عناصر الخطبة
1/ حمص مدينةُ خالد بنِ الوليد، من أجمل مدنِ الشام وأوسعِها 2/ الفتح الإسلامي لحمص 3/ حمص في عهد التتار والصليبين 4/ استلمت حمصُ رايةَ الثورة السورية وقادتها 5/ مآسي أهل السنة في حمص وسوريا 6/ لماذا الحديث عن حمص ؟ 7/ بعض الدروس والفوائد من الأهوال التي حلت بحمص وأهلها 8/ واجبنا نحو المستضعفين من أهل الشاماقتباس
لقد انكشف الباطل وتبين لكل ذي عينين أن الحقد الرافضي لم يتغير ولن يزول فما أن ثار أهل السنة ضد الباطل؛ إلا وآزرت النظام النصيري الدولة الصفوية الماكرة والحزب الشيطاني في لبنان الذي خدع زعيمه بعض المسلمين بكلامه وخطبه وبعضِ مواقفه من إسرائيل حتى عده بعض المسلمين المخلص للقضية الفلسطينية.. ولكن يأبى الله إلا أن يظهر حقيقته قال الله تعالى: (وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) فهل نعي هذا الدرس حق الوعي؟!
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ...).
أيها الإخوة: حمص مدينةُ خالد بنِ الوليد، من أجمل مدنِ الشام وأوسعِها، وهي عريقةٌ بعراقة تاريخها الذي يعود إلى القرن الثالث قبل الميلاد، تقع وسَط سوريا الغربي على ضفاف نهر العاصي.. قال القزويني: وهي مدينة حصينة بأرض الشام، أصح بلاد الشام هواءً وتربة، وهي كثيرة المياه والأشجار.. وقال ابن بطوطة حمص: مدينة مليحة، أرجاؤها مونقة، وأشجارها مورقة، وأنهارها متدفقة، وأسواقها فسيحة، وأهل حمص عرب، لهم فضلٌ وكرم..
حمص التي نزل بها بعد فتحها خمسمائة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ووارى ثراها قرابة المائتين منهم كذلك وارى ثراها آلاف التابعين.. فلا عجبَ من بطولةِ أهلِها ونجدتِهم وشجاعتِهم وحميّتهم، فهم أحفادُ خالدَ الذي سُمّي حيُ الخالديّة باسمِه، وعمرو بن معدِ يكرب الذي سُمّي بابا عمرو باسمه، وغيرُهم مئاتٌ من أصحابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن كثير رحمه الله: لما انصرف أبو عبيدة وخالد بن الوليد رضي الله عنه من وقعة فحل قاصدين إلى حمص بعد صدور أمر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في السنة الخامسة عشرة من الهجرة.. ووصل أبو عبيدة في اتباعه الروم المنهزمين إلى حمص، ونزل حولها يحاصرها، ولحقه خالد بن الوليد فحاصروها حصارًا شديدًا، وذلك في زمن البرد الشديد، وصابر أهل البلد رجاء أن تصرف شدة البرد المسلمين عنهم، ولكن الصحابة رضي الله عنه صبروا صبراً عظيماً، ولم يزالوا كذلك حتى انسلخ فصل الشتاء فاشتد المسلمون في حصارهم، وأشار بعض كبار أهل حمص على بعضهم بالمصالحة فأبوا عليهم ذلك وقالوا: أنصالح والملك منا قريب.؟ يعنون هرقل..
فيقال إن الصحابة كبروا في بعض الأيام تكبيرة ارتجت منها المدينة حتى تفطرت منها بعض الجدران، ثم كبروا تكبيرة أخرى فسقطت بعض الدور، فجاء عامتهم إلى خاصتهم فقالوا: ألا تنظرون إلى ما نزل بنا، وما نحن فيه.؟ ألا تصالحون القوم عنا.؟ قال: فصالحوهم على ما صالحوا عليه أهل دمشق. وبعث أبو عبيدة بالأخماس والبشارة إلى عمر مع عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأنزل أبو عبيدة رضي الله عنه بحمص جيشا كثيفا به جماعة من الأمراء، منهم بلال والمقداد وغيرهم رضي الله عنه.
حمص التي تركها التتار ولم يدخلوها، ويروى أن تيمور لانك لما مر بها قال مخاطبا خالد بن الوليد رضي الله عنه المدفون فيها: لقد وهبتها لك هبة بطل لبطل.. أما الصليبيون فلم يدخلوها لعجزهم عن ذلك فقد حاصروها ثم تركوها..
حمص التي لما انطلقت شرارة ثورة الكرامة من أرض حوران، قامت تلبي النداء لم يتخلف حي من أحيائها، من الخالدية وبابا عمرو وباب الدريب وباب السباع وباب هود والإنشاءات وكَرم الزيتون والقصور ودْير بعلبة وتير معلة وباب تدمر والبيضاة.. وأسماء كثيرة من أحيائها أصبحت حديث القاصي والداني في وسائل الإعلام العالمية...
فتعرضت أحياءُ حمصَ لعمليات القصف والحصار والدهم والتدمير للمنازل وقتل للأبرياء والاعتقال للكبار والصغار طيلة الأشهر الماضية. ولم يقتصر هذا البطش على مدينة حمص وحدها بل طال البلدات التابعة لها مثل تلكلخ والرستن وتلبيسة والحولة والقْصيّر.. حتى أصبحت كجسد خالد رضي الله عنه ، ما فيها موضع شبر إلا وفيه ضربة من سيف أو طعنة من رمح أو رمية من سهم. ومع ذلك لم يَثن ذلك أهلها عن الاستمرار بالمطالبة بحريتهم وكرامتهم والحفاظ على حمل الراية.
حمصُ التي استلمت رايةَ الثورة السورية وحملتها فقدمت أكبرَ عدد من القتلى الذين نحسبهم عند الله من الشهداء.. فما أن يعلن عن القتلى كل يوم إلا وتجد لحمص منهم نصيب فقد قدمت ما يزيد على ثلاثة آلاف قتيل من بين اثني عشر ألف قتيل في عموم سوريا... حمص التي تحاصر من شهور وتقصف بأعتى آلة عسكرية من الدبابات والمجنزرات وراجمات الصواريخ والطائرات فلم يدع النظام النصيري الظالم وسيلة من سائل البطش إلا واستخدمها وبكل وحشية يَحْدُوهم حقدهم الدفين على البشرية.. قتل هنا وسلب هناك وهدم هنا وأسر وتعذيب هناك.. ورجم بالصواريخ وقصف بالطائرات.. تتلوها مداهمات الأسير فيها قتيل.. والسعيد فيها الْمُناجز بالقتل.
أيها الإخوة: هالني وكدّر نفسي وأنا أنعم وأهل بيتي كما هو الحال في عموم بلادنا أننا نشرب الماء العذب يتدفق إلى بيوتنا بلا عناء أو تعب.. ونتمتع بوسائل التدفئة التي نريد في جو ليس بالبارد الشديد البرد.. ثم أرى إخواني في سوريا يتلقون الثلج الهاطل من السماء بأوعيتهم ليشربوا الماء النقي في بلاد الفرات والعاصي، وكأن الله أغاثهم بماء الثلج النقي، في حين استغل أزلام النظام النصيري الخبيث هذا الغيث للتعذيب فقد جردوا بعض الشيوخ والأطفال من ثيابهم وألقوهم على الثلج المتراكم إمعاناً بتعذيبهم..
وأغمني وآلمني أن بعض العائلات بدأت بحرق بعض ملابسها للتدفئة أطفالها.. في حين بلغ عدد القتلى ما يزيد على اثني عشر ألف نحسبهم من الشهداء، عدا المعتقلين الذين يزيدون على مائة ألف والذين هم في عداد القتلى لكنه قتل بطيء.. فإنا لله وإنا إليه راجعون.. وحسبنا الله ونعم الوكيل.. نعم لقد ثبت للعالم كله أن حمص الإسلام حمص العروبة أبية بمعتقد أهلها الراسخ فما تسمع إلا التكبير ويا الله مالنا غيرك يا الله ونعم مالنا غيرك يا الله اللهم أنج إخواننا من بطش هذا الظالم وجنده وحق للشاعر أن يقول في حمص:
اخلع حذاءك قبل دَوسِ ترابِها *** فترابُ حِمصٍ من رُفات شَبابِها
قبّل ثَراها باسماً لا تبتَئس *** إنّ الشعوبَ حياتُها بمُصابِها
حمصُ العديّةُ إن وَقفّتَ ببابِها *** سَلّم على أهل الوفاءِ بِسَاحِها
شامٌ بَنَت للعزّ فيها موطنا *** شهدت ملامح نصرِها أبوابها
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين...
الخطبة الثانية:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ...)
أيها الإخوة: حديثنا عن حمص ليس تقليلاً مما قدمته بلاد الشام كلها من جهد وشهداء وتعرض للبطش النصيري الخبيث، وأحسب أن بلاءه عم كل البلاد وفجوره بأهلها ومقدراتهم فاق الخيال؛ لكننا خصصنا حمص كنموذج للبطولة والفداء الذي قام به كل حر في سوريا..
وهنا بعض الدروس والفوائد من هذه المصيبة فما من مصيبة إلا وتحمل في رحمة:
نعم لقد انكشف الباطل وتبين لكل ذي عينين أن الحقد الرافضي لم يتغير ولن يزول فما أن ثار أهل السنة ضد الباطل؛ إلا وآزرت النظام النصيري الدولة الصفوية الماكرة والحزب الشيطاني في لبنان الذي خدع زعيمه بعض المسلمين بكلامه وخطبه وبعضِ مواقفه من إسرائيل حتى عده بعض المسلمين المخلص للقضية الفلسطينية.. ولكن يأبى الله إلا أن يظهر حقيقته قال الله تعالى: (وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) فهل نعي هذا الدرس حق الوعي؟!
أيها الإخوة: لقد قلبت هذه الثورة الشعبية أحوال كثير من الناس ممن كانوا في غفلة وتفريط بالطاعة وتوجهوا للواحد الأحد فصار نشيدهم: يا الله ما لنا غيرك يا الله.. وتعلقوا بالله وحده وهذا من أعظم الفوائد، بل صار الناس يتحدثون عن منزلة الشهيد عند الله تعالى وأن منزلته عظيمة؛ ففي الصحيين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ ".
فيا لها من أمنية كيف انبعثت من هذه القلوب الطاهرة معبرة أبلغ التعبير عن هذا الحب العميق، والشوق الغامر إلى هذا الباب العظيم من أبواب جنات النعيم. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : "لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتُّ خِصَالٍ يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ (أي من دمه) وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَيَأْمَنُ مِنَ الْفَزَعِ الأَكْبَرِ وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ الْيَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الْحُورِ الْعِينِ وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ".. رواه الترمذي وصححه الألباني.
وقال كل واحد حتى أحوز على الشهادة لا بد لي من الاستقامة، وأداءِ الواجبات؛ فتمسكوا وهدوا بفضل الله إلى الصراط المستقيم..
أحبتي: واجبنا نحن هنا.. بفضل الله تزعم قادتنا المطالبة بإسقاط هذا النظام الغاشم في المؤتمرات، وطالبوا بحماية الشعب السوري الأعزل وتبنوا عددًا من القرارات بعضها لا نعلمه ونرجو من الله أن يوفقهم للمزيد من المواقف الإيجابية.. ومن أهمها الأمر بالقنوت شهراً لإخواننا هناك..
أيها الإخوة: إن الألم ليعتصر قلبي وأنا أرى ترك القُنُوت من بعض الأئمة.. نحن لا نستطيع نصرهم بأبداننا ولا بأموالنا أفنبخل عليهم بقنوتنا ودعائنا!!! عجب ثم عجب من حالنا.
والله إن هذا من الحرمان لأنفسنا من التعبد لله بدعائه قبل أن يكون حرمان لإخواننا من أثر دعائنا.. القنوت الذي لم يتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا لعدد قليل من أصاحبه أصابهم ما أصابهم من كيد؛ تأكيدا منه صلى الله عليه وسلم لجانب الأخوة وأهمية الدعاء.. ونحن نرى أمةً بكاملها تذبح وشعباً يزال ومدناً تدك بجيشها..
أما نخاف من العقوبة والعالم يجتمع ويتخذ القرار ثم ينقضها آخرون و..و.. حق علينا أئمة ومأمومين أن نقوم بذلك وعلينا أن نطالب الأئمة الذين يتركون القنوت بأن يقنتوا.. لا يهون علينا الأمر وننسى القضية القنوت يذكيها في نفوسنا ويجعلها تعيش معنا ولعل هذه إحدى حكم الأمر بالقنوت كل وقت كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم .
أما أهل سوريا فقاتلوا في سبيل الله فقتل منهم من قتل، وسيغلب بإذن الله منهم من يمن الله عليه بالبقاء.. المهم أن الجميع قد انتصر وربح قال الله تعالى: (وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً)...
اللهم إنا أشكو إليك ضعف قوتنا، وقلَّة حيلتنا.. وهوانَنا على الناس يا رب العالمين، أنت رب المستضعفين إن لم يكن بك غضبٌ علينا فلا نبالي، ولكن عافيتَك أوسعُ لنا نسألك بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن يحل بنا سخطك أو ينزل علينا عذابك لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا باك..أسعفنا يا الله بقوتك وحولك.. انصر إخواننا في سوريا وجيشهم الحرّ يوم قلّ الناصر.. لا ناصر لهم إلا أنت.. أعلِ رايتهم.. اجمع كلمتهم.. وحَّد صفهم.. سدَّد رميهم.. تقبل شهيدهم.. اشف مريضهم.. آوي مشردهم .. واجبر ثكلاهم وارحم ضعفهم..
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم