بعض فضائل شهر شعبان ونعمة الأمن والأمان

عبد الله بن عبد الرحمن البعيجان

2022-03-18 - 1443/08/15 2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/من فضل الله أن جعل مواسم للخيرات والرحمات 2/شعبان موسم خيرات وتوطئة لشهر الرحمات 3/فضيلة الإكثار من الصيام في شهر شعبان 4/الغفلة داء عضال يجب الحذر منه 5/بعض مظاهر استعداد المسلم لشهر رمضان 6/بعض الأحكام الفقهية المتعلقة بالصيام 7/الحكمة من فرض الله الحدود والقصاص

اقتباس

شعبانُ موسمٌ مباركٌ من مواسم الطاعات، ونفحةٌ من النفحات، فأكثِروا فيه من القُرُبات، وتخفَّفُوا من أثقال التبعات، وتوبوا من مقارَفة المعاصي والسيئات، شعبانُ توطئة لشهر رمضان، شهر الصيام والقيام؛ فهو مقدمة لركن من أركان الإسلام، وهو من رمضان بمثابة السنن الرواتب من الفرائض...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الذي جعل لمن تاب إليه سبيلًا، ولمن أناب إليه مستقرًّا وأحسن مَقِيلًا، ولمن نشأ في عبادته ظلًّا ظليلًا؛ (فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا)[الْمُزَّمِّلِ: 19]، أشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، تعظيمًا وتبجيلًا، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، وكفى به إمامًا ودليلًا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعدُ: فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وأوثقُ العُرَى كلمةُ التقوى، وخيرُ المللِ ملةُ إبراهيمَ، وأحسنُ القصصِ كلامُ اللهِ، وأفضلُ الهديِ هديُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النار.

 

ثم اعلموا أنَّ طاعة الله خيرُ مَغنَم ومَكسَب، ورضاه خيرُ ربحٍ ومطلَبٍ، والجنةُ حُفَّت بالمكاره، وحُفَّت النارُ بالشهوات؛ (وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)[آلِ عِمْرَانَ: 185].

 

أيها الناس: إنَّ مِنْ نِعَم الله وفضلِه ومِنَحِه وعطائه، أن شرع لعباده مواسم للخير والطاعات، وضاعَف لهم فيها الثواب والأجر على العبادات، وحثَّهم على اغتنام الفرص وإعمال الأوقات، والتعرض للنفحات، والمسارَعة إلى الطاعات؛ (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ)[الْمَائِدَةِ: 48]، (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ)[آلِ عِمْرَانَ: 133]، فعن محمد بن مسلمة الأنصاري -رضي الله عنه- قال: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن لربِّكم -عزَّ وجلَّ- في أيام دهركم نفحات فتعرَّضوا لها؛ لعلَّ أحدَكم أن تُصِيبَه منها نفحةٌ لا يَشقى بعدَها أبدًا"(رواه الطبراني).

 

عبادَ اللهِ: شعبانُ موسمٌ مباركٌ من مواسم الطاعات، ونفحةٌ من النفحات، فأكثِروا فيه من القُرُبات، وتخفَّفُوا من أثقال التبعات، وتوبوا من مقارَفة المعاصي والسيئات، شعبانُ توطئة لشهر رمضان، شهر الصيام والقيام؛ فهو مقدمة لركن من أركان الإسلام، وهو من رمضان بمثابة السنن الرواتب من الفرائض، تَجبُر الخللَ، وتُكمِل النقصَ، شعبانُ شهرُ الاستعداد والتأهب وتدريب النفوس، وتمرين الأبدان، وإصلاح القلوب، فالارتياض يُخفِّف المشقةَ، ويَزِيد من النشاط والقوة، ويُعِين على تذوُّق حلاوة الطاعة ولذَّتِها؛ فالاجتهاد في شهر شعبان هو سبيلٌ مُعِينٌ على الاجتهاد في رمضان.

 

أيها الناسُ: شعبان شهر تُرفَع فيه الأعمال إلى الله، فاحرِصوا عليها قبلَ أن تُرفَع إليه، وأكثِروا من الطاعات، وعليكم بالصيام؛ فعن أسامة بن زيد -رضي الله عنه- قال: "لَمْ يَكُنْ ‌يَصُومُ ‌مِنْ ‌شَهْرٍ ‌مِنَ الشُّهُورِ ‌مَا ‌يَصُومُ ‌مِنْ ‌شَعْبَانَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ تَصُومُ لَا تَكَادُ أَنْ تُفْطِرَ، وَتُفْطِرَ حَتَّى لَا تَكَادَ أَنْ تَصُومَ، إِلَاّ يَوْمَيْنِ، إِنْ دَخَلَا فِي صِيَامِكَ، وَإِلَّا صُمْتَهُمَا. قَالَ: أَيُّ يَوْمَيْنِ؟ قَالَ: قُلْتُ: يَوْمُ الاثْنَيْنِ، وَيَوْمُ الْخَمِيسِ، قَالَ: ذَانِكَ يَوْمَانِ تُعْرَضُ فِيهِمَا الأَعْمَالُ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ، قَالَ: قُلْتُ: وَلَمْ أَرَكَ تَصُومُ مِنْ شَهْرٍ مِنَ الشُّهُورِ، مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ. قَالَ: ذَاكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ، بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ"(رواه أحمد والنَّسائي).

 

وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "مَا ‌رَأَيْتُ ‌النَّبِيَّ ‌-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ‌فِي ‌شَهْرٍ ‌أَكْثَرَ ‌صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ، كَانَ يَصُومُهُ إِلَّا قَلِيلًا، بَلْ كَانَ يَصُومُهُ كُلَّهُ"(رواه مسلم).

 

عبادَ اللهِ: إن الغفلة تقطع الصلةَ بين العبد وربه، فلا يشعر بإثمه، ولا يُقلِع عن وِزرِه، ولا يتوب من ذَنْبِه، يُبصِر فلا يَعتَبِر، ويُوعَظ فلا ينزجر، ويُذكَّر فلا يَدَّكِر، وقد رغَّب رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- في صيام شعبان لغفلة كثير من الناس عنه فقال: "ذَاكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ، بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ".

 

أيها الناسُ: استعِدُّوا لشهر رمضان؛ فإنه شهر طاعة وعبادة، يتطلب استقبالُه تنظيمَ الوقت، وتهيئةَ النفس، والإخلاصَ والعزمَ على الوفاء بحقه وصيانته، والدعاء بإدراكه وتقبله، وإن من أهم يستعان به على استقبال الطاعات التوبة والإنابة إلى الله، والتخلص من الحقوق والتبعات، والابتعاد عن الشبه والشهوات، والاستغفار من الذنوب والخطيئات.

 

ومن أهم ما يُستعان به أيضا على استقبال رمضان، التمرُّن على الطاعة؛ فالنفس تحتاج إلى رياضة وتدرُّج ومقدِّمات، وإلى سُلَّم ومُمهِّدات، فإن عدم التدرج قد يُسبِّب الفتورَ وجُمَوحَ النفس، ويَحرِم من لذة العبادة، وربما لا يستطيع المرءُ المواظبةَ والمداومةَ، فيفوته بذلك خيرٌ كثيرٌ.

 

معاشرَ المسلمينَ: ومَنْ كان عليه قضاء من رمضان الماضي فليبادر بصومه قبل انتهاء شعبان، ولا يجوز له التأخير عن ذلك من غير عذر؛ فاستبِقوا وسارِعوا وبادِروا بالواجبات، وفِعْل الطاعات لعلكم تُرحَمون.

 

بارَك اللهُ لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذِّكر الحكيم، أقول ما تسمعونَ، وأستغفِر اللهَ فاستغفِروه، إنَّه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله الذي فرَض شرعه وفصَّل حكمَه، وأنفذ قضاءه وأرسل رسله بالبينات، وأنزل معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط.

 

أيها الناس: إن الأمن والاستقرار ووحدة المسلمين منوط بالعدل وتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، وقد شرَع اللهُ القصاصَ والحدودَ، لحفظ وصيانة الدِّين والعقل والعِرْض والنفس والمال، فهي رحمةٌ أثرُها عظيمٌ في صلاح الأمة واستقرارها وانتظام حياتها، ورَدْعٌ للمجرمينَ، وكفّ ظلمهم وعدوانهم، فتطبيق الحدود رحمة بالجميع؛ لأنها تقي الأمة والمجتمع شر الأشرار، وتضمن لهم الاستقرار، ومتى ما تعطل تنفيذ حكم الله في الناس اختل الأمن والاستقرار وانتشرت الجرائم والظلم والفساد، وقامت الفوضى، وشبت الفتن، وضاعت الحقوق، وهتكت الأعراض، ونهبت الأموال، وكثر الهرج.

 

عبادَ اللهِ: إن نظام المملكة العربية السعودية حريص على تطبيق الشريعة الإسلاميَّة وتوطيد دعائم الأمن والاستقرار، والذَّبّ عن الحِمَى وإرساء قِيَم العدل، ومحارَبة الإرهاب والفكر الضالّ، وتبذُل كلَّ الجهود في سبيل أمن واستقرار المواطنينَ والمقيمينَ، ولا تَقبَل أيَّ مساوَمة تتعلَّق بالمساس بالأمن والاستقرار، حفظ الله هذه البلاد بحفظه، وكلأها برعايته، وحماها من شر الأشرار وكيد الفجار، ووفق ولاتها لكل خير، اللهم اجعلها آمنة مطمئنَّة، وسائرَ بلاد المسلمين.

 

اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وانصر عبادك الموحِّدينَ، اللهم انصُرْ دينَكَ وكتابَكَ وسُنَّةَ نبيِّكَ محمد -صلى الله عليه وسلم-، اللهم آتِنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وَقِنَا عذابَ النار، اللهم وفِّق وليَّ أمرنا خادمَ الحرمينِ الشريفينِ بتوفيقِكَ، وأيِّده بتأييدِكَ، اللهم وفِّقه ووليَّ عهدِه لما تحبُّ وترضى، يا سميعَ الدعاءِ، اللهم اجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًّا، وسائرَ بلاد المسلمين، برحمتِكَ يا أرحمَ الراحمينَ، اللهم احفظ حدودَنا، وانصر جنودَنا المرابطينَ، يا قويُّ يا عزيزُ، اللهم آتِ نفوسَنا تقواها، وزكِّها أنتَ خيرُ مَنْ زكَّاها، أنتَ وليُّها ومولاها. عبادَ اللهِ: اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم؛ (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 45].

 

وصلُّوا وسلِّموا -رحمكم الله- على مَنْ أمرَكم اللهُ بالصلاة والسلام عليه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].

 

اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ، كما صليتَ على آلِ إبراهيمَ، وبارِكْ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ، كما باركتَ على آل إبراهيمَ، إنكَ حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدينَ، الأئمة المهديينَ؛ أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ، وعن سائر الصحابة أجمعينَ، ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ، وعنَّا معهم برحمتكَ يا أرحمَ الراحمينَ.

 

 

المرفقات

بعض فضائل شهر شعبان ونعمة الأمن والأمان.pdf

بعض فضائل شهر شعبان ونعمة الأمن والأمان.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات