تعظيم السنة وأحوال المستهزئين

الشيخ محمد بن مبارك الشرافي

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/وجوب الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم واتباعه 2/ طاعة الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم واتباعهم له 3/ دفاع السلف عن السنة مَوْقِفُ سَلَف الأُمَّةِ مِمَّنْ عَارَضَ السُّنَّةَ 4/ تَعْجِيلِ عُقُوبَةِ مَنْ لَمْ يُعَظِّمِ السُّنَّةَ

اقتباس

فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ!! فَشَتَّانَ بَيْنَ هَؤُلاءِ الْعُقَلاءِ السَّادَةِ الأَبْرَارِ الأَخْيَارِ الذِينَ مُلِئَتْ قُلُوبُهُمْ بِالْغَيْرَةِ عَلَى إِيمَانِهِمْ، وَالشُّحِّ عَلَى أَدْيَانِهِمْ، وَبَيْنَ زَمَانٍ أَصْبَحْنَا فِيهِ وَنَاسٌ نَحْنُ مِنْهُمْ وَبَيْنَ ظَهْرَانِيهِمْ. فَهَذَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُغَفَّلٍ صَاحِبُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَسَيِّدٌ مِنْ سَادَاتِهِمْ يَقْطَعُ ....

 

 

 

 

الْحَمْدُ للهِ الذِي تَقَدَّسَ وَقَهَر، واصْطَفَى مَنْ شَاءَ بِعَمِيمِ الْخَصَائِصِ الْغُرَر، وَجَمِيلِ الشَّمَائِلِ ما اسْتَكَنَّ مِنْهَا وَمَا ظَهَر، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ تَوَعَّدَ مَنْ حَادَّ أَنْبِيَاءَهُ وَآذَى أَصْفِيَاءَهُ بِسَقَر، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدَاً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ إِمَامُ الْمُتَّقِينَ الْخِيَر، الْمُبَرَّأُ مِنَ النَّقَائِصِ وَالْعُرَر، وَنُشْهِدُ اللهَ الذِي لا إِلَهَ غَيْرُهُ أَنَّا نُفَدِّيهِ بِالطَّارِفِ وَالتَّالِدِ وَالْبِدَر، وَحَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ عَلَى كُلِّ مَنْ سَخِرَ مِنْهُ وَغَدَر، وَصَلَّى اللهُ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى إِخْوَانِهِ مِنَ الأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، وَرَضِيَ اللهُ عَنْ أَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ مَا تَعَاقَبَ بُكُوْرٌ وَسَحَر، وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيرَاً.

 

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ اللهَ خَلَقَ الْخَلْقَ لِيَعْبُدُوهُ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِمُ الرُّسُلَ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمُ الْكُتُبَ، وَقَدْ خَتَمَ عز وجل الرِّسَالاتِ بِمُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وَجَعَلَ رِسَالَتَهُ عَامَّةً لِجَمِيعِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنِّ وَالإِنْسِ، مُسْتَمِرَّةً إِلَى أَنْ يَرِثَ اللهُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا، قَالَ اللهُ -تعالى-: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا)[الأعراف: 158].

 

مَدَحَهُ اللهُ -عز وجل - فِي الْقُرْآنِ وَأَثْنىَ عَلَيْهِ وَكَفَى بِاللهِ شَهِيدَاً، قَالَ تعالى: (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) [التوبة: 128].

 

وَأَمَرَ بِاتِّبَاعِهِ وَجَعَلَ ذَلِكَ مِيزَانَاً لِصِدْقِ مَحَبَّةِ اللهِ، فَقَالَ: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ)[آل عمران: 31-32].

 

وَبَيَّنَ عز وجل أَنَّ كَلامَهُ صلى الله عليه وسلم وَهَدْيَهُ مِنْ عِنْدِ اللهِ، فَقَالَ: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)[النجم: 3-4].

 

فَالإِيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ وَاتِّبَاعُهُ فَرْضٌ، وَمَحَبَّتُهُ لِزَام، عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ"[رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَقَدْ أَخَذَ الصَّحَابَةُ - رضي الله عنهم - بِهَذَا الطَّرِيقِ وَسَارُوا عَلَيْهِ، فَكَانُوا لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - طَائِعِينَ وَلَهُ مُحِبِّينَ، وَكَانَتْ سُنَّتُهُ وَقَوْلُهُ وَهَدْيُهُ عِنْدَهُمْ مُقَدِّمَاً عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَكَلامُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - هُوَ الأَوَّلُ، وَهَدْيُهُ هُوَ الْمُتَّبَعُ، وَشَرْعُهُ هُوَ الْمُطَاعُ؛ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ - رضي الله عنه - جَاءَ إِلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَقَبَّلَهُ، وَقَالَ: "إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ".

 

ثُمَّ جَاءَ التَّابِعُونَ فَسَارُوا عَلَى مَا مَضَى عَلَيْهِ الصَّحَابِةِ - رضي الله عنهم -، وَحَذُوا حَذْوَهُمْ فَأَفْلَحُوا وَنَجَوْا، وَهَكَذَا فَعَلَ تَابِعُ التَّابِعِينَ عَلَيْهِمْ جَمِيعَاً رَحمَةُ اللهِ وَرِضْوَانُهُ.

 

ثُمَّ تَقَادَمَ الْعَهْدُ، وَطَالَ الزَّمَانُ، وَكَثُرَ الْجَهْلُ، وَاخْتَلَطَ النَّاسُ بِالرُّومِ وَالْفُرْسِ، وَتُرِكَ الْعِلْمُ، وَنُسِيَت السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ، واَسْتُهِينَ بِهَا، إِمَّا جَهْلاً بِهَا أَوْ إِعْرَاضَاً عَنْهَا أَوْ غَفْلَةً عَنْ فَضْلِهَا وَوُجُوبِ اتِّبَاعِهِا؛ حَتَى جَاءَ مِنْ أَبْنَاءِ هَذِهِ الأُمَّةِ مَنْ يُعَارِضُ هَدْيَ رَسُولِهِ وَيُجَادِلُ فِي سُنَّةِ نَبِيِّهِ -صلى الله عليه وسلم-، احْتِجَاجاً بِالْعَقْلِ الفَاسِدِ أَوِ اتِّبَاعاً لِلْغَربِ الْمَاجِن، وَلَا نَقُولُ إِلَّا: إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ لَا تُهْلِكْنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: كَانَ سَلَفُنَا الصَّالِحُ - رحمهم الله - يُنَافِحُونَ عَنِ السُّنَّةِ وَيُدَافِعُونَ عَنِ الْهَدْيِ النَّبَوِيِّ كُلَّمَا رَأَوْا مِنَ النَّاسِ تَهَاوُنَاً بِهِ.

 

فَهَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - يُنْكِرُ عَلَى مَنْ عَارَضَ السُّنَّةَ فَيَقُولُ: "يُوشِكُ أَنْ تَنْزِلَ عَلَيْكُمْ حِجَارَةٌ مِنَ السَّمَاءِ، أَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَتَقُولُونَ؛ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَر".

 

قَالَ هَذَا فِي حَقِّ الصِّدِّيقَينِ - رضي الله عنهما -، مَعَ أَنَّهُمَا أَفْضَلُ الأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا - صلى الله عليه وسلم -.

 

وَهَذَا الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رحمه الله - يَقُولُ: "عَجِبْتُ لِقَوْمٍ عَرَفُوا الإِسْنَادَ وَصِحَّتَهُ يَذْهَبُونَ إِلَى رَأْيِ سُفْيَانَ، وَاللهُ -تعالى- يَقُولُ: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[النــور: 63] أَتَدْرِي مَا الْفِتْنَةُ؟ الْفِتْنَةُ الشِّرْكُ، لَعَلَّهُ إِذَا رَدَّ بَعْضَ قَوْلِهِ أَنْ يَقَعَ فِي قَلْبِهِ شَيْءٌ مِنَ الزَّيْغِ فَيَهْلِكَ".

 

وَقَالَ أَيْضَاً: "مَنْ رَدَّ حَدِيثَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَهُوَ عَلَى شَفَا هَلَكَةٍ".

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَقَدْ كَانَ مَوْقِفُ سَلَفِ الأُمَّةِ مِمَّنْ عَارَضَ السُّنَّةَ شَدِيدَاً رَادِعَاً لَهُ وَلِأَمْثَالِهِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ آثَارٌ كَثِيرَةٌ.

 

فَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رضي الله عنهما - فِي رَهْطٍ مِنَّا، وَفِينَا بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ، فَحَدَّثَنَا عِمْرَانُ يَوْمَئِذٍ، فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّه" فَقَالَ بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ: إِنَّا لَنَجِدُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَوِ الْحِكْمَةِ أَنَّ مِنْهُ سَكَيِنَةً وَوَقَارَاً للهِ، وَمِنْهُ ضَعْفٌ.

 

قَالَ: فَغَضِبَ عِمْرَانُ حَتَّى احْمَرَّتَا عَيْنَاهُ! وَقَالَ: أَلَا أَرَانِي أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَتَعَارَضُ فِيهِ [متفق عليه].

 

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم – قَالَ: "إِذَا اسْتَأْذَنَتْ أَحَدَكُمْ امْرَأَتُهُ إلَى الْمَسْجِدِ فَلا يَمْنَعُهَا".

 

فَقَالَ بِلالُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: وَاللَّهِ لَنَمْنَعُهُنَّ.

 

قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ، فَسَبَّهُ سَبًّا سَيِّئًا، مَا سَمِعْتُهُ سَبَّهُ مِثْلَهُ قَطُّ، وَقَالَ: أُخْبِرُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَتَقُولُ: وَاللَّهِ لَنَمْنَعُهُنَّ [متفق عليه].

 

وَعَنْ أَبِي الْمُخَارِقِ - رحمه الله - قَالَ: ذَكَرَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ دِرْهَمَيْنِ بِدِرْهَمٍ، فَقَالَ فُلَانٌ: مَا أَرَى بِهَذَا بَأْسًا، يَدًا بِيَدٍ، فَقَالَ عُبَادَةُ: أَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَتَقُولُ: لَا أَرَى بِهِ بَأْسًا، وَاللَّهِ لَا يُظِلُّنِي وَإِيَّاكَ سَقْفٌ أَبَدًا[أَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ].

 

وَمِنْ أَعْجَبِ الْعَجَبِ مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ كَالْبَغَوِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - فِي قَوْلِ اللهِ - تعالى -: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ) [النساء: 60] الآيَة، قَالَ: نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ يُقَالَ لَهُ بِشْرٌ، خَاصَمَ يَهُودِيَاً، فَدَعَاهُ الْيَهُودِيُّ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَدَعَاهُ الْمُنَافِقُ إِلَى كَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ، ثُمَّ احْتَكَمَا لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَضَى لِليْهُودِيِّ فَلَمْ يَرْضَ الْمُنَافِقُ، وَقَالَ: تَعَالَ نَتَحَاكَمُ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَجَاءَا إِلَى عُمَرَ - رضي الله عنه - فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ: قَضَى لَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ يَرْضَ هَذَا بِقَضَائِهِ، فَقَالَ لِلْمُنَافِقِ أَكَذَلِكَ؟ قَالَ نَعَمْ، فَقَالَ عُمَرُ: مَكَانَكُمَا حَتَّى أَخْرُجَ إِلَيْكُمَا، فَدَخَلَ عُمَرُ فَاسْتَلَّ سَيْفَهُ، ثُمَّ خَرَجَ فَضَرَبَ عَنُقَ الْمُنَافِقِ حَتَى بَرَدَ، ثُمَّ قَالَ هَكَذَا أَقْضِي لِمَنْ لَمْ يَرْضَ بِقَضَاءِ اللهِ وَرَسُولِهِ.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: هَذِهِ بَعْضُ الآثَارِ عَنْ سَلَفِ الأُمَّةِ وَصَالِحِيهَا فِي مُعَامَلَةِ مَنْ عَارَضَ السُّنَّةَ أَوْ رَدَّهَا أَوْ تَهَاوَنَ بِهَا.

 

قاَلَ ابْنُ بَطَّةَ - رحمه الله - فِي الإِبَانَةِ: "فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ!! فَشَتَّانَ بَيْنَ هَؤُلاءِ الْعُقَلاءِ السَّادَةِ الأَبْرَارِ الأَخْيَارِ الذِينَ مُلِئَتْ قُلُوبُهُمْ بِالْغَيْرَةِ عَلَى إِيمَانِهِمْ، وَالشُّحِّ عَلَى أَدْيَانِهِمْ، وَبَيْنَ زَمَانٍ أَصْبَحْنَا فِيهِ وَنَاسٌ نَحْنُ مِنْهُمْ وَبَيْنَ ظَهْرَانِيهِمْ ".

 

فَهَذَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُغَفَّلٍ صَاحِبُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَسَيِّدٌ مِنْ سَادَاتِهِمْ يَقْطَعُ رَحِمَهُ، وَيَهْجُرُ حَمِيمَهُ، حِينَ عَارَضَهُ فِي حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَحَلَفَ أَيْضَاً عَلَى قَطِيعَتِهِ وَهُجْرَانِهِ، وَهُوَ يَعْلَمُ مَا فِي صِلَةِ الأَقْرَبِينَ وَقَطِيعَةِ الأَهْلِين.

 

وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنهم - يَبْعُدُونَ عَنْ أَوْطَانِهِمْ، وَيَنْتَقِلُونَ عَنْ بُلْدَانِهِمْ، وَيُظْهِرُونَ الْهُجْرَانَ لِإِخْوَانِهِمْ، لِأَجْلِ مَنْ عَارَضَ حَدِيَثَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَتَوَقَّفَ عَنِ اسْتِمَاعِ سُنَّتِهِ. فَيَا لَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ حَالُنَا عِنْدَ اللهِ - عز وجل - وَنَحْنُ نَلْقَى أَهْلَ الزَّيْغِ فِي صَبَاحِنَا وَالْمَسَاءُ يَسْتَهِزِئُونَ بِآيَاتِ اللهِ، وَيُعَانِدُونَ سُنَّةَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، صَادِّينَ عَنْهَا، وَمُلْحِدِينَ فِيهَا -سَلَّمَنَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنَ الزَّيْغِ وَالزَّلَلِ-.

 

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

 

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

 

أَمَّا بَعْدُ:

 

فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- وَاحْذَرُوا التَّهَاوُنَ بِالسُّنَّةِ، وَنَاصِحُوا مَنْ رَأَيْتُمْ مِنْهُ ذَلِكَ، فَالدِّينُ النَّصِيحَةُ؛ لِأَنَّ كَثِيرَاً مِنَ النَّاسِ قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِمُ الْجَهْلُ، وَالانْغِمَاسُ فِي الْمَلَذَّاتِ وَالشَّهَوَاتِ، حَتَّى جَهِلُوا حَقَّ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -.

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: قَدْ جَاءَتْ آثَارٌ فِي تَعْجِيلِ عُقُوبَةِ مَنْ لَمْ يُعَظِّمِ السُّنَّةَ أَوْ تَهَاوَنَ بِهَا؛ فَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ - رضي الله عنه - أَنَّ رَجُلاً أَكَلَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم – بِشِمَالِهِ، فَقَالَ: "كُلْ بِيَمِينكَ"  قَالَ: لا أَسْتَطِيعُ، قَالَ: "لاَ اسْتَطَعْتَ" مَا مَنَعَهُ إِلاَّ الكِبْرُ، فمَا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ[رَوَاهُ مُسْلِمٌ].

 

أَيْ أَنَّ يَدَهُ اليُمْنَى أَصَابَهَا الشَّلَلُ فِي الْحَالِ.

 

وَذَكَرَ الذَّهَبِيُّ - رحمه الله - فِي سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلاءِ عَنِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ - رحمه الله -: كُنَّا فِي مَجْلِسِ عِلْمٍ بِجَامِعِ الْمَنْصُورِ، فَجَاءَ شَابٌّ خُرَاسَانِيٌّ فَسَأَلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ وَطَالَبَ بِالدَّلِيلِ، فَاسْتُدِلَّ لَهُ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - الْوَارِدِ فِيهَا، فَقَالَ -وَكَانَ حَنَفِيًّا-: أَبُو هُرَيْرَةَ غَيْرُ مَقْبُولِ الْحَدِيثِ، فَمَا اسْتَتَمَّ كَلامَهُ حَتَّى سَقَطَ عَلَيْهِ حَيَّةٌّ عَظِيمَةٌ مِنْ سَقْفِ الْجَامِعِ، فَوَثَبَ النَّاسُ مِنْ أَجْلِهَا، وَهَرَبَ الشَّابُّ مِنْهَا وَهِيَ تَتْبَعُهُ فَقِيلَ لَهُ: تُبْ تُبْ، فَقَالَ: تُبْتُ، فَغاَبَتِ الْحَيَّةُ، فَلَمْ يُرَ لَهَا أَثَرٌ [قَالَ الذَّهَبِيُّ: إِسْنَادُهَا أَئِمَةٌ].

 

فَالْوَاجِبُ عَلَيْنَا جَمِيعَاً -أَيُّهَا الإِخْوَةُ- أَنْ نَحْذَرَ مُخَالَفَةَ السُّنَّةِ، أَوِ التَّهَاوُنَ بِهَا، وَلْنَعْلَمَ أَنَّ فَلاحَنَا وَنَجَاتَنَا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لا يَكُونُ إِلَّا بِاتِّبَاعِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ظَاهِرَاً وَبَاطِنَاً.

 

أَسْأَلُ اللهَ بِأَسْمَائِهِ الحُسْنَى وَصِفَاتِهِ العُلْيَا أَنْ يَحْفَظَ دِينَنَا وَدُنْيَانَا، وأَنْ يُفَقِّهَنَا فِيهِ.

 

اَللَّهُمَّ انْفَعْنَا بِمَا عَلَّمْتَنَا، وَعَلِّمْنَا مَا يَنْفَعُنَا، وَارْزُقْنَا عِلْمًا يَنْفَعُنَا، وَزِدْنَا عِلْمًا.

 

اللَّهُمَّ أَلْهِمْنَا رُشْدَنَا وَقِنَا شَرَّ أَنْفُسِنَا.

 

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا، وَأَصْلِحْ لَنا دُنْيَانا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.

 

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَحْوَالَ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَزَمَان، اللَّهُمَّ وَلِّ عَلَيْهِمْ خِيَارَهُمْ وَاكْفِهِمْ شِرَارَهُمْ.

 

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ وُلاةَ أَمْرِنَا وَأَصْلِحْ بِطَانَتَهُمْ وَوُزَرَاءَهُمْ وَأَعْوَانَهُمْ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.

 

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة:201].

 

وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين.

 

 

 

 

المرفقات

السُّنَّة وَأَحْوَالُ الْمُسْتَهْزِئِين

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات