عناصر الخطبة
1/ فضائل النبي -صلى الله عليه وسلم- 2/ وجوب الإيمان بالنبي -صلى الله عليه وسلم- ومحبته وطاعته ونصرته 3/ أهمية الأدب مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ودراسة سيرته والصلاة عليهاقتباس
بل قد كانت الجماداتُ تحبّه -صلى الله عليه وسلم-؛ فهذا جبلُ أحدٍ قال عنه -صلى الله عليه وسلم-: “يُحبُّنا ونُحبُّه”، وجِذع النخلة الذي تَرك -صلى الله عليه وسلم- الوقوف...
الخُطْبَةُ الأُوْلَى:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ: خَلَقَ الله الخلْقَ لِحكمةٍ عظيمة، وهي أن يعبدوه وحده، ثم لم يتركْهم سُدًى، بل هداهُم إلى ما يريدُه منهُم بِأن أرسَل إليهم رُسُلًا، يدلّونهم عليه، وكانَ آخرُهم وخيرتُهم محمدًا -صلى الله عليه وسلم-، فكانت حاجتُهم إليه أعظمَ من حاجتِهم إلى الطعامِ والشرابِ والهواء، لأنه سببُ معرفتِهِمُ الغايةَ التي خُلقوا لأجلها.
وقد فضّل الله تعالى هذا الرسول على سائر الرسل الكرام، فهو خاتَمُهُم وسيّدُهم وأشرفُ الخلق أجمعين. وما من نبيٍّ إلا بشّر به قومَه: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ).
أرسله الله تعالى إلى جميعِ الناس، وهو صاحبُ الشفاعةِ العُظمَى التي يحتَاجُ إليه فيها كلُّ الخلقِ يومَ القيامة. وهو -صلى الله عليه وسلم- أكثرُ الأنبياءِ يومئذٍ تابعًا. وهو الرَّحمةُ المهداةُ للعالمَين: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ).
أجهدَ نفسَه -صلى الله عليه وسلم- وبذلَ مُهجتَه في هِدايةِ الخلق، شفَقَةً عليهم، ورَحمةً بهِم، وأسَفًا على حَالِـهم، حتّى قال الله له: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا)، فكان ذلك مصداقًا لقوله تعالى عنه: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ).
عباد الله: إن لهذا الرسولِ الكريمِ علينا حقوقًا عظيمة:
فأولها: الإيمانُ به -صلى الله عليه وسلم-، وهو مضمونُ شهادةِ أنّ محمّدًا رسولُ الله. ويَدخُلُ في ذلك: تصديقُه في نبوتِه، وفي كلِّ ما يُخبِرُ به، وألا نُعارِضَ ذلك بالأفكارِ والآراءِ. قال تعالى: (قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ).
فإذا صحّ الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بحكم أئمة الحديث وجب علينا تصديقه، ممتثلين قول الصديق -رضي الله عنه-: “إن كان قال ذلك فقد صدق”.
ثانيها: محبّته -صلى الله عليه وسلم-: وكيف لا نحبّه وهو حبيبُ الرحمنِ وخليلُه؟ كيف لا نحبّه وهو الذي هدانا الله به فجعله سببًا لسعادتِنا في الدنيا ونجاتِنا من النارِ في الآخرة؟ وكيف لا نحبّه وهو الذي كَمُلَت صفاتُه وعَظُمَت شمائلُه؟ سُئل عليُّ بنُ أبي طالب -رضي الله عنه-: كيف كان حبُّكم للنبي -صلى الله عليه وسلم-؟ فقال: “واللهِ كانَ أحبَّ إلينا من أموالِنا وأولادِنا، وآبائِنا وأمّهاتِنا، ومن الماءِ الباردِ على الظمأ”.
بل قد كانت الجماداتُ تحبّه -صلى الله عليه وسلم-؛ فهذا جبلُ أحدٍ قال عنه -صلى الله عليه وسلم-: “يُحبُّنا ونُحبُّه”، وجِذع النخلة الذي تَرك -صلى الله عليه وسلم- الوقوف عليها لأجل الوقوف على المنبر: جاء في البخاري: فصاحَتِ النخلةُ صِياحَ الصبيّ، ثم نزل النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- فضمَّه إليه، يَئِنُّ أنينَ الصبيّ الذي يُسكَّن، قال -صلى الله عليه وسلم-: “كانت تبكي على ما كانت تسمعُ من الذكرِ عندها”. وكان الحسنُ البصريُّ إذا حدّث بهذا الحديث، بكى، ثم قال: يا عباد الله! الخشبةُ تَحِنُّ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شوقًا إليه، فأنتم أحقُّ أن تشتاقُوا إلى لقائِه.
ومَن أَحبَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- أَحبَّ ما يحبُّه من الأعمال والأشخاص، وأَبغَضَ من عاداه -صلى الله عليه وسلم- من الطوائف والأشخاص.
نُعادِي الذي عادى من النّاسِ كلِّهِم *** جميعًا وإن كان الحبِيبَ المُصافِيا
ثالثُ الحقوق: طاعتُه -صلى الله عليه وسلم- فيما يأمر به. وذلك أنّ طاعتَه من طاعةِ الله، فإنه هو مُرسلُه وباعثُه إلى الناس، قال تعالى: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ). وليس للمؤمن خيارٌ في ترك طاعته، بل هو أمرٌ مُلزِم لا مناصَ عنه، (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا)، وقال تعالى: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).
رابعها: لُزُومُ سنتِه -صلى الله عليه وسلم- بألا يُعبد اللهُ إلا بما شرع.
فإنه القائل -صلى الله عليه وسلم-: “إيّاكم ومُحدثاتِ الأمور، فإنها ضلالة، فمن أدرك ذلك منكم فعليكم بِسنّتي وسنةِ الخلفاءِ الراشدين المهديّين، عَضّوا عليها بالنواجِذ”(أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه، وهو صحيح).
فالإحداثُ في الدينِ تنقّصٌ للنبي -صلى الله عليه وسلم-، واتهامٌ له بالتقصير في أداء الرّسالة.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعَنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ: ومن حقوقِه -صلى الله عليه وسلم- علينا: نصرتُه وتعزيرُه. قال تعالى: (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ)، وقال جلّ شأنه: (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ومعنى تعزيرِ الرسول: نَصرُه وحمايتُه.
ومن حقوقه: توقيرُه وتعظيمُه -صلى الله عليه وسلم-: (لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) والتوقيرُ هو التعظيمُ والإجلال. ومِن ذلك ما أمرَ الله به في قوله: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ).
وكانَ أصحابُه -رضي الله عنهم- أشدَّ الناس أدبًا معه -صلى الله عليه وسلم-، كما روى أحمدُ عن أسامةَ بن شَرِيك قال: أتيتُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- وإذا أصحابه كأنّما على رؤوسهم الطير.
ومن حقوقه -صلى الله عليه وسلم-: إدراكُ أنه عبدٌ لله، وعدمُ الغلوِّ في حقه -صلى الله عليه وسلم-، كما في البخاري عن عمرَ -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: “لا تُطْرُوني كما أَطْرَتِ النصارى ابنَ مريم، فإنما أنا عبدُه فقولوا: عبدُ اللهِ ورسولُه”.
ومن حقوقه -صلى الله عليه وسلم-: دراسةُ سيرتِه، وتعلُّمُ شريعتِه، والجلوسُ لسماعِ سُنّتِه، وتعظيمُ حديثِه وهديِه وكلامِه.
ومن حقوقه -صلى الله عليه وسلم- لا سيّما في هذا اليوم -يومِ الجمعة-: الصلاةُ والسلامُ عليه. قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
فاللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ وبَارِكْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَالأَئِمَّةِ المَهْدِيِّينَ: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ.
اللهم أعنّا ولا تُعن علينا، وانصُرنا ولا تنصر علينا، وامكر لنا ولا تمكر علينا، واهدنا ويسّر الهدى لنا، وانصرنا على من بغى علينا، اللهم وفّق وليّ أمرنا لِمَا تُحِبُّ وترضى، وخُذ بناصيته للبِرِّ والتقوى.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله: اذكروا الله ذكرا كثيرًا، وسبّحوه بكرة وأصيلًا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم