الشيخ أسامة بدوي
يغيظهم تمسُّك أهل الإيمان بالسُّنَّة، وعلوُّ قدرهم ومكانتهم، باهتمامهم بكتاب الله تعالى، حفظًا وفهمًا، وعملًا ودعوة وحُكمًا. قال تعالى: ﴿ هَاأَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾ [آل عمران: 119، 120].
في هذه الآيات المباركات ينهَى الله سبحانه المؤمنين عن مصادقة المنافقين والركون إليهم، لأن هؤلاءِ المنافقين لا يدَّخرون جُهدًا في الإفساد والكيد للمؤمنين، ويتمنَّوْن شدَّة الضرر والمشقة لهم ﴿ وَدُّوا مَاعَنِتُّمْ ﴾، وقد بدت البغضاء في كلامهم لفرط بغضهم، غير أن قلوبهم قد انطوت على ما هو أكبر من ذلك من حقد وضغينة للمؤمنين.
• حقد وضغينة: إذا انصرفوا عضُّوا أصابعهم غيظًا وحسرة، لأنهم لا يجدون سبيلًا للتشفي والانتقام من المؤمنين. استولى الحقد على قلوبهم. يُساؤون لكل حسنة أو خير يناله المسلمون. ويُسَرُّون ويطربون لكل شرٍّ ومصيبة تقع بالمسلمين.
وقال تعالى: ﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ * وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ ﴾ [محمد: 29، 30]
فهذا الحقد والضغينة شُعبة من شُعَب النِّفاق، لا تحمل قلوبهم حبًّا للمؤمنين، وإن بدا هذا في كلامهم. يتربصون الدوائر بالمسلمين ويتمنون لهم الشر. إنهم يتحسَّرون على كل فرصة لا يستطيعون الكيد فيها للإسلام والمسلمين. فأي فئة أشرُّ من هذه الفئة؟! وأي خَلْقٍ أسوأ حالًا من هؤلاءِ المنافقين؟!.
ومن ذلك بغضهم للمهاجرين، والأنصار من الصحابة والكرام من أجل نصرتهم لهذا الدين.
فأصحابُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم الغرُّ الميامينُ، هم الذين رضي الله عنهم، ورضوا عنه، وهم ركن الدين المتين، وأول طبقة حملت الدين، وكان الوحي يسدِّد أخطاءهم، وشرط قبول الإيمان من أي أحد أن يكون وفق إيمانهم، وهم الذين نشروا الدين، وفتحوا البلاد وقلوب العباد. فمَنِ انتقص واحدًا منهم فقد حادَّ الله ورسولَه، وطعَنَ في الوحي.
لذلك كانت علامة أهل السنة والجماعة حبَّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وموالاتهم، والبراءة ممن يُبغضهم ويُعاديهم.
عَنِ البَرَاءِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "الأَنْصَارُ لاَ يُحِبُّهُمْ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَلاَ يُبْغِضُهُمْ إِلَّا مُنَافِقٌ، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ أَحَبَّهُ اللهُ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ أَبْغَضَهُ اللهُ"[1].
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "آيَةُ الإِيمَانِ حُبُّ الأَنْصَارِ، وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الأَنْصَارِ"[2].
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أبي طالِبٍ رضي الله عنه: [وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، إِنَّهُ لَعَهْدُ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَيَّ: أَنْ لَا يُحِبَّنِي إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَلَا يُبْغِضَنِي إِلَّا مُنَافِقٌ] [3].
وقالَ خَيْثَمَةُ: " وَاللهِ مَا أَحَبَّ مُنَافِقٌ مُؤْمِنًا أَبَدًا "[4].
فالمنافق يرى في صورة المؤمن الصالح أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ويشمُّ رائحتهم الذكية، وأعمالهم المباركة.
لذلك تجدهم يسخرون منهم، ويقلِّلون من شأنهم، ويكثرون الهمز واللمز حول أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. تارة يتهمون ذاكرتهم وقوة عبقريتهم في الحفظ، وتارة يسخرون من جهادهم وفتحهم البلاد، ونشرهم الإسلام، سواء بالسيف أو بالحكمة.
وكلما أكلت الغيرة من هذا الدين في قلوبهم ظهر ذلك على فلتات ألسنتهم بالسوء. فهي كالسُّمِّ الزُّعاف. أولئك أحبار السوء. دعاة على أبواب جهنم.
ومما يماثل ذلك في عصرنا الحاضر ما يقوم به أمثال هؤلاء المنافقين من العلمانيِّين وغيرهم، الذين لا يألون جُهدًا في التعرُّض بالسَّلْب لشعائر الإسلام، والطعن في سنَّة الرسول صلى الله عليه وسلم من الجرائم التالية:
• وضع المساجد تحت الرقابة، وإغلاقها بعد الصلوات، والتحكم فيها بأهوائهم، يأذنون فيها لمن يشاءون، ويمنعون من يشاءون.
قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [البقرة: 114].
• التصريح بكراهيتهم لحجاب المرأة المسلمة ونقابها، واستبدال غطاء الرأس أو ما يسمى حجاب الموضة بالحجاب الشرعي، وكراهيتهم للزيِّ العربي عمومًا، وحبهم للتبرج والسفور.
• كراهيتهم لسنَّة إطلاق اللحى، واستخفافهم بوجوبها، والسخرية منها وممن يتمسَّك بها.
• كراهيتهم الجهاد في سبيل الله، وحصره في قتال الدفع، وذلك لهدم أعظم عبادة ومَهَمَّة للمسلمين، وهي: نشر الإسلام في ربوع الأرض، فالمسلمون حملة رسالة الرسل والأنبياء، وفى قلوبهم وحدهم مسؤولية هذه الدعوة، وهداية الناس.
• كراهيتهم للُّغة العربية، لغة القرآن، وأهل الجنة، وهي أم اللغات وأجملها، وتفضيلهم اللغات الأجنبية عليها، وحرصهم على تعليم أولادهم من الرَّوضة حتى الجامعة لغات الغرب، بينما لا تحوز لغة القرآن والسنة هذا القدر من اهتمامهم.
• كراهيتهم للتاريخ الهجري الذي ترتبط به كل عبادات المسلمين: من الصيام، والزكاة، والحج، والكفارات، وسائر أيام الله تعالى، والمناسبات الإسلامية، وغزوات الرسول صلى الله عليه وسلم، وفتوحات الإسلام، وتفضيلهم التاريخ الميلادي الصليبي الوثني عليه.
• كراهية ما فيه رضوان الله عز وجل، واتباع ما فيه سخط الله تعالى.
• كراهيتهم للاقتصاد الإسلامي الخالي من الربا، وتمسُّكهم بالربا ومعاملاته، ودفاعهم عنه دفاع المستميت.
• اعتبارهم التمسُّك بالإسلام تشدُّدًا وإرهابًا، والتفريط فيه وسطية واعتدالًا. يقولون: ﴿ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ ﴾ [الأنفال: 49].
• دينهم المصلحة: ﴿ وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ ﴾ [النور: 49].
• يفضِّلون الدنيا على الآخرة، وحياتهم إلى المادية أسرع.
• معروفون بلحن القول: ﴿ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ﴾ [محمد: 30].
[1] أخرجه البخاري: ك: مناقب الأنصار، ب: حب الأنصار من الإيمان، (3783)، وبمعناه في مسلم: ك: الإيمان، ب: الدليل على أن حب الأنصار وعلي من الإيمان، (74).
[2] أخرجه البخاري: ك: الإيمان، ب: علامة الإيمان حب الأنصار، ح (17)، ومسلم: ك: الإيمان، ب: الدليل على أن حب الأنصار وعلي من الإيمان، ح (74).
[3] أخرجه مسلم: ك: الإيمان، ب: الدليل على أن حب الأنصار وعليٍّ من الإيمان (78).
[4] صفة النفاق وذم المنافقين للفريابي، رقم (92)، ص (130).
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم