عناصر الخطبة
1/ حديثٌ شريفٌ مُبيِّنٌ للكفارات الثلاث والدرجات الثلاث 2/ شرحٌ لهذا الحديث الشريف وبيانٌ لهداياتهاقتباس
روى الطبراني في الأوسط عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاث كفارات, وثلاث درجات. فأما الكفارات: فانتظار الصلاة بعد الصلاة, وإسباغ الوضوء في السبرات, ونقل الأقدام إلى الجماعات. وأما الدرجات: فإطعام الطعام, وإفشاء السلام, والصلاة بالليل والناس نيام".
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: عباد الله، اتقوا الله -تعالى-, واستعدوا قبل الموت لما بعد الموت, وتزودوا فإن خير الزاد التقوى, واعلموا أن العبد الموفق من استغل وقته وصحته ونشاطه فيما يقربه إلى الله.
روى الطبراني في الأوسط عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاث كفارات, وثلاث درجات. فأما الكفارات: فانتظار الصلاة بعد الصلاة, وإسباغ الوضوء في السبرات, ونقل الأقدام إلى الجماعات. وأما الدرجات: فإطعام الطعام, وإفشاء السلام, والصلاة بالليل والناس نيام".
فالأولى من الكفارات: انتظار الصلاة بعد الصلاة؛ والمراد بها تعلق القلب بالصلاة والمسجد, كلما فرغ من فريضة تعلق قلبه بالتي بعدها, فتجده مشغولاً بهذه العبادة قلبا وقالبا, فِكْره مشغول بها, وبدنه مشغول بأدائها والمواظبة عليها.
وقد دلت الأدلة أن ذلك من الرباط, وصاحبه من السبعة الذين يُظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله. إذا صلى فريضة انشغل بالتي بعدها, وإذا خرج من المسجد, انشغل بالعودة إليه.
الثانية من الكفارات: إسباغ الوضوء في السبرات، أي: المكاره, عندما يثقل الوضوء على العبد بسبب البرد, أو الكسل عنه, فإنه يعظم أجره؛ ولذلك صارت المحافظة على الوضوء لكل صلاة من علامات الإيمان, حتى لو كان المسلم على طهارة؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "ولا يُحافظ على الوضوء إلا مؤمن".
وقد دلت السنة على استحباب الوضوء بعد كل حدث, وكذلك عند كل صلاة. والإسباغ هو الإحسان وموافقة السنة.
الثالثة من الكفارات: نقل الأقدام إلى الجماعات: أي: الذهاب إلى المسجد لأداء الفريضة سيراً على الأقدام, لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا توضأ أحدكم فأحسن الوضوء ثم أتى المسجد لا ينهزه إلا الصلاة، لا يريد إلا الصلاة، لم يخط خطوة إلا رفعه الله بها درجة، وحط عنه بها خطيئة، حتى يدخل المسجد".
وكلما كثرت الخطى كان الأجر أعظم, وكلما كان الطريق أشق كان الثواب أكثر؛ ولذلك صار المشي في الظُّلَم أعظم من غيره, لقوله -عليه الصلاة والسلام-: "بشِّر المشَّائين في الظُلَم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة".
فيا له من ثواب عظيم, فرَّط فيه كثير من الناس اليوم! فالمسلم الذي يواظب على صلاة الفجر من أعظم المجاهدين, حيث جاهد نفسه:
أولا: على الاستيقاظ وهجر الفراش والراحة.
ثانيا: إسباغ الوضوء, وإذا كان جنباً اغتسل.
ثالثاً: ذهابه إلى المسجد وقت السكون والظلمة وقلة المُعين.
وهذا العمل ليس مقصوراً على يوم أو يومين, أو شهر أو شهرين، وإنما دائم مستمر. فيا له من جهادٍ وصبرٍ ومصابرةٍ!.
وأما الدرجات فثلاث أيضاً، أولها: إفشاء السلام، أي: بذله للمسلمين, مَن عرفهم, ومن لم يعرفهم؛ لأن ذلك من حقوقهم عليه.
وأفضل المسلمين من يسبق أخاه المسلم بالسلام، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام".
وبذل السلام من أسباب انتشار المودة والمحبة, لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم".
فيسلّم الراكب على الماشي, والماشي على القاعد, والقليل على الكثير, كما أخبر بذلك الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
ويعظم أجر السلام إذا كان بينك وبين أخيك شحناء فَبَدَأْتَه بالسلام؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثٍ, يلتقيان, فيصد هذا, ويصد هذا, وخيرهما الذي يبدأ بالسلام".
وإياك أيها المسلم, أن تبذل السلام على من عرفت فقط! فإن ذلك من ضعف الأخوة, ومن علامات الساعة التي ذكرها النبي -صلى الله عليه وسلم-.
الثانية من الدرجات: إطعام الطعام، أي: بذله للضعيف, والفقير, والمحتاج, والجار, والقريب؛ ويدخل في ذلك إكرام الضيف, وكلما عَظُمَت الحاجة صار أجره أعظم.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: الثالثة من الدرجات: الصلاة بالليل والناس نيام، فهي أفضل صلاة بعد الفريضة. والمراد: الصلاة في جوف الليل, أو ثلثه الأخير, قال -تعالى-: (كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الذاريات:17-18]، وقال -تعالى-: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) [السجدة:16].
والمداومة على القيام دليل على حرص العبد, وصلاحه, وصدقه, وإخلاصه، وهو شرف المؤمن؛ لقوله -عليه الصلاة والسلام-: "أتاني جبريل، فقال: يا محمد, عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس".
ورُوِي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "عليكم بقيام الليل، فإنه دأب الصالحين قبلكم، ومقربة لكم إلى ربكم، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم، ومطردة للداء عن الجسد".
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل.
اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم