عناصر الخطبة
1/الابتلاء بالمرض وبعض فوائده2/حكم عيادة المريض وفضائلها 3/بعض آداب عيادة المريضاقتباس
عيادة المريض تأنيس وتسلية، وتصبير وتقوية، ودعاء ورحمة. الموفق عند زيارته للمريض يلتزم الأدب، ويراعي نفسية المريض، ويحسب ما يقول عنده، وإذا رأى منه رغبة في الرقية عليه فعل، وإذا رأى منه...
الخطبة الأولى:
أما بعد:
فاتقوا الله -عباد الله-: (وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ)[البقرة: 281].
أيها المسلمون: لا يسلم الإنسان في هذه الدنيا من مصائب وعناء ومكابدة وابتلاء، وقد يكون أعظم البلاء فقد الصحة والعافية، فإن الصحة من أعظم النعم، وقد قيل: "الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى"، وفي البخاري: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ".
والبلاء والمرض قد يكون نعمة وهبة لمن يحبهم الله -تعالى-، فقد كان صفوة الخلق -صلوات ربي وسلامه عليه- يبتلى بالأمراض، دخل ابن مسعود -رضي الله عنه- على النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يُوعَك، فقال: يا رسول الله إنك توعك وعكاً شديداً؟ قال: "أجل، إني أوعك كما يوعك الرجلان منكم"(متفق عليه).
والمريض المحتسب ترتفع درجاته وتحط خطاياه: "ما من مسلم يصيبه أذًى من مرض فما سواه إلا حطَّ الله به من سيئاته كما تُحط الشجرة ورقها"(متفق عليه).
المريض المحتسب يزداد إيمانه وتوكله على الله، والتجاؤه إليه، ويكثر دعاؤه وتضرعه، وتنكسر نفسه، فيذهب عنه الكبر والعجب والغفلة والغرور.
المريض المؤمن يعرِّفه المرض قدر نعم الله عليه وقدر كرمه وفضله، وربما كان المرض سبباً لعبرة وتوبة صادقة.
أيها المسلمون: إن دينكم دين المحاسن والمكارم؛ فهذا المريض الذي تغيّرت نفسه، وقلّت حيلته، وامتنع عن الخروج إلى الناس، ومخالطتهم له حق العيادة والزيارة.
عيادة المريض حكمها سنة مؤكدة عند أكثر أهل العلم، وذهب جماعة إلى أنها واجبة على الكفاية، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية.
ولا شك أنها في حق بعض الناس أوجب؛ كالوالدين والأقربين والجيران والأصدقاء، وقد ثبت في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم: أنه قال: "خمس تجب للمسلم على أخيه المسلم" وذكر منها: "عيادة المريض"، وفي لفظ: "حق المسلم على المسلم".
عيادة المريض طريق إلى الجنة، روى مسلم في صحيحه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا عَادَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَرْجِعَ"، وقد قيل: "شبه ما يحوزه العائد من ثواب بما يحوزه الذي يجتني الثمر"، وللترمذي وحسنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ عَادَ مَرِيضًا أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ فِي اللَّهِ نَادَاهُ مُنَادٍ: أَنْ طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ، وَتَبَوَّأْتَ مِنْ الْجَنَّةِ مَنْزِلا".
عيادة المريض دليل رحمة في قلب العائد، لذلك كان جزاؤها رحمة من الله -تعالى- في الحديث: "مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَزَلْ يَخُوضُ فِي الرَّحْمَةِ حَتَّى يَجْلِسَ, فَإِذَا جَلَسَ اغْتَمَسَ فِيهَا".
عيادة المريض سبب لصلاة الملائكة ودعائهم، وقد روى بعض أهل السنن عنه صلى الله عليه وسلم: أنه يصلي على من عاد مريضا سبعون ألف ملك.
عيادة المريض قد تكون سبباً في تقوية المريض وتسليته ورفع معنوياته، ومناعته ومقاومته للمرض خاصة إذا كان العائد لطيفاً قريباً مؤنساً حكيماً في معاملة المريض.
أيها الإخوة المسلمون: عيادة المريض مشروعة ولو كان المريض لا يعلم بزيارته كالمغمى عليه؛ لأن وراء ذلك جبر خاطر أهله، وما يرجى من بركة الدعاء له، بل عيادة المريض تكون للأطفال الصغار، بوب البخاري في صحيحه فقال: "باب عيادة الصبيان"، وأورد فيه عيادته صلى الله عليه وسلم لصبي لأحد بناته، فرفع إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الصبي ونفسه تتقعقع ففاضت عيناه، فقال سعد: يا رسول الله ما هذا؟ فقال: "هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء".
عيادة المريض مشروعة حتى للمرأة الأجنبية أو للرجل الأجنبي إذا تم أمنت الفتنة ولم يكن ثم خلوة، روى مسلم عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لِعُمَرَ -رضي الله عنهم- بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: انْطَلِقْ بِنَا إلَى أُمِّ أَيْمَنَ نَزُورُهَا، كَمَا كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَزُورُهَا, وَذَهَبَا إلَيْهَا.
عيادة المريض مشروعة حتى للكافر، إذا كان قريباً أو جاراً أو ترتب على ذلك مصلحة؛ فقد عاد النبي -صلى الله عليه وسلم- غلاماً يهودياً ودعاه إلى الإسلام فأسلم (رواه البخاري).
نسأل الله أن يرزقنا العفو والعافية، وأن يمتِّعنا بقوانا متاعًا حسَنا.
(وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ)[الأنعام: 17].
الخطبة الثانية:
عيادة المريض لا تتقيد بوقت معين، لكن على العائد أن يختار الوقت المناسب للمريض سواء كان ليلاً أو نهاراً.
كما أن على العائد أن لا يطيل الجلوس عند المريض ولا يكرر عليه الزيارة حتى لا يثقل عليه, وإن كان هذا يختلف باختلاف الأحوال, فبعض الناس يستأنس بهم المريض ويحتاج إلى رؤيتهم كل يوم, فهؤلاء يسن لهم المواصلة، فإن العيادة مأخوذة من المعاودة والتكرار.
عيادة المريض تأنيس وتسلية وتصبير وتقوية، ودعاء ورحمة.
الموفق عند زيارته للمريض يلتزم الأدب، ويراعي نفسية المريض، ويحسب ما يقول عنده، وإذا رأى منه رغبة في الرقية عليه فعل، وإذا رأى منه جزعاً وضجراً ذكره الأجر وبشره بالعافية، وذكره أن المرض قد يكون من الله رحمة وطهارة وكفارة بإذن الله، ولا يكثر عليه، بل يفسح له في أجله، ولقد ثبت في صحيح السنة أنه صلى الله عليه وسلم كان يدعو لمن يعوده بالشفاء، وكان يقول لمن به مرض: "لا بأس، طهور إن شاء الله"(رواه البخاري)، وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم عاد سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- وقال: "اللهم اشف سعداً" ثلاثاً.
وكان -صلى الله عليه وسلم- يعود بعض أهله، ويمسح عليه بيده اليمنى، ويقول: "اللهم رب الناس أذهب البأس، واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما"(متفق عليه).
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم