عناصر الخطبة
1/للمسلم حرمة في حياته وبعد موته 2/أحاديث النبي في حرمة أذية الميت 3/حكم نبش قبر الميت 4/التحذير من تعظيم القبور 5/السنة في زيارة قبر النبي-عليه الصلاة والسلام-.اقتباس
الأصل عند أهل العلم هو حرمة نبش قبور المسلمين؛ لأن نبشها يعتبر انتهاكاً لحرمةٍ أوجب الشرع حفظها وصيانتها، وقد قرر الفقهاء أنه لا يجوز نبش قبر الميت إلا لعذر شرعي وغرض صحيح. فالأصل هو حرمة نبش القبور إلا في حالاتٍ خاصة بينها الفقهاء، وقد لعن النبي -صلى الله عليه وسلم- نباش القبور...
الخطبة الأولى:
الحمد فضلنا على كثير ممن خلق تفضيلا, أوجدنا من عدم, وأسبغ علينا النعم, ورفعنا بنعمة التوحيد, أحمد -سبحانه- وأشكره على جزيل نعمائه ووافر عطائه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في أُلوهيته وربوبيته وفي أسمائه وصفاته, جل عن الند وعن الشبيه وعن المثيل وعن النظير, ليس كمثله شيء وهو السميع البصير, وأشهد أن محمد عبده ورسوله, خير الورى وأفضل الأنام, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الكرام, وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد: فأُوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله -عز وجل-, فهي شعار الموحدين ومنار المسلمين (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102], (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70، 71].
أيها الناس: لقد خلقنا الله في أحسن تقويم وصورنا في أحسن صورة, وعدّلنا وركبنا في أحسن خلقٍ وهيئةٍ, وفضلنا على كثير مما خلق تفضيلا, وسخر لنا ما في السموات والأرض جميعا منه؛ فضلاً ومنةً وتكريما, فحمداً لك ربنا على نعمك الكثيرة والآئك العظيمة.
ولقد جعل الله للمسلم حرمة في حياته وحرمة بعد موته, فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن كسر عظم المؤمن ميتاً مثل كسره حياً" [رواه أبو داود وابن ماجة وأحمد وغيرهم وصححه الألباني]. وجاء في رواية أخرى عند ابن ماجة: "كسر عظم الميت ككسر عظم الحيّ في الإثم".
وروى البخاري بإسناده عن عطاء قال حضرنا مع ابن عباس جنازة ميمونة بسرف -موضع قريب من التنعيم بضواحي مكة المكرمة- فقال ابن عباس: "هذه زوجة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإذا رفعتم نعشها فلا تزعزعوها ولا تزلزلوها وارفقوا". قال الحافظ ابن حجر: قوله: "وارفقوا" إشارة إلى أن مراده السير الوسط المعتدل، ويستفاد منه أن حرمة المؤمن بعد موته باقية كما كانت في حياته، وفيه حديث: "كسر عظم المؤمن ميتاً ككسره حياً" [أخرجه أبو داود وابن ماجة وصححه ابن حبان].
وعن عمارة بن حزم قال: رآني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالساً على قبر, فقال: "يا صاحب القبر! انزل عن القبر لا تؤذي صاحب القبر ولا يؤذيك". [رواه الطبراني في الكبير وقال الحافظ ابن حجر: إسناده صحيح، وصححه الألباني]. وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: "أذى المؤمن في موته كأذاه في حياته" [رواه ابن أبي شيبة في المصنف]. وأخرج سعيد بن منصور عن ابن مسعود -رضي الله عنه-: أنه سئل عن الوطء على القبر فقال: "كما أكره أذى المؤمن في حياته فإني أكره أذاه بعد موته".
أيها المؤمنون: إذا تقرر هذا فإن الأصل عند أهل العلم هو حرمة نبش قبور المسلمين؛ لأن نبشها يعتبر انتهاكاً لحرمةٍ أوجب الشرع حفظها وصيانتها، وقد قرر الفقهاء أنه لا يجوز نبش قبر الميت إلا لعذر شرعي وغرض صحيح.
فالأصل هو حرمة نبش القبور إلا في حالاتٍ خاصة بينها الفقهاء، وقد لعن النبي -صلى الله عليه وسلم- نباش القبور، فقد ورد في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لعن المختفي والمختفية" [رواه البيهقي والحاكم، وصححه الألباني]. والمقصود بالمختفي نباش القبور. واللعن هو الإبعاد من رحمة الله -سبحانه- وتعالى، وقال العلماء: "اللعن على الفعل من أول الدلائل على تحريمه"، واللعن لا يكون إلا على كبائر الذنوب. وقال الحافظ ابن عبد البر: "وفي لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- النباش دليل على تحريم فعله والتغليظ فيه, كما لعن شارب الخمر وبائعها وآكل الربا ومؤكله".
أيها المسلمون: مع كل هذا التكريم والتقدير للمسلمين أحياءً وأمواتا إلا أن الإسلام حذر أشد التحذير من تعظيم القبور، وبخاصة قبور الأنبياء والصالحين، ولذلك نهى عن جملة أشياء تفضي إلى تعظيم القبور منها:
اتخاذها مساجد, روى مسلم في صحيحه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال قبل أن يموت بخمس: "ألا إن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبائهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك". وعن عائشة وابن عباس قالا: "لما نزل برسول الله -صلى الله عليه وسلم- أي في حالة الاحتضار- طفق يطرح خميصة له على وجهه. فإذا اغتم كشفها، فقال وهو كذلك: "لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد, يحذر ما صنعوا". [متفق عليه].
وحذر الإسلام من الصلاة إلى القبور: ففي الحديث: "لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها" [رواه مسلم]. أي: لا تجعلوا القبور في اتجاه القبلة.
وحذر من إضاءتها وإيقاد السرج عليها: في الحديث: "لعن الله زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج" [رواه أحمد والترمذي وغيرهما].
وحذر الإسلام من البناء عليها وتجصيصها: روى مسلم عن جابر قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن تجصيص القبر، وأن يقعد عليه وأن يبني عليه بناء".
وحذر الإسلام من الكتابة عليها :لحديث جابر: "أنه -صلى الله عليه وسلم- نهى أن تجصص القبور وأن يكتب عليها" [رواه أبو داوود والترمذي].
وحذر الإسلام من تعليتها ورفعها: لحديث عليّ: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعثه وأمره ألا يدع قبراً مشرفاً إلا سواه" [رواه مسلم]. كما جاء في سنن أبي داوود نهيه عليه الصلاة والسلام أن يزاد عليها غير ترابها من الأحجار ونحوها, ولهذا كان السلف يكرهون الآجر على قبورهم.
وحذر الإسلام من اتخاذها عيداً: روى داوود عن أبي هريرة مرفوعاً: "لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تجعلوا قبري عيداً، وصلوا على فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم".
وروى أبو يعلي بسنده عن علي بن الحسين, أنه رأى رجلاً يجئ إلى فرجة كانت عند قبر النبي -صلى الله عليه وسلم-, فيدخل فيها ويدعو, فنهاه وقال: ألا أحدثكم حديثاً سمعته عن أبي عن جدي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تتخذوا قبري عيداً, ولا بيوتكم قبوراً, فإن تسليمكم يبلغني حيث كنتم". ومعنى اتخاذ القبر عيداً قصده للاجتماع فيه والقعود عند ونحو ذلك.
وقبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو أفضل قبر على وجه الأرض, فإذا نهى عن اتخاذه عيداً فقبر غيره أولى بالنهى, كائناً من كان. ويكفي أن يصلي ويسلم على الرسول -صلى الله عليه وسلم- فتصله صلاته وسلامه حيثما كان.
أيها الأحبة: مع هذا النهي والتحذير من الغلو في القبور ف أهل السنة اتبعوا قول النبي في حرمة المسلمين في قبورهم, ولم يُعظموا ميتا في قبره ولم يدعوه من دون الله أو يستغيثون به, وأما الصوفية والرافضة والمشركون فعظموا الأموات في قبورهم وغلوا فيهم؛ حتى أشركوا بهم مع الله في العبادة, فهم يستغيثون بالأموات ويستعينون بهم, ويجعلونهم وسائط مبينهم وبين الله؛ فأصبح الناس فريقٌ في الجنة وفريقٌ في السعير.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم