عناصر الخطبة
1/ عظمة منزلة النبي صلى الله عليه وسلم عند ربه 2/ حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته 3/ جهل كثير من الناس بحقوق النبي صلى الله عليه وسلم 4/ الناس في حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على طرفي نقيض 5/ الحقوق الواجبة للنبي صلى الله عليه وسلم على كل فرد من أفراد الأمة عشرة حقوق 6/ حكم سبّ أو الاستهزاء بشيء من الديناقتباس
من أهم حقوق النبي صلى الله عليه وسلم: اتباع سنته، والدعوة إليها، ونشرها بين الناس والدفاع عنها، وهذا لا يتأتى إلا بمعرفة سنته صلى الله عليه وسلم ودراستها ونشرها بين الناس؛ وذلك عن طريق تطبيقها عمليًّا في سائر جوانب الحياة، فالأب يتعلمها ويعلّمها لأولاده وأسرته، والمعلم يعلّمها لتلاميذه، وكذا المعلمة، والإمام يعلمها لجماعة مسجده، والعلماء يؤلفون فيها، وأهل الصحافة والإعلام ينشرونها على الوجه الصحيح عبر وسائلهم، ومن المهم الدفاع عنها..
أما بعد:
فيا أيها الناس: اتقوا الله جل في علاه، واقدروه حق قدره، وأعطوا كل ذي حق حقه، فإن ذلك من العدل الذي أمر الله به، ولا تبخسوا الناس أشياءهم، ولا تعثوا في الأرض مفسدين.
أيها الأحبة: لقد كان الحديث في خطبتين مضتا عن معجزات النبي صلى الله عليه وسلم ولقد آن الأوان أن نتحدث عن حقوق رسولنا الكريم الذي ما من خير إلا ودل الأمة عليه، ولا شر إلا وحذرها منه، الذي أخرجنا الله به من الظلمات إلى النور، الذي هو أرحم بنا من أمهاتنا وآبائنا.
ولما كانت منزلة النبي صلى الله عليه وسلم عند ربه بهذه المرتبة، وكانت حاجة الناس إليه بهذه الدرجة، فقد أوجب الله لنبيه صلى الله عليه وسلم على هذه الأمةِ جملةً من الحقوق والواجبات تنظم العلاقة التي تربطهم به تنظيمًا دقيقًا لا لبس فيه ولا اشتباه.
وهذه الحقوق منها ما يتصل بجانب الرسالة التي بُعث بها، ومنها ما يتعلق خاصة بشخص الرسول صلى الله عليه وسلم تفضيلاً وتكريمًا من الله له.
وقد وردت في شأن تلك الحقوق نصوص كثيرة في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وضَّحت وفصَّلت وبيَّنت جوانب تلك الحقوق.
وهذه الحقوق في جملتها هي الأصل الثاني من أصلي الدين كما يدل عليه قولنا: "أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله".
ولذا فقد كان لزامًا على كل من ينطق بهذه الشهادة، ويدين الله بهذا الدين أن يحيط بتلك الحقوق معرفةً، ويلتزم بها اعتقادًا وقولاً وعملاً، فذلك عقد من عقود الإيمان الذي لا يحصل إيمان العبد إلا به.
ومما يؤسف له أن كثيرًا من المسلمين اليوم هم على درجة كبيرة من الجهل بهذه الحقوق فتراهم لذلك على طرفي نقيض في هذا المقام:
- فإما مقصّر عن القيام بهذه الحقوق التي أوجبها الله على الأمة، فتراه لا يقيم لها وزنًا ولا يلقي لها بالاً.
- وإما غالٍ مبتدع متنكب عن طريق الاعتدال، منكبّ على ما ابتدعه، يظن أنه بما يفعله من أمور مبتدعة في هذا المقام قد أحسن صنعًا، وأنه مؤدٍ لما أوجبه الله من حق لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وكلا الطرفين حال صاحبها مذموم غير محمود. فلما كان عامة أصحاب هذين الطرفين إنما أوقعهم فيما هم فيه جهلهم بمعرفة تلك الحقوق على الوجه المطلوب شرعًا، صار لزامًا معرفة تلك الحقوق ومعرفة السبيل في تطبيقها.
فإن الحقوق الواجبة للنبي صلى الله عليه وسلم على كل فرد من أفراد هذه الأمة عشرة وهي كالآتي:
«الإيمان به، محبته، طاعته، متابعته، الاقتداء به، توقيره، تعظيم شأنه، وجوب النصح له، محبة آل بيته ومحبة أصحابه، الصلاة عليه».
فالإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم أول الحقوق الواجبة على المسلم.
والإيمان بالرسول: هو تصديقه وطاعته واتباع شريعته.
وهذه الأمور هي الركائز التي يقوم عليها الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم، وبيان هذه الأمور مطلوبة عند الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم.
أما تصديقه صلى الله عليه وسلم فيتعلق به أمران عظيمان: أحدهما: إثبات نبوته وصدقه فيما بلّغه عن الله، وهذا مختص به صلى الله عليه وسلم.
ويندرج تحت هذا الإثبات والتصديق عدة أمور منها:
الإيمان بعموم رسالته إلى كافة الثقلين إنسهم وجنهم، والإيمان بكونه خاتم النبيين، ورسالته خاتمة الرسالات، والإيمان بكون رسالته ناسخة لما قبلها من الشرائع، والإيمان بأنه صلى الله عليه وسلم قد بلّغ الرسالة، وأكملها، وأدى الأمانة ونصح لأمته حتى تركهم على البيضاء ليلها كنهارها.
والإيمان بعصمته صلى الله عليه وسلم، والإيمان بما له من حقوق خلاف ما تقدم ذكره كمحبته وتعظيمه صلى الله عليه وسلم.
ثانيهما: "تصديقه فيما جاء به، وأن ما جاء به من عند الله حق يجب اتباعه. وهذا يجب عليه صلى الله عليه وسلم وعلى كل أحد".
فيجب تصديق النبي صلى الله عليه وسلم في جميع ما أخبر به عن الله عز وجل، من أنباء ما قد سبق، وأخبار ما سيأتي، وفيما أحل من حلال، وحرّم من حرام، والإيمان بأن ذلك كله من عند الله عز وجل، قال تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى) [النجم: 3- 4].
ومن حقوقه الواجبة طاعته واتباع شريعته: فإن الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم كما يتضمن تصديقه فيما جاء به فهو يتضمن كذلك العزم على العمل بما جاء به، وهذه هي الركيزة الثانية من ركائز الإيمان به صلى الله عليه وسلم.
وهي تعني: الانقياد له صلى الله عليه وسلم وذلك بفعل ما أمر به، واجتناب ما نهى عنه وزجر؛ امتثالاً لقوله تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) [الحشر: 7]، فيجب على الخلق اتباع شريعته والالتزام بسنته مع الرضا بما قضاه والتسليم له، والاعتقاد الجازم أن طاعته هي طاعة لله، وأن معصيته معصية لله؛ لأنه هو الواسطة بين الله وبين الثقلين في التبليغ.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "يجب على الخلق الإقرارُ بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، فما جاء به القرآن العزيز أو السنة المعلومة وجب على الخلق الإقرار به جملةً وتفصيلاً عند أهل العلم بالتفصيل، فلا يكون الرجل مؤمنًا حتى يقر بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وهو تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، فمن شهد أنه رسول الله شهد أنه صادق فيما يخبر به عن الله تعالى، فإن هذا حقيقة الشهادة بالرسالة"، لما كان الإيمان به صلى الله عليه وسلم يعني تصديقه وتصديق ما جاء به صلى الله عليه وسلم، والانقياد له، فإن الطعن في أحد هذين الأمرين ينافي الإيمان ويناقضه.
اللهم صلّ على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، واجعلنا من أهله وحزبه المفلحين في الدنيا والآخرة...
الخطبة الثانية:
الحمد لله...
أما بعد: فيا أيها الناس: كلما عظمت منزلة النبي كلما زادت حقوقه، ونبينا أفضل الخلق على الإطلاق، ولذا كانت حقوقه عظيمة، ومن وفَّى بها، كان له الأجر الجزيل على ذلك. ولا يزال الحديث موصولاً عن حقوق نبينا محمد عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم
معاشر المسلمين: إن من أهم حقوق النبي صلى الله عليه وسلم هو اتباع سنته، والدعوة إليها، ونشرها بين الناس والدفاع عنها، وهذا لا يتأتى إلا بمعرفة سنته صلى الله عليه وسلم ودراستها ونشرها بين الناس؛ وذلك عن طريق تطبيقها عمليًّا في سائر جوانب الحياة، فالأب يتعلمها ويعلّمها لأولاده وأسرته، والمعلم يعلّمها لتلاميذه، وكذا المعلمة، والإمام يعلمها لجماعة مسجده، والعلماء يؤلفون فيها، وأهل الصحافة والإعلام ينشرونها على الوجه الصحيح عبر وسائلهم، ومن المهم الدفاع عنها، ويتلخص هذا في الذبّ عنها كل ما يضادها أو ينقص من قدرها، وذلك كالأحاديث الضعيفة المنسوبة للنبي صلى الله عليه وسلم والبدع من الأقوال والأعمال التي تنسب إلى سنته صلى الله عليه وسلم وهو منها براء.
ومن الدفاع عن سنته: نشر سيرته عليه الصلاة والسلام بين الناس كلهم: مسلمهم كافرهم، عربهم وعجمهم.
ومن الدفاع عن السنة: الدفاع عن أهلها الذين يتمسكون بها؛ لأن سبهم سبّ لها، فكم ألصق في أهل السنة من تهمة هم منها براء، وكم لُقِّبوا بلقب، فكان لامزهم أحق أن يلقب به.
ونحن في زمن تسلط فيه الكفار من جميع الملل بالوقوع في نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم، وذلك بمختلف الوسائل، فكان الواجب على أهل السنة أن يقوموا بدورهم في الدفاع عن نبيهم بما سبق بيانه، وإن كنا قد ابتلينا بمن يقدح في السنة وفي صاحبها ممن هم من أهل ملتنا زعموا، وما علموا أنهم قد ارتكبوا ما يخرجهم من الدين، فالخوض في جناب صاحب الرسالة ليس بالأمر الهين، بل هو من نواقض الدين، وهذا الناقض ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: الطعن في شخص الرسول صلى الله عليه وسلم.
القسم الثاني: الطعن فيما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم مما هو معلوم من الدين بالضرورة، إما بإنكاره أو بانتقاصه.
ومما يدخل تحت هذا القسم نسبة أي شيء للرسول عليه الصلاة والسلام مما يتنافى مع اصطفاء الله له لتبليغ دينه إلى عباده، فيكفر كل من طعن في صدق الرسول صلى الله عليه وسلم أو أمانته أو عفته أو صلاح عقله ونحو ذلك.
كما يكفر من سبّ الرسول صلى الله عليه وسلم، أو عابه، أو ألحق به نقصًا في نفسه أو نسبه أو دينه، أو خصلة من خصاله، أو عرّض به، أو شبهه بشيء على طريق السب له أو الإزراء عليه، أو التصغير لشأنه أو الغض منه أو العيب له، فهو سابّ له والحكم فيه حكم الساب يقتل كفرًا، وكذلك من لعنه، أو دعا عليه، أو تمنى مضرة له، أو نسب إليه ما لا يليق بمنصبه على طريق الذم، أو عبث في جهته العزيزة بسخف من الكلام وهُجرٍ ومنكرٍ من القول وزور، أو عيره بشيء مما جرى من البلاء والمحنة عليه، أو تنقصه ببعض العوارض البشرية الجائزة المعهودة لديه". فالسابّ إن كان مسلمًا فإنه يكفر ويُقتل بغير خلاف، وهو مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم.
وإن كان ذميًّا فإنه يُقتل أيضًا في مذهب مالك وأهل المدينة، وهو مذهب أحمد وفقهاء الحديث وهو المنصوص عن الشافعي نفسه كما حكاه غير واحد.
هذا الحكم على السابّ والمستهزئ، يستوي فيه الجاد والهازل بدليل قوله تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُون * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) [التوبة: 65- 66]، حتى ولو تاب فإن توبته لا تُقبل، بل يقتل وحسابه على الله؛ لأنه حق للنبي صلى الله عليه وسلم، فلا يسقط إلا بإذنه ولا يكون ذلك إلا يوم القيامة.
اللهم اجعلنا من أهل السنة الذين يقولون بها وبها يعملون، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعباد الصالحين، اللهم انشر السنة وقيّض لها من ينشرها من ولاة الأمر.
اللهم اقمع البدع وأخمد نارها وأهلها، اللهم اغفر للمسلمين.... اللهم وفقنا لهداك... اللهم أنج المستضعفين..... اللهم عليك بأعداء الدين.... ربنا آتنا في الدنيا حسنة.... سبحان ربك...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم