خطبة عيد الفطر لعام 1416هـ

ناصر بن محمد الأحمد

2011-02-16 - 1432/03/13
التصنيفات: رمضان الفطر
عناصر الخطبة
1/ يوم العيد يوم عظيم 2/ الوصية بالمحافظة على الصلاة 3/ في رحيل رمضان 4/ العودة إلى سوء الحال بعد انتهاء رمضان 5/ الحرص على قبول الطاعات 6/ هجوم الشيطان على الإنسان بعد رمضان 7/ بين الفرحة بالعيد والحزن على حال الأمة 8/ وصية إلى النساء

اقتباس

اعلموا أن يومكم هذا، يوم عظيم وعيد كريم، في هذا اليوم الذي توج الله به شهر الصيام، في هذا اليوم افتتح الله به أشهر الحج إلى بيته الحرام، في هذا اليوم تعلن النتائج وتوزع الجوائز، في هذا اليوم يفرح الذين جدوا واجتهدوا في رمضان، سبق قوم ففازوا، وتأخر آخرون فخابوا، في هذا اليوم يفرح المصلون المستمرون ويندم الكسالى النائمون والعابثون اللاعبون ..

 

 

 

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.
أما بعد: 

الله أكبر الله أكبر الله أكبر.

الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلاً.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

الله أكبر كلما ذكر الله ذاكر وكبر، الله أكبر كلما صام صائم وأفطر، الله اكبر كلما لاح الصباح وأسفر، الله أكبر كلما تراكم السحاب وأمطر.

الله أكبر عدد ما هل هلال وأنور، الله أكبر عدد ما تأمل متأمل في الكون وفكر، الله أكبر عدد خلقه، الله أكبر رضا نفسه، الله أكبر زنة عرشه، الله أكبر مداد كلماته، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

أيها المسلمون: اعلموا أن يومكم هذا، يوم عظيم وعيد كريم، في هذا اليوم الذي توج الله به شهر الصيام، في هذا اليوم افتتح الله به أشهر الحج إلى بيته الحرام، في هذا اليوم تعلن النتائج وتوزع الجوائز، في هذا اليوم يفرح الذين جدوا واجتهدوا في رمضان، سبق قوم ففازوا، وتأخر آخرون فخابوا، في هذا اليوم يفرح المصلون المستمرون ويندم الكسالى النائمون والعابثون اللاعبون:

اليوم توفي النفوس ما كسبت *** ويحصد الزارعون ما زرعوا
إن أحسنوا، فقد أحسنوا لأنفسهم *** وان أساءوا فبئس ما صنعوا

إنه يوم عظيم من أيام المسلمين، يوم كله بر وإحسان، خرج المسلمون إلى مصليات الأعياد، متطهرين مكبرين، مكبرين له تعالى على ما أولاهم من الفضل والإنعام، مكبرين شكر الله على عونه على الصيام والقيام، حضر المسلمون، وقصدوا مصلاهم، وقد أدوا زكاة فطرهم للفقراء والمساكين، فرحين مكبرين مهللين، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

عباد الله: أوصيكم ونفسي المقصرة بوصية الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ إذ جعل يقول وهو يجود بنفسه: "الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم"، إنه لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، من تركها فعليه لعنة الله، من تركها خرج من دين الله، من تركها انقطع عنه حبل الله، من تركها خرج من ذمة الله، من تركها أحل دمه وماله وعرضه، تارك الصلاة عدو لله، عدو لرسول الله، عدو لأولياء الله، تارك الصلاة مغضوب عليه في السماء، ومغضوب عليه في الأرض، تارك الصلاة لا يؤاكل ولا يشارب ولا يجالس ولا يرافق، ولا يؤتمن، تارك الصلاة خرج من الملة، وتبرأ من عهد الله، ونقض ميثاق الله.

لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، وعليكم بصلاة الجماعة والمحافظة عليها في المساجد، فمن صلاها بلا عذر في بيته فإنها لا تقبل منه، فإن من شروط صحتها صلاتها في جماعة؛ يقول -عليه الصلاة والسلام-: "والذي نفسي بيده، لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم أخالف إلى أناس لا يشهدون الصلاة معنا فأحرق عليهم بيوتهم بالنار".

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

وأدوا زكاة أموالكم لأحد الأصناف الثمانية الذين ذكرهم الله بقوله: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [التوبة: 60]، ثم فتشوا عمن تزكو به صدقاتكم، وهم خصوص من عموم الأصناف الثمانية، كالمتقين المتجهين إلى الله، وأهل العلم الذين يعملون على تقوية الدين ونشره، والساترين لفقرهم وفاقتهم، يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف، لا يسألون الناس إلحافًا، وكذا الأرامل والأيتام وأصحاب العاهات والمحبوسون بمرض أو دين، وأصحاب العوائل الكثيرة الذين لا يجدون من الدخل ما يكفيهم، وإن كانت الزكاة في قريب ضوعف أجرها لأنها عليه صدقة وصلة قال الله تعالى: (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [آل عمران: 180]، وحجوا فرضكم الذي كتبه الله عليكم بقوله -جل وتعالى-: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ) [آل عمران: 97].

عباد الله: إن لكم عدوًا، أخرجه الله -عز وجل- من رحمته وطرده من جنته، كان مأسورًا في شهر رمضان المعظم، واليوم قد أطلق أسره، وفك قيده، وسيهجم اليوم عليكم بخيله ورجله، هجومًا عنيفًا، وسيحمل عليكم حملة شعواء، عله يفسد ما صلح من أعمالكم، وما اكتسبتموه من التقوى، وما حصل لكم من الثواب في شهر رمضان، فلنأخذ -يا عباد الله- حذرنا منه، ولنأخذ أهبتنا لمجاهدته، ولنحاول أن نسد عليه وعلى أعوانه كل الطرق التي يتسللون منها، بل لنهجم نحن عليهم في عقر دارهم، وننقذ من شرهم من نستطيع إنقاذه، وستسألون: كيف نهجم على إبليس وجنوده وأعوانه ونباغتهم في أماكنهم؟! الجواب: يكون ذلك بالدعوة إلى الله -جل وتعالى-، ووعظ الناس وإرشادهم، وأن يكون كل فرد منا رجل حسبة، آمرًا بالمعروف وناهيًا عن المنكر، وأن ينتشر الصالحون في أوساط المجتمع، ويكون كل واحد منا معلم هداية، في الموقع الذي يعيش فيه، بين أهله وأقاربه، في عمله ومسجده، في حيه وحارته، وكلنا -ولله الحمد- لديه القدرة على أن يقدم شيئًا لدينه، وها قد خرجتم ولله الحمد والمنة من رمضان وأنتم أتقياء أنقياء، فما بقي إلا أن نحمل هذا الخير لغيرنا.

الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلاً.

عباد الله: احذروا من الشرك بالله؛ فإنه محبط للأعمال، والجنة حرام على صاحبه، قال الله تعالى: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) [المائدة: 72]، والشرك نوعان: أكبر وأصغر، فالأكبر أن تشرك مع الله في عبادته غيره، ويدخل فيه الذبح والنذر لغير الله والاستعاذة بغير الله والتبرك بشجر أو حجر، ومنه صرف الدعاء لغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله: (وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنْ الظَّالِمِينَ) [يونس: 106]، وأما الأصغر: فالحلف بغير الله والرياء وإرادة الإنسان بعمله الدنيا قال الله تعالى: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ) [الزمر: 65]، وإياكم وعقوق الوالدين فإنه من كبائر الذنوب؛ قال تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) [الإسراء: 23]، وفي الصحيحين قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟! الإشراك بالله وعقوق الوالدين...". الحديث.

وإياكم وقطيعة الأرحام؛ فإن الله -تبارك وتعالى- لعن قاطعي الأرحام فقال -عز من قائل-: (وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) [الرعد: 25]، وقال -جل ذكره-: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) [محمد: 22، 23].

واجتنبوا الظلم فإنه ظلمات يوم القيامة: (وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ) [إبراهيم: 42]، وقال -عليه الصلاة والسلام: "اتقوا دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب".

وغضوا أبصاركم عن محارم الله؛ فإن النظرة سهم من سهام إبليس، ولا تقربوا الزنا فإن فيه خصالاً قبيحة ماحقة ومهلكة في الدنيا والآخرة، وقد نهى الله تعالى من الاقتراب منه فكيف بالوقوع فيه: (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً) [الإسراء: 32].

واحذروا اللواط فإنه يغضب الرب، وعار ونار على صاحبه في الدنيا والآخرة؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "لعن الله من عمل عمل قوم لوط"، قالها ثلاثًا -صلوات ربي وسلامه عليه-.

وحذار حذار من جماع الإثم ومفتاح الشر الخمر، فإنها تذهب العقل والغيرة على الدين والمحارم، وتورث الخزي والندم والفضيحة، ولو لم يكن من رذائلها إلا أنها لا تجتمع هي وخمر الجنة في جوف عبد لكفت، "من شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة"، قاله المصطفى -صلى الله عليه وسلم-.

وإياكم ثم إياكم والربا أكلاً وتعاملاً؛ فإنه حرام حرام بنص كلام ربنا: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) [البقرة: 275]، وانتبهوا من هذه البنوك التي تحارب الله جهارًا نهارًا؛ فإنها عين الربا، ومبانيها مشيدة، وبعضها أرفع من منارات المساجد، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

واجتنبوا الغيبة والنميمة وقول الزور والعمل به، وإياكم والوقوع في أعراض الناس، فإن القصاص سيكون يوم القيامة من الحسنات.

وأوفوا الكيل إذا كلتم، وزنوا بالقسطاس المستقيم، ولا يبخسوا الناس أشياءهم.

واحذروا المعاصي بجميع أشكالها وألوانها، ومن ذلك المجلات الخليعة التي أظهرت المرأة معبودًا وصنمًا، فافتتن بها شباب الإسلام، زنت أبصارهم قبل فروجهم، إلا من رحم الله، ومن المعاصي التي أحذركم منها الغناء والموسيقى التي ملأت البيوت إلا بيوت من رحم الله، من أصوات المغنين والمغنيات، والماجنين والماجنات، الأحياء منهم والأموات.

وقوموا بحق الجوار لمن جاوركم، قال -صلى الله عليه وسلم-: "مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه"، وأحسنوا إلى من أساء إليكم، ذلكم خير لكم وأزكى وأطهر: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) [فصلت: 34، 35].

وأقيموا أولادكم على طاعة الله، ألزموهم بأداء الصلوات المفروضة في المساجد، واستروا نساءكم ومحارمكم واقسروهن على التستر: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) [التحريم: 6].

طهروا منازلكم من الصور المجسمة وغير المجسمة إلا ما لا بد منه، وحسابه على من سنَّه، قال رسول الله -صلى الله صلى عليه وسلم-: "لا تدخل الملائكة بيتًا فيه صورة"، عظموا شعائر الله وتعاليم دينه، ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

أيها المسلمون: العيد بكل أفراحه وأنسه، واجتماع كل واحد منا بأهله وأولاده، يجب أن لا ينسينا إخوانًا لنا، حلت بهم ظروف، ووقعت بهم نكبات، ودالت عليهم الأيام. كم في الناس هنا وهناك من فقراء ليسوا بأقل ذكاءً مني ومنك، وبؤساء ليسوا بأقل علمًا بأمور الحياة مني ومنك، غير أن ظروفًا أحاطت بهم فعاشوا تحت وطأة البؤس وهموم الحاجة وعوامل التشريد وأعمدة الحديد، إن جلوسنا مع أحبابنا وذوينا في فرحة العيد يجب أن لا ينسينا فقراء لا مورد لهم، ونسوة لا عائل لهم، وأيتامًا لا أباء لهم، ومشردين لا أوطان لهم، وما فرقهم إلا السياسات الظالمة وما ضاعت حقوقهم إلا بالخيانات السافرة في فلسطين والبوسنة والشيشان وفي أماكن أخرى من بلاد الله.

ثم هناك مسلمون أحبة لنا تتقطع قلوبنا على أن يشاركوا المسلمين في عيدهم، فما لك -أخي المسلم- إلا تردد مع الشاعر بعد أن ترضى بقضاء الله وقدره.

أقبلت يا عيد والإخوان إخوان *** وفي ضمير القوافي ثار وبركان
أقبلت يا عيد والرمضاء تلفحني *** وقد شكت من غبار الدرب أجفان
أقبلت يا عيد هذي أرض حسرتنا *** تموج موجًا وأرض الإنس قيعان
من أين نفرح يا عيد الجراح وفي *** قلوبنا من صفوف الهم ألوان؟!
من أين نفرح والأحداث عاصفة *** وللدمى مقل ترنو وآذان
من أين نفرح والأقصى محطمة *** أماله وفؤاد القدس ولهان
من أين نفرح والأمة الغراء نائمة *** على سرير الهوى والليل نشوان
من أين نفرح والأحباب ما اقتربوا *** منا، ولا أصبحوا فينا كما كانوا
يا من تسرب منهم في الفؤاد هوى *** قامت له في زوايا النفس أركان
أين الأحبة لا غيم ولا مطر *** ولا رياض ولا ظل وأغصان
أين الأحبة لا بدر يلوح لنا *** ولا نجوم بها الظلماء تزدان
أين الأحبة لا بحر ولا جزر *** تبدو ولا سفن تجرى وشطآن
أين الأحبة وارتد السؤال إلى *** صدري سهامًا لها في الطعن إمعان
أصبحت في يوم عيدي والسؤال على *** ثغري يئن وفي الأحشاء نيران

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

عباد الله: تذكروا بجمعكم هذا، يوم الجمع الأكبر حين تقومون من قبوركم، حافية أقدامكم، عارية أجسامكم، شاخصة أبصاركم: (يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) [الحج: 2]، (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) [عبس: 34-37]، يوم تفرق الصحف ذات اليمين وذات الشمال: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً * وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً * وَيَصْلَى سَعِيراً) [الانشقاق: 7-12].

فنسأل الله -جل وتعالى- أن يرحمنا برحمته، وأن يتجاوز عنا، كما نسأله -جل وتعالى- أن يجعلنا من الذين قَبِلَهم في رمضان، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

نفعني الله وإياكم بهدى كتابه، واتباع سنة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-. أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله معيد الجمع والأعياد، ومبيد الأمم والأجناد، وجامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، ولا ند ولا مضاد، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المفضل على جميع العباد، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وعلى أصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم التناد، وسلم تسليمًا كثيرًا.

الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلاً، الله أكبر كلما لمع نجم ولاح، الله أكبر كلما تضوع مسك وفاح، الله أكبر كلما غرد طير وناح، الله أكبر كلما رجع مذنب وتاب، الله أكبر كلما رجع عبد وأناب، الله أكبر كلما وسّد الأموات التراب.

أما بعد:

فيا أيتها الأخوات الحاضرات معنا في هذا المشهد العظيم، الممتثلات أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شهود الخير ودعوة المسلمين في هذا اليوم العظيم: أسال الله جل شأنه بكل اسم هو له أن يجعلنا وإياكن ممن قال فيهم سبحانه: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) [الأحزاب: 35].

أذكركن أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد أن خطب الرجال، في مثل هذا اليوم الأغر، مشى متوكئًا على بلال -رضي الله عنه- وخطب النساء، وكان من خطبته أنه تلا عليهن آية مبايعة النساء في سورة الممتحنة: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [الممتحنة: 12]، فلما فرغ من الآية قال: "أنتنَّ على ذلك؟!"، فقالت امرأة واحدة، ولم يجبه غيرها: نعم يا رسول الله. رواه البخاري.

ثم أمرهن بالصدقة، وقال لهن: "تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم"، فقالت امرأة من وسط النساء: لماذا يا رسول الله؟! فقال: "لأنكن تكثرن الشكاية وتكفرن العشير". فجعلن -رضي الله عنهن- يلقين من قروطهن وخواتمهن وقلائدهن في ثوب بلال -رضي الله عنه- صدقة لله.

فيا أيتها الأخوات والأمهات: اتقين الله تعالى وكن خير خلف لخير سلف من نساء المؤمنين، أيتها النساء: إن عليكن أن تتقين الله في أنفسكن، وأن تحفظن حدوده، وترعين حقوق الأزواج والأولاد، فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله.

أيتها النساء: لا يغرنكن ما يوجه للمرأة في هذا الزمان من شتى أبواب المغريات لإفسادهن باسم الموضة وباسم الأزياء، ثم المحاولات المتتابعة في إخراج المرأة من مكان صونها وكرامتها، ولا يغرنكن ما يفعله بعض النساء ممن تأثرن بهذا التيار من الخروج إلى الأسواق بالتبرج والطيب، وربما كشف الوجه واليدين أو وضع ساتر رقيق لا يستر، فلقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "صنفان من أهل النار لم أرهما بعد، وذكر نساءً كاسيات عاريات، مائلات مميلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها". وإذا مشيتن في الأسواق فعليكن بالسكينة بأطراف الطريق، ولا تزاحمن الرجال ولا ترفعن أصواتكن، ولا تلبسن أولادكن ألبسة محرمة أو مكروهة، ولا تتشبهن بالرجال؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم-ٍ لعن المتشبهات من النساء بالرجال.

أيتها النساء: إياكن ثم إياكن والركوب مع السائق لوحده، أو الخلوة به بحجة أن هذا سائق، وصار يعامل معاملة أهل البيت، فإن في هذا شرًا عظيمًا، لا يعلم به إلا الله، وما اختلى رجل بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما.

اللهم إن عبادك خرجوا إلى هذا المكان، يرجون ثوابك وفضلك، ويخافون عذابك وسخطك، اللهم حقق لنا ما نرجو، وأمنّا مما نخاف.
 

  

 

المرفقات

عيد الفطر 1416هـ

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات