عناصر الخطبة
1/أهمية الصلاة ومكانتها 2/فضائل الصلاة وبعض آثارها على القلباقتباس
كذلك من الثمار التي يقطفها المحافظ على الصلاة أنها تكون له نوراً في الدنيا، وفي يوم القيامة، حين يكون أحوج ما يكون إلى النور، فعن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه ذكر الصلاة يومًا فقال: "من حافظ عليها كانت له نورًا وبرهانًا ونجاة يوم القيامة...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- تسليماً كثيراً.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب:70-71]، أما بعد:
معاشر المسلمين: إنَّ الصلاة هي أعظم عبادةٍ أمر الله بها المؤمنين بعد شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمد رسول الله؛ ولها في الإسلام مكانة لا تضاهيها مكانة، ومنزلة رفيعة وسامقة، وأهمية بالغة؛ فهي الفريضة التي أوجبها على كل مسلم عاقل بالغ ذكر كان أو أنثى، لم يستثنِ أحدًا إلا الحائض والنفساء ولمدة محددة فلما ينتهي ما بهن يعود الأمر واجباً عليهنَّ ؛كما كان، قال الله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيّمَةِ)[البينة:5]، وقال عزَّ من قائل: (إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا)[النساء:103].
وجاء في حديث معاذ -رضى الله عنه- حينما بعثه النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى اليمن أنه قال له: "وأعلمهم أن اللَّه افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة"، وعن عبادة بن الصامت -رضى الله عنه- قال: سمعت رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- يقول: "خمس صلوات كتبهن اللَّه على العباد، فمن جاء بهن لم يضيّع منهن شيئًا استخفافًا بحقّهنّ، كان له عند اللَّه عهدًا أن يدخله الجنة"؛ وأجمعت الأمة على وجوب الصلوات الخمس.
والصلوات الخمس -أيها الأحبة- هي عمود هذا الدين؛ ولن يقوم بناء إذا سقط عموده، ولن يقف بيت إذا فقد ما يستند عليه، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "رأس الأمر الإسلام، وعمودُه الصلاةُ، وذروةُ سنامِه الجهادُ".
وهي أول ما عمل يحاسب عليه المرء يوم القيامة من أعماله؛ فإن صلحت صلح عمله الباقي، وإن فسدت فسد باقي عمله" فعن أنس بن مالك -رضى الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة: الصلاة، فإن صلحت صلح سائرُ عمله، وإن فسدت فسد سائرُ عمله".
عباد الله: فإذا علمنا ذلك، وتبين لنا مدى أهمية هذه العبادة للمسلم، وما هي مكانتها في الشريعة الإسلامية؛ فلنعرف أنها مع كونها تكليفاً وفرضاً فهي عبادة يجني منها المسلم فضائل عظيمة، وثماراً يانعة، ولها آثاراً عظيمة تنعكس إيجابا على قلب المصلى وروحه، وعلى الفرد والمجتمع، سنتعرف على بعضها في هذا المقام، وإن كان هو لن يتسع لتعداد جميع فضائلها الكثيرة، وثمارها المتعددة؛ فمن ذلك:
أن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر، وتباعد بين من يؤديها على أكمل وجه وبين مستقبحات الذنوب، وكبائر الآثام، قال الله تعالى: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت: 45].
وإنَّ المصلي حين يواجه القبلة، ويستعد ليقيم الصلاة، ويستفتحها مكبراً ربه -عز وجل- بقوله: الله أكبر، وهو حاضر الذهن، مستشعراً للمعنى؛ فإنَّها تملأ قلبه خشية ورهبة لتذكر ربه وكبرياءه، وتغشى ذلك المصليَ السكينةُ لكونه يقف بين يدي الكبير المتعال فيقف صاغراً، لا شيء يشغله سوى ربه وخالقه؛ فإذا قرأ فاتحة الكتاب حلقت روحه مع معانيها، فتذكره تلك الآياتُ العظيمة إلهَه الحقَّ الذي خلقه بقدرته العظيمة، وربه الذي أغدق عليه نعمَه رحمةً به، وإحساناً إليه، ويستشعر أنه السيد العظيم الذي يملك الجزاء وحده، وكل الكون تحت تصرفه وقهره، وفي قبضته، ما أراده كان، فبينما هو يرجو رحماته، إذا به يخشى عذابه، فلا يجد ملجأ إلا إليه، ولا يستعين بأحد إلا به.
فالله هو الذي يهدي إلى الطريق القويم؛ ويأخذ بيد ذلك المصلى على الصراط المستقيم، مع الذين أنعم الله عليهم من الأنبياء والصديقين، والصالحين والشهداء، بعيداً عن طريق المغضوب عليهم والضالين، وبعد ذلك يخضع له بركوعه وسجوده متذللاً لعظمته، ويقوم ويقعد طوع أمره، كل ذلك يؤثر في مقيم الصلاة تأثيراً بالغاً، ويأخذ منه مأخذاً عظيماً؛ فلا يلبث أن تنمو في نفسه مَلكةُ مراقبة الله تعالى، تهديه الطريق الحق، وتثبته عليه، وتقيه وتبعده عن الوقوع في المعاصي؛ فإذا ما داعه داع الفساد، أو ناداه منادي الشهوة إلى الوقوع في الذنب؛ فإذا بضميره يحذره، وصوت عقله يذكره بربه عز وجل، ويحذره من مغبة عمله فإنه تعالى يراه؛ فإذا هو من المتعظين، وعن الفاحشة والمنكر من المتجافين.
ومن فضائل إقامة الصلاة وآثارها العظيمة -أيضا-: أنها تنقي العبد من خطاياه، وتغسله من ذنوبه، وتكفر عنه سيئاته، فيعود نقياً صافياً كأن لم يفعل ذلك الذنب؛ فعن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مثل الصلوات الخمس كمثل نهرٍ غمرٍ على باب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات" (رواه مسلم)، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن، إذا اجتنبت الكبائر" (رواه مسلم).
كذلك من الثمار التي يقطفها المحافظ على الصلاة: أنها تكون له نوراً في الدنيا، وفي يوم القيامة، حين يكون أحوج ما يكون إلى النور؛ فعن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه ذكر الصلاة يومًا فقال: "من حافظ عليها كانت له نورًا وبرهانًا ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور، ولا برهان ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون، وفرعون، وهامان، وأبيّ بن خلف" (رواه أحمد).
وفي حديث أبي مالك الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسولكم -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم-: "الصلاة نور" (رواه مسلم)، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "بشر المشَّائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة" (رواه أبو داود).
معاشرَ المسلمين: إنَّ الصلاة يرفع الله بها صاحبها الدرجات يومَ القيامة، ويجعل منزلته عاليةً رفيعًة؛ فعن ثوبان مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن النبي -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- أنَّه قال له: "عليك بكثرة السجود، فإنك لا تسجد لله سجدةً إلا رفعك الله بها درجة، وحطَّ عنك بها خطيئة"؛ كما أنَّها من أعظم أسباب دخول الجنَّة، ومرافقة الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيها، وذلك لحديثِ ربيعة بن كعب الأسلمي -رضي الله عنه- قال: "كنت أبيت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأتيته بوضوئه وحاجته، فقال لي: سَلْ فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة، قال: أو غير ذلك؟ قلت: هو ذاك، قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود" (رواه مسلم).
ومن فضائلها -أيضاً-: أنَّ الشارع رتب حتى على المشي إليها أجوراً عظيمة، وحسنات كثيرة؛ ففي المشي إلى الصلوات تُكتب بكلِ رفعِ قدمٍ من القدمين أو وضعها حسنةٌ، وبكل خطوة تُحط عن المصلي خطيئةٌ، وبالخطوة الأخرى ترفع له درجة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "إذا توضأ أحدكم فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد، لم يرفع قدمه اليمنى إلا كتب الله - عز وجل- له حسنة، ولم يضع قدمه اليسرى إلا حط الله -عز وجل- عنه سيئة " (صححه الألباني).
وفي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من تطهَّر في بيته، ثم مشى إلى بيت من بيوت الله؛ ليقضي فريضة من فرائض الله، كانت خَطْوَتاه إحداهما تحطُّ خطيئة، والأخرى ترفع درجة" (رواه مسلم).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسّلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد النّبي الأمي الكريم، وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد:
معاشر المؤمنين: أتعلمون أنَّكم وأنتم في طريقكم إلى المسجد لأداء الصلاة، وفي كل غدوة أو روحة تعد ضيافتكم في الجنة، ويهيئ نُزلكم في دار الخلد والكرامة؛ فاسمعوا لما قاله نبيكم -صلى الله عليه وسلم-: "من غدا إلى المسجد أو راح، أعد الله له في الجنة نُزُلاً كُلَّما غدا أو راح" (متفق عليه)، والنُزُل -أيها الأحبة- ما يهيأ المضيف لضيقه عند قدومه.
ومن الفضائل -أيضاً- التي يجنيها المصلي من محافظته على صلاته، ومداومته عليها: أنَّ الله وعد على لسان رسوله -صلى الله عليه وسلم- أنه يغفر للمصلي ذنوبه فيما بين صلاته الحاضرة والصلاة التي تليها، قال رسول -صلى الله عليه وسلم- "لا يتوضأ رجل مسلم فيحسن الوضوء، فيصلي صلاة إلا غفر الله له ما بينه وبين الصلاة التي تليها" (رواه مسلم).
كما أن الصلاة تكفر ما قبلها من الذنوب؛ إذا أتم أداءها؛ بوضوءٍ حسنٍ، وخشوعٍ تامٍ، وركوعٍ على أكملِ وجه، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة، فيحسن وضوءها، وخشوعها، وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب، ما لم يأتِ كبيرة، وذلك الدهر كلّه" (رواه مسلم).
ومما كتبه الله للمصلين من الخير العظيم، والفضل العميم، أن ملائكته تصلي على المصلي، ما دام ماكثاً في مصلاه، ينتظر الصلاة، ولا شيء يشغله سوى انتظارها؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته وصلاته في سوقه بضعًا وعشرين درجةً. وذلك أن أحدهم إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى المسجد، لا ينهزه إلا الصلاة، لا يريد إلا الصلاة، فلم يخطُ خطْوَة إلا رُفِعَ له بها درجةً، وحُطَّ عنه بها خطيئة حتى يدخل المسجد، فإذا دخل المسجد كان في الصلاة ما كانت الصلاة تحبسه، والملائكة يُصلُّون على أحدكم مادام في مجلسه الذي صلى فيه، يقولون: اللهم ارحمه، اللهم اغفر له، اللهم تب عليه، ما لم يؤذِ فيه، ما لم يحدث فيه" (رواه البخاري ومسلم).
أيها المسلمون: هذا بعض ما اتسع له المقام من فضائل الصلاة، والمكرمات التي أغدقها الله على المصلين، وبعض آثارها التي يجنيها من حافظ عليها وأداها؛ فلتحرص -أخي المسلم- عليها، ولتتمسك بها، فتركها خطير جد خطير، وأدائها ركن من أركان الدين، مع ما يحصِّله المرء من الثمار والآثار التي ذكرنا بعضها، ولتعلم –أخي الحبيب- أن النبي حرَّص عليها أشد التحريص؛ حتى أنه: "كان من آخرِ وصيَّةِ رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- الصلاةَ الصلاةَ وما ملكَتْ أيمانُكم؛ حتى جعل نبيُّ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- يُلَجْلِجُها في صدرِه وما يفيضُ بها لسانُه"، فحريٌّ بنا أن نتشبث بوصيته، وأن لا نتساهل أبداً في الصلاة وأدائها.
هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة عليه فقال عز من قائل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم