عناصر الخطبة
1/ الغاية من خلق الخلق 2/ الهوى صنم يعبد من دون الله 3/ قنوات متخصصة في السحر والكهانة 4/ أهمية إقامة الصلاة 5/ الحث على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 6/ المؤامرة على المرأة المسلمة 7/ التحذير من التشبه بالكفار 8/ الفرح بالعيد فيما لا يغضب الله 9/ من أحكام الأضاحياقتباس
إن هناك صنمًا يعبد من دون الله موجود في بيوت كثير من المسلمين، بل موجود في شوارعنا وأسواقنا أفعالنا وأقوالنا إلا ما رحم الله، إنه صنم الهوى، قال سبحانه: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتّخَذَ إِلَـَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلّهُ اللّهُ عَلَىَ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىَ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىَ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللّهِ أَفَلاَ تَذَكّرُونَ). ما اجترحت السيئات إلا اتباعًا للهوى، وما تركت الواجبات إلا خضوعًا للهوى، كم هم الهائمون من شبابنا في سرداب التبعية، تشبهًا بالكفار حذو القذة بالقذة، أليس هذا جرحًا للتوحيد؟!
الخطبة الأولى:
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
الله أكبر خلق الخلق وأحصاهم عددًا، وكلهم آتيه يوم القيامة فردًا، الله أكبر عز ربنا سلطانًا ومجدًا، وتعالى عظمة وحلمًا، عنت الوجوه لعظمته، وخضعت الخلائق لقدرته، الله أكبر ما ذكره الذاكرون، والله أكبر ما هلل المهللون، وكبر المكبرون، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلاً.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ملك فقهر، وتأذن بالزيادة لمن شكر، وتوعد بالعذاب من جحد وكفر، تفرد بالخلق والتدبير وكل شيء عنده مقدر، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، طاهر المظهر والمخبر، وأنصح من دعا إلى الله وبشّر وأنذر، وأفضل من صلى وزكى وصام وحج واعتمر، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا مديدًا وأكثر.
أما بعد:
فأوصيكم -عبادَ الله- بتقوى الله، فإنها سعادةُ الأبرار، وقوامُ حياةِ الأطهار، تمسَّكوا بوثائقها، واعتصموا بحقائقها.
إخوة الإيمان: العقيدة العقيدة، يا أهل العقيدة، فلا دين بلا عقيدة، من أجل العقيدة وترسيخها، بعث الله الرسل، وأنزل الكتب، قال تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ).
عباد الله: السموات رفعت، والأرض بسطت، وخلق الله الخلائق، ونصبت الموازين، والجنة أزلفت، وجهنم أحضرت، والآخرة أعدت، والدنيا كلها أقيمت، لأي شيء؟! لتوحيد الله وإفراده بالعبادة قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنّ وَالإِنسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ)، أي يوحدونه. ولـ"لا إله إلا الله" عقيدة يدين بها المؤمن للواحد الديان، فالخضوع الحقيقي هو عند بابه، واللائذ القوي من لاذ بجنابه، مكث محمد -صلى الله عليه وسلم- بمكة ثلاث عشرة سنة يدعو إلى التوحيد، ثم هاجر إلى المدينة عشر سنوات يبدأ في التوحيد ويعيد، سكرات الموت تعالج روحه الشريفة وهو يصيح في التوحيد، فيمن؟! في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي والصحابة الكرام أسود التوحيد، كل هذا ليبعث رسالة قوية للأمة أن التوحيد هو رأسُها، وهو تاجها، وهو أول وآخر أمرها.
ويا أهل التوحيد: تعالوا معًا نقلّب مواجع واقعنا مع التوحيد، تعالوا لنذرف دمعة على عتبة التوحيد.
إن هناك صنمًا يعبد من دون الله موجود في بيوت كثير من المسلمين، بل موجود في شوارعنا وأسواقنا أفعالنا وأقوالنا إلا ما رحم الله، إنه صنم الهوى، قال سبحانه: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتّخَذَ إِلَـَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلّهُ اللّهُ عَلَىَ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىَ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىَ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللّهِ أَفَلاَ تَذَكّرُونَ).
ما اجترحت السيئات إلا اتباعًا للهوى، وما تركت الواجبات إلا خضوعًا للهوى، كم هم الهائمون من شبابنا في سرداب التبعية، تشبهًا بالكفار حذو القذة بالقذة، أليس هذا جرحًا للتوحيد؟!
كم هي المجالس والبرامج والمسلسلات التي يُستهزأ فيها بدين الله وبأهل الدين، ويجلس أمامها بل ويضحك لها أبناء التوحيد، أليس هذا جرحًا للتوحيد؟!
كم هم المعتدون على شرع الله!! نصبوا أنفسهم في كتاباتهم وأحاديثهم مفتين ومحللين ومحرمين: (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـَذَا حَلاَلٌ وَهَـَذَا حَرَامٌ لّتَفْتَرُواْ عَلَىَ اللّهِ الْكَذِبَ إِنّ الّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَىَ اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)، أليس هذا جرحًا للتوحيد.
حب الكفار وموالاتهم والتشبه بهم أليس هذا جرحًا للتوحيد؟!
ومن آخر ما جرح فيه التوحيد -بل قل: ذبح التوحيد- قنوات فضائية متخصصة في تعليم السحر والكهانة والشعوذة، قنوات لم تكتفِ بصب الشهوات فوق رؤوس المسلمين، بل تصب الآن الكفر الصراح، يخرج فيها ساحر تنهال عليه اتصالات ممن يدعون التوحيد، وفطموا على التوحيد، ودرسوا التوحيد، يسألونه عن علم الغيب وما سيقع لهم مستقبلاً، وتطلب بعض النساء أن يفرق الساحر بين زوجها وأمه، آلاف من الاتصالات يا الله!! لطفك اللهم بنا!! اللهم إنا نبرأ إليك مما فعلوا!!
يا أبناء التوحيد: كيف ينخدع بمثل هذا أبناء التوحيد؟! قال –صلى الله عليه وسلم-: "من أتى كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد –صلى الله عليه وسلم-". وإتيان الكاهن كما يتحقق بالذهاب إليه يتحقق بمشاهدة تلك البرامج الفضائية وتصديقها.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أيها الناس: ومن آكد الأمور بعد التوحيد: إقام الصلاة، فمن أقامها فقد أقام الدين، ومن هدمها فقد هدم الدين، ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، قال تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ)، وقال سبحانه: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ)، احذروا من التهاون بأمر الصلاة، أو التفريط فيها، أو تأخيرها عن وقتها المشروع، فقد جاء الوعيد الشديد، والتهديد الأكيد لمن فعل ذلك، قال تعالى: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ)، وقال تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً)، وويل وغي واديان من أودية جهنم والعياذ بالله.
أيها الناس: مُروا بالمعروف أمرًا رفيقًا، وانهوا عن المنكر نهيًا حليمًا حكيمًا رقيقًا، فالحِسبة قِوام الدين، وبها نالت الأمّة الخيرية على العالمين، هي صمام الأمان في الأمة، فكونوا لها أوفياء، وبأهلها أحفياء، حتى لا تغرقَ سفينة الأمة، احفَظوا أقدارَ العلماء، وصونوا أعراضَ أهلِ الحسبة والدعاة الفُضَلاء، أطيعوا أمرَ من ولاّه الله من أموركم أمرًا، وحذار أن تقربوا من الفتنة شرَرًا ولا جمرًا، وعليكم بالصدق والوفاء بالعهد، والأمانة والحشمة والصيانة، وبرِّ الوالدين وصلةِ الأرحام، تسامحوا تراحموا، تعاطفوا تلاحموا، وكونوا عبادَ الله إخوانًا، احذَروا الغشّ وقولَ الزور والكذب والخيانةَ، فإنها بئست البطانة، واحذروا الربَا والرشوةَ، واجتنبوا المسكِرات والمخدّرات، فإنها من الكبائرِ، وسببُ البلايا والجرائر، وإياكم والنميمةَ والغيبةَ والظلم والبهتان والشائعات والتساهلَ في حقوق العباد؛ فإنها مجلبةٌ لغَضَب الجبار، والذلّةِ والصغار، وحَطِّ الأقدار، بل هي الآثام والأوزار، أجارنا الله وإياكم من ذلك كلِّه، فاجتنبوا المسالكَ المعوجَّة، والطرقَ الملتوِية، واحذروا مخالفةَ الأحكام القرآنيّة، وعليكم بالأوامر الربانية، والتوجيهاتِ النبويّة، والقواعدِ الشرعية، بها ينجو الراعي والرعية.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أيها الناس: هناك حرب ضروس، تجاهد فيها نفوس ونفوس، ما زال أهل البلبلة في كل يوم يخلقون الخلخلة، نعم مازالت حرب العلمنة والنفاق، تنفخ كل يوم أبواقًا وأبواقًا: (كُلّمَآ أَوْقَدُواْ نَاراً لّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ)، مازالت نيرانهم مشتعلة، وحربهم المفتعلة، في أحضان الأعداء ارتموا، وللباسهم لبسوا، بشرع الله استهزؤوا، وبأهل الخير والعلم والفضل شنعوا.
في كتاباتهم كتبوا، وفي حواراتهم جادلوا، وبشبههم دلسوا، على المرأة صاحوا، وعلى حجابها ناحوا، ولفقهنا طعنوا، يذكون نارًا على حساب أخرى تمشيًا مع ظروف الزمان ومعطيات المكان.
أيها الناس: المرأة تلك الجوهرة المكنونة، والياقوتة المصونة، أحاطها الإسلام بسياج منيع، وسد بديع، أوامر ونواهٍ، ومطالب ومناهٍ، حفظ لها كرامتها، وصان عرضها، وأعطاها كامل حقوقها، بعد أن كانت جزءًا من الأثاث، وتركة من الميراث، هكذا هي المرأة في الإسلام، عزيزة أبية، شامخة علية، كفل لها الإسلام مهرها وإرثها، ومنع ظلمها، وحرّم عضلها، فباتت المرأة في أعلى مكانة، وتسنمت أرفع منزلة، وسميت باسمها في القرآن سورة، سورة النساء، تعظيمًا لها وتشريفًا، واحترامًا لها وتقديرًا، فهي مربية الأجيال، ومعدة الأبطال، هذه هي المرأة في الإسلام، ولما أدرك أعداء الإسلام من اليهود والنصارى، والمنافقين والعلمانيين، هذه المكانة العظيمة للمرأة في الإسلام، ودورها الخطير في صلاح الأمة الإسلامية واستقامتها، أو فسادها وضلالها، خططوا لها الخطط، ونصبوا لها الشباك، نادوها إلى الإصلاح -زعموا-، ودعوها إلى التطور والتقدم -كذبوا-، نعم يريدون لها إصلاحًا على نور الغرب ونظرياته، لا على حكمة القرآن وآياته، فضاق المنافقون بالمرأة ذرعًا، واجتهدوا وما آلوا وسعًا، يغتنمون الفرص السانحة، ويندبون الأقلام المأجورة النائحة، لتسويغ الاختلاط وتجويزه، في كتاباتهم كتبوا، بأي شبهة يشبهون؟! وبأي أدلة يشوشون والقرآن والسنة بين أظهرنا؟! ألا فليمحوها من القرآن إن استطاعوا، قال الله تعالى: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنّ)، هذا الخطاب لأطهر الأمة قلوبًا وهم الصحابة -رضي الله عنهم-، وأعف النساء وهن أمهات المؤمنين -رضي الله عنهن-، فكيف بمن دونهم.
وبأي شبهة سيردون عما في البخاري ومسلم من قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إياكم والدخول على النساء"، هذا مجرد الدخول ليس إلا، فكيف بالمكث عندهن والجلوس في ساعات العمل بجوارهن؟!
عباد الله: إن هؤلاء المنافقين قد وجدوا بابًا للاختلاط على الناس، فدخلوا من باب العمل والوظيفة والرزق والمال الذي غرَّ كثيرًا من الناس بريقه، فنادوا المرأة للتمريض في المستشفيات مع الرجال، طلبوها لتعمل في استقبال المستوصفات للرجال والنساء على حد سواء، أو كاشيرات في المولات، دعوها للاجتماعات جنبًا إلى جنب مع الرجال، وما أن تحدث مثل هذه اللقاءات المختلطة حتى تصور وتزف للمجتمع لعل حاجز الحشمة والحياء يسقط أو يتصدع. فاتقوا الله في أعراضكم، واتقوا الله في بناتكم، واعلموا أن سفينتكم مستهدفة، وأن طهارتكم ونقاءكم مستهدف، وماذا والله جنت مجتمعات الاختلاط من الاختلاط إلا الفضائح، وألوان القبائح، بل الآن بعض المدن في أمريكا بعدما ذاقت ويلات الاختلاط تطبق الفصل بين الجنسين في بعض الميادين المختلطة، فلزامًا علينا -أسرًا وبيوتًا ومعلمين ودعاة- أن نبيّن خطورة هذه الأفعال وعواقبها، وإن سكتنا أو عن دورنا تخاذلنا فالنار التي تحرق غيرنا حتمًا ستمتد فتحرق ما تحت أقدامنا، بل ستحرقنا.
أيتها الأخت المسلمة: لا يغرنك ما تشاهدين من مشاهد العري والسفور، ومناظر العهر والفجور، حركات ماجنة، وكلمات محرمة، عبر الفضائيات، وصفحات المجلات، فما هو إلا غزو فكري وعقدي، لإخراجك من بيتك الشامخ الشديد، وقصرك المشيد، وإنه على الأعداء لبعيد، فإياك أن تنخدعي، وتذهبي وراء سراب خادع، وشيطان مخادع، واسمعي لقول الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم- في دعاة التغريب، وأبواق الدعارة، علمانيي الأمة، المنبطحين للغرب، الراضخين لقوانينهم، الراضعين لحضارتهم، فقد جاء في الصحيحين من حديث حذيفة -رضي الله عنه- وفيه: "فهل بعدَ ذلك الخير من شرّ؟! قال: نعم، دُعاةٌ على أبوابِ جهنمَ، مَن أجابهم إليها قَذَفوهُ فيها، قلتُ: يا رسول الله: صِفهم لنا، قال: هم من جِلدَتنا، ويتكلمون بألسنتنا، قلتُ: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟! قال: تَلزمُ جماعة المسلمين وإِمامَهم"، فعلينا التمسك بكتاب الله تعالى، والاقتداء بهدي نبينا وحبيبنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، واتباع العلماء الربانيين، عضوا على ذلك بالنواجذ.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أيها الناس: احذروا خراب البيوت، وهدم المنازل، وحذارِ من مفرق الأسر والأحباب، ومشتت الجماعات والأصحاب، احذروا الفضائيات، فما من شر إلا ولها منه أوفر الحظ والنصيب، وما من فتنة بالمسلمين، إلا وللفضائيات منها كفل من بعيد أو قريب، قال تعالى: (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ).
إن ما أحدثه الشباب والفتيات من تقليعات وقصات، وتشبه بالكفار والكافرات، ما هو إلا نتيجة حتمية وواقعة عين لا مراء فيها على خطورة الفضائيات، سبحان الله العظيم، شباب في عمر الزهور، تركوا مرابطة الثغور، وتشبهوا بذوات الخدور، دعواهم الكبر والغرور، وآخرتهم حسرة وثبور، شباب يتخنثون، وفتيات مترجلات، هذا ما شهدت به الأسواق والطرقات، والجامعات والكليات، وكلا الصنفين ملعون في شريعة الله، كل ذلك بسبب الفضائيات، وتقليد المشاهد الفاضحات، والبعد عن رب البريات، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "لَعَنَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمُخَنَّثِينَ مِنَ الرِّجَالِ، وَالْمُتَرَجِّلَاتِ مِنَ النِّسَاءِ". أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما، فاحذروا غضب الجبار سبحانه، وإياكم وسطوته وعقابه.
بارك الله لي ولكم بالقرآن، ونفعني وإياكم بما فيه من البيان، وأستغفر الله الغفور الرحمن لي ولكم ولسائر الأهل والصحب والإخوان، فاستغفروه هو أهل التقوى والغفران.
الخطبة الثانية:
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
الحمد لله مدبّرِ الأحوال، أحمده سبحانه وأشكره في الحال والمآل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تفرّد بالعظمة والجلال، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله أكرمه الله بأفضل الخصال، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ما دامت الأيام والليال.
أما بعد:
أيها المسلمون: اتقوا الله، واهنَؤوا بعيدكم، والزموا الصلاحَ وأصلحوا، فالعيد يومُ فرَح وسرورٍ، ويومُ ابتهاجٍ وتهانٍ وحبور، يومُ عفوٍ وإحسان لمن عفَا عمّن هفا، وأحسَن لمن أسَاء، يومُ عيدٍ لمن شَغَله عيبُه عن عيوبِ النّاس، فالزَموا حدودَ ربِّكم، وصوموا عن المحارِمِ كلَّ دَهركم، تكُن لكم أعيادٌ في الأرض وأعيادٌ في السماء، ثم اعلموا -يا رعاكم الله- أنه لا عيد لمن عقَّ والدَيه فحُرِم الرّضَا في هذا اليومِ المبارَك السعيد، وليس العيدُ لمن يحسُد الناسَ على ما آتاهم الله من فَضله، وليس العيدُ لخائنٍ غشّاش كذّاب، يسعى بالأذَى والفسادِ، والنميمةِ بين العباد، كيف يسعَد بالعيد من تجمَّلَ بالجديد، وقلبُه على أخيهِ أغلظ من الحديد؟! كيف يفرح بالعيدِ من أضاع أموالَه في الملاهِي المحرَّمة والفسوقِ والفجور، يمنَع حقَّ الفقراء والضعفاء ولا يخشى البعثَ والنشور؟! لا يعرِف من العيدِ إلا المآكلَ والثوبَ الجديد، ولا يفقَه مِن معانيه إلاّ ما اعتاده من العاداتِ والتقاليد، ليس لهم منَ العيد إلا مظاهرُه، وليس لهم من الحظِّ إلا عواثِرُه.
أيها الناس: وهكذا الدنيا تمر، تمضي سريعًا، وتنقضي أيامها جميعًا، ينسى الطائع فيها مشقة الطاعة، لكن أجرها محفوظ في صحيفته، وينسى العاصي لذة المعصية، لكن وزرها مدونٌ في صحيفته: إن يومكم هذا يوم عظيم، هو يوم الحج الأكبر، وهو آخر الأيام المعلومات، وأول الأيام المعدودات، وحُقّ للمؤمن أن يفرحَ ويتهللّ عقِب عشرٍ مباركة عظيمةٍ من شهر ذي الحجَّة، صام فيها وقامَ وتقرب بأنواع القربات، ولهج لسانه بالذكر والدعوات.
يقعُ هذا العيدُ شكرًا لله تعالى على العبادات الواقعة في شهر ذي الحجة.
عباد الله: اعلموا أن من خير أعمالكم في هذا اليوم ذبح الأضاحي، والأضحية مشروعة بكتاب الله وسنة رسوله وإجماع علماء المسلمين، وبها يشارك أهل البلدان حجاج بيت الله الحرام في بعض شعائر الحج؛ فالحجاج يتقربون إلى الله بذبح الهدايا وأهل البلدان، يتقربون إليه بذبح الضحايا، وهذا من رحمة الله بعباده، فضحّوا -أيها المسلمون- عن أنفسكم وعن أهليكم تعبدًا لله تعالى وتقربًا إليه واتباعًا لسنة رسوله.
ويبدأ وقت ذبحها من بعد صلاة العيد إلى غروب شمس آخر أيام التشريق، ومن ذبح قبل الصلاة فهي شاة لحم وليست بأضحية، ولم يصب سنة المسلمين، قال -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ كَانَ ذَبَحَ أُضْحِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ أَوْ نُصَلِّيَ فَلْيَذْبَحْ مَكَانَهَا أُخْرَى، وَمَنْ كَانَ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ بِاسْمِ اللَّهِ". متفق عليه.
والذبح في النهار أفضل ويجوز في الليل.
والواحدة من الغنم تجزئ عن الرجل وأهل بيته، الأحياء والأموات، ومن الخطأ أن يضحي الإنسان عن أمواته من عند نفسه ويترك نفسه وأهله الأحياء. ومن كان عنده وصايا بأضاحي فليعمل بها كما ذكر الموصي، فلا يدخل مع أصحابها أحدًا في ثوابها، ولا يخرج منهم أحدًا، وإن نسي أصحابها فلينوها عن وصية فلان، فيدخل فيها كل من ذكر الموصي.
والسنة أن يذبحها المضحي بنفسه، ومن كان لا يحسن الذبح فليحضر ذبحها، ويسمي المضحي أضحيته فيقول إذا أضجعها للذبح على جنبها الأيسر متجهة إلى القبلة: بسم الله والله أكبر، اللهم هذا منك ولك، وإن كان سيشرك أحدًا فيقول: عني وعن أهل بيتي الأحياء والأموات، أو الأحياء فقط، وإن كان موصى بذبحها فيقول: عن فلان أو فلانة، ويسمي من الأضحية له.
وأما مسح الظهر للأضحية فلا أصل له وليس من السنة.
فاتقوا الله -يا عباد الله-، واقتدوا بالنبي -صلى الله عليه وسلم-. واتقوا الله في هذه البهائم، اذبحوها برفق، وأحدوا السكين، ولا تحدوها وهي تنظر، ولا تذبحوها وأختها تنظر إليها، وأمروا السكين بقوة وسرعة، ولا تلووا يدها وراء عنقها، فإن في ذلك تعذيبًا لها وإيلامًا دون فائدة. ولا تكسروا رقبتها أو تبدؤوا بسلخها قبل تمام موتها، ولا تدفعوا للجزار أجرته منها، واحذروا ذبح من هو تارك للصلاة، وكلوا من الأضاحي وأهدوا وتصدقوا وانبذوا عن أنفسكم الشح والبخل.
وإذا عجزت عن الأضحية فاعلم أن رسول الهدى قد ضحى بكبشين أملحين أقرنين، أحدهما عن نفسه وأهل بيته، والآخر عمن لم يضح من أمته.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيه فقال في محكم التنزيل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً) [الأحزاب:56]، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وارض اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة أجمعين، وعنا معهم بجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا وسائر بلاد المسلمين.
اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم وفق ولاة أمور المسلمين، اللهم وفقهم لهداك، واجعل عملهم في رضاك، وارزقهم البطانة الصالحة التي تدلهم على الخير وتعينهم عليه، واصرف عنهم بطانة السوء يا رب العالمين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم