عناصر الخطبة
1/نصوص الحقوق والآداب في الكتاب والسنة 2/ المشية في الطريق 3/ غض الصوت والبصر في الطريق 4/ كف الأذى عن الطريق 5/ إفشاء السلام من حقوق الطريق 6/ الأدب الجامع لحقوق الطريق وآدابه 7/ التحذير من إيذاء الناس في الطرقات 8/ ذكر الله عند الخروج من المنزل 9/ آداب خروج المرأة من بيتها .اهداف الخطبة
بيان حقوق الطريق وآدابه / التحذير من إيذاء أهل الطرقات .عنوان فرعي أول
أعط الطريق حقهعنوان فرعي ثاني
دخل الجنة في غصن شوكعنوان فرعي ثالث
عند الخروج من البيتاقتباس
عباد الرحمن: هم خلاصة البشر يمشون في الطريق هوناً، لا تصنُّع ولا تكلف، ولا كبر ولا خيلاء، مشية تعبر عن شخصية متزنة، ونفس سوية مطمئنة تظهر صفاتها في مشية صاحبها.
أما بعد:
فاتقوا الله ـ أيها الناس ـ وعظموا أمره، واشكروا نعمه. وأعظم هذه النعم وأجلها.. الهداية لهذا الدين (بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلاْيمَـانِ) [الحجرات:17].
أيها الإخوة في الله: إن شرائع الإسلام استوعبت شتى جوانب الحياة وشؤونها. وانتظمت كل ما يعرض للمرء من مهده إلى لحده.
إن الدين الذي يبني أمة ذات رسالة لتبقى قائدة رائدة.. صالحة لكل زمان ومكان – إن ديناً هذا شأنه لا يدع مجالاً في السلوك العام، أو السلوك الخاص، إلا وجاء فيه بأمر السداد.
ومن هنا فلا غرو أن تدخل توجيهات الإسلام وأحكام الشريعة في تنظيم المجتمع، في دقيقه وجليله، في أفراده وجموعه، وفي شأنه كله. ولا تزال مدونات أهل الإسلام في الفقه والأخلاق مشحونة بالحكم والأحكام في فكر أصيل، ونظرٍ عميق، واستبحار في فهم الحياة، وشؤون الإنسان، وسياسة المجتمع، مع نماذج حية وسير فذة، وتطبيقات جليلة طوال تاريخ الأمة المجيد.
وإن مما يظهر فيه شمول هذا الدين، وجلاء حكمه وأحكامه، ما أوضحه الكتاب والسنة وآثار الأئمة.. من آداب الطريق، ومجالس الأسواق، وحقوق المارة، وأدب الجماعة. جاء في محكم التنزيل: (وَعِبَادُ الرَّحْمَـانِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَـاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً) [الفرقان:63]. (وَإِذَا سَمِعُواْ اللَّغْوَ أَعْرَضُواْ عَنْهُ وَقَالُواْ لَنَا أَعْمَـالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَـالُكُمْ سَلَـامٌ عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِى الْجَـاهِلِينَ) [القصص:55] (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً وَلاَ تَمْشِ فِى الأرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً كُلُّ ذالِكَ كَانَ سَيّئُهُ عِنْدَ رَبّكَ مَكْرُوهًا)[الإسراء:36-38].
وفي السنة المطهرة من حديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إياكم والجلوس في الطرقات)) قالوا: يا رسول الله، ما لنا من مجالسنا بد نتحدث فيها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه)) قالوا: وما حقه؟ قال: ((غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر)). متفق عليه واللفظ لمسلم.
وفي حديث أخرجه الترمذي والبخاري في الأدب المفرد وابن حبان عدَّ النبي صلى الله عليه وسلم من أبواب الخير: ((تبسمك في وجه أخيك لك صدقة وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة، وبصرك الرجل الرديء البصر لك صدقة، وإماطتك الحجر والشوكة والعظم عن الطريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة)).
إن مصادر الشريعة الموثوقة قد طفحت بأمثال هذه النصوص مؤكدة هذه الحقوق، ومرشدة إلى هذه الآداب.
فعباد الرحمن: هم خلاصة البشر يمشون في الطريق هوناً، لا تصنُّع ولا تكلف، ولا كبر ولا خيلاء، مشية تعبر عن شخصية متزنة، ونفس سوية مطمئنة تظهر صفاتها في مشية صاحبها. وقارٌ وسكينةٌ، وجدٌّ وقوةٌ من غير تماوتٍ أو مذلة، تأسياً بالقدوة الأولى محمد صلى الله عليه وسلم فهو غير صخَّابٍ في الأسواق حين يمشي يتكفَّأ تكفؤاً، أسرع الناس مشية وأحسنها وأسكنها، هكذا وصفه الواصفون، تلك هي مشيةُ أولي العزم والهمة والشجاعة، يمضي إلى قصده في انطلاقٍ واستقامةٍ لا يُصعر خده استكباراً، ولا يمشي في الأرض مرحاً. لا خفق بالنعال، ولا ضرب بالأقدام، لا يقصد إلى مزاحمة، ولا سوء أدب في الممازحة، يحترم نفسه في أدب جمٍّ، وخلقٍ عالٍ لا يسير سير الجبارين، ولا يضطرب في خفة الجاهلين. إنه المشي الهون المناسب للرحمة في عباد الرحمن، وحين يكون السير مع الرفاق فلا يتقدم من أجل أن يسير الناس خلفه، ولا يركب ليمشي غيره راجلاً.
أما غض الصوت وخفضه فهو من سيما أصحاب الخلق الرفيع، وذلك في الطريق، وأدب الحديث أولى وأحرى. إنه عنوان الثقة بالنفس، وصدق الحديث، وقوة الحجة يصاحب ذلك حلم وصفح، وإعراض عن البذاء من القول، والفحش من الحديث تجنباً لحماقة الحمقى، وسفاهة السفهاء.
ولا يرفع صوته من غير حاجة إلا سيء الأدب ضعيف الحجة، يريد إخفاء رعونته بالحدة من الصوت، والغليظ من القول.
يُضمُّ إلى ذلك أيها الإخوة، غض البصر، فذلك حق لأهل الطريق من المارة والجالسين.. تحفظ حرماتهم وعوراتهم، فالنظر بريد الخطايا، وإنك لترى في الطرقات والأسواق من يُرسل بصره محمَّلاً ببواعث الفتنة، ودواعي الشهوة، وقد يُتبع ذلك بكلمات وإشارات قاتلة للدين والحياء مسقطة للمروءة والعفاف.
وكف الأذى عن الطريق من أبرز الحقوق. والأذى كلمة جامعة لكل ما يؤذي المسلمين من قول وعمل، يقول عليه الصلاة والسلام: ((لقد رأيت رجلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي الناس)).
وحينما طلب أبو برزة – رضي الله عنه – من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعلمه شيئاً ينتفع به قال: ((اعزل الأذى عن طريق المسلمين)).
وفي خبر آخر: ((بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطريق، فأخَّره، فشكر الله له؛ فغفر له)).
أخرج ذلك كله مسلم في صحيحه رحمه الله.
وإذا كان هذا الثواب العظيم لمن يكف الأذى، فكيف تكون العقوبة لمن يتعمد إيذاء الناس في طرقاتهم ومجالسهم، ويجلب المستقذرات، وينشر المخلفات في متنزهاتهم، وأماكن استظلالهم.
أخرج الطبراني من حديث حذيفة بن أسيد – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من آذى المسلمين في طرقهم؛ وجبت عليه لعنتهم)) وقال: حديث حسن صحيح.
وفي حديث أبي هريرة عند مسلم: ((اتقوا اللعَّانين)) قالوا: وما اللعانان يا رسول الله؟ قال: ((الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلِّهم)).
أما إفشاء السلام – أيها الإخوة – ابتداءً ورداً؛ فأدب كريم يتخلق به أبناء الإسلام، وحقٌ يحفظونه لإخوانهم، يغرس المحبة، ويزرع الألفة، ويغسل الأحقاد، ويزيل الإحن، ويستجلب به رضا الله وغفرانه، وفي الحديث: ((لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم)) رواه مسلم من حديث أبي هريرة.
والجامع لهذه الآداب والحقوق – أيها المسلمون – هي تلك الكلمة الجامعة المانعة: (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) يدخل في ذلك ما شئت من مكارم الأخلاق والآداب والمروءات.
فالحمل الثقيل ينوء به صاحبه فتعينه عليه.
تهدي ابن السبيل الضال بعبارة ملؤها الأدب، وإشارة كلها لطف ورقة من غير فظاظة ولا ملال، لا تقول هجراً ولا تنطق فحشاً، والبشاشة والتبسم في وجه أخيك من الصدقات.
تعين صاحب المتاع في حمل متاعه ورفعه ووضعه، وإن كنت تحمل شيئاً فاحترس أن تصيب أحداً بأذى. تفضُّ النزاع بين المتخاصمين، وتُصلح ذات البين، وتحفظ اللقطة، وتدلُّ على الضالة تعين على رد الحقوق لأصحابها، والذبِّ عن أعراض المسلمين، والأخذ على أيدي الظالمين، ونصرة المظلومين.
لا تعرض لأحدٍ بمكروه، ولا تذكر أحداً بسوء، لا تهزأ بالمارة، ولا تسخر من العابرين . . لا تشر ببنان، لا تستطل بلسان، ولا تحتقر صغيراً، ولا تهزأ من ذي عاهة. وإياك والجلوس في مضايق الطريق وملتقى الأبواب ومواطن الزحام، ويتأكد ذلك أثناء قيادة المركبات بأنواعها مع حفظٍ تامٍ لحقوق المشاة والراكبين والقاعدين، وإهمال ذلك يصيب المسلمين بفساد عريض.
أمة الأدب والخلق: إن من الناس من يتخذون من الطرق وأماكن البيع.. مقاعد وأندية ينشرون الأرائك والفرش ليتتبعوا العورات، ويمزقوا الأعراض، ويُحرجوا أهل الأدب والمروءة، فضوليون يدسُّون أنوفهم فيما لا يعنيهم.
يتناولون السابلة غمزاً بالأبصار، وطعناً باللسان: (هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ مَّنَّاعٍ لّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ عُتُلٍ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ) [القلم:11-14].
إنه لا يحل لهؤلاء أن يجعلوا أماكنهم أوكاراً تمتد منها النظرات المحرمة، وطريقاً إلى الرذيلة والمقابلات المريبة. وقد ورد في الخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن قوله تعالى: (وَتَأْتُونَ فِى نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ) [العنكبوت:29] فقال: ((كانوا يحذفون أهل الطريق ـ أي: يرمونهم بالحجارة ـ ويسخرون منهم، فذاك المنكر الذي كانوا يأتون)) ، ذكره أحمد من حديث أم هانئ.
وإن أمثال هذه المجالس يترفع الفضلاء وذوو المروءات عن المرور بها، فضلاً عن الجلوس فيها، تلك أسواق لا يرتادها إلا الأراذل من الناس، الذين لا يتحرجون من البذاء ولا يعرفون الاحتشام.
أيها المسلمون: إن من لم يعط الطريق حقه يُتبع نفسه هواها، ويريد أن يملأ عينه بمناها، فيَذلُّ بعد عز، ويفسق بعد عفة، وينحدر بعد الكمال. إن هذه المواطن إن لم تُرْعَ فيها آداب الإسلام؛ فهي مرتع خصيب للغِيبة والنميمة والسخرية والكذب والإفك المبين.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يابُنَىَّ أَقِمِ الصَّلَواةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الاْمُورِ وَلاَ تُصَعّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِى الأرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ وَاقْصِدْ فِى مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الاْصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) [لقمان:17-19].
الخطبة الثانية:
الحمد لله على ما مََنَحَ من الإنعام وأسدى. أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره من خطايا وذنوب لا تحصى عداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله أعظم به رسولاً وأكرم به عبداً، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه كانوا أمثل طريقة وأقوم وأهدى، والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله ـ عباد الله ـ واعلموا أن من أولى الآداب وأكرم الأعمال الاشتغال بذكر الله كثيراً. ففيه الانبعاث على الخيرات، والعون على الطاعات، والقيام بالحقوق، وحفظ النفس من الشيطان.
جاء في حديث عند الترمذي وصححه واللفظ له، وأبي داود وغيره عن أنس – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من قال ـ يعني: إذا خرج من بيته ـ بسم الله، توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، يقال له: كُفيتَ ووقيتَ، وتنحى عنه الشيطان)). ولا ينبغي أن يغفل المسلم عن الدعاء المأثور عند خروجه من منزله: ((اللهم إني أعوذ بك أن أَضِل أو أُضَل، أو أَزِل أو أُزَل، أو أَظلِم أو أُظلَم، أو أجهل أو يجهل علي)) رواه الأربعة، واللفظ لأبي داود.
والمرأة إن احتاجت إلى الخروج، فتخرجُ محتشمةً في لباسها، حييةً في مشيتها، بعيدةً عن حركات الريبة، ومواضع التهم، غير متعطرة ولا متلفتة، سريعة العودة إلى منزلها، بعد انقضاء حاجتها (وَقُل لّلْمُؤْمِنَـاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَـارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) [النور:31].
فاتقوا الله ـ أيها المسلمون والمسلمات ـ والتزموا بآداب دينكم، واحفظوا حقوق إخوانكم.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم