عناصر الخطبة
1/الدنيا دار ابتلاء2/ البلاء عنوان المحبة 3/ حسنات المرض 4/ الرقية والتداوي 5/ الطبيب المخلص 6/ وصايا للأطباء 7/ الرضا بالقضاء والقدر 8/ التداوي بالعمل الصالح .اهداف الخطبة
حث المرضى على الصبر والاحتساب / بيان مسائل في التداوي / وصايا للأطباء المسلمين .عنوان فرعي أول
بشارات للمرضىعنوان فرعي ثاني
وليس ذلك إلا للمؤمنعنوان فرعي ثالث
وصايا يا أطباء .اقتباس
وإن من أشد التمحيص سلب العافية أو اعتلالها، وصفوة البشر عليهم الصلاة والسلام ابتُلوا بالأمراض، دخل ابن مسعود رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يُوعَك فقال: يا رسول الله، إنك توعك وعكاً شديداً! قال: ((أجل، إني أوعك كما يوعك الرجلان منكم)) متفق عليه. وأحاط المرض بأيوب عليه السلام سنين عدداً.
أما بعد: فاتقوا الله ـ عباد الله ـ حق التقوى، فتقوى الله نعم العمل، والإعراض عنها بئس الأمل.
أيها المسلمون، الدنيا دارُ عمل وابتلاء، لا يسلم العبد فيها من سقم يكدِّر صفوَ حياته، أو مرض يوهن قوته وحاله، والبلاء نعمةٌ، والمرض والشدة بشارة، وربنا سبحانه يرحم بالبلاء ويبتلي بالنعماء، ومرارة الدنيا للمؤمن هي بعينها حلاوة الآخرة، وكم من نعمة لو أعطيها العبد كانت داءه، وكم من محروم من نعمةٍ حرمانُه شفاؤه، (وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) البقرة:216.
والبلاء عنوان المحبة، وطريق الجنة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط" رواه الترمذي.
والعافية من أجلِّ نعم الله على عباده وأجزل عطاياه عليهم، "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ" وهي من أول ما يحاسب عليه العبد في الآخرة، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: "أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة من النعيم أن يقال له: ألم نُصِحَّ لك جسمك، ونروِّك من الماء البارد؟!" رواه الترمذي.
وإن من أشد التمحيص سلب العافية أو اعتلالها، وصفوة البشر عليهم الصلاة والسلام ابتُلوا بالأمراض، دخل ابن مسعود رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يُوعَك فقال: يا رسول الله، إنك توعك وعكاً شديداً! قال: "أجل، إني أوعك كما يوعك الرجلان منكم" متفق عليه. وأحاط المرض بأيوب عليه السلام سنين عدداً.
في المرض رفع للدرجات وحطٌّ للأوزار، "ما من مسلم يصيبه أذًى من مرض فما سواه إلا حطَّ الله به من سيئاته كما تُحط الشجرة ورقها" متفق عليه.
والمريض يُكتب له ما كان يعمل من النوافل في حال صحته، وفي المرض يكثر الدعاء وتشتد الضراعة، فسبحان مستخرج الدعاء بالبلاء، ومستخرج الشكر بالعطاء. في مرض المؤمن زيادةٌ لإيمانه وتوكله على ربه وحسن ظنه بمولاه، وهو علاج لأمراض النفس من الكبر والعجب والغفلة والغرور، والرشيد من يعتبر بنوائب عصره، ويستفيد الحنكة ببلاء دهره، وكل مُصيبة في غير الدين عافية.
أيها المسلمون، لا شافي إلا الله، ولا رافع للبلوى سواه، والراقي والرقية والطبيب والدواء أسباب ييسِّر الله بها الشفاء، فافعل الأسباب وتداو بالمباح، ولا تُقبل على الطبيب بالكلية، فالمداوي بشر لا يملك نفعاً ولا ضراً، وتوكل على ربك وفوِّض أمرك إليه، فهو النافع الضار، (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) الشعراء:80، والتجئ إليه فليس كل دواء ينفع، "واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك".
وأنفع الأدوية حسن التوكل على الله والالتجاء إليه وحسن الظن به. والرقية بالقرآن وما جاء في السنة أنفع الأسباب لزوال العلل، وكذا الدعاء بقلب خاشع وذل صادق ويقين خالص، والإكثار من الصدقة من خير الأدوية، وما ابتلى الله عباده بشيء إلا أعطاهم ما يستعينون به على ذلك البلاء، وفي ديننا أدويةُ ضدٍّ يقينية قطعية إلهية صادرة عن الوحي ومشكاة النبوة.
تمر عجوة المدينة وقاية من السم والسحر ومنع ضررهما، يقول عليه الصلاة والسلام: "من تصبح كل يوم بسبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر" رواه مسلم. والماء دواء للحمى، في الحديث: "الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء" متفق عليه. والعسل لم يُخلق لنا شيء في معناه أفضل منه ولا مثله ولا قريباً منه. والحجامة خيرُ الأدوية، يقول عليه الصلاة والسلام: "خير ما تداويتم به الحجامة" متفق عليه. وفي عجوة عالية المدينة شفاء. والحبة السوداء شفاء من الأسقام كلها، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "عليكم بهذه الحبة السوداء، فإن فيها شفاء من كل داء إلا السام" أي الموت. متفق عليه.
ومن الأمراض ما لا شفاء له إلا بالقرآن والأدعية النبوية كإبطال السحر وإخراج الجان وإبطال أثر العين.
وعند المسلمين ماء مبارك هو سيد المياه وأشرفها وأجلها قدراً، ينبع من أرض مباركة في بيت الله الحرام، ماء زمزم هو طعام طُعم وشفاء سُقم.
وتلك الأدوية النبوية الشافية إنما ينتفع بها من تلقاها بالقبول، واعتقد الشفاء بها.
وبكثرة الاستغفار تزول الأمراض ويقل أثرها قال عز وجل: (وَياقَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُمْ مّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىا قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ) هود:52.
أيها المسلمون، إخلاص العمل لله هو مدار القبول، وبالإخلاص يُبارك في قليل العمل، ويحسن الفعل. والطبيب المسلم يتطلع إلى الجديد من علوم المعرفة لخدمة المسلمين، مع عدم الإخلال بما جاءت به الشريعة. والطبيب مؤتمن على الأسرار والعورات، حقّه أن يستر على المرضى ولا يبدي أمراضهم، ولا يبُثَّ شكواهم، يُعاملهم بالرأفة والرحمة. المرضى أفشوا لك أسرارهم، وبثوا إليك بعد الله شكواهم، أسلموا لك أجسادهم وعقولهم، بل وأرواحهم، فراقب الله في قولك وفعلك، فلفظُك عند المرضى محكم، ورأيك في قطع أجسادهم مسلَّم. والمريض ابتُلي بداء المرض لا لنقصٍ فيه، بل لحكمة أرادها الله له رفعة وتطهيراً، فلا تزدرِه لمرضه، ولا تحتقره لبلواه. والطبيب إن تكبر بعلمه وترفَّع وضعه الله به، ومن كمال العقل أن يقول عما جهله: لا أعلمه، فما ينغلق لأحد قد يُفتح لآخر. والحلم والصبر من أخص صفات المحتسبين، فلا تتضجر من شكوى المريض وبث أحزانه أو سوء خلقه، فإن لصاحب الحق مقالاً. والتلطف بالمريض والرفق به حَسَن في الرأي وكمال في الدراية، والله تعالى يحب الفال، فبشر المريض بقرب انفراج الكرب، فالنفس إن استشعرت أن لدائها دواء تعلَّق قلبها بروح الرجاء. وآية الله في إبداع خلق الإنسان عند الأطباء قائمة، (وَفِى أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ) الذاريات:21، فليتخذ الطبيب من عمله عبادةً بالتفكر في آلاء الله للقرب من الله، وليكن داعيةً إلى هذا الدين بما بدا له من عظيم الصنع والإتقان.
والمعصية تغلق أبواب المعرفة، وقد حرم الإسلام الخلوة بالمرأة لكشف الداء أو غيره، والواجب على المسلم أن يعمل بالشرع في كل مكان، واختلاط العاملين في دور طلب الشفاء يضعف الكسب العلمي، وينزع بركة التداوي، وهو من أسباب بُعد المرء عن الله وحلول الأسقام، يقول عليه الصلاة والسلام: "ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء".
وفي الطاعة فتح للمعارف، وسموٌ بالأرواح، وإتقان للأعمال، والمرضى والمداوون واجبهم أن يكونوا من أقرب الناس إلى الله لحلول الكرب بهم، والمحنة إذا اشتدت لا فارج لها إلا الله، والبعد عن الله في الرخاء وعصيانه في الشدة من موجبات الشقاء.
أيها المسلمون، من الثبات والكمال الصبر والرضا بالمقدور، فارض ـ أيها المريض ـ بما قسم الله لك تكن أعبد الناس، واصبر صبرَ الكريم طوعاً لا صبر المتجزع دفعا، فعاقبة الصبر إلى خير، وعلى قدر الإيمان يكون الصبر والتحمل، والصبر خير لأهله، (وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لّلصَّـابِرينَ) النحل:126، ومن صبر ورضي فالله مدَّخر له ما هو أعظم من فوات تلك المصيبة، وتذكَّر أنه ما ابتلاك إلا ليطهِّرك ويرفع درجتك، وأن ما وهبك الله من النعم أضعاف ما أخذ منك.
أصيب عروة بن الزبير بفقد ولده، فقال: (لئن ابتليتَ فقد عافيتَ، ولئن أخذتَ فقد أبقيتَ). والجزع لا يرد المرض، بل يضاعفه، وإذا أُصبت بداء فاحمد الله أنك لم تصب بأكثر من داء، وأحسن المناجاة في الخلوة، ولا تنس ذكر الله شكراً على العطاء، وصبراً على البلاء، فما أقبح أن يكون المرء أوَّاهاً في البلاء، ثم يكون عاصياً في الرخاء، وحين تلوح لك بوادر شفاء وتسعَد ببدء زوال البلاء فاقدر لنعمة العافية قدرها، واعرف فضل وكرم منعمها، وأدم التعلق بحبل الله، وتعرف عليه في الرخاء يعرفك في الشدة، وإياك والاغترار بالعافية فالأيام دُول، وأقبل على الله بالتوبة الصادقة، وخذ العبرة من الأيام والأحداث، واحذر مزالق الشيطان بإساءة الظن بالله أو التسخط والتجزع على أقدار الله، فهو سبحانه الرحيم بخلقه، الرؤوف بعباده، الدافع للبلوى، السامع لكل شكوى.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرّ فَلاَ كَـاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىا كُلّ شَىْء قَدُيرٌ) الأنعام:17.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: أيها المسلمون، خير ما يُداوي به المريض أدواءَه تفقُّدُ قلبه وصلاحه وتقوية روحه وقواه، بالاعتماد على الله والتوكل عليه والالتجاء إليه، والانطراح والانكسار بين يديه، والتذلل له والصدقة والدعاء والتوبة والاستغفار، والإحسان إلى الخلق، وإغاثة الملهوف والتفريج عن المكروب، يقول ابن القيم رحمه الله: "هذه الأدوية قد جربتها الأمم على اختلاف أديانها ومللها، فوجدوا لها من التأثير في الشفاء ما لا يصل إليه علم الأطباء... قال: وقد جربنا نحن وغيرنا من هذا أموراً كثيرة، ورأيناها تفعل ما لا تفعل الأدوية الحشية".
ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيه فقال في محكم التنزيل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَـائِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً) الأحزاب:56.
اللهم صل وسلم على نبينا محمد، وارض الله عن خلفائه الراشدين...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم