عناصر الخطبة
1/الرؤيا الصالحة من المبشرات 2/أقسام الرؤيا 3/الفرق بين الرؤيا والحلم 4/آداب الرؤيا 5/نصيحة حول كثرة المعبريناقتباس
والرؤيَا مِنَ اللهِ، والحلمُ مِنَ الشيطانِ؛ فإذَا رأى المسلمُ رُؤيَا يُحِبُّهَا فَلْيَحْمَدِ اللهَ عليهَا، وَلْيُحَدِّثْ بِهَا مَنْ يُحِبُّ، وإذا رَأَى مَا يكرهُ فإنمَا هِيَ مِنَ الشيطانِ...
الخُطْبَةُ الأُوْلَى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مِنَ الْمُبَشِّرَاتِ الصَّادِقَةِ الَّتِي تَكُونُ لِلْمُؤْمِنِ الرُّؤَى الصَّالِحَةُ الَّتِي يَرَاهَا أَوْ تُرَى لَهُ؛ قَالَ رَسُولُ اللهِ: “لَمْ يَبْقَ مِنَ النُّبُوَّةِ إلَّا الـمُبَشِّراتُ. قَالُوا: وَمَا الْمُبَشِّراتُ؟ قَالَ: الرُّؤْيا الصَّالِحَةُ”(رواه البخاري)؛ فَمِنْ رَحْمَةِ اللهِ بِالْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُ يُبَشِّرُهُمْ وَيُعْطِيهِمُ الْبُشْرَى بِالرُّؤْيَا الصَّادِقَةِ فِي الْمَنَامِ؛ الَّتِي يَرَاهَا الشَّخْصُ الصَّالِحُ فِي النَّوْمِ أَوْ يَرَاهَا لَهُ غَيْرُهُ، وَكُلَّمَا كَانَ الْمَرْءُ أَكْثَرَ إِيمَانًا وَتَقْوًى، كَانَتْ رُؤْيَاهُ أَكْثَرَ صِدْقًا وَتَحَقُّقًا، وَالْمُبَشِّرَاتُ هِيَ الأَخْبَارُ السَّارَّةُ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ.
وَقَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ الْمُصْطَفَى عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ أَنَّ الرُّؤَى ثَلاَثَةُ أَقْسَامٍ، كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: “إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا الْمُسْلِمِ تَكْذِبُ، وَأَصْدَقُكُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُكُمْ حَدِيثًا، وَرُؤْيَا الْمُسْلِمِ جُزْءٌ مِنْ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ، وَالرُّؤْيَا ثَلاثَةٌ: فَالرُؤْيَا الصَّالِحَةُ بُشْرَى مِنَ اللَّهِ، وَرُؤْيَا تَحْزِينٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَرُؤْيَا مِمَّا يُحَدِّثُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ، فَإِنْ رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ فَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ وَلا يُحَدِّثْ بِهَا النَّاسَ...”(رواه مسلم).
وَقَدْ بَيَّنَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَرْقَ بَيْنَ الرُّؤْيَا وَبَيْنَ الْحُلْمِ، فَقَالَ: “إِذَا رَأَى أَحَدُكُمُ الرُّؤْيَا يُحِبُّهَا فَإِنَّهَا مِنَ اللَّهِ، فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَلَيْهَا وَلْيُحَدِّثْ بِهَا، وَإِذَا رَأَى غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَكْرَهُ فَإِنَّمَا هِيَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ شَرِّهَا وَلا يَذْكُرْهَا لِأَحَدٍ؛ فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ”(رواه البخاري] فَتَبَيَّنَ أَنَّ الرُّؤْيَا الطَّيِّبَةَ السَّارَّةَ مِنَ اللهِ، وَأَنَّ الرُّؤْيَا السَّيِّئَةَ الَّتِي يَكْرَهُهَا الإِنْسَانُ فَإِنَّهَا حُلْمٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَعِيذَ مِنْ شَرِّهَا.
وَأَرْشَدَنَا رَسُولُنَا إِلَى جُمْلَةٍ مِنَ الآدَابِ فِيمَا نَرَاهُ مِنَ الرُّؤَى الْمُحْزِنَةِ فِي مَنَامِنَا، فَأَهَمُّ الآدَابِ:
أَوَّلاً: أَنْ يَعْلَمَ الرَّائِي أَنَّ هَذَا الْحُلْمَ الْمُحْزِنَ الْمُزْعِجَ إِنَّمَا هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ يُرِيدُ إِحْزَانَهُ فَلْيُرْغِمِ الشَّيْطَانَ وَلاَ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ؛ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللَّهِ وَالْحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ”(رواه البخاري).
ثَانِيًا: الاِسْتِعَاذَةُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَمِنْ شَرِّ هَذِهِ الرُّؤْيَا، وَالنَّفْثُ عَنْ يَسَارِهِ ثَلاَثًا، ثُمَّ يَتَحَوَّلْ عَنْ جَنْبِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ؛ فَإِنْ كَانَ عَلَى جَنْبِهِ الأَيْسَرُ تَحَوَّلَ لِلأَيْمَنِ وَالْعَكْسُ بِالْعَكْسِ؛ فَعَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: “إِذَا رَأَى أَحَدُكُمُ الرُّؤْيَا يَكْرَهُهَا فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا، وَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ ثَلَاثًا، وَلْيَتَحَوَّلْ عَنْ جَنْبِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ”(رواه مسلم)، وَفِي رِوَايَةٍ، قَالَ: “فَلْيَنْفُثْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلاثًا وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا؛ فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ”(رواه مسلم).
ثَالِثًا: أَنْ لاَ يُحَدِّثَ بِهَا أَحَدًا، وَأَنْ يَقُومَ فَيُصَلِّيَ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: “الرُّؤْيَا ثَلاَثٌ: فَبُشْرَى مِنَ اللَّهِ، وَحَدِيثُ النَّفْسِ، وَتَخْوِيفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ؛ فَإِنْ رَأَى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا تُعْجِبُهُ فَلْيَقُصَّ إِنْ شَاءَ، وَإِنْ رَأَى شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلا يَقُصَّهُ عَلَى أَحَدٍ وَلْيَقُمْ يُصَلِّي”(رواه ابن ماجه، وصححه الألباني).
وَعَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لأَعْرَابِيٍّ جَاءَهُ فَقَالَ: إِنِّي حَلَمْتُ أَنَّ رَأْسِي قُطِعَ فَأَنَا أَتَّبِعُهُ، فَزَجَرَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ: “لا تُخْبِرْ بِتَلَعُّبِ الشَّيْطَانِ بِكَ فِي الْمَنَامِ”(رواه مسلم).
اللَّهُمَّ احْفَظنَا بالإِسْلاَمِ قائِميِنَ، واحْفَظْنَا بالإِسْلاَمِ قاعِدِيِنَ، واحْفَظنَا بالإِسْلاَمِ راقِدِيِنَ، ولا تُشْمِتْ بِنَا أَعْدَاءً ولا حاسِدِيِنَ، يَا رَبَّ الْعَالَمِيِنَ.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ:
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ مِمَّا يُلاَحَظُ فِي هَذَا الزَّمَنِ كَثْرَةَ الْمُعَبِّرِينَ لِلرُّؤَى عَبْرَ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الْمُخْتَلِفَةِ، الَّذِينَ يَجْهَلُونَ مَبَادِئَ التَّعْبِيرِ لَهَا لِقِلَّةِ عِلْمِهِمْ، وَعَدَمِ إِدْرَاكِهِمْ لِلتَّعْبِيرِ، وَأَنَّ التَّعْبِيرَ فَتْوَى؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ)[يوسف: 43].
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْفَتْوَى بَابُهَا الْعِلْمُ، لاَ الظَّنُّ وَالتَّخَرُّصُ، وَلَعَلَّ مِنْ أَبْرَزِ الأَسْبَابِ الَّتِي دَفَعَتْهُمْ لِلْوُقُوعِ فِي هَذَا الأَمْرِ الْعَظِيمِ: أَكْلَ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ، أَوِ التَّسَلُّقَ عَلَى مَنَامَاتِهِمْ لِبُلُوغِ الشُّهْرَةِ وَانْتِشَارِ الصِّيتِ؛ فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-، وَاحْرِصُوا عَلَى الْعَمَلِ بِالآدَابِ النَّبَوِيَّةِ فِي يَقَظَتِكُمْ وَنَوْمِكُمْ لِتَنْعَمُوا بِالْخَيْرِ الَّذِي دَلَّكُمْ إِلَيْهِ نَبِيُّكُمْ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -. هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا”(رَوَاهُ مُسْلِم).
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم