عناصر الخطبة
1/ عِظَم قيمة الروح البشرية 2/ تربية أنفسنا وأبنائنا على احترام تلك القيمة 3/ الفساد المترتّب على إزهاق الأرواح 4/ توعُّد الله تعالى للقتَلة 5/ تنبؤ النبي الكريم بالهرج 6/ عوامل مؤدية إلى القتلاقتباس
والشيطانُ أحرصُ ما يكونُ على أن تشتعل نارُ الفتنةِ ويشتد وَهَجُ العداوة، حتى تضغَطَ الأنْمُلَةُ على زِنَادِ الخسران والندامة، فَتُرْدِي مسلمًا قتيلاً على الأرض، تُزْهَقُ روحه، وتُزْهَقُ معها حُرْمَةُ القاتل ومستقبلُهُ في الدنيا والآخرة! وبئستِ البطولةُ هذه البطولة الزائفة! قال...
ثم أما بعد: أيها الإخوةُ في الله: من القيم التي جاءَ بها الإسلامُ وعملَ على إقرارِها وترسيخ احترامِها في النفوسِ والعقول والقلوب قيمةُ الرُّوحِ البشريّة، هذه النعمةُ التي بثَّها اللهُ في الأبدان، وجعلها سببَ دوامِ حياةِ الإنسان، شرعَ اللهُ تعالى من الأسبابِ ما ينمّيها ويُسعِدُها ويرتقي بها في الدنيا والآخرة، وحرَّمَ كُلَّ ما يفسِدُها ويهدِّدُها ويسوقُ الضَّرر إليها.
وإنَّ أجلَّ ما يهدّدُ هذه الروحَ بعد الشركِ بالله تعالى قتلُ النفسِ المعصومةِ، وسفكُ الدّماءِ المصونَة.
أيها الإخوةُ في الله: لا بُدَّ من تربية نفوسِنا ونفوسِ أبنائنا على هذه القِيمة، فهذا النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يقول في حَجَّةِ الوداع: "فإنَّ دماءَكم وأموالَكم وأعراضَكم عليكم حرامٌ، كحرمة يومكم هذا في بلَدِكم هذا في شهرِكم هذا، وستَلقَون ربَّكم فيسألُكم عن أعمالكم، فلا ترجِعوا بعدي كفّارًا يضربُ بعضكم رقابَ بعض" متفق عليه.
فالدّماء عند الله مُكرَّمَةٌ محترمَةٌ مَصُونة محرَّمَة، لا يحِل سفكُهَا، ولا يجوز انتهاكها إلا بحق شرعي، وإنَّ المصطفى-صلى الله عليه وسلم- قال: " لو أنَّ أهلَ السمواتِ والأرضِ اجتمعوا على قتلِ مسلمٍ لأكبَّهم الله جميعًا على وجوههم في النار" رواه الترمذي وهو صحيح.
وذلك لما في إزهاق الأرواحِ من إيلام المقتول، وإثكال أهله، وترميل نسائه، وتيتيم أطفاله، وإضاعة حقوقه، وقطع أعماله بقطع حياته، مع ما فيه من عدوان صارخ على الحُرُمات وأمن الأفراد والمجتمعات.
لا بُدَّ من تربية نفوسِنا ونفوسِ أبنائنا على هذه القِيمة، لأنَّ اللهَ توعَّد من قتلَ مؤمنًا بعظيمِ الوعيدِ، فقال سبحانه:(وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء:93].
عن سالم بن أبي الجَعْدِ قال: كنا عند ابن عباس بعدما كُفَّ بصره، فأتاه رجل فناداه: يا عبد الله بن عباس، ما ترى في رجل قتل مؤمنًا متعمدًا؟ فقال: جزاؤه جهنم خالدًا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابًا عظيمًا.
قال: أفرأيت إن تاب وآمن وعمل صالحًا ثم اهتدى؟ قال ابن عباس: ثكلته أمه، وأنى له التوبة والهدى؟! والذي نفسي بيده! لقد سمعت نبيكم -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ثكلته أمه قاتل مؤمن متعمدًا، جاء يوم القيامة آخذه بيمينه أو بشماله تشخب أوداجه من قبل عرش الرحمن، يلزم قاتله بشماله وبيده الأخرى رأسه، يقول: يا رب، سل هذا: فيم قتلني؟ فيقول الله للقاتل: تعست! ويذهب به إلى النار" رواه النسائي وصححه الألباني.
معشر المؤمنين: لقد أخبرنا الصادقُ المصدوق خبرًا يوجبُ الحذَرَ والخوف من الله، فقد جاء في الحديث عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إنّ بين يدَي الساعةِ الهرج"، قالوا: وما الهرج؟ قال: "القتل، إنه ليس بقتلِكم المشركين، ولكن قتل بعضِكم بعضًا، حتى يقتل الرجلُ جارَه، ويقتل أخاه، ويقتل عمَّه، ويقتل ابن عمه". قالوا: ومعنا عقولُنا يومئذٍ يا رسول الله؟! قال: "إنه لتُنزَع عقول أهلِ ذلك الزمان، ويخلف لهم هباءٌ من النّاس يحسب أكثرهم أنهم على شيء، وليسوا على شيء" صححه الألباني في صحيح الجامع.
نسأل الله التوفيق إلى ما يحب ويرضى.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
أيها الإخوة في الله: إن العوامل المؤدية إلى القتل في أيامنا هذه كثيرة ومتعددة، وأسلحة إبليس في إذكاء نار الفتنة والزيادة في وهجها لا تحصى.
فمن الأسباب التي توقع في سخط الرب سبحانه، وتهوِّنُ قتلَ النفسِ، تربيةُ الأبناءِ على الخصومات، وعدمِ المبالاةِ بالعواقب، واعتبارها من البطولات، وأن عليه أن يأخذ حقه بيده قبل أن يأخذه له غيره؛ فتنتشر المضاربات، وتتحفز العداوات، وتتوطن في القلوب الأحقاد، حتى تصل إلى القتل وإزهاق النفس المؤمنة على شيء تافهٍ لا يستحق الغِلابَ أصلاً.
ولعلَّ مما يذكي نار الفتنة أن البعض يحمل معه في جَيبِهِ أو سيَّارتِهِ سِكّينًا صغيرة، ويسميها سِكّينَةَ الأزمات، أو يحملُ الحديدَ والعصا، لا لشيء سوى أنه يبرزه عند المضاربات والمخاصمات؛ لينتصر على الخصم.
والشيطانُ أحرصُ ما يكونُ على أن تشتعل نارُ الفتنةِ ويشتد وَهَجُ العداوة، حتى تضغَطَ الأنْمُلَةُ على زِنَادِ الخسران والندامة، فَتُرْدِي مسلمًا قتيلاً على الأرض، تُزْهَقُ روحه، وتُزْهَقُ معها حُرْمَةُ القاتل ومستقبلُهُ في الدنيا والآخرة!.
وبئستِ البطولةُ هذه البطولة الزائفة! قال الله تعالى: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء:93].
معشر المؤمنين: ينبغي أن نزرع في نفوسِنا ونفوسِ أبنائنا الخوفَ من الله تعالى، والحذرَ من انتهاكِ أمرِهِ والتجرؤ على محارِمِهِ التي منها إزهاقُ الأرواح وإسالةِ الدّماء.
ينبغي أن نعلّمهم ونعلّمَ أنفسنا أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "لَزَوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم" صححه الألباني في صحيح الجامع.
أدافِعُ عن نفسي بامتلاكِ نفسي عند الغضب، وبدفع الخصومةِ والقضاءِ على أسبابها قدر المستطاع، ولَأَن أُضرَبَ بل وأُكسَرَ خيرٌ لي من أن يكون في جيبي أو سيارتي سكّينٌ يغويني الشيطان في استخدامه لإزهاق نفس ضارِبي، إنه لخير لي أن أعودَ إلى أهلي مضروبًا، فهو أولى من أن تتلطّخ يدي بدمٍ مسلم ٍ يورِثني النّدم والخزيَ والعارَ في الدنيا والآخرة.
نسأل الله التوفيقَ إلى ما يحب ويرضَى.
اللهم حبّب إلينا الإيمان وزيّنه في قلوبنا، وكرّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.
وصلِّ اللهم وسلّم وبارك على نبيّك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم