هماز مشّاء بنميم، مناع للخير متعد أثيم، عتُلّ بعد ذلك زنيم، لا يؤمن بالله العظيم، ولا يحض على طعام المسكين، لم يكُ من المصلين، ولم يكُ يطعم المسكين، يخوض مع الخائضين، ويكذب بيوم الدين. هؤلاء هم أصحاب الجحيم، عياذاً بالله.

وأصناف من القضاة في النار، ومن غَش رعيته فهو في النار، ومن اقتطع مال أخيه بيمين فاجرة فليتبوأ مقعده من النار، والذي يشرب في آنية الذهب والفضة فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم، والذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً، وكل جسد نبت من السحت فالنار أولى به، وصنفان من أهل النار: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، رؤوسهن كأسنمة البخت، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها.

والمكر والخداع في النار، والفجور يهدي إلى النار، وشر الناس منـزلة عند الله من تركه الناس اتقاء فحشه، وويل للذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة.

ومن الأعمال التي قد توجب النار أيضاً الحسد، والخيانة، والظلم، والفواحش، والغدر، وقطيعة الرحم، والجبن عن الجهاد، والبخل، واختلاف السر والعلانية، واليأس من روح الله، والأمن من مكر الله، والجزع عند المصائب، والبطر عند النعم، وترك فرائض الله، والاعتداء على حدود الله، وانتهاك حرمات الله، وخوف المخلوق دون الخالق، والعمل رياءً وسمعه، ومخالفة الكتاب والسنة اعتقاداً وعملاً، وطاعة المخلوق في معصية الخالق، والتعصب للباطل، والاستهزاء بالدين، أو بأهله الصالحين.

ومن الأعمال التي قد توجب النار أيضا الاستمرار في ارتكاب المعاصي والمحرمات، كمشاهدة أفلام المجون والخلاعة، وشرب المسكرات، والزنا، واللواط، والسحر، وعقوق الوالدين، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، والفرار من الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات، والتصوير، وتقليد أعداء الدين، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغير ذلك من الأعمال التي قد تدخل صاحبها في النار، والعياذ بالله.

أيها المسلمون: إن الخوف وحده لا ينجي أحداً من النار، فإن القدر الواجب من الخوف ما حَمَلَ على أداء الفرائض واجتناب المحارم.

تأمل -يا عبد الله- إذا جيء بجهنم إلى الموقف، تقاد بسبعين ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها! قال الله تعالى: (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى؟ * يَقُولُ يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي * فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ) [الفجر:23-26].

عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " يؤتى بجهنم لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها " رواه مسلم.

كل نفس لا تحمل إلا حملها، ولا تكسب إلا عليها، ولا تزر وازرة وزر أخرى، ولسوف تأتى كل نفس تجادل عن نفسها.

أهلكَتْ كثيراً من الناس الأماني، إيمان بلا أثر، وقول بلا عمل، ترى فيهم رجالا ولا ترى عقولا، وتسمع حسيساً ولا ترى أنيساً، عرفوا ثم أنكروا، وحرّموا ثم استحلّوا.

لا يدخل الجنة إلا من يرجوها، ولا يسلم من النار إلا من يخافها، وورود النار متيقِّن، قال الله تعالى: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا) [مريم:71]. ولكن، هل الخروج منها متيقن؟ الله أعلم.

إنها دار موحشة مظلمة، شديد حرّها، بعيد قعرها، لهيب سمومها، عظيم شررها، أوقد عليها ألف عام حتى ابيضَّتْ، ثم أوقد عليها ألف عام حتى احمرّت، ثم أوقد عليها ألف عام حتى اسودّت، فهي سوداء مظلمة؛ ظُللٌ من النار بعضها فوق بعض، ضوعفت عن نار الدنيا بتسعةٍ وستين جزءاً، الغمسة فيها تُنسي كل نعيم عاشت به النفس، فكيف بالمكوث فيها وملازمة عذابها؟.

قال –صلى الله عليه وسلم-: " يوتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار، فيصبغ في النار صبغة ثم يقال له: يا ابن آدم هل رأيت خيراً قط؟ هل مرّ بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب" أخرجه مسلم.

تلك الدار التي يخوّف الله بها عباده ليتقوه ويطيعوه، (قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قُلْ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي * فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ. قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ * لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنْ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَاعِبَادِ فَاتَّقُونِ) [الزمر:11-16].

ما ظنك بعذاب دارٍ أهون أهلها عذاباً من كان له نعلان يغلي منهما دماغه ما يرى أحداً أشدَّ منه عذاباً؛ وإنه لأهونهم؟!! أمَّا حال أهلها فشَرُّ حال، وهوانهم أعظم هوان، وعذابهم أشد عذاب، وما ظنك بقوم قاموا على أقدامهم خمسين ألف سنة لم يأكلوا فيها أكلة، ولم يشربوا فيها شربة، حتى انقطعت أعناقهم عطشاً، واحترقت أكبادهم جوعاً، ثم انصُرف بهم إلى النار، فيسقون من عين آنية، قد آذى حرُّها، واشتدَّ نضجها.

فلو رأيتهم وقد أُسكنوا داراً ضيقة الأرجاء، مظلمة المسالك، مبهمة المهالك، قد شدت أقدامهم إلى النواصي، واسودت وجوههم من ظلمة المعاصي، يسحبون فيها على وجوههم مغلولين، النار من فوقهم، والنار من تحتهم، والنار عن أيمانهم، والنار عن شمائلهم، (لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ، وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ، وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) [الأعراف:41]

أسأل الله جل وتعالى أن يعصمنا وإياكم من النار، وأن يجنبنا مواضع سخطه، فالحذرَ الحذرَ عباد الله بعد رمضان! فمعظم الناس يعودون ويرجعون إلى سالف عهدهم، فلا تكونوا مثلهم، وإلاّ فنارُ جهنَّمَ بالمرصاد.

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

أما بعد: فيا معاشر الأخوات الحاضرات معنا في هذا المشهد العظيم، اعلموا أنكنَّ من أكثر حطب جهنم، قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- "أُرِيتُ النَّارَ فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ، يَكْفُرْنَ" قِيلَ: أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ؟ قَالَ: "يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الْإِحْسَانَ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ".

أيتها الأخوات: لقد توعَّد الله بالنار أهل التبرج والسفور، والنساءُ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ، ولا يجوز للمرأة أن تُسَافِرْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ.

أيتها الأخوات: لقد لَعَنَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- الْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ، ولَعَنَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ، ولعن النبي -صلى الله عليه وسلم- الْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ لخَلْقَ اللَّهِ، ولَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- زَائِرَاتِ الْقُبُورِ، ولَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ، ولَعَنَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- الْمُتَرَجِّلَاتِ مِنْ النِّسَاءِ، ولَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- النَّائِحَةَ وَالْمُسْتَمِعَةَ، وأخبر -عليه الصلاة والسلام- أن النائحة إذا لم تتب تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب.

فالحذرَ الحذرَ! فإن كل ما ورد فيه اللعن فصاحبه على خطر، أجارنا الله وإياكن من نار جهنم.

أيها المسلمون والمسلمات: أنصح الجميع، رجالاً ونساءً، بصيام ستة أيام من شوال، ففيها أجر عظيم، فعن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من صام رمضان، ثم أتبعه ستاً من شوال، كان كصيام الدهر" رواه مسلم.

اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى، وصفاتك العلى، أن تجعلنا من الذين قبلتهم في رمضان، وأعتقتهم من النيران؛ اللهم اجعلنا ممن قام رمضان إيماناً واحتساباً فغفرت له ما تقدم من ذنبه؛ اللهم اجعلنا ممن صام رمضان إيماناً واحتساباً فغفرت له ما تقدم من ذنبه؛ اللهم اجعلنا ممن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً فغفرت له ما تقدم من ذنبه.

اللهم إنا نسألك أن تفرج عن أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- فرجاً عاجلاً غير آجل، اللهم إنا نسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت أن تحقن دماء المسلمين في كل أرض يراق فيها دم مسلم، اللهم أحقن دماء المسلمين في فلسطين، وأفغانستان، والعراق، والشيشان، والفلبين، وفي كل مكانٍ يا رب العاملين.

اللهم فرِّجْ همَّ المهمومين، ونفِّس كرب المكروبين، اللهم اجعل لنا من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا.

اللهم أعد علينا رمضان أعواماً عديدة، وأزمنة مديدة، ونحن على طاعة واستقامة يا رب العالمين.

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم انك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم انك حميد مجيد. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

سبحان ربك رب العزة عمّا يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

 

 

  

المرفقات

عيد الفطر 1422هـ

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات