عناصر الخطبة
1/ تعلق القلوب ببيت الله الحرام 2/ القول بالقعود عن الحج بسبب الزحام مخالف لتعلق القلوب بالبيت الحرام 3/ الترغيب في متابعة الحجاقتباس
يتذكر المؤمن ويتنبه الغافل ويتعلم الجاهل أن ما بدأ يظهر على أفواه بعض المتعالمين أو المتعلمين الذين لم يدركوا حكم وأسرار الاستسلام الصادق في العبادات، وأثر ذلك على أهله وعلى الأمة التي يعيشون في أوساطها أن القول بأفضلية القعود عن حج النافلة من أجل التخفيف مصادمة لفطر المسلمين وقلوبهم المتعلقة ببيت الله الحرام، ومخالفة لنداء خليل الله إبراهيم ..
الحمد لله.
أيها الأخوة المؤمنون: لقد جاءت نصوص الشريعة الغراء قرآناً وسنة بدلالتها الواضحة ومقتضياتها وبياناتها الشافية الكافية والدالة على ارتباط وتعلق قلوب أفراد المسلمين ببيت الله الحرام ارتباطاً طبعياً وتعلقاً شرعياً، قال تعالى عن نبيه إبراهيم -عليه الصلاة والسلام-: (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) [إبراهيم:37]
وقال سبحانه: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً) [البقرة:125] قال ابن عباس -رضي الله عنه- فيما رواه عنه ابن جرير وغيره: "لا يقضون منه وطراً يأتونه ثم يرجعون إلى أهليهم ثم يعودون إليه"، وأنشد القرطبي في هذا المعنى قول الشاعر:
جعـل البيت مثابـاً لـهم *** ليس منه الدهر يقضون الوطر
وأنشد غيره في الكعبة:
لا يرجع الطرف حين ينظرها *** حتى يعود إليها الطرف مشتاقا
وقال -عليه الصلاة والسلام- فيما رواه مسلم -رحمه الله-: "بدأ الإسلام غريباً وسيعود غربياً وهو يأزر بين المسجدين"، وفسر يأزر بمعنى ينضم ويتجمع، وفي معناه العام ما يفيد تعلق قلوب المسلمين بمشاعرهم.
وكما دلت النصوص على تعلق وارتباط قلوب المسلمين ببيت الله الحرام، فقد رغبت في متابعة حجه، وأبانت آثار ذلك على أهله في الدنيا والآخرة، أبانته بما يدفع النفوس المسلمة إلى المسارعة والمبادرة في طلب ذلك الفضل، بل ويهون عليها أنواع المتاعب والمشاق وأنواع الإعطاء والإنفاق، قال تعالى: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً) [آل عمران:96-97] وقال: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ) [الحج:27-28]
وروى البخاري ومسلم -رحمهما الله- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أي العمل أفضل؟ قال: "إيمان بالله ورسوله قيل: ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور".
وقال الخليفة الراشد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "شدوا الرحال في الحج فإنه أحد الجهادين" رواه البخاري. وروى أحمد وغيره بإسناد صحيح أن عائشة -رضي الله عنها- قالت: يا رسول الله هل على النساء جهاد؟ قال: "نعم، عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة".
وروى أحمد عن زيد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "النفقة في الحج كالنفقة في سبيل الله بسبعمائة ضعف" وروى الترمذي وابن خزيمة وابن حبان وغيرهم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد".
وبهذا وغيره -أيها الأخوة- يتذكر المؤمن المنصف أن عبادة الله الحج عبادة عظيمة تحلق فيها روح المؤمن وافدة على الله بين جناحين عظيمين قويين: بين العبادة البدنية التي يتجلى فيها بذل الجهد البدني ابتغاء مرضاة الله. "أضح لمن أحرمت له" رواه البيهقي بسند صحيح. نيل الأوطار جـ3 ص86.
والعبادة المالية التي يتجلى فيها بذل الجهد المالي إنفاقاً في سبيل الله، النفقة في الحجة كالنفقة في سبيل الله بسبعمائة ضعف نعم، يتذكر المؤمن ويتنبه الغافل ويتعلم الجاهل أن ما بدأ يظهر على أفواه بعض المتعالمين أو المتعلمين الذين لم يدركوا حكم وأسرار الاستسلام الصادق في العبادات، وأثر ذلك على أهله وعلى الأمة التي يعيشون في أوساطها أن القول بأفضلية القعود عن حج النافلة من أجل التخفيف مصادمة لفطر المسلمين وقلوبهم المتعلقة ببيت الله الحرام، ومخالفة لنداء خليل الله إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام الذي أنزله الله على رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- تشريعاً ثابتاً قائماً إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.
قال تعالى مخاطباً عباده المؤمنين: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَاناً) [المائدة:2] أي لا تحلوا لأنفسكم رد قاصدي البيت الحرام، وقال تعالى عاتباً على المشركين ومنذراً عباده المؤمنين أني يفعلوا مثل فعلهم أو يتسببوا في أي عمل يشبه عمل المشركين: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ* وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ* وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ* لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ) [الحج:25-28]
فاتقوا الله -عباد الله-، وجانبوا هذا القول، واغتنموا الفرص بمتابعة الحج الفرص التي قد لا تعوض بغيرها، فهي فرص يجتمع للعامل فيها شرف الزمان والمكان ونزول القرآن، وشرف حضور أكبر مجمع وأروع مشهد يتجلى فيه الحق تعالى لعباد ويباهي بهم ملائكته.
روى الإمام مسلم -رحمه الله- عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو -يتجلى- ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ماذا أراد هؤلاء".
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم