عناصر الخطبة
1/ وجوب التآخي بين المؤمنين 2/ التشبيه النبوي للمؤمنين في تراحمهم بالجسد الواحد 3/ سماتُ المؤمن الحق 4/ بكاءٌ على ما آلت إليه أخوّة المسلمين 5/حقيقة الأخوّة الصادقةاقتباس
الأُخُوَّةُ في اللهِ -تعالى- وَشِيجَةٌ بَيْنَ المُؤْمِنِينَ، وَصِلَةٌ بَيْنَ عِبَادِ اللهِ -تعالى- المُتَّقِينَ، تَجْمَعُ القُلُوبَ عَلَى طَاعَةِ اللهِ -تعالى-، وَتُؤَلِّفُ بَيْنَ الأَفْئِدَةِ في سَبِيلِ مَرْضَاةِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَهِيَ أَوْثَقُ عُرَى الإِيمَانِ، فَمَا آمَنَ عَبْدٌ بِاللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- إِلَّا أَحَبَّ أَحْبَابَ اللهِ -تعالى-، وَاتَّجَهَ قَلْبُهُ لِمَحَبَّةِ إِخْوَانِهِ في اللهِ -تعالى-..
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فَيَا عِبَادَ اللهِ، الأُخُوَّةُ في اللهِ -تعالى- وَاجِبَةٌ لِكُلِّ مَنِ انْتَسَبَ إلى هَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ، وَكَانَ صَادِقَاً في هَذَا الانْتِسَابِ؛ لِقَوْلِهِ -تعالى-: (إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات:10].
الرَّوَابِطُ بَيْنَ المُسْلِمِينَ رَوَابِطُ قَوِيَّةٌ؛ لِأَنَّ رَبَّهُمْ وَاحِدٌ، وَنَبيَّهُمْ وَاحِدٌ، وَكِتَابَهُمْ وَاحِدٌ، يُصَلُّونَ لِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ، وَيَصُومُونَ شَهْرَاً وَاحِدَاً، وَقَدْ شَبَّهَهُمْ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- بِقَوْلِهِ: "مَثَلُ المُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى" رواه الإمام مسلم عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-.
تَشْبِيهٌ رَائِعٌ، حَيْثُ جَعَلَ المُؤْمِنِينَ كَالجَسَدِ الوَاحِدِ، وَالجَسَدُ الوَاحِدُ خَلَايَاهُ كُلُّهَا مُتَرَابِطَةٌ مُتَمَاسِكَةٌ فِيمَا بَيْنَهَا مِنْ قِمَّةِ رَأْسِ الإِنْسَانِ إلى أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ، فَإِذَا شِيكَ الإِنْسَانُ بِشَوْكَةٍ في قَدَمِهِ شَعَرَ بِهَا رَأْسُهُ.
يَا عِبَادَ اللهِ: المُؤْمِنُونَ تَجْمَعُهُمْ أُخُوَّةٌ حَقِيقِيَّةٌ إِذَا الْتَزَمُوا دِينَ اللهِ -تعالى-، أَمَّا إِذَا ادَّعَوُا الإِيمَانَ، ثُمَّ أَكَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضَاً، وَطَعَنَ بَعْضُهُمْ بَعْضَاً، وَجَرَحَ بَعْضُهُمْ بَعْضَاً، وَسَفَكَ بَعْضُهُمْ دِمَاءَ بَعْضٍ، فَأَيُّ ادِّعَاءٍ هَذَا؟.
يَا عِبَادَ اللهِ: مِنْ خِلَالِ قَوْلِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-: "الدِّينُ النَّصِيحَةُ". قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: "للهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ" رواه الإمام مسلم عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. أَقُولُ: يَا عِبَادَ اللهِ، المُؤْمِنُ لَيْسَ بِمُغْتَابٍ، وَلَيْسَ بِنَمَّامٍ، وَلَيْسَ بِآكِلٍ للحَرَامِ، وَلَيْسَ بِالطَعَّانِ وَلَا الفَحَّاشِ، وَلَيْسَ بِسَافِكٍ للدِّمَاءِ البَرِيئَةِ، وَلَيْسَ بِقَاطِعٍ للأَرْحَامِ، وَلَيْسَ بِفَتَّان.
الإِنْسَانُ المُؤْمِنُ هُوَ مَنْ يَذْكُرُ الآخَرِينَ بِخَيْرٍ، هُوَ الصَّالِحُ المُصْلِحُ، هُوَ البَعِيدُ عَنِ الشُّبُهَاتِ فَضلَاً عَنِ الحَرَامِ، هُوَ الذي يَقُولُ للنَّاسِ حُسْنَاً، هُوَ الآمِرُ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّاهِي عَنِ المُنْكَرِ، مَعَ السَّتْرِ وَالذَّبِّ عَنِ إِخَوَانِهِ المُؤْمِنِينَ.
يَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ الأُخُوَّةَ بَيْنَ المُؤْمِنِينَ في هَذِهِ الأَيَّامِ تُذْبَحُ ذَبْحَ النِّعَاجِ، وَتُهْدَرُ دِمَاؤُهَا بِدُونِ شَفَقَةٍ وَلَا رَحْمَةٍ، وَرُبَّمَا أَنْ يُلَاقِيَ المُسْلِمُونَ مِنْ بَعْضِهِمْ أَشَدَّ مِمَّا يُلَاقِيهِ الكُفَّارُ مِنَ المُسْلِمِينَ، أَو أَشَدَّ مِمَّا يُلَاقِيهِ المُسْلِمُونَ مِنَ الكُفَّارِ!.
يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نُرَاجِعَ أَنْفُسَنَا، وَأَنْ نُحْسِنَ التَّعَامُلَ فِيمَا بَيْنَنَا، وَأَنْ نُعْطِيَ الصُّورَةَ الحَسَنَةَ عَنْ إِسْلَامِنَا؛ لِأَنَّ أَعْدَاءَ الأُمَّةِ اليَوْمَ لَا يَنْظُرُونَ إلى القُرْآنِ الكَرِيمِ أَنَّهُ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ -تعالى-، وَلَا يَنْظُرُونَ في حَدِيثِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- وَسِيرَتِهِ، بَلْ يَنْظُرُونَ إلى المُسْلِمِينَ ثُمَّ يَقُولُونَ زُورَاً وَبُهْتَانَاً وَكَذِبَاً: هَذَا هُوَ الإِسْلَامُ!.
فَالحَذَرَ الحَذَرَ مِنْ إِعْطَاءِ الصُّورَةِ القَبِيحَةِ عَنْ دِينِنَا! وَلْيَذْكُرْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-: "كُلُّ رَجُلٍ مِنَ المُسْلِمِينَ عَلَى ثَغْرَةٍ مِنْ ثُغَرِ الْإِسْلَامِ، اللهَ اللهَ! لَا يُؤْتَى الْإِسْلَامُ مِنْ قِبَلِكَ" رواه المروزي عَنْ يَزِيدَ بْنِ مَرْثَدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.
يَا عِبَادَ اللهِ: الأُخُوَّةُ في اللهِ -تعالى- اليَوْمَ صَارَتْ نَادِرَةً في زَمَانِنَا هَذَا، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ! أَيْنَ نَحْنُ مِنْ قَوْلِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-: "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ"؟ رواه الشيخان عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. أَيْنَ نَحْنُ مِنْ تَحْذِيرِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- القَائِلِ: "لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارَاً، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ"؟ رواه الشيخان عَنْ جَرِيرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. هَلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا يُحِبُّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ، أَمْ أَنَّهُ يُخَطِّطُ لِدَمَارِهِ وَهَلَاكِهِ وَإِتْلَافِهِ؟.
لَقَدْ صَارَتِ الأُخُوَّةُ بَيْنَ المُؤْمِنِينَ جَوْفَاءَ فَارِغَةً، نَتَشَدَّقُ بِهَا تَشَدُّقَاً، وَلَو وُضِعْنَا عَلَى المِحَكِّ الحَقِيقِيِّ لَوَجَدْنَاهَا أُخُوَّةً جَوْفَاءَ لَا أَثَرَ لَهَا، في الوَاقِعِ ظُلْمٌ وَعُدْوَانٌ وَأَثَرَةٌ، عِوَضَاً مِنَ الإِيثَارِ الذي تَحَلَّى بِهِ أَسْلَافُنَا -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-.
يَا عِبَادَ اللهِ: الأُخُوَّةُ في اللهِ -تعالى- وَشِيجَةٌ بَيْنَ المُؤْمِنِينَ، وَصِلَةٌ بَيْنَ عِبَادِ اللهِ -تعالى- المُتَّقِينَ، تَجْمَعُ القُلُوبَ عَلَى طَاعَةِ اللهِ -تعالى-، وَتُؤَلِّفُ بَيْنَ الأَفْئِدَةِ في سَبِيلِ مَرْضَاةِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَهِيَ أَوْثَقُ عُرَى الإِيمَانِ، فَمَا آمَنَ عَبْدٌ بِاللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- إِلَّا أَحَبَّ أَحْبَابَ اللهِ -تعالى-، وَاتَّجَهَ قَلْبُهُ لِمَحَبَّةِ إِخْوَانِهِ في اللهِ -تعالى-.
وَلِذَلِكَ؛ بَيَّنَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- حَقِيقَةَ هَذِهِ الأُخُوَّةِ الصَّادِقَةِ بِقَوْلِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-: "ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلَّا للهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ" رواه الإمام البخاري عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.
اللَّهُمَّ أَكْرِمْنَا بِصِدْقِ الأُخُوَّةِ في اللهِ -تعالى-. آمين.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم