ثلاث مرضيات وأخرى مبغوضات

الشيخ محمد سرندح

2022-01-14 - 1443/06/11 2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ثلاث يرضاها الله تعالى وثلاث يبغضها 2/التوحيد طريق الهداية والتمكين 3/وجوب الاعتصام بدين الله ونبذ الفرقة والاختلاف 4/خطورة الانسياق وراء القيل والقال 5/على المسلم حفظ ماله 6/رسائل للمرابطين والمرابطات

اقتباس

أيها الشابُّ المرابطُ: لا تلتفِتْ برحلة رباطك للقيل والقال، ابق بثباتك، على الحق وإن قلَّ سالكوه، تُكفَ كلامَ الناس، فمن انتقد عملَكَ اليومَ سيسألكَ غدًا: كيف نجحتَ؟ أيها الشاب المرابط: أنتَ زخرُ هذه الأمة، أنتَ ركنٌ لبيت المقدس...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله؛ (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)[الْمَائِدَةِ: 50]، الحمد لله؛ (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ)[الْأَنْعَامِ: 159]، الحمد لله؛ (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)[التَّوْبَةِ: 112]، الحمد لله، اللهم صيِّبًا نافعًا، مُطِرْنا بفضل الله ورحمته، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، ربَط المحبةَ بالاتباع؛ (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ)[آلِ عِمْرَانَ: 31]، إذا أحبك الله سخر لك كل شيء، وإن لم يكن الله معك فمن معك؟!

 

يا رب، عن الورى كن ساترًا عيوبَنا بفضل منك وارد، كن راحمًا بنا؛ فقد يئسنا من الأقارب والأباعد، يا رب قد ضاقت بنا الأحوال وأنت المساعد، فامنُنْ بنصرك عاجلًا يا من له حُسن العوائد.

 

وأشهد أن سيدنا محمدًا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، شمس العلم والدراية، بدر الكمال والنهاية، نجم الاجتباء والهداية، شيَّد للإسلام أركانًا راسيةً، بعد أن هدَم ظلامَ الجاهلية.

 

يوم يتيه على الزمان صباحه *** ومساؤه بمحمد وضَّاءُ

بك يا ابن عبد الله قامت سمحة *** بالحق من نور الهدى غرَّاءُ

دين على التوحيد وَهْو حقيقة *** والله -جل جلاله- البنَّاءُ

فالدينُ يُسْرٌ والخلافةُ بيعةٌ *** والأمر شُورى والحقوق قضاءُ

 

قال القائد الأعظم -صلى الله عليه وسلم- وهو يُشيِّد للأمة أركانَ عِزِّها، ويُحذِّر من خصال ضَعْفِها، وينقُض أركانَ الجاهلية الأُولى: "‌إِنَّ ‌اللهَ ‌يَرْضَى ‌لَكُمْ ‌ثَلَاثًا. وَيَسْخَطُ لَكُمْ ثَلَاثًا: يَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا، وَأَنْ تَنَاصَحُوا مَنْ وَلَّاهُ اللهُ أَمْرَكُمْ، وَيَسْخَطُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ: وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ".

 

يَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، فمقتضى العبودية، ومقتضى لا إله إلا الله، أن الحكم لله؛ (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ)[الْأَنْعَامِ: 57]، (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ)[النِّسَاءِ: 65]، ومذ أن استوردت الأمم والشعوب أحكامًا ودساتير من صُنع البشر أصابها الذل والهوان، فإن ابتغينا العزة بغير الإسلام أذلنا الله، فما زاد المسلمون على هذه البسيطة إلا بحكم السماء.

 

الرحمن يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرَّقوا، كانت العرب في جاهلية؛ سفكٌ للدماء، سلبٌ للأموال، الحكم للقوي المستبِدِّ، فوحَّد اللهُ قلوبَهم بالإسلام، فأصبحوا يدًا واحدةً، اعتصموا بحبل الله جميعًا بلا انقسام، فأصبح النصر حليفهم، والنجاح طريقهم، أقام النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- دولتهم، ووزَّع المهامَّ عليهم، فأعطى السيفَ المسلول لخالد، وبعَث زيدًا لليمن، ومُصعَبًا للمدينة داعيًا، وقال لأبي ذرٍّ: "إنكَ ضعيفٌ"، فمقتضى العبودية والاعتصام الانصهار بالجماعة، ويسعى بذمتهم أدناهم، فلن تقوم للأمة قائمة، وهي تتنازع على كرسي، أو تتصارع على مغنم ذاتي، أو تهرع لمنصبٍ فانٍ؛ لتُحقِّقَ أرصدةً ماليةً عاليةً، ولا أدري هل نزَع اللهُ المهابةَ من قلوب أعدائنا جراءَ المصالح أو الاقتتال أو الانقسام أم لا.

 

يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولَّاه الله أمركم، فما وُصفت الأمة بالخيرية إلا لثباتها على الحق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، جاء غلام للخليفة عمر بن عبد العزيز، قال له: "إنَّ أُناسًا غرَّهم حِلمُ اللهِ عليهم، وطولُ أمدهم، وكثرةُ ثناء الناس عليهم، فزلَّت بهم أقدامُهم، فهَوَوْا في النار، فلا يَغُرَّنَّكَ حِلمُ اللهِ عليكَ، وكثرةُ ثناءِ الناسِ عليكَ، فتزلَّ بكَ قَدَمُكَ"، لا إله إلا الله، محمد رسول الله.

 

فإن تركت الأمة هذه الثوابت وقعت في السخط لا محالة، ويكره لكم ثلاثًا، ويسخط لكم ثلاثًا: "قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال"، فما أفسد المجتمعَ اليوم أكثرُ من قيل وقال، هبوط وانحدار من العمل إلى القيل والقال، قالوا، هم يقولون، إشاعات، إفساد، أبواق إعلامية مسخَّرة للقيل والقال، خوضٌ بالأعراض، قلبٌ للحقائق، كفى بالمرء كذبًا أن يُحدِّث بكل ما سمع، فتنافرتِ القلوبُ، وتفرقت الجماعة، ووقعت النزاعات في البيت الواحد، قال الحسن البصري -رحمه الله-: "من علامة إعراض الله عن العبد أن يجعل شُغلَه فيما لا يعنيه".

 

أيها الشاب المرابط: لا تلتفِتْ برحلة رباطك للقيل والقال، ابق بثباتك، على الحق وإن قلَّ سالكوه، تُكفَ كلامَ الناس، فمن انتقد عملَكَ اليومَ سيسألكَ غدًا: كيف نجحتَ؟ أيها الشاب المرابط: أنتَ زخرُ هذه الأمة، أنتَ ركنٌ لبيت المقدس، أنتم الأوتاد للأقصى، (فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[يُوسُفَ: 69].

 

ويسخط لكم: إضاعة المال، فمن أنعم الله عليه بالمال فليحفظ نعمة الله عليه، مخلفات الطعام يوميًّا إضاعة المال، نفقات، إضاءات واحتفالات بأموال الأمة لا تمتُّ للإسلام بصلة إضاعة المال، مفرقعات في مناسباتنا إضاعة المال، قروض بالرِّبا محقٌ للمال، بيع للمحرمات في مطاعمنا، لعنة وإضاعة للمال، فحين ذهبت الأهداف والغايات السامية من فكر الأمة ضيعت أموالها في الشهوات والشبهات.

 

يسخط لكم: "قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال"، أسئلة لا فائدة منها، من التتبع والتجسس والتحسس والفضول، بكم اشتريتَ؟ بكم بعتَ؟ كم تتقاضى؟ كم ربحتَ؟ كم خسرتَ؟ يسخطها الله لكم، وتكون كثرة السؤال أن يصبح المجتمع متسوِّلًا، يدَّعي العجزَ لينال مالًا، يدَّعي البطالةَ ليتقاضى راتبًا، وتتحوَّل المجتمعاتُ من الإنتاجية للاستهلاكية والخمول، خِطط دُبِّرت بِليلٍ؛ لتتسوَّل الشعوبُ الرغيفَ، وتتسوَّل الشعوبُ رواتبَها، فهل يُعقَل أن يستورد المسلمُ قوتَه ولباسَه ويعجَز عن إنتاج أساسياته؟!

 

يسخط لكم كثرة السؤال، فأصبح الرغيف سلاحًا لتكميم الأفواه، وأصبح الدعم مشروطا بالتنازلات.

 

أُمَّةَ الإسلام، أُمَّةَ اليد العليا: عذرًا سيدي يا رسول الله، لا إله إلا الله، محمد رسول الله، فلن يَصلُح هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، "بدأ الإسلام غريبًا، وسيعود غريبًا، فطوبى للغرباء"، "الذين يَصلُحون إذا فسد الناس".

 

أيها الدعاة إلى الله: أنتم القدوة الحسنة لدين الله بأفعالكم، أيها الدعاة إلى الله: آن الأوان لينتشر الدعاة إلى الله خارج المساجد، آن الأوان لتلين الكلمة للشباب، لنجمع الشباب، آن الأوان أن تملأ مساحات الفكر لدى شبابنا وشباتنا، بعظماء الأمة، بأبطال الأمة، بتاريخ الأمة، بأيام الانتصارات؛ (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ)[إِبْرَاهِيمَ: 5].

 

أيها المرابط الكريم، أيها الثابت على الحق: أنت على ثغرة من ثغر الإسلام، فلا يُؤتَيَنَّ مِنْ قِبَلِكَ، آن الأوان أن تتحول بيوتُنا مدرسةً للثوابت وللتذكير بأمجاد الأمة.

 

أيها المرابط: أنتَ المسؤول عن أسرتك، أيتها الأم المرابطة: لا تتركي هذه المسؤولية؛ فإن القيل والقال لا يُنتِج رجالًا، كما لا يُنتِج الشوكُ عِنَبًا.

 

لله درُّكَ يا بن العشر سنين، طفلٌ من قطاعنا، سجَد سجدةً شكَر اللهَ فيها لإتمامه حفظ كتاب الله، وفاضت عيناه بالدموع تعظيمًا وتقديرًا لأُمِّه التي تفرغت له وحفَّظته كتابَ الله، والأمثلة كثيرة في مجتمعنا والحمد لله.

 

أيها المرابطون، أيها الثابتون: إن لم تتحول الموعظة للعمل، يبق خطاب المنابر لأداء الشعائر فحسبُ، ابدأ بخطوة من نفسك، من بيتك، من أسرتك، من أي نقطة تختارها، كفانا شكوًا وضجرًا.

 

فإن شكوتَ لمن طاب الزمان له *** عيناك تغلي ومن تشكو له صنم

وإذا شكوتَ لمن شكواكَ تُسعِدُه *** أَضَفْتَ جُرحًا لجرحك اسمه الندم

هَلِ الشكوى يومًا بَنَتْ أُمَّةً؟! *** أم التعازي بديل إن هوت قيم؟!

فَالزَمْ همومَكَ واسرج ظهرها فرسًا *** فلا اليأس ثوبنا ولا الأحزان تكسرنا

مَنْ سوى الله نأوي تحت سدرته *** ونستغيث به عونًا ونعتصم

 

هذه الأجيال الصاعدة مسؤوليتكم أيها المرابطون، مسؤوليتكم أيها الدعاة إلى الله؛ (وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ)[مُحَمَّدٍ: 35].

 

ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله الذي ليس لقضائه دافع، ولا لعطائه مانع، ولا تضيع عنده الودائع، وأشهد ألَّا إلهَ إلا الله، يُجيب مَنْ ناداه، ويُدرك مَنْ لاذ بحماه، وينصر مَنْ نصَر دينَه ويتولاه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا رسول الله، صلاةُ ربي وسلامُه عليكَ سيدي يا رسول الله.

 

اللهم احفظ المسجد الأقصى من كيد الكائدين، واجعله عامرًا بالإسلام والمسلمين، واجعلنا فيه من جندك المرابطين إلى يوم الدين، اللهم أطلِقْ سراحَ أبنائنا المعتقَلين، من المعتقَلين والمعتقَلات يا رب العالمين، اللهم خفِّف عنهم همَّهَم، اللهم خفِّف عنهم البردَ في هذه الأيام، وارفع الحصار عن إخوتنا المحاصَرين، وارحم شهداءنا وشهداء المسلمين.

 

اللهم اشف مرضانا، وداو جرحانا، وآمِنْ روعاتنا، يا أرحم الراحمين، اللهم يا من جعلت الصلاة على النبي من القُرُبات، نتقرب إليك بكل صلاة صُليت عليه من أول النشأة إلى ما لا نهاية للكمالات.

 

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصَّافَّاتِ: 180-182]، وأقِمِ الصلاةَ.

 

 

المرفقات

اغتنم خمسا قبل خمس.doc

اغتنم خمسا قبل خمس.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات