عناصر الخطبة
1/ صرخة فتاة يافعةٍ في وادي الصمت 2/ لماذا الحجاب؟ 3/ إنهم يخدعونك 4/ هتافاتُ مشفقٍ لنساء الأمة وأولياء الأموراقتباس
إنهم يخدعونك! إن أكبرَ وأولَ خديعة فعلها إبليس في ذُرِّية آدم هي الإغواءُ بالعُرْيِ، هذه البدعة الإبليسية لم تكن وليدةَ هذا الزمن، بل وليدةَ زمن أول مخلوقين في عالم الإنسان؛
إن أول ذنب فعله إبليس بعد ذنب الكفر بالله هو كشفه لسوأة الأبَوَيْن آدمَ وحواء، حين أغواهما أن يأكلا من الشجرة، (يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا) [الأعراف:27].
الحمد لله الولي الحميد، ذي العرش المجيد، فعالٍ لما يريد.
سجَدَتْ له الأملاكُ في إكبارِ..
الحمد له ربِّ الكائنات جليلها ودقيقها، الواحدِ القهارِ..
وله المحامدُ يصطفي ما شاءه، والمكرماتُ، وعينُ كل فخار..
يسمو الوجود إليه ذلا صادقا، وإليه تغدو رُوَّحُ الأعمار..
الحمد لله لا شريك له *** مَن لم يقلها فنفْسَهُ ظَلَمَا
وأشهد ألّا إله إلا الله وحده لا شريك له، ربكم ورب آبائكم الأولين، وأشهد أن محمد بن عبد الله عبد الله ورسوله،
صلى عليه ما نادى المنادي بحيَّ على الصلاة وبالفلاح..
له الصلوات تترا ما تهادت، إلى الأحياء ألسنةُ الصباح..
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: روى الإخباريون فيما يروون أن حدثا عظيماً وقع في بلد الشام، وكان ذلك في القرن الرابع عشر، رووا أن هذا الحدث وقع في إحدى صبيحات العام الرابع والثلاثين منه، في شهر شعبان.
يا شهرَ شعبانَ شعَّبْتَ القلوب بِهِ *** كَم فيكَ مِنْ شَرَفٍ يا شهرَ شعبانِ!
فاخَرْتَ كلَّ شهور العام باسمك لا *** بل فاخَرَتْ فيك أيامُ الجديدان
وقع الحدث ليقول:
اكتبوا التأريخ في هذا المكانْ *** اكتبوا التأريخ من هذا الزمانْ
اكتبوا التأريخ إني ظامئٌ *** للفتوحات التي تروي الدِّنان
إنه نصرٌ مِن الله ويو *** مٌ ... لا كيوم الهرمزان
يقصف القاصفون كل بيت، وكل مدر، وكل حجر وكل شجر، يقصف القاصفون ما شاءوا، وفي كل قصف يبعث الله بعثاً من كرامة ليقول للقاصفين:
اقصفوني ربما تضوي الصواريخ الليالي المظلمة..
وارفعوني للسماوات فهذي الأرض جدا مظلمة
تنقصف البيوت، ولا مبيت، وفي ذات مساء، يكون القصف نصراً، والحتف فتحا،
لولا عجائبُ صنعِ الله ما فَتِئَتْ *** هذي الفتوحاتُ تحت القَصْفِ تَنْتَفِضُ!
في الحين الذي هرول الناس فيه يُنقذون إحدى ضحايا القصف الهمجي في أرض الشام، إذ بالكرامة تخرجُ، من الشآم تعرج، ومن إباء العز في حجابهن ينسجُ!.
في الحين الذي لا يفكر المقصوف إلا في نفسه، يُكتب إلينا أن هناك في أرض الشام، من لا تفكر إلا في دينها وحيائها وكبريائها، يُصور إلينا أن هناك مخلوقا صُنع من لحم ودم، أشغله دينُه أن يفكر في لحمه ودمه، لله أبوكِ ما ارتفع الفخارُ بها وما افتخر الإباء!
بالله هذا حجابٌ أم ترى زمرٌ *** مِن الكرامةِ تبني بَيْتَهَا فِيهِ
في هذا الحين، وفي حين القصف، تخرج مقصوفةٌ سقط النصيف منها ولم ترد إسقاطه، وتقول: أين حجابي أيها الناس؟.
يسألون الناس عن الماء والرغيف، وتسألهم عن الحجاب والنصيف! يسألون الناس عن درب النجاء، وتسألهم: ألا أين الغطاء؟ يصورها مَن تحت الأنقاض، ثم توقفه لتقول له:
(عَـمُّـو) تَعِـبـتُ، ولا تُـلامُ المُـتـعَـبـهْ *** قِـفْ ، لا تُصَوِّرْني.. فَلَستُ مُحَجَّـبَـهْ!
صَوِّر دِمَـائي إن أرَدتَّ، ونَزفهَــــــــا *** صَوِّرِ مَعَالِمَ أُمَّـتي الـمُـتَـخَـشِّـبَـهْ!
صَـوِّر جِراحي، لا تُصَوِّرْ دَمعَتــــي ***واكتُبْ على وجهِ الدِمَاءِ: مُعَذَّبَهْ!
يصورونها ثم تصيح بهم:
كُفُّوا عن التّصويرِ إِنِّي حُرَّةٌ *** بعفافها وحجابها تتعلَّقُ
... *** صارت مثالا للتعفُّف يُطْلَق
(عمُّو) وكم عَمٍّ تذلّل للعدا *** ساءَتْ مقاصدُهُ وساء المنطق
يا بنتَ بنتِ الشام صوتُكِ لوحةٌ *** قلمُ الهدى في رسمها يتأنَّق
ناديتِ صادقةً فلبّى مُنقِذٌ *** والله يحمي العبدَ لمّا يَصْدُق
لو أدرك الصاروخُ منك حقيقةً *** لارتدَّ يقتل مُطْلِقيهِ ويَحرِقُ
لا تيأسي يا بنت أرض الشام إنّ *** الظلم يقتل أهله ويمزِّق
فتحٌ من الله أن يُصنع هذا الحدث، ليكون برهانا سماوياً، لو أن دعاة الأرض اجتمعوا ثم قالوا لنساء الأرض: البسن الحجاب، لم تصل أسماعهن، لكنها وصلت من ذاك الصدى!
(قد يُنعِم الله بالبلوى وإنْ عَظُمَتْ) *** تكونُ فيها جراحُ الدَّهْرِ أفراحُ
وإن لنا مع هذا الحدث مقامات:
المقام الأول: لماذا الحجاب؟ لماذا الحجاب؟ لم هذا الذي جعل هذه المقصوفة تفكر به؟ وما خجلت أن يقال عنها مقصوفةٌ، كما خجلت أن يقال: غيرُ محجبة؟ لم هذا الحجابُ الذي استنطقها في شدتها، ما الذي كانت تعمله في رخائها إذن؟.
يقول علماء النفس: إن الشدة بنت الرخاء، فكل عمل في الشدة هو مولود حقيقي للرخاء.
لماذا الحجاب؟ وما سِرُّ الحجاب وسِرُّ فعلٍ *** رآهُ الكونُ في الظُّلُماتِ فَجْرَا
لماذا الحجاب؟ لأن الله يقول: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا) [الأحزاب:36].
لماذا الحجاب؟ لأنه طاعةٌ للرحمن، وإرغام للشيطان.
لماذا الحجاب؟ لأنه حفظ للكرامة، وكهفٌ للسلامة.
لماذا الحجاب ؟ به يدفع البلاء، ويستدفع الأذى؛ يقول مشرع الحجاب: (ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ) [الأحزاب:59].
لماذا الحجاب؟ لأنه شعار المؤمنات الصالحات القانتات التائبات العابدات السائحات، ونقيض هذا بنقيض ذاك!.
لماذا الحجاب؟ لأنَّ خالق الأنوثة، هو حافظُها، وحافظها هو خالقها، أتراه يخلق عبثاً ثم يأمر عبثاً؟
تعالى اللهُ مِن عَبَثِ الفعالِ *** وسُوءِ الظَّنِّ أو سوءِ الْمَقَالِ
لماذا الحجاب؟ لأنه صيانة، وحفظ للأمانة.
لماذا الحجاب؟ لأن
... الرجال الناظرين إلى النسا *** مثلُ الكلابِ تطوف باللحمانِ
إن لم تصن تلك اللحومَ أسودُها *** أُكِلَتْ بلا عِوَضٍ ولا أثمان
ألا إن الحجاب هو الهزبر! ألا إن الحجاب هو الهزبر!
لماذا الحجاب؟ لأنه ما فشا الحجاب في قوم إلا واستنزلوا النصر من السماء، ودونكم أعظم جيل نُصر دين الله به، كيف كانت رؤوس نسائه؟
رؤوس فوقها التاج الْمُعَلَّى *** وتحت رؤوسِها الشَّرَفُ الرَّفِيعُ
لماذا الحجاب؟ لأنه السياج المانع، والحصن الحصين من زيغ الزائغين، ومن فجرات الأعين الرُّمْد، حين تلعق الآثامَ بالنظراتِ.
لماذا الحجاب؟ لأنه الشعرة الفاصلة بين انتصار الأمة وهوانها، لماذا؟ لأنه الشعرة الفاصلة بين كبريائها، وبين سقوطها.
أفمن هذا الحديث تعجبون؟ يقول أحد كبارِ الماسونية: كأس وغانية سافرة حسناء، تفعلان في تحطيم الأمة المحمدية أكثرَ مما يفعله ألفُ مدفع، فأغرقوهم في حب المادة والشهوات!.
ويقول ماسوني آخر: إنه يجب علينا أن نكسب المرأة، فأيّ يوم مدت إلينا يدها فُزْنا بالمراد، وتبدد جيش المنتصرين للدين!.
حجابُك يَحْجِب السَّقَطَا *** تِ في دَرْبِ الملايينِ
وعينُكِ هذه عينٌ *** مُسَنَّنَةُ السَّكَاكِين
وإن حجابك الضافي *** أيا أُخْتِي من الدِّين
لماذا الحجاب؟ لأنه اتباع لا ابتداع، لأنه يخلق الحب، الحبّ المتجه نحو السماء لكل أمر سماوي.
رحمة الله على كل أنصارية، تشبهت بالأنصار، حين تنزلت آيات الخمار: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ) [الأحزاب:59].
قالت أم سلمة: لما نزلت هذه الآية خَرَجَ نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من الأكسية!.
رحم الله كل امرأة قال لها ربها: (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ)، فأدنته حبا وكرامة ونعمى عين، رحم الله كل امرأة قال لها ربها: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ) [النور:31]؛ فضربت خمارها، وأخفت زينتها، حبا وكرامةً ونعمى عين.
رحم الله كل امرأة قالت لها الحضارات المعاصرة: اكشفي حجابك، واشربي كأسَك، فالدنيا قصيرة، لتسدل خمارها في وجه الحضارات، فالدنيا أحقرُ في نفسها من أن تخرج منها مثخنةً بالخطيئات.
يا ابنة آدم:
نصَّ الكتابُ على الحجابِ ولم يُبِحْ *** للمسلمين تبرُّجَ العذْراءِ
ماذا يريبُك من حجاب ساتر *** جيدَ الْمَهَاةِ وطلعة الذلفاء
ماذا يريبك من إزارٍ مانعٍ *** وزر الفؤاد وضلّة الأهواء
ما في الحجاب سوى الحياء فهل من التــَّـ *** ـهْذيبِ أن يهتكن سِتْرَ حياء؟
هل في مُجَالَسَةِ الفتاةِ سوى الهوى *** لو أصدقتك ضمائرُ الجُلَسَاء
شيِّدْ مدارِسَهُنَّ وارفَعْ مستوى *** أخلاقِهِنَّ لصالح الأبناء
أحديقة الثمر الجني ترصَّدِي *** عبَثَ اللصوص بليلةٍ ليلاء
أسفينة الوطن العزيز تبصَّري *** بالقعر لا يغررْكِ سطحُ الماء
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) [النور:31].
أقول ما قلت وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين؛ وأشهد ألّا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: ثاني المقامات: إنهم يخدعونك منذ أن أذن الله للصراع أن يبدأ بين الخير والشر! والصراع بين العُرْيِ واللباس هو من أشَدِّ الصراعات، وأفتكِها.
إنهم يخدعونك! إن أكبرَ وأولَ خديعة فعلها إبليس في ذُرِّية آدم هي الإغواءُ بالعُرْيِ، هذه البدعة الإبليسية لم تكن وليدةَ هذا الزمن، بل وليدةَ زمن أول مخلوقين في عالم الإنسان؛
إن أول ذنب فعله إبليس بعد ذنب الكفر بالله هو كشفه لسوأة الأبَوَيْن آدمَ وحواء، حين أغواهما أن يأكلا من الشجرة، (يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا) [الأعراف:27].
إنهم يخدعونك!
قد هيؤوك لأمر لو فطنتِ له! *** فاستكْبِري النفسَ أن ترعي مع الهمَلِ!
إنهم يخدعونك حين قالوا:
وجهُكِ الأجمل فينا، فاكشفي *** للعالمين روائعَ الآيات!
إنهم يخدعونك!
هم الأباليسُ عَيْنُ السُّوءِ تُبْصِرُهُمْ *** وكم تجمَّلَ إبليسٌ لإبليسِ
حين قال أحد الغربيين قولته الشهيرة: "لن تستقيم حالة الشرق ما لم يُرفَعِ الحجابُ عن وجه المرأة ويُغَطَّى به القرآن"، كان يعبرُ عن حالة أممية ليست فردية! ومن ظن أنه رأي عابر، فقد أعظم الفرية على الحقيقة!.
نصبوا معاولهم، وقالوا: حيثما *** تتوجهين، فتلك تلك معاولُ
نصبوا فؤوسهمُ عليك وهذه *** حَيَّاتُهُمْ تحت الصخور تخاتل
إنهم يخدعونك، حين بدؤوا نبش التراث، ليقولوا لك: قال الله، قال رسوله! وهم أخبث من ذئب عوى فعوت ذئابهم، تبتغي ما يبتغي الذيب!.
إنهم يخدعونك حين بدؤوا في زف شبهاتهم عليك؛ وقالوا: حجابك أنت يا أختاه عادة، وقد علم الله أن نزع الحجاب هو العادة، حتى أتى تشريعه من رب العالمين، فأيُّ القولين أحق بالحق إن كنتم تعلمون؟.
إنهم يخدعونك حين قالوا لك: عفة المرأة في ذاتها لا في حجابها، وكأن بينهما تناكفا أو تخالفا! إن خالق العفة، هو الآمر بتحقيقها في نفسك، يخلق الله الصبر ثم يأمرك به، ويخلق الله الرفق ثم يأمرك به، ويخلق العفة ثم يأمرك بها، فبعداً للقوم المخادعين!.
إنهم يخدعونك حين قالوا لك: الحجاب وسيلة لإخفاء الشخصية، أيَّ شخصية يقصدون؟ أهي الشخصيةُ التي خلقها الله، ثم أمرنا بما يجب علينا بها؟ أم؛ ما هي الشخصية التي يريدون؟
يا عزّ كفرانَكَ لا سُبْحَانَكْ *** إنِّي رأيتُ اللهَ قدْ أهانَكْ
إنهم يخدعونك حين قالوا إنه زمن التنفس بالهواء الطلق، وكأنك تتنفسين من ثقب أنفاسهم، أو كأن الزمن الذي قبلك تتنفس النساء فيه من الماء!
جَهْلٌ وتضليلُ أحلامٍ وسَفْسَطَةٌ *** والخادعون هواءٌ كلُّهُ نَتَنُ
المقام الثالث: هتافات مشفق.
الهتاف الأول: هتاف للنساء:
يا حَمام الدار يا ملح البلَدْ *** ما يصلح الملحَ إذا الملح فسدْ؟
يا نساء الأمة: لستن كأحد من النساء إن اتقيتن، فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض، وقلن قولا معروفا، وقرن في بيوتكن، ولا تبرّجن تبرج الجاهلية الأولى، وأقمن الصلاة، وآتين الزكاة، وأطعن الله ورسوله.
يا نساء الأمة: يقول الله عن الحجاب قولا، ويقول أعداء الإسلام عن الحجاب قولا، والله يقول: (لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) [الحجرات:1]؛ فأيهما تقدمين؟.
يا نساء الأمة: في الحين الذي تلد فيه المرأة الغربية من ألف رجل، ولا تعلم عن ولدها من أي الرجال، تكونين أنت وحدك من عرفت ذلك!.
يا نساء الأمة: في الحين الذي تقتدي فيه نساء الأمم بساقطات، تافهات، عابثات، كاسيات، عاريات، مائلات، تكونين أنت وحدك من تأتسي بزينبَ وبفاطمة الزهراء.
يا نساء الأمة:
أين مَن كانت الزهراءُ أُسْوَتَهَا *** مِمَّنْ تَقَفَّتْ خُطَا حَمَّالَة الحَطَبِ؟!
أنتِ ابنةُ العُرْبِ والإسلام عشتِ بِهِ *** في حُضْنِ أطهرِ أُمٍّ مِن أَعَزِّ أَبِ
فلا تبالي بما يُلقُونَ مِنْ شُبَهٍ *** وَعِنْدَكِ الْعَقْلُ إِنْ تَدعيهِ يسْتَجِب
سليه:من أنا؟ أهلي؟ لمن نسبي؟ *** للغرب, أم أنا للإسلام والعرب؟
لمن ولائي؟ لمن حبي؟ لمن عملي؟ *** لله؟ أم لدعاة الإثم والكذب؟
سبيل ربك, والقرآن منهجه *** نور من الله لم يُحْجَبْ ولم يغِب
يا نساء الأمة: كلما كان الزمان أحدَّ نابا، وأشرس حرابا، كلما كان الأجر على قدر النصب.
قدَرك -يا أَمَة الله- أنك جئت في زمن كل شيء فيه يدعوك إلى السفور والتحلل والانحلال، وأقسم بالله! إن زمنا كهذا لأحرى أن ترتقي بصبرك عند الله مراتب الصدّيقين!
ما أوفى جزاءك عند الله، وأنت تسبحين وحدك ضد محيط غدار! ما أوفى جزاءك عند الله وأنت تخوضين وحدك كلَّ هذي الغمار، ثم تخرجين منتصرة على هذه الأعداء: الهوى والنفس والشيطانِ والإنسانِ والقرارات الإفسادية!.
ما أوفى جزاءك عند الله! اثبتي أيتها الجبال الراسية.
اثبتي..
فالعرانين تحب الكبرياء..
اثبتي.. فالجمرة الأولى أليمة، ثم تخبو كلُّ أخبار اللهب..
اثبتي أنت السماء..
فدعيهم في عواء..
سوف يأتي اليوم فيه تَنْصَبُ الذؤبان.. لا يبقى عواء..
يا نساء الأمة: متى خُلقت هذه الدنيا لتكون نعيما أبديا لنا؟ إنها دار مَفر، دعك من الذين لا يؤمنون بالبعث ولا بالنشور، نحن غرباء في هذا الكوكب، فطوبى للغرباء!.
تحدث الأستاذ سيد قطب -رحمه الله تعالى- كيف أنه رأى صبيةً في الرابعة عشرة من عمرها، وكانت أمها تدربها على فنون اللذة الجسدية، فنون الجنس والغرام والحب، وكان هناك رجل يسألها، ويقول: ألا ترين أن هذه الطفلة ما زالت صغيرةً غريرة؟ فقالت له: إن الحياة قصيرة، وليس هناك وقتٌ لنصرف شيئاً في الطفولة، وشيئاً في الشيخوخة والهرم، فلا بد أن نستثمر الحياة ونتمتع بها.
كيف بالله يستثمرونها؟ في اللذات العابرة، والشهوات الجسمانية الحيوانية، حتى الأطفال يُربَّون على ممارسة الجنس والشراب وألوان النعيم المغرق؛ لأن الدنيا غاية همهم، ومنتهى آمالهم، وآخرُ طموحهم!.
في الحين الذين يتعلمون فيه هذه المبادئ، تتعلمين أنت كيف تحفظين كل هذا الشرف الذي سُلِبه أقوامٌ سواك!.
يا نساء الأمة: "إذا صلّت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وصلت فرضها، وحفظت فرجها دخلت من أي أبواب الجنة شاءت".
يا نساء الأمة: زمن الفتن، يلد العفن، فَقَري ثم قَرِّي، واحتسبي الأجر من الله الأحد، احتسبي الأجر، ولن يضيع الله إيمانك، ليس غريبا كلُّ ما تسمعينه من أقوال القوم الذين كفروا بالله، كيف عرفوا أن الاحتجاب عن الرجال، وقرارَ النساء في البيوت، يلد الرجال، وقبله يلد القيم، فقري ثم قري، تنالين شرف الدنيا والآخرة.
وكلما استشرت الفتن كان القرار أدعى, وأولى، تحدثت عائشة -رضي الله عنها- بعد وفاة رسول الهدى -عليه الصلاة والسلام- فقالت: "يا معشر النساء، لو علم رسول الله ما أحدث النساء بعده لمنعهن من المساجد كما منعت نساء بني إسرائيل".
هذا من المساجد؛ فكيف بالأسواق؟
سبيل ربك والقرآن منهجنا *** نور من الله لم يُحْجَبْ ولم يغِبِ
يا نساء الأمة: أتُرى حين يقول الله: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) [الأحزاب:53]، كان يريد منك أن تتبرجي وتخرجي وتخالطي من غير حاجة؟ أترى حين يقول ذاك، كان يريد منك أن تخاطبي الرجال بكل صوتك، وجرأتك؟.
يا نساء الأمة: أترى حين يقول الله -تعالى-: (وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ) [النور:31]، كان يريد منك أن تخرجي سافعة الخدّين، ملطخة الجبين، كاشفة العينين عن كحلٍ وزين، فاتنة مفتونة، حاشا رباً يقول ذاك أن يريدَ منك هذا!.
يا نساء الأمة: اتقين الله،
كفاكنّ الذي كانا
كفى لهواً وعصيانا
كفى لعبا وخذلانا
إن واحدة منكن، تكفل بسفورها لأعدائنا ما لا تفعل أكبر المنظمات الإفسادية، فاتقين الله،
لِحَدّ الركبتين تشمرينا؟ *** بِرَبِّكِ أيَّ نهر تعبرينا؟
كأن الثوبَ ظِلٌّ في صباحٍ *** يزيد تقلُّصاً حينا فحينا
تظنين الرجال بلا شعورٍ *** لأنك رُبَّما لا تشعرينا
عز علينا -والله!- أن نسمع المقصوفات، وهن يتحدين كل قصف رستمي، كسروي، فارسي، بربري، همجي؛ ثم يسألن بعدها الحجاب!.
عز علينا والله، أن تخذل نساؤنا هذه الصرخة، وكأنه
ما بيننا رحم يؤلّف بيننا *** دين، أقمناه مقام الوالد!.
جاءت امرأة من الأنصار تدُعى أمُّ خلّاد، جاءت تبحث عن ولد لها قتل في إحدى الغزوات، تبحث عنه بين الجثث، وكانت محجبةً منقبة، لا تظهر منها إلا عين واحدة، فتعجب الصحابة وقالوا لها: يا أم خلّاد، كيف تبحثين عن ولدك بين جثث القتلى وبك ما بك من الحزن عليه ولا زلت تنتقبين؟! أما دفعك حَرّ المصاب وألم الفراق إلى أن تخلعي عنك حجابك؟! فماذا كانت إجابتها ؟! قالت: يا إخوتاه، إني إن أُرزأ في ولدي وفلذة كبدي فلن أُرزأَ في إيماني وحيائي.
يا سيد الأبرار أمّتك الْتَوَت *** في عصرنا ومَضَتْ مع التيارِ
شرِبَتْ كُؤوسَ الذلِّ حين تعلَّقَتْ *** بثقافةٍ مسمومةِ الأفكارِ
إنِّي أراها وهي تسحب ثوبها *** مَخدوعةً في قبضة السمسارِ
إني أراها تستطيب خضوعها *** وتلين للرهبان والأحبارِ
إني أرى فيها ملامحَ خُطَّةٍ *** للمعتدين غريبةَ الأطوارِ
الهتاف الأخير: أولياء الأمر، إن الله عرض الأمانة على السماوات والأرض الجبال فأبين أن يحملنها،ثم حملك الله إياها، فاحملها، وإلا -فوربّ السماء والأرض!- إنه غضب السماء عليك.
أولياء الأمر: لم يقل أحد إن هناك تعارضاً بين الثقة وبين الرقابة، فثق برعيتك ولكن راقب أمانة الله فيهم، من لباس، وحجاب، وثياب؛ وإن أي فتنة تُفتن رعيتك بها من أثر هوانك، فإنما وزرها عليك، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم:6].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم