عناصر الخطبة
1/اختيار الله لنبيه محمد لحمل القرآن 2/أنواع تأثير القرآن على النفوس 3/قصص مؤثرة في تأثير القرآن على زعماء قريش وساداتهم 4/اعتراف الفلاسفة وإقرارهم بتأثير القرآن 5/محاولة المشركين منع تأثير القرآن بقتل الرسول وإخراجهاقتباس
إن من رحمة الله بخلقه وعلمه بما يصلحهم: إنزاله القران على قلب رجل أمي، طاهر الأخلاق، نشأ على فطرة سليمة، لم تملكه تقاليد دينية، ولا أهواء دنيوية، يكاد يكون بهذه الصفات وحيدا في عالم عربي، دنس فطرته رجس الشرك والوثنية، وهبط بالإنسان من أفقه الأعلى، وعبادة الخالق البارئ إلى عبادة من هو مثله، بل من هو دونه من المخلوقات الأرضية. فخرج هذا النبي –صلى الله عليه وسلم- الكريم على مجتمع لعبت به الأهواء، وتحكمت به الشهوات، و...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
إن من رحمة الله بخلقه وعلمه بما يصلحهم: إنزاله القران على قلب رجل أمي، طاهر الأخلاق، نشأ على فطرة سليمة، لم تملكه تقاليد دينية، ولا أهواء دنيوية، يكاد يكون بهذه الصفات وحيدا في عالم عربي، دنس فطرته رجس الشرك والوثنية، وهبط بالإنسان من أفقه الأعلى، وعبادة الخالق البارئ إلى عبادة من هو مثله، بل من هو دونه من المخلوقات الأرضية.
فخرج هذا النبي –صلى الله عليه وسلم- الكريم على مجتمع لعبت به الأهواء، وتحكمت به الشهوات، واستذله قهر الرجال.
خرج عليهم هذا النبي -صلى الله عليه وسلم- وجاءهم بقرآن كريم، يهدي للتي هي أقوم، وينتشلهم من قاع الرذيلة، ليصعد بهم إلى معالي الفضيلة، ويحررهم من الرق الذي يرزحون في أغلاله، ويجعلهم أحرارا كراما، لا يخضعون إلا لرب واحد، لا اله إلا هو.
لكن هذا القرآن كان تأثيره في نفوس العرب على نوعين:
الأول: تأثيره في المشركين.
الثاني: تأثيره في المؤمنين.
أما الأول: فإن تأثيره تأثير بيان وبلاغة، وروعة أسلوب.
فالعرب هم أهل اللغة وعشاقها، والقرآن كان معجزا في بيانه، فلما سمعوه تعجبوا واندهشوا! فالكلام كلام العرب! لكنه عجيب معجز! لا قبل لأحدهم بتحديه! أو نقضه! أو الإتيان بمثله! هذا التأثير هو الذي أنطق عتبة ابن ربيعة بما أنكره أقرانه.
ففي السيرة لابن إسحاق بسند حسنه الألباني: لما أسلم حمزة ورأى المشركون أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يزيدون، قام عتبة هذه يوما، وكان سيدا في قومه رزينا هادئا، فقال وهو جالس في نادي قريش ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالس في المسجد وحده: يا معشر قريش ألا أقوم إلى محمد فأكلمه، وأعرض عليه أمورا لعله يقبل بعضها، فنعطيه إياها، ويكف عنا، فقالوا: يا أبا الوليد قم إليه فكلمه، فقام إليه عتبة، حتى جلس إلى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، فقال: بكل هدوء يا ابن أخي إنك منا حيث قد علمت من الثقة في العشيرة، والمكان في النسب، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم، فرقت به جماعتهم، وسفهت بهم أحلامهم، وعابت به ألهتهم ودينهم، وكفرت من مضى من آبائهم، فاستمع منى أعرض عليك أمورا تنظر فيها، لعلك أن تقبل منها بعضها، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "قل يا أبا الوليد أسمع".
فقال: يا بن أخي إن كنت إنما تريد بما جئت من هذا القول مالا جمعنا من أموالنا، حتى تكون أكثرنا مالا، وان كنت إنما تريد شرفا شرفناك علينا حتى لا نقطع أمرا دونك، وأن كنت تريد ملكا ملكناك، وان كان هذا الذي يأتيك رأيا تراه، ولا تستطيع أن ترده عن نفسك طلبنا لك الطب، وبذلنا فيه أموالنا، حتى نبرأك منه، فإنه ربما غلب التابع -أي التابع من الجن- على الرجل حتى يداوى منه، ولعل هذا الذي يأتي به -أي الجن- شعر جاش به صدك، فإنك لعمر يا بني عبد المطلب تقدرون منه على مالا يقدر عليه أحد.
ورسول الله –صلى الله عليه وسلم- يستمع حتى إذا فرغ عتبة، قال عليه الصلاة والسلام له: "أفرغت يا أبا الوليد" قال: نعم، قال: "فاستمع مني" قال: افعل، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "بسم الله الرحمن الرحيم: (حم * تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ)[فصلت: 1-4].
ومضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعيدها عليه، يقرأ الآيات من سورة فصلت: (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) [فصلت: 9 -12].
يسمع عتبة هذا الكلام، وينصت، ويلقى بيده خلف ظهره، معتمدا عليها، يستمع منه، حتى انتهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى السجدة، فسجد فيها، ثم قال: "قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت فأنت وذاك".
فقام عتبة إلى أصحابه، فلما أقبل عليهم، قال بعضهم لبعض يحلف بالله: لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به، فلما جلس إليهم، قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ فقال: ورائي أني والله قد سمعت قولا ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا الكهانة، يا معشر: قريش أطيعوني، واجعلوها بي، خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه، واعتزلوه، فوا لله ليكونن لقوله الذي سمعت نبأ، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم، وعزه عزكم، وكنتم أسعد الناس به، قالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه، فقال: هذا رأيي لكم، فاصنعوا ما بدا لكم.
نعم، لقد كان كلام الله الذي نزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- كلاما لا يجارى، ولكن الكبر الذي ملأ القلب والعناد، إذا غطى على العقل، فأنى للإنسان الرشد والسداد.
ولقد أسمع النبي -صلى الله عليه وسلم- سيدا آخر من سادات وعظماء قريش، وهو الوليد بن المغيرة، أسمعه آيات من القرآن؛ منها قوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90].
فما كان من الوليد المعروف بفصاحته وبلاغته إلا أن طلب من النبي –صلى الله عليه وسلم- أن يعيد عليه ما قرأ، من شدة إعجابه، ولما علم أبو جهل أن الوليد بن المغيرة ربما رق لما أتى به محمد- صلى الله عليه وسلم- من عذب الكلام، انزعج، وخاف، وجاءه، فقال: يا عم إن قومك يرون أن يجمعوا لك مالا، فقال الوليد: لم؟ قال أبو جهل: ليعطوكه، فإنك أتيت محمدا لتعرض لما قبله، أي لتطلب منه مالا، فرد قائلا بأنفته المعهودة: قد علمت قريش أني أكثرها مالا، فقال: فقل فيه قولا يبلغ قومك، أنك منكر له، أو أنك كاره له، قال: وماذا أقول فو الله ما فيكم رجل أعلم بالأشعار مني، ولا أعلم برجزه ولا بقصيده مني، ولا بأشعار الجن، ووالله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا، ووالله إن لقوله الذي يقول لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، ومغدق أسفله، وإنه ليعلو وما يعلى عليه، وإنه ليحطم ما تحته، قال: لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه سوءا، قال الوليد: فدعني حتى أفكر فيه، لم يقصد بهذا التفكير إمكانية قبوله للحق الذي رآه بعينه، وسمعه بأذنه، كلا، فقد أعمى الكبر بصيرته، فدعني حتى أفكر فيه، يعني أفكر في مخرج من هذا المأزق، فلما فكر، قال: هذا سحر يؤثر، يأثره عن غيره، فأنزل الله -تعالى- فيه آيات تهز الجبال: (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا)[المدثر: 11] أي دعني وخلي بيني وبين هذا الدعي.
يقول الجبار -جل وعلا- متوعدا هذا الخبيث الذي أنعم عليه بنعم الدنيا، ثم يجحد الحق، ويفتري على آيات الله، ويجعلها سحرا من قول البشر: (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا)[المدثر: 11].
خلقته وأخرجته من بطن أمه طفلا عاريا ضعيفا وحيدا لا مال له ولا ولد: (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا * وَبَنِينَ شُهُودًا * وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآَيَاتِنَا عَنِيدًا * سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا * إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ)[المدثر: 11- 22].
القرآن يصف حتى ملامح وجهه: (ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ * سَأُصْلِيهِ سَقَرَ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ) [المدثر: 22- 30].
لقد كان تأثير القرآن عليهم بليغا جداً جداً، أذهلهم وحيرهم؛ ولكنَّ عنادَهُمْ وكِبْرَهُم كان أبلغ، دفعهم ذلك إلى أن يتعاهدوا بأن لا يسمعوا محمداً حتى لا يُسحروا بما جاء به، وأن يحدثوا أصواتاً من صفير وتصفيق إذا شرع في قراءة القرآن؛ كما في قوله -تعالى-: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) [فصلت: 26]. والغوا فيه -يقول مجاهد-: بالمكاء والصفير.
إلا أن وقع القرآن كان أقوى من كيدهم، وكان أقوى من صبرهم على سماعه، أتدرون ما فعلوا؟ لقد أخذوا يتسللون فرادى دون أن يشعر الواحد منهم بالآخر مستخفين حتى يسمعوا ذلك الكلام العجيب، فيحصل أن يتلاقوا في الطريق فيلوم بعضهم بعضا على نقض العهد، وينقلبوا عائدين!.
هذا التأثير هو الذي حملهم على منع أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- من الصلاة والتلاوة في المسجد الحرام ليلا؛ لِما كان لتلاوته وبكائه في الصلاة من تأثير جاذب، وعللوا ذلك بأنه يفتن عليهم نساءهم وأولادهم، فألجؤوه إلى الهجرة، فخرج مهاجرا إلى الحبشة، فلقيه ابن الدغنة، سيد القارة، قبيلة من قبائل كنانة، فقال: أين يا أبا بكر؟ قال: "أخرجني قومي فأسيح في الأرض أعبد ربي".
فقال ابن الدغنة: "إن مثلك يا أبا بكر لا يُخرج ولا يَخرج، تُكسب المعدوم، وتصل الرحم، وتَقري الضيف، وتَحمل الكَلّ".
فلما كلمهم ابن الدغنة قالوا له أن يقتصر أن يعبد ربه في داره، فاتخذ أبو بكر له مسجدا في فناء داره، فطفق النساء والأولاد ينسلون إلى بيته ليلا لاستماع القرآن، فنهاه أشراف قريش حتى في فناء بيته، فكان ذلك قبيل هجرته مع صاحبه -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة.
يا لهذا القرآن! يا لعظمته! لقد أدرك أحد الفلاسفة الفرنسيين من عجائب القرآن ما لم يدركه كثير من المسلمين اليوم، فلما انتقص بعض دعاة النصرانية محمداً -صلى الله عليه وسلم- بأنه لم يأتِ بآية فاصلة لنبوته كآية موسى وعيسى -عليهما السلام-، أي: معجزة من المعجزات، قال الفرنسي في رده عليهم: "إن محمدا كان يقرأ القرآن خاشعا أواها متألها، فتفعل قراءته في جذب الناس إلى الإيمان به ما لم تفعله جميع آيات الأنبياء الأولين".
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الذكر الحكيم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الأمين، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، حتى أتاه اليقين، وصلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى من سار على نهجه، واهتدى بهداه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فلم يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يطلب من قومه أكثر من أن يدعوه يبلغ رسالة ربه، بتلاوة القرآن على الناس، فقال تعالى مخاطبا إياه: (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ) [الأنعام: 19].
أنذركم به كل من بلغه من غيركم من الناس، أنذركم به ومن بلغ.
وقال تعالى: (إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآَنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ)[النمل: 91- 92].
ولكن المشركين قالوا: لا، لن نمكنك من ذلك، لماذا؟
لأنهم رأوا أنفسهم عاجزين أمام الآيات والسور، لا يقدرون على التحدي، ولا المنافسة، ولا التشويه، ولا منع التأثير، فما الحل إذا؟
لقد عزموا على قتل النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأوحى الله -تعالى- إلى نبيه بذلك: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [الأنفال: 30].
وأذن له بالهجرة، وأمره أن لا يبيت في مضجعه!.
لم يكن القرآن للنبي -صلى الله عليه وسلم- مجرد تشريع، أو قصص فيها العبر، بل كان القرآن مصاحبا له صلى الله عليه وسلم، وكان له رفيقا، وناصحا أمينا، وخلا وفيا، ولهذا نسج النبي -صلى الله عليه وسلم- معالم حياته من آداب وأخلاق وقيم، وأقوال وأفعال على هدي كتاب الله، على هدي القرآن الكريم، فأصبح قرآنا يمشي على الأرض.
أيها الإخوة: فيما تقدم تبين لنا كيف كان أثر القرآن على المشركين، فكيف كان تأثيره على المؤمنين؟ نكمل في مقام آخر -إن شاء الله-.
اللهم اجعل القرآن الكريم ربيع صدورنا، ونور قلوبنا، وعلمنا منه ما نسينا، وارزقنا تلاوته على الوجه الذي يرضيك عنا.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم