عناصر الخطبة
1/فضائل يوم النحر 2/مقاصد الأضحية 3/حكم الأضحية وشروطها 4/الفرح والتجمل في العيد 5/وصايا عامة للرجال والنساء.اقتباس
إن هذا اليوم هو يَوْمُ الْحَجِّ الأَكْبَرِ الَّذِي جَعَلَهُ اللهُ عِيدًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَبَهْجَةً لِقُلُوبِ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، فِيهِ جُلُّ أَعْمَالِ الْحَجِّ تَتْرَى، فَفِيهِ رَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ الْكُبْرَى، وَالنَّحْرُ وَالتَّحْلِيقُ، وَالسَّعْيُ والطَّوَافُ بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ.
الخُطْبَة الأُولَى:
اللهُ أَكْبَرُ مَا دَارَ زَمَانٌ وَانْصَرَمَ، اللهُ أَكْبَرُ مَا هَوَى فُؤَادٌ لِلْحَرَمِ، اللهُ أَكْبَرُ مَا شُدَّتْ إِلَى الْبَيْتِ الرِّحَالُ، اللهُ أَكْبَرُ مَا أَظَلَّهُ الْبَهَاءُ وَالْجَمَالُ، اللهُ أَكْبَرُ كُلَّمَا أَحْرَمَ الْحُجَّاجُ مِنَ الْمِيقَاتِ، وَلَبىَّ مُلَبٍّ فَزِيدَ فِي الْحَسَنَاتِ.
اللهُ أَكْبَرُ كُلَّمَا دَخَلُوا فِجَاجَ مَكَّةَ آمِنِينَ، وَطَافُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ مُهَلِّلِينَ مُكَبِّرِينَ، اللهُ أَكْبَرُ كُلَّمَا عَادَ الزَّمَانُ بِعِيدٍ، وَأَظَلَّنَا عِيدُ الأَضْحَى السَّعِيدِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، هُوَ الْمُبْدِئُ وَهُوَ الْمُعِيدُ.
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَهْلِ الْحَنِيفِيَّةِ وَالتَّوْحِيدِ.
أما بعد: فيا عبادَ اللهِ: اتَّقُوا اللهَ حَقَّ التَّقْوَى، وَرَاقِبُوهُ فِي الجَهْرِ وَالخَفَا، فَإِنَّ تَقْوَى اللهِ أَسَاسُ كُلِّ خَيْرٍ وَفَضِيلَةٍ، وَسَبَبٌ إِلَى كُلِّ إِحْسَانٍ وَوَسِيلَةٍ، اهتَدُوا بِهَدْيِ رَبِّكُمْ، وَأَطِيعُوا أَمْرَ خَالِقِكُمْ، تَدَبَّرُوا آيَاتِهِ وَعِظَاتِهِ، وَقِفُوا عَلَى تَعَالِيمِهِ وَبَيِّنَاتِهِ، أَيقِظُوا بِهَا القُلُوبَ، وَاغسِلُوا بِهَا أَدْرَانَ الذُّنُوبِ (إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا)[الإسراء: 9].
اذْكُرُوا أَوَامِرَ اللهِ بِالامتِثَالِ، وَاستَدِرُّوا الخَيْرَ بِالدُّعَاءِ وَالسُّؤَالِ، هُوَ المَلْجَأُ عِنْدَ الكُرُوبِ، وَالمَلاذُ لِمَنْ أَقْلَقَتْهُ الذُّنُوبُ (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)[الزمر: 53].
الله أكبر الله أكبر: "إن لكل أمة عيدًا، وهذا عيدُنا".
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ يَوْمَكُمْ هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ، وَمَوْسِمٌ أَغَرُّ كَرِيمٌ، يَوْمٌ رَفَعَ اللهُ عَلَى الأَيَّامِ قَدْرَهُ، وَعِيدٌ شَرَّفَ اللهُ ذِكْرَهُ، حَرَّمَ عَلَيْكُمْ صَوْمَهُ، وَأَوْجَبَ عَلَيْكُمْ فِطْرَهُ، وَأَلْزَمَكُمْ حَقَّهُ وَشُكْرَهُ.
فإِنَّهُ يَوْمُ حَمْدٍ وَذِكْرٍ وَشُكْرَانٍ، وَمَغْفِرَةٍ مِنَ اللهِ -تَعَالَى- وَرِضْوَانٍ، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ أَعْظَمَ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- يَوْمُ النَّحْرِ، ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ"(أَحمدُ وغيره).
إن هذا اليوم هو يَوْمُ الْحَجِّ الأَكْبَرِ الَّذِي جَعَلَهُ اللهُ عِيدًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَبَهْجَةً لِقُلُوبِ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، فِيهِ جُلُّ أَعْمَالِ الْحَجِّ تَتْرَى، فَفِيهِ رَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ الْكُبْرَى، وَالنَّحْرُ وَالتَّحْلِيقُ، وَالسَّعْيُ والطَّوَافُ بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ.
يَجْتَمِعُ فِيهِ الْحَجِيجُ فِي مِنًى لِأَدَاءِ مَنَاسِكِهِمْ، وَالتَّقَرُّبِ إِلَى مَوْلَاهُمْ بِإِرَاقَةِ دِمَاءِ نَسَائِكِهِمْ، بَعْدَ أَنْ وَقَفُوا بِعَرَفَاتٍ، وَأَدَّوْا فِي مُزْدَلِفَةَ مَشْعَرَ الْبَيَاتِ؛ لِيُعَظِّمُوا اللهَ وَيُكَبِّرُوهُ، وَيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَيَشْكُرُوهُ. وَقَدْ شَرَعَ اللهُ لَكُمُ التَّقَرُّبَ إِلَيْهِ بِالضَّحَايَا، كَمَا شَرَعَ لَهُمُ التَّقَرُّبَ إِلَيْهِ بِالْهَدَايَا.
وهذه الأَضاحي-عباد الله- سُنَّةُ أَبيكم إِبراهيمَ وَيَكْفِي الأُضْحِيَّةَ شَرَفًا فِي مَقَاصِدِهَا أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى صِدقِ الامتِثَالِ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، إِنَّهَا مَعَانٍ كُبْرَى وَحِكَمٌ عُظْمَى تَشُدُّنَا نَحْوَ قِصَّةِ الأُضْحِيَّةِ الخَالِدَةِ، لِنَسْتَلْهِمَ مَزِيدًا مِنَ المَقَاصِدِ السَّامِيَةِ، فَفِيهَا تَقَرَّبَ إِبْرَاهِيمُ الخَلِيلُ- عَلَيْهِ السَّلامُ- لِرَبِّهِ بِأَنْفَسِ شَيْءٍ لَدَيْهِ وَهُوَ فِلْذَةُ كَبِدِهِ، (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ)، وبدَأ يَمشِي، أمره ربه بذبح ولده وفلذة كبده إسماعيل؛ فامتثل أمر ربه طائعًا، وخرج بابنه مسارعًا (قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ) لا متوقفًا ولا متفكرًا (سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)[الصافات: 102]، فاستسلما جميعًا للقضاء المحتوم وسلما أمرهما للحي القيوم.
(فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ)، وأهوى إلى حلقه بالسكين، اطَّلع الله -تعالى- منهما على صدق النية واليقين ونظر إليهما بعين الرحمة وهو أرحم الراحمين (وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ)[الصافات: 104- 107]؛ وَأَبْقَى سُنَّةَ الأُضْحِيَّةِ تَذْكِيرًا لِلْمُؤْمِنِينَ (وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ)[الصافات: 108- 111].
عباد الله: الأضحية سنَّةٌ مؤَكَّدةٌ يُكْرَهُ لمَن قَدَرَ عليها أَن يتركَها، وإِنَّ ذبحَها لأَفضلُ من الصدقةِ بثمنِها؛ لِمَا فيها من إِحياءِ السُّنَّةِ والأَجرِ العظيمِ ومحبَّةِ اللهِ لهَا، عَنِ البَرَاءِ، قَالَ: خَطَبَنَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ النَّحْرِ، قَالَ: "إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ، فَنَنْحَرَ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ عَجَّلَهُ لِأَهْلِهِ لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ"، فَقَامَ خَالِي أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أُصَلِّيَ وَعِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ؛ قَالَ: "اجْعَلْهَا مَكَانَهَا -أَوْ قَالَ: اذْبَحْهَا- وَلَنْ تَجْزِيَ جَذَعَةٌ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ"(متفق عليه).
وَيُشتَرَطُ في الأَضاحي أنْ تكونَ من بَهيمةِ الأَنعامِ، وَأَنْ تَبلُغَ السِّنَّ المُعتَبَرَ شَرعاً، وَأَنْ تَكُونَ سَالِمَةً مِن العُيوبِ، قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ، وإِنَّهُ لَيَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلَافِهَا، وَإنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللَّهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنَ الأَرْضِ، فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا"(الترمذي وغيره).
والأَصْلُ في الأضحية أَنَّهَا عَن الأَحْيَاءِ، وللإِنسانِ أَن يُشَرِّكَ في ثوابِ أُضْحِيَتِه مَن شاءَ أحياءً وميتين، سواءً كانت شاةً أَم سُبْعَ بَدَنَةٍ أَم سُبْعَ بقرةٍ. ومن كان منكم يحسِنُ الذَّبْحَ بنفسِه فليذبحْ أُضْحِيَتَه بيدِه، فعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: "ضَحَّى النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا"(متفق عليه).
ويقولُ إِذا أَضجعها للذَّبْحِ: بسمِ اللهِ، واللهِ أَكبرُ، اللهم هذا منك ولك، اللهم هذا عني وعن أَهل بيتي.
عبادَ اللهِ: بيَّنَ -سُبحانه- الحكمةَ مِن ذَبحِ الأضَاحِي والهَدايَا بقولِهِ: (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ)[الحج: 37].
قال الشَّيخُ السَّعدِيُّ: "ليسَ المقصودُ منها ذَبْحَهَا فَقَطُ. ولا يَنالُ اللهَ مِن لُحُومِهَا ولا دِمائِهَا شَيءٌ، لِكونِهِ الغَنيُّ الحميدُ، وإنَّما يَنالُهُ الإخلاصُ فيهَا، والاحتِسَابُ، والنِّيَّةُ الصَّالِحةُ، ولهَذا قالَ: (وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ) ففي هذا حَثٌّ وتَرغِيبٌ على الإِخلاصِ في النَّحْرِ، وأنْ يكُونَ القَصدُ وَجهَ اللهِ وحْدَهُ، لا فَخرًا ولا رِياءً، ولا سُمعَةً، ولا مُجرَّدَ عَادةٍ، وهكَذا سَائِرُ العِباداتِ إنْ لم يَقتَرِنْ بها الإِخلاصُ وتَقوى اللهِ، كانتْ كالقُشُورِ الذي لا لُبَّ فيهِ، والجَسَدُ الذي لا رُوحَ فيهِ". اهـ.
ومِنْ أَهمِّ مَقاصدِ الأضحيةِ -أيها المؤمنونَ- تَوحيدُ اللهِ -سُبحانهُ وتعالَى-، وإخلاصُ العبادةِ لهُ وحدَهُ، وذلكَ بذِكْرِهِ وتكبِيرهِ عندَ الذَّبحِ (كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ)[الحج: 37].
واعلموا أَنَّ الأَيَّامَ الثَّلاثةَ المُقْبِلَةَ هي أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، لا يجوزُ صيامُها وهي الَّتي قال فيها النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وشُرْبٍ وذِكْرٍ للهِ"(صحيح مسلم). فأَكثروا في هذا اليومِ وأَيَّامِ التَّشْرِيقِ من ذكرِ اللهِ: بالتكبيرِ والتَّهْلِيلِ والتَّحْمِيدِ في أَدْبَارِ الصلواتِ، وفي جميعِ الأَوقاتِ.
ألا فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- وَحَقَقِّوُا مَعْنَى الْعِيدِ فِي قُلُوبِكُمْ، وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً -أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ- لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. بارك الله لي ولكم...
الخطبةُ الثانية:
اللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ، لا إِلهَ إِلَّا اللهُ، اللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ، وللهِ الحمدُ.
الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً، وَجَعَلَ لِكُلِّ أُمَّةٍ مَنْسَكًا وَأَجَلاً مُسَمًّى، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ سُبْحَانَهُ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ وَأَمْلَاكُهَا، وَالنُّجُومُ وَأَفْلَاكُهَا، وَالأَرْضُ وَسُكَّانُهَا، وَالْبِحَارُ وَحِيتَانُهَا، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ذُو الْوَجْهِ الأَنْوَرِ، وَالْجَبِينِ الأَزْهَرِ، وَالمُشَفَّعُ يَوْمَ الْمَحْشَرِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ دَعَا إِلَى دِينِهِ فَأَنْذَرَ وَبَشَّرَ.
أما بعد: أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّ نُورَ اللهِ -تَعَالَى- وَهُدَاهُ: هُوَ فِي شَرْعِهِ وَدِينِهِ الَّذِي ارْتَضَاهُ، فَبَعَثَ بِهِ رُسُلَهُ، وَأَنْزَلَ بِهِ كُتُبَهُ، وَأَلْزَمَ بِهِ عِبَادَهُ، فَلاَ يَهْتَدِي بِهِ إِلاَّ مَنْ وَفَّقَهُ اللهُ -تَعَالَى- لاِتِّبَاعِهِ، وَأَعَانَهُ عَلَى التَّمَسُّكِ بِهِ (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)[المائدة: 15- 16].
واعلموا أنَّ الإسلامَ لم يطلبْ منكم أَمرًا يَشُقُّ عليكم ولا أَمرًا تَفُوتُ به مصالحُكم؛ بل هو بنفسِه مصالحُ وخيراتٌ، وأَنوارٌ وبركاتٌ، فتمسَّكوا به وأَنتم للهِ مخلصين، ولرسولِه متَّبِعين.
عباد الله: تَجَمَّلُوا فِي الْعِيدِ وَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الطُّهْرِ والنَّقَاءِ، وَزَيِّنُوا قُلُوبَكُمْ بِالتَّقْوَى؛ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، وَأَحْسِنُوا مُعَامَلَةَ الأَهْلِ وَالْجِيرَانِ، وَالأَصْحَابِ وَالإِخْوَانِ وَابْذُلُوا الْمَعْرُوفَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ: أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الأَرْحَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ: تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ"(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ).
تَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ، وَمُرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ. أَقِيموا الصَّلاةَ بفعلِها في أَوقاتِها مع الجماعةِ، فإِنَّ التَّخَلُّفَ عن الجماعةِ من علاماتِ النِّفاقِ، أَدُّوا الصَّلاةَ بطُمَأْنِينةٍ، وَأَكْثِرُوا مِنَ النَّوَافِلِ وَالطَّاعَاتِ، وَتَجَنَّبُوا المُنْكَرَاتِ .
أَيَّتُهَا الْمَرْأَةُ الْمُسْلِمَةُ: اتَّقِي اللهَ -تَعَالَى- فِي نَفْسِكِ، وَفِي حِجَابِكِ وَعَفَافِكِ، وَلاَ تَكُونِي فِتْنَةً لِغَيْرِكِ؛ وكُونِي -أَيَّتُهَا الْكَرِيمَةُ- كَمَا كَانَتْ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُنَّ-، وَكَمَا كَانَتْ خِيَارُ نِسَاءِ هَذِهِ الأُمَّةِ: طُهْراً وَعَفَافاً وَاسْتِقَامَةً عَلَى الدِّينِ، وَطَلَباً لِمَرْضَاةِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ)[النساء: 34].
ثم صلوا ...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم