عناصر الخطبة
1/ ضرورة فهم العلاقة الزوجية 2/ سوء فهم العلاقة الزوجية 3/ وسائل استصلاح الحياة الزوجية 4/ أثر أقارب الزوجين على العلاقة الزوجيةاقتباس
النكاح رحمة ومودة، وقضاء للوطر، وحفظ للفرج، وإنجاب للولد. وبيت الزوجية الذي تراعى فيه هذه المعاني الشرعية أقرب البيوت استقرارا، وأحراها طمأنينة، وأوثقها ارتباطا، ويعزز هذا الاجتماع، ويقوي أواصره، قيام كل واحد من الزوجين بالحقوق التي...
الخطبة الأولى:
النكاح رحمة ومودة، وقضاء للوطر، وحفظ للفرج، وإنجاب للولد.
وبيت الزوجية الذي تراعى فيه هذه المعاني الشرعية أقرب البيوت استقرارا، وأحراها طمأنينة، وأوثقها ارتباطا، ويعزز هذا الاجتماع، ويقوي أواصره، قيام كل واحد من الزوجين بالحقوق التي أوجبها الله عليه بمقتضى عقد النكاح، دون تبرم ولا ممانعة ولا إخلال، وعندئذ سينعم الزوجان وذريتهما بحياة هادئة، بعيدة عن المشاكل المعقدة، أو الهجر والنشوز، أو احتقان النفوس، أو تتبع العثرات والتجسس وإساءة الظن، أو الشتام والسباب، أو الضرب والقتل.
إن فهم العلاقة الزوجية بصورتها الشرعية التكاملية، التي أعطت كل واحد من الزوجين ماله من الحق، وأوجبت عليه ما للآخر من حق.
إن هذا الفهم وتطبيقه واقعا عمليا، سبب من أسباب دوام الزواج، وحسن ظن كلٍ منهما بالآخر، بل ربما تجاوز إلى الإيثار والمسامحة.
وإن كثيرا من المشاكل الزوجية مردها إلى عدم فهم هذه العلاقة، أو تجريدها من أصولها وقيودها، وتفريغ هذا الاجتماع الخاص من معانيه، والتقصير في أداء الحقوق، سواء من الزوجين أومن أحدهما، حتى إنه ليهول المسلم ويحزنه حين يسمع أن الحياة الزوجية جعلت في بعض المجتمعات عرضا يباع ويشترى، فصودرت خصوصيتها، وسلبت العاطفة منها، فصار بناؤها هشا، والفرقة فاشية، كما أن كثيرا من المشاكل التي تستتبع الفرقة بين الزوجين بطلاق أو فسخ أو خلع، وما يحدث من تعنت الزوجين، وإصراره على عدم القيام بما وجب عليه من حضانة أو نفقة، أو حرمان الولد من رؤية والده، وتربيته على العقوق والقطيعة، والدخول في نفق مظلم من الخصومة والشكاوى التي ربما طال أمدها، وأثرت على نفسية الزوجين وذريتهما، وعطلت كثيرا من المصالح.
وإن استصلاح الحياة الزوجية، واستثمار مخرجاتها ولو بعد فراق الزوجين يكون -بإذن الله- بإدراك الآتي:
أولا: معاشرة كل واحد من الزوجين للآخر بالمعروف، واستصحاب النية الصالحة، والتقرب بهذا لله -تعالى-، استجابة لأمره، واتباعا لشرعه، وتعظيما لحدوده؛ كمال قال تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [البقرة: 228].
وقال: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [النساء: 19].
ثانيا: البعد عن طلب الكمال، وغض الطرف عن بعض ما يصدر من الزوج الآخر، ولا سيما في حال تغير المزاج؛ فإن الكمال عزيز، وعدم مراعاة الظروف والأحوال خلاف الحكمة، قال عليه الصلاة والسلام: "لاَ يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ" [رواه مسلم].
وقد تكون العاقبة الحسنة في إمساك الزوجة مع كراهيتها، كما قال سبحانه: (فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) [النساء: 19].
ثالثا: مقابلة الإساءة بالعفو والإحسان، سبب لندم المخطئ من الزوجين، واستمالةِ قلبه، واستدرار عطفه، وهذه درجة عالية: (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) [فصلت: 35].
رابعا: عند وجود المشكلة فينبغي أن يحرص الزوجان على الصلح؛ فإن الله قال: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) [النساء: 128].
خامسا: عند عدم استقامة الحال والوئام؛ فإن الله قد جعل للزوجين فرجا ومخرجا؛ فيكون التسريح بمعروف، ويكون الظن بالله حسنا؛ كما قال تعالى: (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) [الطلاق: 2 - 3].
وقال: (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا) [النساء: 130].
سادسا: الحرص على عدم الخروج بالمشاكل الزوجية عن محيط الزوجين والمصلحين؛ لئلا تأخذ منحى آخر، يستثمرها المتشفي، ويلوكها السفيه، فتزداد ضراوتها، ويشيع خبرها، ويحضر الشح، وينزغ الشيطان، ويكبر حجم المشكلة، ثم يبدأ كل من الزوجين يستدعي مشاكل وحوادث جرت بينهما، عفى عليها الزمن، وطوتها الليالي والأيام، فيتعسر الإصلاح، ويتقلص الأمل في بقاء عقد الزوجية، وتنهار الأسرة، ويتشتت شملها، ويبقى أثر هذا النزاع ولو بعد الفراق، فلنتدبر قوله تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا) [النساء: 35].
سابعا: استصحاب العفو والفضل في المعاملة عند الفراق؛ كما قال تعالى: (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) [البقرة: 237].
بل السنة أن يعطي الزوج زوجته بعد طلاقها متعة على قدر حاله من مال أو كسوة، أو نحوهما؛ جبرا لخاطرها، وأداء لبعض حقوقها؛ رَوَى الْبُخَارِيُّ في صحيحه أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "تَزَوَّجَ أُمَيْمَةَ بِنْتَ شَرَاحِيلَ، فَلَمَّا أُدْخِلَتْ عَلَيْهِ بَسَطَ يَدَهُ إِلَيْهَا، فَكَأَنَّهَا كَرِهَتْ ذَلِكَ فَأَمَرَ أَبَا أُسَيْدٍ أَنْ يُجَهِّزَهَا وَيَكْسُوَهَا ثَوْبَيْنِ رَازِقِيَّيْنِ".
وقد قال ربنا: (وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) [البقرة: 241].
ثامنا: اجتناب المضارة في الطلاق أو بعده، فلا يؤذي الرجل المرأة لتفتدي منه، ولا تسيئ المرأة العشرة ليطلقها الزوج، وبعد الطلاق يجب على الزوجين أن يؤديا الواجب عليهما في النفقة، وحضانة الولد، وأن لا يكون الطلاق مانعا من أداء ذلك الحق، ومؤديا إلى الإضرار بأحد الزوجين أو الولد؛ كما قال تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ) [البقرة: 233].
وقال: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى * لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) [الطلاق: 6 - 7].
الخطبة الثانية:
إن العلاقة بين الزوجين قد يكون عليها مؤثرات خارجية سلبا أو إيجابا، ولا سيما من الأقرباء والأصدقاء، فمنهم من يجتهد في تفتيت الخلاف بين الزوجين، وتقريب وجهات النظر، وإيجاد المعاذير لكل منها، وإعادة الزوجين إلى بيتهما متصالحين متوافقين، فلنعم ما صنعوا، والبشرى لهم من الله بأجر لا يعلمه إلا هو سبحانه وتعالى: (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء: 114].
ومن الناس من يدفع بالزوجين إلى مزيد من الخصومة، ويوغل في ذكر معايب الزوج الآخر، ويحرض على عدم التنازل والمسامحة، ويخترع الحيل الكاذبة، والقصص المختلقة؛ ممايوسع دائرة الخلاف بين الزوجين، ويخنق الصلح بينهما، وليس هذا من أخلاق المؤمنين، وأين يفر هذا من الوعيد الشديد المذكور الحديث الذي رواه أبو داود مرفوعا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ خَبَّبَ زَوْجَةَ امْرِئٍ، أَوْ مَمْلُوكَهُ، فَلَيْسَ مِنَّا" [رواهُ أَبُو داود].
ألا فليحفظ الزوجان الحقوق، ولا يتعديا الحدود التي حدها الله، فإن الله يقول: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [البقرة: 229].
وليحرص الأولياء ومن اطلع على ما بين الزوجين من المشاكل على الإصلاح وجمع الشمل ما أمكن.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم