تعلم قبل أن تعمل

صلاح بن محمد البدير

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ الفقهُ في الدين أنفسُ ذخيرةٍ 2/ معرفةُ أحكام الشريعة فضيلةٌ عظيمةٌ 3/ شروط العبادات والطاعات 4/ ضرورة التعلم لمن رام طاعة أو عبادة 5/ واجب العلماء والفقهاء

اقتباس

ومن عبَدَ اللهَ حقَّ عبادته لم يطُفْ بقبرٍ أو ضريحٍ؛ لأن الطوافَ لا يُشرَعُ إلا بالكعبةِ المُشرَّفة، ولم يذبَح لقبرٍ أو جنٍّ أو شياطين، ولم يُعلِّق تمائمَ وعزائِم وخيوطًا وحروزًا على صدره وبدنه يعتقِدُ نفعَها وتأثيرَها. ومن عظَّمَ اللهَ حقَّ تعظيمه لم يسأل أمواتًا مددًا، ولم يتَّخِذ أضرِحةً ورُفاتًا عونًا وسنَدًا ..

 

 

 

 

الحمد لله الذي حكَم فأحكَم، وحلَّل وحرَّم، أحمدُه على ما عرَّف وعلَّم، وفقَّهَ في دينه وفهَّم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه، صلاةً وسلامًا دائمَيْن مُمتدَّين مُتلازِمَيْن إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيا أيها المسلمون: اتقوا الله؛ فبالتقوى تحصُل البركة، وبالعلمِ تندفِعُ الهَلَكة: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) [الطلاق: 4].

أيها المسلمون: الفقهُ في الدين أنفسُ ذخيرةٍ تُقتَنى، وأطيبُ ثمرةٍ تُجتَنى، وعلمُ الفقهِ من أشرف العلوم قدرًا، وأعظمها أجرًا، وأتمِّها عائِدة، وأعمِّها فائِدة، وأعلاها مرتَبة، وأسماها منقَبة.

وإني لا أستطيعُ كُنْهَ صفاته *** ولو أنَّ أعضائي جميعًا تكلَّموا

فعن مُعاوية -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من يُرِد اللهُ به خيرًا يُفقِّهْه في الدين". متفق عليه.

وعن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: "نِعمَ النساء نساءُ الأنصار؛ لم يمنَعهنَّ الحياءُ أن يتفقَّهنَ في الدين". أخرجه مسلم.

وقال -جلَّ في عُلاه-: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) [التوبة: 122].

ومعرفةُ أحكام الشريعة فضيلةٌ عظيمةٌ، ومرتبةٌ شريفةٌ، وجليلةٌ وفريضةٌ، والجهلُ بأمور الدين نقيصةٌ وخطيئةٌ.

فبالعلمِ النجاةُ من المخازي *** وبالجهل المذلَّةُ والرَّغامُ

ومن عبَدَ اللهَ بلا علمٍ ولا فقهٍ ولا سُنَّةٍ ولا اتباعٍ هامَ في ضلالته، ولج في إساءته، وشقِيَ في جهالته، وما انتفعَ بشيءٍ من عبادته.

قال عمرُ بن عبد العزيز -رحمه الله تعالى-: "من عبَدَ اللهَ بغير علمٍ كان ما يُفسِد أكثرَ مما يُصلِح".

وقال الثوريُّ -رحمه الله تعالى-: "تعوَّذوا بالله من فتنةِ العالِم الفاجرِ، والعابِد الجاهل؛ فإن فتنتَهما فتنةٌ لكل مفتونٍ".

وهل ظهَرت الفتنُ والمُخالفات، وانتشَرت الخُرافات والخُزعبلات، والبدعُ والضلالات، والزيادات والمُخترَعات إلا بسببِ ترك التفقُّه في الدين؟!

أيها المسلمون: وليس يكفِي في العبادات صُورُ الطاعات؛ بل لا بُدَّ من كونها على وفق الكتاب والسُّنَّة.

قال بعضُ السلف: "لا يستقيمُ قولٌ إلا بعملٍ، ولا قولٌ وعملٌ إلا بنيَّة، ولا قولٌ ولا عملٌ ولا نيَّةٌ إلا بمُوافقة السُّنَّة".

لذا كانت معرفةُ ما كان عليه النبي المُكرَّم والرسولُ المُعظَّم نبيُّنا وسيدُنا محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- في عباداته أولَى ما اشتغلَ به المُسلم، واستغرقَ الأوقاتَ في تحصِيله، وبذَلَ الوُسعَ في إدراكِه.

وعلى المُكلَّف تعلُّمُ ما لا يتأتَّى الواجبُ الذي تعيَّن عليه فعلُه إلا به؛ ككيفية الوضوء والطهارة، والصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، وغيرها.

ويتعيَّن على من أراد بيعًا أو نِكاحًا وشِبهَهما أن لا يقدُمَ على شيءٍ من ذلك إلا بعد تعلُّم كيفيَّته ومعرفة شرطِه، ويجبُ أن يكون العلمُ مُقدَّمًا على العمل؛ لأنه يحرُسُ العملَ عن الفساد والاختلال، والانحِرافِ والضلال.

وحريٌّ بمن قصَدَ الديارَ المُقدَّسةَ لأداء فريضة الحجِّ وهجَرَ بلادَه، وتركَ أهلَه وأولادَه، وأنفقَ مالَه وحلالَه، وتجشَّمَ المشاقَّ لأداء فرضه، حريٌّ به أن يبذُل وُسعَه وجهدَه في طلب فقهِ حجَّته، ومعرفة صفات أدائها، وشروط إجزائها، وما يجبُ لإتمامِها وإكمالِها، ومعرفة كيف حجَّ سيدُ الخلق مُحمدٌ -صلى الله عليه وسلم- القائل: "خُذوا عني مناسِكَكم"، ليُؤدِّي فريضتَه على وفق الكتاب والسُّنَّة، ويحظَى بشرف المُتابعة، ويفوزَ بالرِّضا والقبول.

ولا يسألُ الحاجُّ عن أمور حجِّه إلا من يثِقُ في دينه وأمانته وعلمِه، ولا يستفتِ مجهولاً أو غريبًا لا يعرفُ أهلِيَّتَه وقُدرتَه وتمكُّنَه.

وعلى العُلماء والفُقهاء أن يعقِدوا الدروسَ والحِلَق ومجالِسَ الفقه والذكر في أشهُر الحجِّ، ويُعلِّموا الناسَ فقهَ المناسِك، وأحكامَ الحجِّ، وآدابَ الزيارة، ويُؤدُّوا زكاةَ علمِهم وفقهِهم.

تفـقَّه فـإن الفقهَ أفضلُ قائدٍ *** إلى الـبرِّ والتقـوى وأعدلُ قاصِدِ
هو العلَمُ الهادي إلى سَنَنِ الهُدى *** هو الحِصنُ يُنجِي من جميع الشدائدِ

بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعَني وإياكم بما فيهما من الآيات والبيِّنات والعِظات والحِكمة، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ؛ فاستغفروه، إنه كان للأوابين غفورًا.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقه وامتِنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رِضوانه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

فيا أيها المسلمون: اتقوا الله وراقِبوه، وأطيعوه ولا تعصُوه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة: 119].

أيها المسلمون: وأنفسُ العلوم وأجلُّها قدرًا: علمُ التوحيد وهو الفقهُ الأكبر، سمَّاه بذلك الإمامُ أبو حنيفة -رحمه الله تعالى-.

وإذا أردتَ من العلوم أجلَّها *** نفعًا وأزكاها وأعلى المَطلَبِ
فعـلومُ توحيدِ الإلهِ وبعدَهُ *** فقهٌ بدينٍ فهو أعلى المكسَبِ

ومن عرَفَ اللهَ حقَّ معرفته لم يسجُد لمخلوقٍ مثلِه، ولم يخِرَّ راكعًا له ولو كان عالِمًا أو إمامًا أو ملِكًا؛ فعن أنسٍ -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يصلُح لبشرٍ أن يسجُد لبشرٍ". أخرجه أحمد.

ومن عبَدَ اللهَ حقَّ عبادته لم يطُفْ بقبرٍ أو ضريحٍ؛ لأن الطوافَ لا يُشرَعُ إلا بالكعبةِ المُشرَّفة، ولم يذبَح لقبرٍ أو جنٍّ أو شياطين، ولم يُعلِّق تمائمَ وعزائِم وخيوطًا وحروزًا على صدره وبدنه يعتقِدُ نفعَها وتأثيرَها.

ومن عظَّمَ اللهَ حقَّ تعظيمه لم يسأل أمواتًا مددًا، ولم يتَّخِذ أضرِحةً ورُفاتًا عونًا وسنَدًا، يرجُو منهم العافيةَ والشفاءَ، والوصلَ والعطاءَ.

وكيف يُنادَى مخلوقٌ ميِّتٌ؟! وكيف يُستغاثُ به ويُتَّخذُ وسيطًا واللهُ هو الحيُّ الغنيُّ الوليُّ، السميعُ البصيرُ، القادِرُ القاهِرُ، المُدبِّرُ للكون ومن فيه، يسمَعُ نداءَ من ناداه، ويرفَعُ عنه ضُرَّه وبلواه، لا إله إلا هو، ولا معبودَ بحقٍّ سِواه.

فتفقَّهوا في دينِكم، وحاذِروا الجهلَ؛ فإنه رأسُ البلاء وأساسُ الشقاء.

ثم صلُّوا وسلِّموا على خيرِ الورَى؛ فمن صلَّى عليه صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا.

اللهم صلِّ وسلِّم على نبيِّنا وسيِّدِنا محمدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة، أصحاب السنَّة المُتَّبعة: أبي بكر، وعُمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الآل والصحابة أجمعين، وتابعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمِك وجُودِك يا كريم.

اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، ودمِّر أعداء الدين، وانصُر إخوانَنا في سُوريا على القوم المُجرمين، والقتَلَة المُعتدين يا رب العالمين.

اللهم طهِّر المسجدَ الأقصى من رِجس يهود، اللهم طهِّر المسجدَ الأقصى من رِجس يهود، اللهم عليك باليهود الغاصِبين، والصهايِنة الغادِرين، اللهم عليك بهم فإنهم لا يُعجِزونك يا رب العالمين.
 

 

 

 

المرفقات

قبل أن تعمل

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات