عناصر الخطبة
1/معنى شهادة أن محمدا رسول الله ومقتضاها 2/نواقض تحقيق شهادة أن محمدا رسول الله 3/مقياس تحقيق شهادة أن محمدا رسول الله.اقتباس
فيجب الإيمان بشريعته -صلى الله عليه وسلم- والانقياد لها: قولًا، وعملًا، واعتقادًا، والقيام الكامل بأركان الإسلام؛ من شهادةٍ، وصلاةٍ، وزكاةٍ، وصيامٍ، وحجٍ، وغير ذلك مما شرع الله على يده -صلى الله عليه وسلم- كالإحسان بأنواعه، ومن...
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصلحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب:70-71]، أما بعد:
أيها المؤمنون: إن أعظم كلمة هي شهادة التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله، ومعنى ذلك أنه لا معبود بحق إلا الله، ولا متبوع بحق إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وسنقف مع حقيقة شهادة أن محمد رسول الله، وكيفية تحقيقها؟ وما هي نواقضها؟.
إن شهادة أن محمداً رسول الله تعني: الإقرار باللسان والقلب بأن محمداً مرسل من ربه؛ أرسله الله -عز وجل- إلى جميع الخلق من أمته؛ فالشهادة الأولى -وهي شهادة أن لا إله إلا الله- فيها إقرار بالتوحيد، والثانية فيها إقرار بالرسالة، "والإيمان به -صلى الله عليه وسلم- هو تصديق نبوته ورسالة الله له، وتصديقه في جميع ما جاء به وما قاله، ومطابقة تصديق القلب بذلك شهادة اللسان بأنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فإذا اجتمع التصديق به بالقلب والنطق بالشهادة بذلك باللسان تم الإيمان به والتصديق له"(القاضي عياض).
معاشر المسلمين: إن حقيقة شهادة أن محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومقتضاها طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع.
فيجب الإيمان بشريعته -صلى الله عليه وسلم- والانقياد لها قولًا، وعملًا، واعتقادًا، والقيام الكامل بأركان الإسلام من شهادةٍ، وصلاةٍ، وزكاةٍ، وصيامٍ، وحجٍ، وغير ذلك مما شرعه الله على يده -صلى الله عليه وسلم- كالإحسان بأنواعه.
ومن الواجبات العظيمة وجوب معرفة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذا هو الأصل الثالث من الأصول الثلاثة التي يجب على كل مسلم معرفتها؛ وهي معرفة العبد ربه، ودينه، ونبيه -صلى الله عليه وسلم- فهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، وهاشم من قريش، وقريش من العرب، والعرب من ذرية إسماعيل بن إبراهيم الخليل -عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم-، وله من العمر ثلاث وستون سنة، منها أربعون قبل النبوة، وثلاث وعشرون نبيًّا ورسولًا.
نُبئ باقرأ، وأرسل بالمدثر، وبلده مكة، وهاجر إلى المدينة، بعثه الله بالنذارة عن الشرك، ويدعو إلى التوحيد، أخذ على هذا عشر سنين يدعو إلى التوحيد، وبعد العشر عُرِجَ به إلى السماء وفرضت عليه الصلوات الخمس، وصلى في مكة ثلاث سنين وبعدها أُمر بالهجرة إلى المدينة، فلما استقر بالمدينة أُمر ببقية شرائع الإسلام مثل: الزكاة، والصلاة، والحج، والجهاد، والأذان، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغير ذلك من شرائع الإسلام، أخذ على هذا عشر سنين وبعدها توفي -صلوات الله وسلامه عليه- ودينه باقٍ، لا خير إلا دل أمته عليه ولا شر إلا حذرها منه، وهو خاتم الأنبياء والمرسلين لا نبي بعده، وقد بعثه الله إلى الناس كافة، وافترض الله طاعته على الجن والإنس فمن أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار.
ومن ذلك: الاعتقاد بأن رسالته عامة إلى عموم الإنس والجن من أمته، وأن رسالته خاتمة الرسالات، قال شيخ الإسلام في (مجموع الفتاوى): "فإنه قد علم بالاضطرار من دين الاسلام أن رسالة محمد بن عبد الله لجميع الناس عربهم وعجمهم وملوكهم وزهادهم وعلمائهم وعامتهم، وأنها باقية دائمة إلى يوم القيامة بل عامة الثقلين الجن والإنس، وأنه ليس لأحد من الخلائق الخروج عن متابعته وطاعته وملازمة ما يشرعه لأمته من الدين وما سنه لهم من فعل المأمورات وترك المحظورات، بل لو كان الأنبياء المتقدمون قبله أحياء لوجب عليهم متابعته ومطاوعته".
وقال ابن كثير -رحمه الله-: "وقد أخبر الله -تبارك وتعالى- في كتابه ورسوله -صلى الله عليه وسلم- في السنة المتواترة عنه أنه لا نبي بعده؛ ليعلموا أن كل من ادعى هذا المقام بعده فهو كذاب أفاك دجال ضال مضل"، قال -تعالى-: (مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا)[الأحزاب:40].
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده لا يسمع بي يهودي ولا نصراني، ثم لم يؤمن بي إلا أكبه الله في النار"(رواه مسلم)، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتاً فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له، ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة قال فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين"(متفق عليه)، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "فضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون"(رواه مسلم).
وأما الإجماع القطعي على ختم الرسالة؛ فلأنه شيء معلوم من الدين بالضرورة بحيث يكفر المخالف في هذا المسألة، وقد نقل هذا الإجماع غير واحد؛ قال شيخ الإسلام كما في (مجموع الفتاوى): "ومحمد -صلى الله عليه وسلم- مبعوث إلى الثقلين باتفاق المسلمين".
وقال شيخ الإسلام: "إن رسالته عامة إلى أهل الأرض من المشركين وأهل الكتاب، وأنه لم يكن مرسلاً إلى بعض الناس دون بعض، وهذا أمر معلوم بالضـرورة والنقل المتواتر والدلائل القطعية"، وقال ابن القيم: "فأجمع المسلمون على أن محمداً -صلى الله عليه وسلم- بعث إلى الجن والإنس".
عباد الله: وهناك نواقض تخرج الإيمان بشهادة أن محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن حقيقته، وتنقل مرتكبها من الإيمان إلى الكفر -والعياذ بالله- منها:
الطعن برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، واعتقادك أنه ليس رسول الله لكنه إنسان عظيم يقع على رأس المئة الأوائل في العالم كله إن لم تعتقد أنه رسول الله، أو أن تطعن في صدقه أو أن تطعن في أمانته، أو أن تطعن في عفته، فأنت لست مؤمناً، قال الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ)[محمد: 32-34].
ومنها: الاستهزاء أو الاستخفاف أو شتم الرسول -صلى الله عليه وسلم-، قال -تعالى-: (قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ* لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ)[التوبة: 65-66].
ومنها: الطعن في أحاديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- الصحيحة أو تكذيبها، قَالَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَأْتِيهِ الْأَمْرُ مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ فَيَقُولُ لَا أَدْرِي مَا وَجَدْنَا فِي كِتَابِ اللَّهِ اتَّبَعْنَاهُ". قال -تعالى-: (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)[الحشر: 7].
عباد الله: ومن هذه النواقض؛ أن تجحد أحد الرسل الذين أرسلهم الله قبل محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن الإيمان بهم واجب، ولأن من أخبر بهم هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فيكون الجحود لأحد من رسل الله تكذيب بصدق رسالة محمد -صلى الله عليه وسلم-، قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً)[النساء: 150-151].
فاقَ النَّبِيِّينَ في خَلْقٍ وفي خُلُقٍ *** وَلَمْ يُدانُوهُ في عِلْمٍ وَلا كَرَمِ
وَكلُّهُمْ مِنْ رَسُولِ اللهِ مُلْتَمِسٌ *** غَرْفاً مِنَ الْبَحْرِ أَوْ رَشْفاً مِنَ الدِّيَمِ
ووَاقِفُونَ لَدَيْهِ عندَ حَدِّهِمِ *** مِنْ نُقْطَة العِلْمِ أَوْ مِنْ شَكْلَةِ الحِكَمِ
فهْوَ الذي تَمَّ معناهُ وصُورَتُه *** ثمَّ اصْطَفَاهُ حَبيباً بارئ النَّسَمِ
ومنها: أن تصفه بما لا يوصف به إلا الله؛ كعلم الغيب، والقدرة على النفع والضر حياً وميتاً؛ فهذا الاعتقاد ينقض الإيمان؛ لأنها صفات لا ينبغي أن تكون إلا لله وحده، قال الله -تعالى-: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ)[النمل: 56].
وقال الله -عز وجل-: (قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلَا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)[الأعراف: 18].
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وأيَّا كم بالذكرِ الحكيم، واستغفر الله لي ولكم إنَّهُ هو الغفورُ الرحيم.
الخطــبة الثانـية:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
أيها المسلمون: إن مقياس الصدق والإخلاص في تحقيق شهادة أن محمداً رسول الله هو اتباعه -عليه السلام- في جزئيات الشريعة وكلياتها؛ في منهجه في الحكم والإدارة، والسياسة والاقتصاد، والتربية والتعليم، والبيت والأسرة، والشارع والسوق، وفي العبادة والطاعة والمعا لمة والأخلاق، (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا)[النساء:65]، (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا)[الحشر: 7]، (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُّبِينًا)[الأحزاب: 36].
وعلينا تحصيل معرفته -صلى الله عليه وسلم- بدراسة حياته، وما كان عليه من العبادة والأخلاق الجميلة، والدعوة إلى الله -عز وجل-، والجهاد في سبيل الله -تعالى-، وغير ذلك من جوانب حياته -صلى الله عليه وسلم-.
فينبغي لكل مسلم يريد أن يزداد معرفة بنبيه وإيمانًا به؛ أن يطالع من سيرته ما تيَسَّرَ في حربه وسلمه، وشدته ورخائه، وسفره وإقامته، وجميع أحواله.
نسأل الله -عز وجل- أن يجعلنا من المتبعين لرسوله -صلى الله عليه وسلم- باطنًا وظاهرًا، وأن يثبتنا على ذلك حتى نلقاه وهو راض عنّا.
هذا وصلوا وسلموا على أمرتم بالصلاة والسلام عليه، قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصلونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صلوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم