جامع الفتن والتحزب

الشيخ د علي بن عبدالعزيز بن علي الشبل

2025-08-08 - 1447/02/14 2025-12-09 - 1447/06/18
عناصر الخطبة
1/أصل في أحاديث الفتن 2/ملخص منهج أهل السنة في باب الإمامة والجماعة 3/التحذير من التحزُّب ولا التفرُّق 4/صفات أهل الاستقامة والنجاة 5/أهمية لزوم الجماعة والاستقامة

اقتباس

الفِرَقُ كلها فِرَقٌ مُحَذَّرٌ منها، بل ومُتوعَّدٌ عليها بالنار إلا فرقة واحدة وطائفة واحدة هي الطائفة الناجية، وهي الطائفة المنصورة، وهي مَن كان على مثل ما كان عليه اليوم النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه، وهذا في حياته....

الخطبة الأولى:

 

الحَمْدُ لِله نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمْنْ يُضْلِل فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدُهُ لا شَرِيكَ لَهُ.

 

 وَأَشْهَدُ أَنَّ نبينا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اللهم صلِّ وسلِّم عليه، وعلى آله وأصحابه ومن سلف من إخوانه من المُرسلين وسار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين وسلَّم اللهم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد: عباد الله: فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مُسلمون.

 

أيها المؤمنون: جاء في الصحيحين من حديث أبي إدريس الخولاني عن حذيفة بن اليمان -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قال: "كان الناس يسألون النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- عن الخير وكنت أسأله عن الشرك؛ مخافةَ أن أقع فيه، فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهليةٍ وشر فجاءنا الله -عَزَّ وَجَلَّ- بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ فقال -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "نعم"، ثم قُلت يا رسول الله! وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "نعم، وفيهِ دخن"، قلت وما دخنه يا رسول الله؟ قال: "قومٌ يستنون بغير سُنتي ويهتدون بغير هديي، تعرف منهم وتُنكر".

 

قُلت: يا رسول الله فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "نعم، دعاةٌ على أبواب جهنم، من أجابهم إليهِ قذفوه في النار"، قُلت: يا رسول الله -وتأملوا عباد الله إلى مهارة حذيفة في هذه الأسئلة وإلى براعته -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْه-؛ حيث استفادت الأُمة كلها من أسئلته البارعة-.

 

قال: "قُلت يا رسول الله: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ -أي هؤلاء الدُّعاة على أبواب جهنم- ما تأمرني إن أدركت ذلك؟ قال -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "تلزم جماعة المُسلمين وإمامهم"، قُلت: يا رسول الله، فإن لم يكن لهم جماعةٌ ولا إمام؟ قال -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "تعتزل تلك الفِرقَ كلها ولو أن تموت وأنت عاضٌّ على أصلِ شجرة".

 

 هذا -يا عباد الله- حديثٌ عظيم، حديث حذيفة حديثٌ جليل وهو أصلٌ في أحاديث الفِتن، وأحاديث الفتن مدارها عليه، وقد أرشده -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- في هذه الأسئلة المتتابعة التي لم يَمَلّ منها رسول الله ولم يَكِلّ، بل استفادت الأُمة وانتفعت من أسئلة حذيفة -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْه-.

 

أرشده إلى ما تمر به هذه الأمة الإسلامية والأمة المحمدية من أطوار الفِتن طورًا بعد طورًا، وأرشده إلى سبب النجاةِ من ذلك: وهو أن يلزم جماعة المُسلمين وإمامهم، ومن ذلك -يا عباد الله- أخذ أهل السُّنَّة هذه العقيدة في باب الإمامة والجماعة، وملخصها في كلمتين:

 1- فلا جماعة إلا بإمام.

2- ولا إمام إلا بالسمع والطاعةِ له بالمعروف.

 

 فالفِرَقُ كلها فِرَقٌ مُحَذَّرٌ منها، بل ومُتوعَّدٌ عليها بالنار إلا فرقة واحدة وطائفة واحدة هي الطائفة الناجية، وهي الطائفة المنصورة، وهي مَن كان على مثل ما كان عليه اليوم النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه، وهذا في حياته.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ (إِنَّ الَّذِينَ ‌فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)[الأنعام: 159].

 

 نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم وما فيهِ من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه كان غفارًا.

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، لقد جاءت رُسلُ ربنا بالحق، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، أبان الحُجة والمحجة، وما مات إلا وقد تركنا على هذه البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، ولا يهلك على الله -جل وعلا- إلا هالك.

 

عباد الله: إن دين الله -عَزَّ وَجَلَّ- واحد، وكتابه واحد، ورسوله الذي أرسله إلى الناس -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- واحد؛ فلهذا ديننا لا يقبل التحزُّب ولا التفرُّق، ولا يقبل التشرذم ولا الاختلاف، وإنما تركنا -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- على سُنّةٍ واضحة وعلى محجةٍ بينةٍ لا اختلاف فيها ولا افتراء، مَن حاد عنها واتبع دعاة الضلالة -أيًّا كانوا ومن أي جنسٍ صاروا- فإنه عندئذٍ يكون مخالفًا لله ويؤول به ذلك إلى الافتراق ويؤول به ذلك إلى النار.

 

نعم -يا عباد الله- حزب الله، صِنف واحد هم المُفلحون، وهم من كان على مثل كان عليه النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- في حياته، وعلى ما درجَ عليهِ أصحابه -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- بعد موته.

 

 إذا كان كذلك -يا عباد الله- فإن من النافع لكم أهل الإيمان وأهل السُّنَّة والجماعة تذكُّر قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- كما جاء في الحديث المخرَّج في الصحيحين: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة"، وفي الرواية الأُخرى: "لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك".

 

 فالله الله -عباد الله- بلزوم الجماعة والاستقامة على سُنّةِ محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، وألَّا يزايد عليها مهما كانت المُغريات ومهما كانت المستفزات، وإنما نصبر عليها حتى يأتي الزمان الذي أخبر النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- فيه: أن القابض على دينه كالقابض على الجمر، ثم نلقاه -عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- واردين حوضه غير محرفين ولا مبدلين ولا مُغيرين ولا مُحدثين.

 

واعلموا -عباد الله- أن الأحزاب والجماعات والفِرَق كلها في النار كما أخبر بذلك النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- إلا طائفة واحدة هم الناجية من النار، ناجية في الدنيا من الهلاك، وناجين بالآخرة من الوقوع في النار؛ لأنهم استقاموا على دينه -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- ولزموا الجماعة التي أمرهم الله وأمرهم رسوله بالتزامها.

 

وهذه البدع والجماعات بأيّ اسم كانت "جامعة الإخوان المُسلمين"، أو "جماعة الأحباب والتبليغ"، أو "حزب التحرير" أو "الروافض" أو "الخوارج" أو "الصوفية" أو "المُرجئة" أو "القدرية"، هي أسماء كبيرة كلها لا تضركم ما دمتم مُستمسكين بما جاءكم من الله -جل وعلا- في وحيه القرآن، وما جاءكم من رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- في سنته خير البيان.

 

ثم اعلموا رحمني الله وإياكم: أن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.

 

 اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميدٌ مجيد، اللهم ارض عن الأربعة الهدى، وعن العشرةِ وأصحابِ الشجرة، وعن أمهات المؤمنين، وعن المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم عزًا تُعزُّ به الإسلام، وذلاً تذل به الكفر والبدعة وأهلهما يا ذا الجلالِ والإكرام، اللهم دبر لهذه الأمة أمر رشدها يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيهِ عن المنكر يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجعل ولاية المُسلمين فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا بر العالمين، اللهم انصر المرابطين على حدودنا وعلى ثغورنا، اللهم تقبَّل أمواتهم شهداء، اللهم اشف مرضاهم.

 

اللهم من أراد بنا أو بالمُسلمين مكرًا أو سوءًا فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميرًا عليه يا سميع الدعاء، اللهم متع بلادنا بالأمن بالخيرات، واهدِ قلوبنا لمخافتك وتعظيمك وتوحيدك يا ذا الجلالِ والإكرام.

 

اللهم اغفر للمُسلمين والمُسلمات، والمؤمنين والمؤمنات الأحياءِ منهم والأموات، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرةِ حسنة وقنا عذاب النار.

 

المرفقات

جامع الفتن والتحزب.doc

جامع الفتن والتحزب.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات