عناصر الخطبة
1/قصة شاب طلب من النبي -صلى الله عليه وسلم- ترخيصا بالزنا وبعض فوائدها 2/بعض طرق ووسائل تربية الأبناء 3/خطر إهمال الأبناءاقتباس
إذا باليد الشريفة الطاهرة تمتد بكل لطف وحنان على قلب الشاب، والله ما كانت لتضربه، أو تألمه، أو تنطلق كلمة سب، أو لعن تشتمه. انظروا لتلك اليد الحانية التي تلامس قلب الشاب، ها هو النبي -صلى الله عليه وسلم- يتلفظ بأجمل الكلمات، وهو يكتب له وصفات الطبيب المعالج، من ثلاثة أدوية: دواء يشربه، وحقن يأخذها، فيتامينات إسلامية مقوية، قال صلى الله عليه وسلم في الدعوات الثلاث: "اللهم ...".
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي خلق الخلق وأحصاه: (لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا)[مريم:94-95].
(لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى)[طه: 6].
(وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ)[الأنعام: 59].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وما من غائبة في السماء والأرض إلا في كتاب مبين.
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الحق المبين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
معاشر المؤمنين: فاتقوا الله فإن تقواه عليها المعود وعليكم بما كان عليه حبيبكم -صلى الله عليه وسلم- والصحب الكرام، وتهيئوا للرحيل قبل لقياه، واعلموا أن كل إنسان بعمله لا بماله سيلقاه، وأنه ليس للإنسان إلا ما جمعت يداه، وما أخفاه سرا عن ربه سينكشف الغطاء يوما ويراه: (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)[يس: 65].
أيها الأحبة الفضلاء: ها هو شاب يأتي من بعيد، يجر خطاه المتثاقلة، يحمل عشرات الأسئلة أتعبته، يبحث اليوم عن إجابة شافية لها، لقد أقلقت نومه، وأسهرت عينه.
إنه يشكو مما يعانيه الكثير من شبابنا اليوم، من عاطفة كالسيل الجاري، تشعلها مواقع التواصل والقنوات.
لقد ضاق صدره بسر، ولم يستطع كتمانه، لكنه سيفجر بيننا سؤال كالصاعقة، إنه يعد السؤال للإذن بما يخفف معاناته، من استعار الشهوة بداخله، إلى أين يذهب، قد مل من القنوات، ومل من مواقع التواصل، إلى أين يذهب؟
اسمع -أيها المبارك-: ها هو الشاب الذي يظن أن الكل سيعاتبه، يطرق باب من؟
يطرق باب من لا يجد عنده العتاب، من كلمات السب واللعان، يطرق باب محمد -صلى الله عليه وسلم-، يدخل، فيرى أصحابه حوله، فلم يستطع أن يتمالك نفسه، فيقوم بينهم وعلى مشهد من صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يا رسول الله!" فلما واجهه بوجهه، ونظر الصحابة كلهم إليه، وإذا بالشاب، يقول: "يا رسول الله ائذن لي بالزنا؟".
سؤال كالصاعقة بمجلس محمد -صلى الله عليه وسلم-، أدهش الحاضرين، فالتفتوا إليه، وصاحوا به: "مه! مه!" أي ما هذا؟ كيف تستأذن بالزنا لمن نزلت عليه آيات بتحريمه؟ كيف تستأذن بالفاحشة؟! وممن جاء لتطهير البشرية منها؟!.
إنه شاب يريد أن يستخرج ترخيصا من النبي -صلى الله عليه وسلم- بممارسة الزنا علانية!.
قال صلى الله عليه وسلم: "دعوه" خلوا بيني وبينه.
أكان معه عصا يقربها؟ أو كلمات لعن أو سب يحشدها؟!
قال: "دعوه" فتركه الصحابة، وجلس في صيدلية محمد -صلى الله عليه وسلم- المكتوب عليها: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)[الأنبياء: 107].
جلس بين يدي البدر في ليلة التمام، جلس أمام محمد أعظم قلب بث برامج الإسلام على جموع الموجات السماوية العاملة، تلقمه أقمار البث المباشر، لتستقبله قنوات الآباء والمربين، ليدرسوا العالم التربية.
وإذا به يقول له: "أترضاه لأمك؟! أترضاه لأختك؟! أترضاه لخالتك؟! أترضاه لعمتك؟!".
صاح الغلام من بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا، يا رسول الله!".
فقال صلى الله عليه وسلم: "فإن الناس لا يرضوه لأهليهم، فكيف ترضاه لنفسك، وترى للناس ما لا ترضاه لأهلك؟!".
عندها بردت شهوة الشاب، وتحول من شاب مدمر، هاتك للأعراض، مستبيح لحرمات المجتمع، إلى شاب قد نور الله قلبه!.
إنها رسالة يرسلها محمد -صلى الله عليه وسلم- قبل مئات السنين يحملها في صيدليته، ومستشفى الأبوة إلى قلب كل أب اليوم.
رسالة أوصلها النبي -صلى الله عليه وسلم- بعيدا عن العنف الأسري، أطفأ بها نيران الشهوة، يقول: يا بني إن ما تفعله في المجتمع ببنات الناس سيفعل في أهل بيتك يوما!.
عندها علم الشاب بخطئه، فناد: يا رسول الله "ادعوا الله لي أن يطهر قلبي".
فإذا باليد الشريفة الطاهرة تمتد بكل لطف وحنان على قلب الشاب، والله ما كانت لتضربه، أو تألمه، أو تنطلق كلمة سب، أو لعن تشتمه.
انظروا لتلك اليد الحانية التي تلامس قلب الشاب، ها هو النبي -صلى الله عليه وسلم- يتلفظ بأجمل الكلمات، وهو يكتب له وصفات الطبيب المعالج، من ثلاثة أدوية: دواء يشربه، وحقن يأخذها، فيتامينات إسلامية مقوية، قال صلى الله عليه وسلم في الدعوات الثلاث: "اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحسن فرجه".
هذا ما يحتاجه أبناؤنا اليوم.
لقد استطاع حبيب الأمة ورسولها أن يضع بينه وبين الناس علاقة، ومن حوله، ليس بينها مكاتب تحجزهم، أو سكرتير يردهم، أو أب أسير غرفة يجلس على الانترنت، ثم يخرج لأبنائه، أو أسير الواتسآب، ولو كان بينهم، أو أسير بأشغاله وارتباطاته، يأخذ الناس منه أكثر ما يأخذ أولاده.
كان النبي -صلى الله عليه وسلم- متوازنا في حياته، كبيرا بعقل الشاب، الصبية الصغيرة تلعب على ظهره بخاتم النبوة، والمرأة تقف على الطريق لتأخذ بيده، ليقضي حاجاتها.
فأين مدراؤنا ومسئولينا اليوم الذي احتجزوا وراء المكاتب، لم يقضوا أغراض الناس، وكل سكرتير يحجب الناس عنهم؟
النبي قائد الأمة يخرج للناس، الشوارع، ويأخذ بيد المرأة العاجزة!.
أين من يأخذ المرأة فيخلص ملفها، أو ينهي موعدها في العيادة، ولا يجعلها عرضة للاختلاط بالرجال؟.
أين الذي يقضي حوائج الناس؟
إننا نحتاجهم اليوم.
هذا الشاب لم تمنعه مكانة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا فارق السن بينه وبينه أن يسأله أن يوضح له عما في قلبه.
إن حبيبكم -صلى الله عليه وسلم- أشعر المجتمع كله بأبويته، وحنانه ولطفه، فبالله عليكم هل أشعرنا أبناءنا بأبوتنا؟
إننا نحتاج اليوم لجلسة إقناع، لا جلسة تحديق ومتابعة، لننتزع اعترافهم، ونغير سلوكهم.
وقد كان باستطاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يغلق على الشاب الباب، ويقول له: لا أجد لك رخصة، ولكنه يعرف عقلية الشباب، هذا السن يحتاج إلى إقناع، وما ورد في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه أقنعه بآية فيها تحريم.
فما أكثر النصح لهم، وهم بجانبنا في البيت، أو السيارة، ينظرون إلينا نظر المغشي عليه من الموت، قد سئموا، بل قد ملوا لغة النصح، وهم يجدون هذا الشريط، يسمعوه كل يوم نصح وإرشاد، إنها لغة لم تعد تجدي اليوم، يحتاجون إلى نقاش يزلزل أفكارهم، وليس نقاشا يزلزل جدران البيت، ضربا وتهديدا، وشتما ولعنا.
متى -أيها الأحبة-: تمتد يد الأب لابنه أو ابنته يضع يده على صدره، أو على كتفيها، ثم يقول: يا بني، أو يا بنيتي، والله إني أحبك.
متى تبدأ مع ابنتك، وتقول لها: تقربي مني، تعال.
إن لم تقول لها اليوم: تعال، قال لها في الواتسآب: تعال.
لم يكن الرعب أو الخوف حاجزا يمنع النبي -صلى الله عليه وسلم- والمستمع عنه، بل: "ادنوا مني" تعالى بجانبي، أحدثك حديث الأب لروحه.
من أحد أغلى من أبنائنا اليوم، إن لم نحدثهم حديث الروح للروح، فسيفرون لغيرنا، ليجدون دمار الروح عندهم!.
اللهم يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، يا أرحم الراحمين، اللهم اجعلنا من الرحماء بأبنائنا، واجعل أبناءنا من الرحماء بنا.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على عظيم امتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشانه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه.
أما بعد:
أيها الإخوة الكرام: إننا نحتاج أن نجلس مع أبنائنا قبل أن يتحولوا لخناجر تطعن المجتمع، قبل أن يتحولوا إلى فوضوين، أو مجرمين، أو أهل مخدرات، أو هاتكين لأعراض الناس.
إنهم -والله- أحوج الناس إلينا اليوم، هم لا يريدون أبا صرافا آليا متحركا، بل يريدون أبا يشعر بهم، ليبقى بين أيديهم.
إننا نحتاج أن نجلس مع أبنائنا وبناتنا قبل أن نرميهم في أحضان الانترنت والأيباد، ومواقع التواصل.
إن المنع اليوم والحجب لم يعد لغة تنفع مع أبنائنا، فالطفل الصغير يعرف الجوال وغيره أكثر مما يعرف الأب والأم، العالم كله أصبح قناة مفتوحة، من الصعب على الأب أن يغلقها، تبث تلك القنوات الخير والشر، إياك أن تلقي ابنك في البث المباشر، لتدمير أخلاقه، وتتركه يتعلم، فيضيع نفسه.
إن ما نفعله اليوم مع أبنائنا نعطيهم الأجهزة الحديثة، ليس لتسليتهم، وإنما لنرتاح من أذاهم، ولا ندري ما يفعلون في زوايا الغرف والصالات، ولسان حال أبنائنا، يقول:
أَلقاه في اليمّ مكتوفًا وقال له *** إياك إياك أن تَبتلّ بالماء
فإذا ابتل بالماء، وأوساخ الفواحش؛ عاتبه!.
إن أيام الامتحانات اليوم أيام ضياع وانحراف، وسلعة رائجة لأهل الشر.
كن مع ابنك بعد خروجه من الامتحان، حاسبه، تابعه، قربه منك.
كن صديقا له، بثياب والده، كما كان محمد -صلى الله عليه وسلم- رسولا في ثياب والد رحيم.
هذا ما نحتاجه اليوم، نحتاجك والدا في ثياب صديق، عندها تستطيع أن تحاسبه وتعاتبه، وتمد يدك لا لتصفعه، إنما لتضعها على قلبه، فيطهر الله قلبه.
اللهم يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، يا واحد يا أحد، يا فرد يا صمد، نسألك بأحب أسمائك إليك، وأقربه منك وإليك، اللهم أدخلنا برحمتك في رحمتك.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم